الفنون الشعبية
ظهر مصطلح الفنّ الشعبي حديثاً ليدلّ على الإنتاج البديع الذي تمارسه العامة من الشعب، صادراً عن وجدانها، ومعبّراً عن ميراثها الثقافي والفني والاجتماعي. ومازال هذا المصطلح شاملاً الأدب والموسيقى والرقص والفنون التشكيليّة والصناعات الشعبية المختلفة، ولكنّه بدا غالباً أكثر التصاقاً بفعاليات الرسم والنحت والنقش والتلوين والزخرفة، على مطارح معمارية أو على الأثاث أو الأزياء.
وعلى الرغم من استقلال الأدب والموسيقى والرقص الشعبي، فقد تدخلت الرسوم الشعبية، في تزويق الآلات الموسيقية وتصميم الملابس ومشاهد الرقص. كما أن موضوعات هذه الرسوم تضمنت إشارات للرقص والآلات الموسيقية، وأشكال الملابس وزخارفها.
ومنذ العصر الحجري جنح الإنسان القديم إلى إضفاء طابع جمالي على بيئته المعيشية في الكهوف، وعلى أدواته الاستعمالية البدائية، وذلك بإبداع تشكيلات وألوان تساعد الذائقة البصرية على استحسان الواقع الذي يعيشه، والوسائل التي يستعملها الإنسان وتنفعه.
وفي عصور التاريخ ابتدأ هذا الفن الشعبي بتزيين الجسم الإنساني عن طريق الوشم[ر] أو التلوين، وتزيين النصب العقائدية الطوطم، ثمَّ انتقلت إلى تزيين العمارة والأثاث والثياب.
كانت محاولات الإنسان الفنية تلقائية تتصف بالعفوية والرمزية والتزويقية، وكانت هذه المحاولات مقدمة لإبداع الفن المحض الذي تخلى عن المنفعة واستقل عن الأشياء الاستعمالية وصار قائماً بذاته. ولكن هذه التوطئة مازالت سارية معلنة استمرار الفن الشعبي في جميع عصور التاريخ، وازداد انتشارها مع تطور الوسائل الخزفية والمعدنية والخشبية. أو بقيت راسخة تقليدية في المجتمعات القديمة، كما في إفريقيا وأستراليا، متجنبة التأثر بقواعد الفن المحض.
ولابدّ من الإشارة إلى أن الفنون القديمة في الهند والمكسيك مثلاً ابتدأت شعبية ثم حملت طابع الأصالة في الفن الحديث، وكذلك شأن الفن المسيحي البيزنطي والرومي والقوطي، والفنون الإسلامية التي مازالت معبِّرة عن الوجدان الشعبي والديني، حتى إنه لا يُرى تمييز واضح بينها وبين مفهوم الفن المحض، في جميع المصادر التاريخية الفنية.
يعتمد الفن الشعبي على البساطة والسهولة والتقشف. وتبدو البساطة في محاولة تحاشي التعقيد والتدقيق بالتفاصيل وعدم التقيد بالقواعد المتمثلة بالبعد الثالث والمنظور والنسب.
تتجلى السهولة في تنفيذ هذه الفنون بالترميز والتخطيط الأولي لتمثيل الشخوص والأشياء والنباتات، مع محاولة تحقيق التوازن والتناسق. ويسعى الفنان الشعبي إلى التقشف في استعمال الخامات الرخيصة والمتاحة، كالحجر والطين والخشب، وإلى استغلال العمارة والأثاث كمطارح لهذا الفن. وقد استعمل أيضاً الورق والبردي والجلد، واستفاد من الألوان المتاحة في الطبيعة كعصارات النباتات والأتربة والجص والمواد الدهنية، فاستخرج اللون الأبيض من مسحوق الحجر الكلسي، واللون الأزرق من مسحوق الفحم النباتي، والأسود من الهباب، كما استغلَّ الأكاسيد المعدنية للحصول على الألوان الأخرى. وكان يقوم بتحضيرها مستعيناً بمح البيض لتثبيتها، ويصنع الفراشي من شعر الحيوانات والطيور وسعف النخيل.
موضوعات الفن الشعبي متعددة؛ بعضها يتعلّق بحدث شعبي كالاحتفال بالأعياد والأفراح، وبعضها رمزي، فهو يصوّر النخيل تعبيراً عن تعلقه بالخصب الزراعي، ويرسم الأسد تعبيراً عن قوته وبأسه، ويرسم السيف دالاً على بطولته وسلطانه وانتصاراته، وكثيراً ما كان يرسم صيغاً تعبر عن الحرز والخوف من الشر والمصيبة، ويرمز إلى ذلك برسم الكف المفتوح أو رسم العين الزرقاء، كما يرسم السمكة رغبة بالتكاثر والتناسل والفخر به، وكان الطير الأخضر رمزاً للخير. وهذه الرموز مشتركة وشائعة منذ القديم تُرى في مصر وبلاد الرافدين، بل في أوربا أيضاً، ومازال الطاووس رمزاً للحظ السعيد، والزهور رمزاً للمحبة والمودة، وتفاحة حواء رمزاً للإغراء، وكان لرسم الحيوانات دلالات مختلفة.
تهيمن الموضوعات التاريخية والأسطورية والحكايا على الفنون الشعبية لدلالاتها ومغزاها، فهي تعبر عن الشجاعة والنصر وتخطي المستحيل، أو تعبر عن الشهامة والفضيلة.
تأثرّ الفن الشعبي بقوة بالعقائد الدينية والرموز مثل رسم الكعبة المشرّفة والبراق والملائكة، وفي الدين المسيحي يبدو الفن الأيقوني[ر] أبرز الفنون الشعبية وأكثرها انتشاراً في الكنائس والأديرة وفي البيوت بوصفها فناً وحرزاً.
وانتشر فن صناعة شخوص خيال الظل[ر] من الجلود الملونة، وهو تقليد فني قديم انتشر في جميع أنحاء العالم، كفن شعبي مؤثر وجذاب، وتمثل شخوصه قصصاً شعبية فكاهية وبأسلوب تهكمي هزلي.
وثمة صور تمثلت على رقاع ملصقة في الأماكن العامة، حيث الرواة (والحكواتيّة) وهي تمثل أحداثاً تاريخية أو أسطورية، مثل سيرة بني هلال والزير سالم وعنتر وعبلة والظاهر بيبرس. وإلى جانب هذه الرسوم التشخيصية[ر]، كانت رسوم هندسية مجردة تعبر عن دلالات سحرية، أو طلسمية، تُشاهد في صيغ الوشم والسجاد والرقش العربي[ر] الذي مثّل مفاهيم توحيدية.
وللألوان دلالات خاصة تختلف بحسب البيئات الاجتماعية.
تكاد الفنون الشعبية أن تكون موحدة في جميع أنحاء العالم، مادامت من صنع الإنسان العادي البعيد عن المؤثّرات المدنيّة. ولا تختلف مواصفات هذه الفنون إلا باختلاف العقائد والعادات والتاريخ والأساطير، وتتوحد باستعمال تقانات مشابهة. وترجع تلك الأواصر إلى تقارب العواطف والطموحات الشعبية وتماثل التطلعات الاجتماعية في ظروفها الفطرية الطفولية.
عفيف البهنسي
ظهر مصطلح الفنّ الشعبي حديثاً ليدلّ على الإنتاج البديع الذي تمارسه العامة من الشعب، صادراً عن وجدانها، ومعبّراً عن ميراثها الثقافي والفني والاجتماعي. ومازال هذا المصطلح شاملاً الأدب والموسيقى والرقص والفنون التشكيليّة والصناعات الشعبية المختلفة، ولكنّه بدا غالباً أكثر التصاقاً بفعاليات الرسم والنحت والنقش والتلوين والزخرفة، على مطارح معمارية أو على الأثاث أو الأزياء.
وعلى الرغم من استقلال الأدب والموسيقى والرقص الشعبي، فقد تدخلت الرسوم الشعبية، في تزويق الآلات الموسيقية وتصميم الملابس ومشاهد الرقص. كما أن موضوعات هذه الرسوم تضمنت إشارات للرقص والآلات الموسيقية، وأشكال الملابس وزخارفها.
ومنذ العصر الحجري جنح الإنسان القديم إلى إضفاء طابع جمالي على بيئته المعيشية في الكهوف، وعلى أدواته الاستعمالية البدائية، وذلك بإبداع تشكيلات وألوان تساعد الذائقة البصرية على استحسان الواقع الذي يعيشه، والوسائل التي يستعملها الإنسان وتنفعه.
وفي عصور التاريخ ابتدأ هذا الفن الشعبي بتزيين الجسم الإنساني عن طريق الوشم[ر] أو التلوين، وتزيين النصب العقائدية الطوطم، ثمَّ انتقلت إلى تزيين العمارة والأثاث والثياب.
كانت محاولات الإنسان الفنية تلقائية تتصف بالعفوية والرمزية والتزويقية، وكانت هذه المحاولات مقدمة لإبداع الفن المحض الذي تخلى عن المنفعة واستقل عن الأشياء الاستعمالية وصار قائماً بذاته. ولكن هذه التوطئة مازالت سارية معلنة استمرار الفن الشعبي في جميع عصور التاريخ، وازداد انتشارها مع تطور الوسائل الخزفية والمعدنية والخشبية. أو بقيت راسخة تقليدية في المجتمعات القديمة، كما في إفريقيا وأستراليا، متجنبة التأثر بقواعد الفن المحض.
ولابدّ من الإشارة إلى أن الفنون القديمة في الهند والمكسيك مثلاً ابتدأت شعبية ثم حملت طابع الأصالة في الفن الحديث، وكذلك شأن الفن المسيحي البيزنطي والرومي والقوطي، والفنون الإسلامية التي مازالت معبِّرة عن الوجدان الشعبي والديني، حتى إنه لا يُرى تمييز واضح بينها وبين مفهوم الفن المحض، في جميع المصادر التاريخية الفنية.
يعتمد الفن الشعبي على البساطة والسهولة والتقشف. وتبدو البساطة في محاولة تحاشي التعقيد والتدقيق بالتفاصيل وعدم التقيد بالقواعد المتمثلة بالبعد الثالث والمنظور والنسب.
تتجلى السهولة في تنفيذ هذه الفنون بالترميز والتخطيط الأولي لتمثيل الشخوص والأشياء والنباتات، مع محاولة تحقيق التوازن والتناسق. ويسعى الفنان الشعبي إلى التقشف في استعمال الخامات الرخيصة والمتاحة، كالحجر والطين والخشب، وإلى استغلال العمارة والأثاث كمطارح لهذا الفن. وقد استعمل أيضاً الورق والبردي والجلد، واستفاد من الألوان المتاحة في الطبيعة كعصارات النباتات والأتربة والجص والمواد الدهنية، فاستخرج اللون الأبيض من مسحوق الحجر الكلسي، واللون الأزرق من مسحوق الفحم النباتي، والأسود من الهباب، كما استغلَّ الأكاسيد المعدنية للحصول على الألوان الأخرى. وكان يقوم بتحضيرها مستعيناً بمح البيض لتثبيتها، ويصنع الفراشي من شعر الحيوانات والطيور وسعف النخيل.
موضوعات الفن الشعبي متعددة؛ بعضها يتعلّق بحدث شعبي كالاحتفال بالأعياد والأفراح، وبعضها رمزي، فهو يصوّر النخيل تعبيراً عن تعلقه بالخصب الزراعي، ويرسم الأسد تعبيراً عن قوته وبأسه، ويرسم السيف دالاً على بطولته وسلطانه وانتصاراته، وكثيراً ما كان يرسم صيغاً تعبر عن الحرز والخوف من الشر والمصيبة، ويرمز إلى ذلك برسم الكف المفتوح أو رسم العين الزرقاء، كما يرسم السمكة رغبة بالتكاثر والتناسل والفخر به، وكان الطير الأخضر رمزاً للخير. وهذه الرموز مشتركة وشائعة منذ القديم تُرى في مصر وبلاد الرافدين، بل في أوربا أيضاً، ومازال الطاووس رمزاً للحظ السعيد، والزهور رمزاً للمحبة والمودة، وتفاحة حواء رمزاً للإغراء، وكان لرسم الحيوانات دلالات مختلفة.
تهيمن الموضوعات التاريخية والأسطورية والحكايا على الفنون الشعبية لدلالاتها ومغزاها، فهي تعبر عن الشجاعة والنصر وتخطي المستحيل، أو تعبر عن الشهامة والفضيلة.
تأثرّ الفن الشعبي بقوة بالعقائد الدينية والرموز مثل رسم الكعبة المشرّفة والبراق والملائكة، وفي الدين المسيحي يبدو الفن الأيقوني[ر] أبرز الفنون الشعبية وأكثرها انتشاراً في الكنائس والأديرة وفي البيوت بوصفها فناً وحرزاً.
وانتشر فن صناعة شخوص خيال الظل[ر] من الجلود الملونة، وهو تقليد فني قديم انتشر في جميع أنحاء العالم، كفن شعبي مؤثر وجذاب، وتمثل شخوصه قصصاً شعبية فكاهية وبأسلوب تهكمي هزلي.
وثمة صور تمثلت على رقاع ملصقة في الأماكن العامة، حيث الرواة (والحكواتيّة) وهي تمثل أحداثاً تاريخية أو أسطورية، مثل سيرة بني هلال والزير سالم وعنتر وعبلة والظاهر بيبرس. وإلى جانب هذه الرسوم التشخيصية[ر]، كانت رسوم هندسية مجردة تعبر عن دلالات سحرية، أو طلسمية، تُشاهد في صيغ الوشم والسجاد والرقش العربي[ر] الذي مثّل مفاهيم توحيدية.
وللألوان دلالات خاصة تختلف بحسب البيئات الاجتماعية.
تكاد الفنون الشعبية أن تكون موحدة في جميع أنحاء العالم، مادامت من صنع الإنسان العادي البعيد عن المؤثّرات المدنيّة. ولا تختلف مواصفات هذه الفنون إلا باختلاف العقائد والعادات والتاريخ والأساطير، وتتوحد باستعمال تقانات مشابهة. وترجع تلك الأواصر إلى تقارب العواطف والطموحات الشعبية وتماثل التطلعات الاجتماعية في ظروفها الفطرية الطفولية.
عفيف البهنسي