الفلزات والفحوم (تركيز ـ)
الفلز mineral عنصر أو مركب كيميائي بلوري البنية على الأغلب، تشكَل نتيجة عمليات جيولوجية حصراً. أما الصخور rocks، فهي مزيج فيزيائي متماسك من الفلزات.
والخام ore هو توضع طبيعي كبير نسبياً من الفلزات أو الصخور الحاوية على نسبة كافية من عنصر كيميائي أو أكثر يمكن استثمارها اقتصادياً. ويشير المكمن deposit إلى موقع توضع الخام.
يستخدم الإنسان مواد القشرة الأرضية كافة، فتصنيع الآلات يحتاج إلى المعادن وسبائكها، وتشييد الأبنية والطرقات يتطلب الرمال والحصى والحجر الكلسي والجص لتحويلها إلى إسمنت ومواد بناء، وإنتاج الحاسبات يمر عبر استخلاص بلورات السيليسيوم من الرمال وتحويلها إلى معالجات صغرية، وصناعة الحلي والمجوهرات تحتاج إلى معادن ثمينة وأحجار كريمة.
باستثناء معظم الغازات النادرة، تتواجد أكثر العناصر الكيميائية من الهيدروجين إلى اليورانيوم في القشرة الأرضية وفي متناول الإنسان عن طريق هندسة المناجم. وباستثناء الماء والغاز الطبيعي والنفط وبعض العناصر الثمينة، توجد العناصر على شكل فلزات وصخور مختلفة التركيز بتلك العناصر.
وفي حين تستثمر بعض الخامات من دون معالجات إضافية مهمة ومكلفة، كما هي حال الحجارة الكريمة والرمال والحصى وملح الطعام، فإن معظم الخامات تتطلب معالجات أساسية قبل استثمارها. وإذا كان استخلاص الحديد ميسراً من فلزات أكاسيده مثل الهيماتيت Fe2O3 أو الماغنيتيت Fe3O4 أو الليمونيت Fe(OH)2، فإن هذه العملية تعدُّ غير اقتصادية على فلزات الأوليفين (Fe, Mg)2SiO4 أو البيروكسين (Mg, Fe)2Si2O6 لأن الحديد فيها يرتبط كيميائياً مع السيليسيوم والأكسجين. ومع أن الألمنيوم يُصنَّف في المرتبة الثالثة من حيث وفرة فلزاته في الأرض، فإن تعدينه يعتمد على خامات الجبسيت Al(OH)3 وليس الفلدسبار (Na,K)AlSi3O8، كما أن إعادة تعدين الألمنيوم المستعمل ينافس اقتصادياً تعدينه من فلزاته.
يتوقف استثمار خام معين على عدد من العوامل أبرزها:
ـ درجة غنى الخام بالعناصر المعدنية، أي نسبة تركيز هذه العناصر فيه. وتختلف نسبة التركيز القابلة للاستثمار من عنصر إلى آخر. فخام الحديد لا يستثمر عموماً إذا كان يحتوي على أقل من 30% من الحديد، وهذه هي إحدى أهم مشكلات استثمار خام الحديد في سورية. وبالمقابل، يستثمر خام اليورانيوم بتراكيز تقل أحياناً عن 1%. وتجدر الإشارة إلى أن قيم هذه التراكيز ليست مطلقة، وإنما تخضع لاعتبارات فنية واقتصادية وسياسية.
ـ إمكانيات التركيز (الإغناء) الفيزيائي للخام وسهولة معالجته كيميائياً.
ـ شروط الاستخراج الجغرافية والإقليمية، وتكاليف اليد العاملة والنقل والمعالجة في المكمن.
بناءً على ما تقدم، تتعلق قابلية استثمار مكمن معين بالمعطيات الاقتصادية والتقانية الراهنة في محيطه الاقتصادي. ومن الممكن أن يصبح مكمن قابلاً للاستثمار في زمن محدد، بعد أن كان غير قابل للاستثمار لأسباب اقتصادية أو فنية. ولما كانت قابلية الاستثمار ترتبط بتكاليف الاستخراج واليد العاملة والطاقة التي تتغير مع الزمان والمكان، فإن قابلية الاستثمار تتعلق مباشرة بمتغيري الزمان والمكان.
وعموماً، تزداد اقتصادية الخام بزيادة تركيز المادة المرغوبة فيه، وتوضعه فلزاً طبيعياً يسمح اقتصادياً باستخراج مادة مفيدة أو أكثر منه. وبهذا المعنى، يصبح الخام تعبيراً اقتصادياً أكثر منه فلزياً. يتألف الخام من فلز العنصر المرغوب فيه والشوائب gangue التي تشتمل على فلزات أخرى غير مرغوب فيها. ولما كانت الاعتبارات الاقتصادية وتركيز العناصر المرغوب فيها تتحكم بتصنيف الخام وتحدد عائدية استثماره، فإن إمكانيات تركيز الخامات concentration تكتسب أهمية كبيرة اقتصادياً وتقانياً.
طرائق استخلاص الفلزات وتخليصها من الشوائب
تهدف عمليات تركيز الفلزات إلى زيادة نسبة العناصر المفيدة القابلة للتعدين فيها، وذلك بفصل الفلزات المفيدة عن الشوائب أو عن الصخور الحاملة، وفصل الفلزات المفيدة بعضها عن بعض. يشمل التركيز العمليات الفيزيائية والكيميائية كافة التي تسهم في إغناء الخامات بالعناصر التعدينية فيها. يتطلب تحديد عمليات التركيز المناسبة وشروط تنفيذها القيام مسبقاً بدراسة شاملة ومعمقة للخام. وتهدف هذه الدراسة إلى الحصول على المعطيات الفيزيائية والكيميائية التي تسمح بتقدير قيمة الخام وإمكانيات إغنائه، وخاصة:
ـ التحليل الكيميائي الكامل للخام من أجل تحديد نسبة عناصره.
ـ التحليل الفلزي للخام من أجل تحديد نسبة فلزاته.
ـ توصيف توزع الأطوار الفيزيائية والكيميائية في الخام، ولاسيما توزع حجم الحبيبات وشكلها من أجل تحديد منهجية الإغناء الفيزيائي.
ـ تفحص المعالجات الكيميائية الممكنة.
تنطلق مراحل التركيز من عملية تحرير الفلزات المفيدة من فلزات الشوائب أو من الصخور الحاملة وتحرير الفلزات المفيدة بعضها من بعض. ويتحرر الفلز عندما يتم طحن الخام إلى درجة يصبح فيها مؤلفاً من حبيبات من هذا الفلز وأخرى من الشوائب، علماً أنه يبقى دائماً حبيبات مختلطة. ينتج من ذلك أن تحرير الفلز يتناسب مع نعومة الطحن التي يجب أن تتلاءم مع عمليات التركيز اللاحقة.
تنقسم عمليات التركيز الفيزيائية إلى قسمين:
ـ المعالجات الأولية: الفرز، التكسير، الطحن، التصنيف الحبيبي.
ـ المعالجات الفيزيائية: بتوظيف ظاهرة فيزيائية تؤدي إلى تعريض حبيبات الفلز لقوى مؤثرة مختلفة عن تلك التي تؤثر في حبيبات الخام. تستند المعالجات الفيزيائية إلى الظواهر التالية: الكثافة أو الجاذبية، القوى السطحية، المغنطيسية والكهرباء الساكنة.
تتم المعالجات الفيزيائية في منشآت تنتج الفلزات المركزة concentrates التي ترسل إلى مصانع التعدين والمخلفات غير المفيدة التي تبقى في مكانها.
أ - المعالجات الفيزيائية الأولية
- الفرز: يتم، بعد استخراج الخام من المنجم، إزالة واستبعاد القطع الواضحة من الشوائب أو الأجسام الغريبة.
- التكسير والطحن: تهدف هذه العملية إلى تحرير المكونات الفلزية للخام وإكسابها نعومة تتلاءم مع المعالجات الفيزيائية الخاصة. يتم ذلك عبر مرحلتين: التكسير الخشن والطحن الناعم. تستخدم لهذا الغرض كسارات فكية أو كسارات ذات مطارق أو ذات أسطوانات أو مخروطية (الأشكال 1 و2 و3). ومن أجل الطحن، تستخدم مطاحن ذات كرات أو مطاحن ذات قضبان دوارة. ومن المعروف أن هاتين المرحلتين تستهلكان كمية مهمة من الطاقة.
- التصنيف الحبيبي: تتم هذه العملية مباشرة بالغرابيل والمناخل المختلفة، أو بشكل غير مباشر في وسط متحرك من الماء أو الهواء، حيث تتعلق سرعة حركة الحبيبات المختلفة بحجمها وشكلها وكثافتها وسرعة حركة الوسط واتجاهها. يؤدي التصنيف الحبيبي إلى استنتاج منحني التوزع الحبيبي بدلالة أبعاد الحبيبات، ويمكن التحقق من هذا التوزع بطرائق مخبرية مثل التنخيل الدقيق والترسيب وغيرها.
ب - المعالجات الفيزيائية
تسعى هذه المعالجات إلى تركيز (إغناء) الفلز باستبعاد الشوائب، وتعتمد هذه العمليات على فروقات الخواص الفيزيائية بين الأطوار المختلفة في الخام من دون استخدام أي مركب كيميائي يغير من طبيعتها الكيميائية.
الفصل الوزني gravity separation/ levitation
ترتبط سرعة حركة حبيبة صلبة ضمن وسط سائل أو غازي بحالة جريان بكثافة الحبيبة وشكلها. وفي حالة الحركة المتعاكسة للحبيبات والوسط تتمتع حبيبتا فلزين متماثلتان في الأبعاد ومختلفتان في الكثافة بسرعتين حديتين مميزتين مما يسمح بفصلهما. يتم، بعد الطحن والتصنيف، إدخال مسحوق الخام المتجانس في الأبعاد في أعلى جهاز التصنيف بشكل مماثل أو معاكس لجريان تيار من الماء. فتترسب الحبيبات العالية الكثافة أو التي تتمتع بسرعة سقوط حدية أكبر من سرعة جريان الماء وتجمع، وتنساب مع الماء الحبيبات المنخفضة الكثافة أو التي تتمتع بسرعة حدية أصغر من سرعة جريان الماء وتجمع في مكان آخر (الشكل-4).
الفصل بالتعويم flotation
تعتمد هذه الطريقة على الفرق في قابلية البلل بين الفلز المفيد والشوائب، حيث يتم تخفيض قابلية حبيبات الفلز للبلل بالماء بالنسبة لحبيبات الشوائب، وذلك باستخدام مركبات كيميائية فعالة سطحياً في مزيج الماء ومسحوق الخام. ولتحقيق الفصل، يتم ضخ الهواء في خلية التعويم لتوليد عدد كبير من فقاعات الهواء وتشكيل كمية مهمة من الزبد المستقر، حيث تتجمع حبيبات الفلز القليلة البلل على سطح فقاعات الهواء وتصعد إلى أعلى خلية التعويم حيث تجمع، على حين تترسب حبيبات الخبث في أسفل الخلية (الشكل-5).
الفصل المغنطيسي magnetic separation
عندما تخضع حبيبة صلبة لحقل مغنطيسي غير متجانس، فإنها تتعرض لقوة تتناسب مع حجمها وطواعيتها susceptibility المغنطيسية وشدة الحقل وتدرج شدته. يعتمد التصنيف المغنطيسي على فروقات الطواعية المغنطيسية بين الفلزات المزمع فصلها. ويتم هذا التصنيف على حبيبات ناعمة وجافة ومتقاربة الأبعاد وتتمتع بمغنطيسية حديدية ferromagnetic أو مغنطيسية طردية paramagnetic. في حالة الفلزات المغنطيسية الحديدية، يستخدم حقل متغير منخفض الشدة تولده تجهيزات فصل يمر فيها الخام على أسطوانة معدنية أو سير ناقل. وفي حالة الفلزات المغنطيسية الطردية، يستخدم حقل مغنطيسي قوي عالي التدرج تولده تجهيزات فصل يمر فيها الخام على سير ناقل مستمر (الشكل-6).
الفصل الكهربائي electrostatic separation
يعتمد التصنيف الكهربائي على فروقات الناقلية الكهربائية للفلزات المختلفة وعلى تعرض حبيباتها الصلبة لقوى كهربائية عند خضوعها لحقل كهربائي. يتم تمرير حبيبات الخام ضمن حقل كهربائي عالي الشدة ناتج من أسطوانة دوارة مشحونة كهربائياً، مما يؤدي إلى التصاق الحبيبات غير الناقلة على الأسطوانة وابتعاد الحبيبات الناقلة عنها. وعند استعمال آلات تصنيف ذات حقل كهربائي ضعيف، فإن الحبيبات التي تمر وفق سقوط حر في الحقل الكهربائي تبتعد عن قطب الآلة بمسافة تتعلق بناقليتها مما يسمح بفصلها بعضها عن بعض.
ويبين الشكل (7) مخطط التسلسل العام لعمليات تركيز الفلزات.
تخليص الفحوم من الشوائب
تعرف الفحوم، على أنها «كل شكل صلب أسود اللون لعنصر الكربون ولو شابته بعض الشوائب الغريبة». يؤدي هذا التعريف إلى استبعاد بعض الأشكال الطبيعية من الكربون لأنها تحتوي نسبة عالية من الشوائب.
ومن حيث البلورات، يوجد الكربون في الطبيعة على شكلين بلوريين مختلفين تماماً في الصفات الفيزيائية: الألماس[ر] والغرافيت. يتمتع الألماس ببنية مكعبة متمركزة الوجوه مع أربع ذرات كربون ضمن المكعب تشغل أربعة مواقع رباعية الوجوه. وتضفي هذه البنية على الألماس خواص مميزة من حيث القساوة والاستقرار الكيميائي والحراري والعازلية الكهربائية والجمالية التي تضعه في مصاف أرقى الجواهر[ر]. أما الغرافيت، فهو يتمتع ببنية سداسية طبقية تفسر أيضاً خواصه المميزة ولاسيما انحفاض كثافته وقساوته وسهولة انفصامه إلى صفيحات وملمسه الدهني واستعماله مزلقاً lubricant واستقراره الكيميائي والحراري وناقليته الكهربائية.
كذلك يوجد الكربون بشكل لا بلوري amorphous ينتج من درجات تحول مختلفة للبقايا العضوية للنباتات المتراكمة عبر العصور، وتؤدي إلى أشكال الفحم الطبيعي المختلفة مثل التربة الفحمية peat، والفحم الحجري الحديث (الليغنيت) lignite، والفحم البيتوميني bituminous coal، والفحم الحجري الصلب (الأنتراسيت) anthracite. وتراوح نسبة الكربون في هذه الأشكال بين 60-90% مما يشير إلى نسبة عالية من الشوائب.
الغرافيت
يعدُّ الغرافيت أهم أشكال الفحوم الطبيعية من منظار اسـتخراج وتركيز الفلزات، ويصنف الغرافيت الطبيعي ضمن ثلاثة أشـكال: الغرافيت الندفي flake graphite، الغرافيت البلوري المتكتل lump graphite، والغرافيت اللابلوري amorphous graphite.
يعتمد تركيز الغرافيت على منهجيات تركيز الفلزات الأخرى، لكن خواصه المميزة توفر كثيراً من التسهيلات في تنفيذ عمليات التركيز. فطراوة الغرافيت تسهل عمليات التكسير والطحن، وعدم بلله بالماء تجعل طريقة التعويم متميزة في تخليصه من الشوائب والحصول على تركيز من الكربون يصل إلى نحو 98%. ومن الممكن زيادة هذه النسبة بوساطة تكرار عملية الطحن والتعويم أو المعالجة الكيميائية لإذابة الشوائب المتبقية.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أنه يمكن إغناء أشكال الفحم الطبيعي الفقيرة بعنصر الكربون باستخدام معالجات حرارية خاصة. ومن أبرز هذه المعالجات، عملية التنقية بالحرق pyrolysis التي تسمح بالتخلص من العناصر والمركبات الطيارة.
التطبيقات
يمثل تركيز الفلزات محطة أساسية في سبيل الوصول إلى المواد الأولية الصناعية والمعادن وسبائكها. فالفلزات الطبيعية تنشأ ضمن شروط جيولوجية معقدة ليست بالضرورة مثالية لتشكلها وتوضعها، ولا توفر إلا نادراً الشروط المثلى من النقاوة وتشكل البنية. وتحمل العوامل الجوية عبر العصور الجيولوجية المزيد من عمليات التحول والمزج والإشابة. لقد مهد تركيز الفلزات الطريق أمام طرائق التعدين وتطبيقاته في مختلف مناحي الحياة. وخير مؤشر على ذلك، اقتران الثورة الصناعية في مجال استخراج الفحم وتعدين الفولاذ والألمنيوم والنحاس وتطبيقاتها المتعددة بتشييد كبريات المنشآت والبنى الصناعية ووسائط النقل وشبكات الطاقة والاتصال. تصنف صناعة المناجم في المرتبة الثانية بعد الزراعة، وقد تجاوز الإنتاج العالمي السنوي من الفلزات المختلفة في نهاية القرن العشرين 10 مليار طن.
رفيع جبره
الفلز mineral عنصر أو مركب كيميائي بلوري البنية على الأغلب، تشكَل نتيجة عمليات جيولوجية حصراً. أما الصخور rocks، فهي مزيج فيزيائي متماسك من الفلزات.
والخام ore هو توضع طبيعي كبير نسبياً من الفلزات أو الصخور الحاوية على نسبة كافية من عنصر كيميائي أو أكثر يمكن استثمارها اقتصادياً. ويشير المكمن deposit إلى موقع توضع الخام.
يستخدم الإنسان مواد القشرة الأرضية كافة، فتصنيع الآلات يحتاج إلى المعادن وسبائكها، وتشييد الأبنية والطرقات يتطلب الرمال والحصى والحجر الكلسي والجص لتحويلها إلى إسمنت ومواد بناء، وإنتاج الحاسبات يمر عبر استخلاص بلورات السيليسيوم من الرمال وتحويلها إلى معالجات صغرية، وصناعة الحلي والمجوهرات تحتاج إلى معادن ثمينة وأحجار كريمة.
باستثناء معظم الغازات النادرة، تتواجد أكثر العناصر الكيميائية من الهيدروجين إلى اليورانيوم في القشرة الأرضية وفي متناول الإنسان عن طريق هندسة المناجم. وباستثناء الماء والغاز الطبيعي والنفط وبعض العناصر الثمينة، توجد العناصر على شكل فلزات وصخور مختلفة التركيز بتلك العناصر.
وفي حين تستثمر بعض الخامات من دون معالجات إضافية مهمة ومكلفة، كما هي حال الحجارة الكريمة والرمال والحصى وملح الطعام، فإن معظم الخامات تتطلب معالجات أساسية قبل استثمارها. وإذا كان استخلاص الحديد ميسراً من فلزات أكاسيده مثل الهيماتيت Fe2O3 أو الماغنيتيت Fe3O4 أو الليمونيت Fe(OH)2، فإن هذه العملية تعدُّ غير اقتصادية على فلزات الأوليفين (Fe, Mg)2SiO4 أو البيروكسين (Mg, Fe)2Si2O6 لأن الحديد فيها يرتبط كيميائياً مع السيليسيوم والأكسجين. ومع أن الألمنيوم يُصنَّف في المرتبة الثالثة من حيث وفرة فلزاته في الأرض، فإن تعدينه يعتمد على خامات الجبسيت Al(OH)3 وليس الفلدسبار (Na,K)AlSi3O8، كما أن إعادة تعدين الألمنيوم المستعمل ينافس اقتصادياً تعدينه من فلزاته.
يتوقف استثمار خام معين على عدد من العوامل أبرزها:
ـ درجة غنى الخام بالعناصر المعدنية، أي نسبة تركيز هذه العناصر فيه. وتختلف نسبة التركيز القابلة للاستثمار من عنصر إلى آخر. فخام الحديد لا يستثمر عموماً إذا كان يحتوي على أقل من 30% من الحديد، وهذه هي إحدى أهم مشكلات استثمار خام الحديد في سورية. وبالمقابل، يستثمر خام اليورانيوم بتراكيز تقل أحياناً عن 1%. وتجدر الإشارة إلى أن قيم هذه التراكيز ليست مطلقة، وإنما تخضع لاعتبارات فنية واقتصادية وسياسية.
ـ إمكانيات التركيز (الإغناء) الفيزيائي للخام وسهولة معالجته كيميائياً.
ـ شروط الاستخراج الجغرافية والإقليمية، وتكاليف اليد العاملة والنقل والمعالجة في المكمن.
بناءً على ما تقدم، تتعلق قابلية استثمار مكمن معين بالمعطيات الاقتصادية والتقانية الراهنة في محيطه الاقتصادي. ومن الممكن أن يصبح مكمن قابلاً للاستثمار في زمن محدد، بعد أن كان غير قابل للاستثمار لأسباب اقتصادية أو فنية. ولما كانت قابلية الاستثمار ترتبط بتكاليف الاستخراج واليد العاملة والطاقة التي تتغير مع الزمان والمكان، فإن قابلية الاستثمار تتعلق مباشرة بمتغيري الزمان والمكان.
وعموماً، تزداد اقتصادية الخام بزيادة تركيز المادة المرغوبة فيه، وتوضعه فلزاً طبيعياً يسمح اقتصادياً باستخراج مادة مفيدة أو أكثر منه. وبهذا المعنى، يصبح الخام تعبيراً اقتصادياً أكثر منه فلزياً. يتألف الخام من فلز العنصر المرغوب فيه والشوائب gangue التي تشتمل على فلزات أخرى غير مرغوب فيها. ولما كانت الاعتبارات الاقتصادية وتركيز العناصر المرغوب فيها تتحكم بتصنيف الخام وتحدد عائدية استثماره، فإن إمكانيات تركيز الخامات concentration تكتسب أهمية كبيرة اقتصادياً وتقانياً.
طرائق استخلاص الفلزات وتخليصها من الشوائب
تهدف عمليات تركيز الفلزات إلى زيادة نسبة العناصر المفيدة القابلة للتعدين فيها، وذلك بفصل الفلزات المفيدة عن الشوائب أو عن الصخور الحاملة، وفصل الفلزات المفيدة بعضها عن بعض. يشمل التركيز العمليات الفيزيائية والكيميائية كافة التي تسهم في إغناء الخامات بالعناصر التعدينية فيها. يتطلب تحديد عمليات التركيز المناسبة وشروط تنفيذها القيام مسبقاً بدراسة شاملة ومعمقة للخام. وتهدف هذه الدراسة إلى الحصول على المعطيات الفيزيائية والكيميائية التي تسمح بتقدير قيمة الخام وإمكانيات إغنائه، وخاصة:
ـ التحليل الكيميائي الكامل للخام من أجل تحديد نسبة عناصره.
ـ التحليل الفلزي للخام من أجل تحديد نسبة فلزاته.
ـ توصيف توزع الأطوار الفيزيائية والكيميائية في الخام، ولاسيما توزع حجم الحبيبات وشكلها من أجل تحديد منهجية الإغناء الفيزيائي.
ـ تفحص المعالجات الكيميائية الممكنة.
تنطلق مراحل التركيز من عملية تحرير الفلزات المفيدة من فلزات الشوائب أو من الصخور الحاملة وتحرير الفلزات المفيدة بعضها من بعض. ويتحرر الفلز عندما يتم طحن الخام إلى درجة يصبح فيها مؤلفاً من حبيبات من هذا الفلز وأخرى من الشوائب، علماً أنه يبقى دائماً حبيبات مختلطة. ينتج من ذلك أن تحرير الفلز يتناسب مع نعومة الطحن التي يجب أن تتلاءم مع عمليات التركيز اللاحقة.
تنقسم عمليات التركيز الفيزيائية إلى قسمين:
ـ المعالجات الأولية: الفرز، التكسير، الطحن، التصنيف الحبيبي.
ـ المعالجات الفيزيائية: بتوظيف ظاهرة فيزيائية تؤدي إلى تعريض حبيبات الفلز لقوى مؤثرة مختلفة عن تلك التي تؤثر في حبيبات الخام. تستند المعالجات الفيزيائية إلى الظواهر التالية: الكثافة أو الجاذبية، القوى السطحية، المغنطيسية والكهرباء الساكنة.
تتم المعالجات الفيزيائية في منشآت تنتج الفلزات المركزة concentrates التي ترسل إلى مصانع التعدين والمخلفات غير المفيدة التي تبقى في مكانها.
الشكل (1) كسارة فكية |
- الفرز: يتم، بعد استخراج الخام من المنجم، إزالة واستبعاد القطع الواضحة من الشوائب أو الأجسام الغريبة.
- التكسير والطحن: تهدف هذه العملية إلى تحرير المكونات الفلزية للخام وإكسابها نعومة تتلاءم مع المعالجات الفيزيائية الخاصة. يتم ذلك عبر مرحلتين: التكسير الخشن والطحن الناعم. تستخدم لهذا الغرض كسارات فكية أو كسارات ذات مطارق أو ذات أسطوانات أو مخروطية (الأشكال 1 و2 و3). ومن أجل الطحن، تستخدم مطاحن ذات كرات أو مطاحن ذات قضبان دوارة. ومن المعروف أن هاتين المرحلتين تستهلكان كمية مهمة من الطاقة.
الشكل (2) كسارة ذات مطارق | الشكل (3) مطحنة ذات كرات |
ب - المعالجات الفيزيائية
تسعى هذه المعالجات إلى تركيز (إغناء) الفلز باستبعاد الشوائب، وتعتمد هذه العمليات على فروقات الخواص الفيزيائية بين الأطوار المختلفة في الخام من دون استخدام أي مركب كيميائي يغير من طبيعتها الكيميائية.
الفصل الوزني gravity separation/ levitation
ترتبط سرعة حركة حبيبة صلبة ضمن وسط سائل أو غازي بحالة جريان بكثافة الحبيبة وشكلها. وفي حالة الحركة المتعاكسة للحبيبات والوسط تتمتع حبيبتا فلزين متماثلتان في الأبعاد ومختلفتان في الكثافة بسرعتين حديتين مميزتين مما يسمح بفصلهما. يتم، بعد الطحن والتصنيف، إدخال مسحوق الخام المتجانس في الأبعاد في أعلى جهاز التصنيف بشكل مماثل أو معاكس لجريان تيار من الماء. فتترسب الحبيبات العالية الكثافة أو التي تتمتع بسرعة سقوط حدية أكبر من سرعة جريان الماء وتجمع، وتنساب مع الماء الحبيبات المنخفضة الكثافة أو التي تتمتع بسرعة حدية أصغر من سرعة جريان الماء وتجمع في مكان آخر (الشكل-4).
الشكل (4) التصنيف الوزني |
تعتمد هذه الطريقة على الفرق في قابلية البلل بين الفلز المفيد والشوائب، حيث يتم تخفيض قابلية حبيبات الفلز للبلل بالماء بالنسبة لحبيبات الشوائب، وذلك باستخدام مركبات كيميائية فعالة سطحياً في مزيج الماء ومسحوق الخام. ولتحقيق الفصل، يتم ضخ الهواء في خلية التعويم لتوليد عدد كبير من فقاعات الهواء وتشكيل كمية مهمة من الزبد المستقر، حيث تتجمع حبيبات الفلز القليلة البلل على سطح فقاعات الهواء وتصعد إلى أعلى خلية التعويم حيث تجمع، على حين تترسب حبيبات الخبث في أسفل الخلية (الشكل-5).
الشكل (5) خلية تعويم |
عندما تخضع حبيبة صلبة لحقل مغنطيسي غير متجانس، فإنها تتعرض لقوة تتناسب مع حجمها وطواعيتها susceptibility المغنطيسية وشدة الحقل وتدرج شدته. يعتمد التصنيف المغنطيسي على فروقات الطواعية المغنطيسية بين الفلزات المزمع فصلها. ويتم هذا التصنيف على حبيبات ناعمة وجافة ومتقاربة الأبعاد وتتمتع بمغنطيسية حديدية ferromagnetic أو مغنطيسية طردية paramagnetic. في حالة الفلزات المغنطيسية الحديدية، يستخدم حقل متغير منخفض الشدة تولده تجهيزات فصل يمر فيها الخام على أسطوانة معدنية أو سير ناقل. وفي حالة الفلزات المغنطيسية الطردية، يستخدم حقل مغنطيسي قوي عالي التدرج تولده تجهيزات فصل يمر فيها الخام على سير ناقل مستمر (الشكل-6).
الشكل (6) االفصل المغنطيسي |
يعتمد التصنيف الكهربائي على فروقات الناقلية الكهربائية للفلزات المختلفة وعلى تعرض حبيباتها الصلبة لقوى كهربائية عند خضوعها لحقل كهربائي. يتم تمرير حبيبات الخام ضمن حقل كهربائي عالي الشدة ناتج من أسطوانة دوارة مشحونة كهربائياً، مما يؤدي إلى التصاق الحبيبات غير الناقلة على الأسطوانة وابتعاد الحبيبات الناقلة عنها. وعند استعمال آلات تصنيف ذات حقل كهربائي ضعيف، فإن الحبيبات التي تمر وفق سقوط حر في الحقل الكهربائي تبتعد عن قطب الآلة بمسافة تتعلق بناقليتها مما يسمح بفصلها بعضها عن بعض.
ويبين الشكل (7) مخطط التسلسل العام لعمليات تركيز الفلزات.
الشكل (7) تسلسل عمليات تركيز الفلزات |
تعرف الفحوم، على أنها «كل شكل صلب أسود اللون لعنصر الكربون ولو شابته بعض الشوائب الغريبة». يؤدي هذا التعريف إلى استبعاد بعض الأشكال الطبيعية من الكربون لأنها تحتوي نسبة عالية من الشوائب.
ومن حيث البلورات، يوجد الكربون في الطبيعة على شكلين بلوريين مختلفين تماماً في الصفات الفيزيائية: الألماس[ر] والغرافيت. يتمتع الألماس ببنية مكعبة متمركزة الوجوه مع أربع ذرات كربون ضمن المكعب تشغل أربعة مواقع رباعية الوجوه. وتضفي هذه البنية على الألماس خواص مميزة من حيث القساوة والاستقرار الكيميائي والحراري والعازلية الكهربائية والجمالية التي تضعه في مصاف أرقى الجواهر[ر]. أما الغرافيت، فهو يتمتع ببنية سداسية طبقية تفسر أيضاً خواصه المميزة ولاسيما انحفاض كثافته وقساوته وسهولة انفصامه إلى صفيحات وملمسه الدهني واستعماله مزلقاً lubricant واستقراره الكيميائي والحراري وناقليته الكهربائية.
كذلك يوجد الكربون بشكل لا بلوري amorphous ينتج من درجات تحول مختلفة للبقايا العضوية للنباتات المتراكمة عبر العصور، وتؤدي إلى أشكال الفحم الطبيعي المختلفة مثل التربة الفحمية peat، والفحم الحجري الحديث (الليغنيت) lignite، والفحم البيتوميني bituminous coal، والفحم الحجري الصلب (الأنتراسيت) anthracite. وتراوح نسبة الكربون في هذه الأشكال بين 60-90% مما يشير إلى نسبة عالية من الشوائب.
الغرافيت
يعدُّ الغرافيت أهم أشكال الفحوم الطبيعية من منظار اسـتخراج وتركيز الفلزات، ويصنف الغرافيت الطبيعي ضمن ثلاثة أشـكال: الغرافيت الندفي flake graphite، الغرافيت البلوري المتكتل lump graphite، والغرافيت اللابلوري amorphous graphite.
يعتمد تركيز الغرافيت على منهجيات تركيز الفلزات الأخرى، لكن خواصه المميزة توفر كثيراً من التسهيلات في تنفيذ عمليات التركيز. فطراوة الغرافيت تسهل عمليات التكسير والطحن، وعدم بلله بالماء تجعل طريقة التعويم متميزة في تخليصه من الشوائب والحصول على تركيز من الكربون يصل إلى نحو 98%. ومن الممكن زيادة هذه النسبة بوساطة تكرار عملية الطحن والتعويم أو المعالجة الكيميائية لإذابة الشوائب المتبقية.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أنه يمكن إغناء أشكال الفحم الطبيعي الفقيرة بعنصر الكربون باستخدام معالجات حرارية خاصة. ومن أبرز هذه المعالجات، عملية التنقية بالحرق pyrolysis التي تسمح بالتخلص من العناصر والمركبات الطيارة.
التطبيقات
يمثل تركيز الفلزات محطة أساسية في سبيل الوصول إلى المواد الأولية الصناعية والمعادن وسبائكها. فالفلزات الطبيعية تنشأ ضمن شروط جيولوجية معقدة ليست بالضرورة مثالية لتشكلها وتوضعها، ولا توفر إلا نادراً الشروط المثلى من النقاوة وتشكل البنية. وتحمل العوامل الجوية عبر العصور الجيولوجية المزيد من عمليات التحول والمزج والإشابة. لقد مهد تركيز الفلزات الطريق أمام طرائق التعدين وتطبيقاته في مختلف مناحي الحياة. وخير مؤشر على ذلك، اقتران الثورة الصناعية في مجال استخراج الفحم وتعدين الفولاذ والألمنيوم والنحاس وتطبيقاتها المتعددة بتشييد كبريات المنشآت والبنى الصناعية ووسائط النقل وشبكات الطاقة والاتصال. تصنف صناعة المناجم في المرتبة الثانية بعد الزراعة، وقد تجاوز الإنتاج العالمي السنوي من الفلزات المختلفة في نهاية القرن العشرين 10 مليار طن.
رفيع جبره