الإدريسي (الشريف-)
ادريسي (شريف)
Al-Idrisi (Al-Sharif-) - Al-Idrisi (Al-Sharif-)
الإِدريسي (الشريف -)
(493-560هـ/1100-1165م)
محمد بن محمد بن عبد الله, جغرافي ورحّالة عربي, ولد في مدينة سبتة بالمغرب الأقصى وينتسب إِلى شجرة الشرفاء الإِدريسية من بني حمود[ر] الأندلسيين الذين طالبوا بحقهم بالخلافة, ويمت بنسبه هذا إِلى الحسن بن علي بن أبي طالب, لذلك اشتهر باسم الشريف الإِدريسي. والمعروف أن جده الأكبر إِدريس بن عبد الله بن الحسن هرب من الحجاز إِلى المغرب الأقصى حيث أسس دولة الأدارسة[ر] هناك عام 172هـ/789م ولم يستطع بنو حمود أجداده الحفاظ على سلطانهم في مالقة فعادوا إِلى سبتة في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي وفيها ولد الإِدريسي وتلقى علومه الأولى. غير أن الصلات ظلت قائمة بين أسرة الإِدريس والأندلس فانتقل محمد الإِدريسي إِلى قُرطُبة صغيراً ونشأ فيها, ودرس في جامعتها العلوم والرياضيات وبرز في التاريخ والجغرافية ولمع اسمه في قرطبة حتى دعي بالقرطبي.
أولع الإِدريسي بالأسفار منذ أن شب عن الطوق فقام بسلسلة من الرحلات إِلى بلدان عدة وطوف بالأندلس ولشبونة وسواحل فرنسة والجزر البريطانية وزار المغرب ومصر والشام والأناضول واليونان, فاكتسب في رحلاته تلك الخبرة والمعرفة وتعرّف مراكز الطرق التجارية باستماعه أخبار التجار من عرب وروم وغيرهم.
وشجعه أقرباؤه من آل حمود على زيارة صقلية عام 532هـ/1138م وقدموه إِلى ملكها النورمندي روجار الثاني (505-549هـ/1111-1154م) فحظي عنده بالإِكرام ونشأت بين الاثنين مودة, وطلب الملك منه وضع كتاب وخريطة للعالم يعرف بهما موقعه منه. فمكث الإِدريسي في صقلية نحو عشرين عاماً صنع للملك في أثنائها كرة أرضية من صفائح الفضة وألف كتابه المشهور «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» وكتباً أخرى ثم عاد إِلى سبتة مسقط رأسه وأقام فيها إِلى وفاته.
كان الإِدريسي جغرافياً رائداً دقيق الملاحظة واسع المعرفة, ويتصف منهجه بمحاولة التقريب بين الجغرافية الوصفية والفلكية, والوصف غالب على مؤلفاته ويبدو ذلك جلياً عندما وصف الأرض بأنها معلّقة في الفضاء «كالمحّ في البيضة» وتصورها على هيئة كرة محيطها اثنان وعشرون ألفاً وتسعمئة ميل. واتبع الإِدريسي منحى بطليموس بتقسيمه الأرض إِلى سبعة أقاليم, وهي أحزمة عريضة فوق خط الاستواء, غير أن الجديد عند الإِدريسي أنه قسّم الأقاليم السبعة إِلى أجزاء رأسية عددها سبعون جزءاً, وجعل لكل جزء خريطة مسطحة وضعها الواحدة إِلى جانب الأخرى مبتدئاً من الغرب إِلى الشرق وربط الأجزاء كلها بعضها إِلى بعض, فإِذا جمعت الخرائط السبعون تكوّنت خريطة عامة لكل العالم. وقد أفاد الإِدريسي من ملاحظات من سبقه وعاصره مثل بطليموس واليعقوبي وابن حوقل, وأفاد منه كثيرون: كابن سعيد المغربي الذي عاش في النصف الثاني من القرن الثالث عشر (كان حياً عام 670هـ) ونقل عن الإِدريسي ما كتبه عن أوربة والبلاد الأخرى, وكذلك أبو الفداء (ت 732هـ) الذي عاش في بداية القرن الرابع عشر, وتولى ميلر طبع القسم الأكبر من خرائط الإِدريسي فاستخرج منها خريطته الشهيرة عام 1931. وقد مرّ وقت كان الإِدريسي فيه سفير الأدب الجغرافي العربي في أوربة ومؤسساتها العلمية حتى أطلق عليه اسم «استرابون العرب».
أما أهم آثار الإِدريسي فهو كتابه الشهير «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» الذي أنجزه عام 548هـ/1154م في بلاط ملك صقلية روجار الثاني وألحق به بخرائط توضيحية للأقاليم السبعة المعروفة آنذاك إِضافة إِلى خريطة مسطحة للعالم رسمها على هيئة دائرة في مطلع الكتاب وقسمها طولاً إِلى عشرة أجزاء متساوية تبدأ من القطب الأعلى (الجنوبي في علوم ذلك العصر) وتنتهي عند القطب الأسفل, وتقطعها خطوط عرضية فتؤلف ما يشبه المستطيلات (على نحو ما هو متبع اليوم في المرتسمات الحديثة).وقد أهدى الإِدريسي كتابه إِلى ملك صقلية فعرف بالكتاب الروجاري أو كتاب روجار ويعدُّ الكتاب أفضل رسالة في الجغرافية كتبت في العصور الوسطى, وهو من أوسع الكتب الجغرافية باللغة العربية شهرة في أوربة وقد ترجم إِلى الإِيطالية واللاتينية والفرنسية والألمانية وغيرها وطبع طبعات متعددة أقدمها الطبعة العربية التي صدرت في مطبعة آل مديتشي في رومة سنة 1592م باسم «نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق» وصدرت طبعته الإِيطالية سنة 1600م والطبعة اللاتينية في باريس سنة 1619م ومدريد سنة 1799م و1881م وطبع في لايبزغ سنة 1828م وليون سنة 1864م ورومة سنة 1885م أما آخر طبعات الكتاب فهي التي صدرت في رومة على أيدي متخصصين من المعهد الإِيطالي للشرقين الأدنى والأقصى في تسعة أجزاء فيما بين سنتي 1970 و1984م واشتملت المجلدات الثمانية الأولى على نص الكتاب وخصص المجلد التاسع للفهارس, وطبع الكتاب في بيروت باللغة العربية بمجلدين سنة 1989م, كذلك ألف الإِدريسي وهو في بلاط النورمنديين كتاب «روض الأنس ونزهة النفس» الذي أخذ عنه أبو الفداء في تقويم البلدان وذكره باسم «كتاب الشريف الإِدريسي في الممالك والمسالك» ويقول الشاعر ابن بشرون الصقلي المعاصر للشريف الإِدريسي: إِن هذا المؤلف الثاني وضعه الإِدريسي بناء على طلب وليم الأول خليفة روجار الثاني. وقد عثر المستشرق هورو فيتشرز في اصطنبول على مخطوط يمثل جزءاً من الكتاب ويحمل عنوان «روض الفرج ونزهة المهج» ويقول كرستيان سيبولد C.Seybold (1859-1921) إِن هذا المخطوط مختصر كتاب الإِدريسي الثاني, أما كرامرس J.H.Kramers (1891-1951) فيرى أنه اقتباس عن كتاب الإِدريسي الكبير (أنجز عام 588هـ/1192م وأعيد نسخه بعد قرن وضُمّن الإِقليم الثامن جنوب خط الاستواء مع الإِشارة إِلى ابن سعيد الذي أخذ عنه). أما الكرة الأرضية فقد صنعها الإِدريسي من صفائح الفضة بطلب من روجار الثاني وتمويل منه وبلغ وزنها 400 رطل رومي (144 أقة) وتعدُّ عملاً مبدعاً في فن الخرائط إِلى اليوم فهي تمثل تجسيماً لصورة الأرض بأقاليمها السبعة رسمها أولاً على الورق ثم نقشها نقشاً غائراً على صفائح الفضة وزينها بالذهب ثم سطّحها قليلاً فجاءت خطوط العرض متباعدة, والمقياس على خط الطول يتزايد بنسبة تزايده على خطوط العرض, ويحصل تشويه في المساحة كلما ابتعدت نقاطها عن خط الاستواء وقد فقدت هذه الكرة منذ قرون ولا يعرف مصيرها.
لم يقتصر اهتمام الإِدريسي على علمي الفلك والجغرافية بل تعداهما إِلى مجالات أخرى كالطب والصيدلة وعلم النبات. وقد عثر في النصف الثاني من القرن العشرين في إِحدى مكتبات اصطنبول على مخطوط يضم قسمه الأول رسالة في تحضير الأدوية للإِدريسي. ومن تصانيفه المهمة الأخرى كتاب «الجامع لصفات أشتات النبات» ويقول الإِدريسي في مقدمة كتابه هذا إِنه نظر في كتب من سبقه فوجدها مملوءة بالأغلاط, وإِن بعض المؤلفين أطال وجمع بين الأقوال, وبعضهم أوجز وذكر المعلوم وترك المجهول. لذلك رأى أن يرجع إِلى البحر الذي منه اغترفوا والكنز الذي منه استسلفوا, وهو كتاب دياسقوريدس الذي وضعه في الأدوية المفردة, ولكنه وجده قد ترك أدوية كثيرة لم يذكرها, إِما أنه لم يبلغه علمها ولا سمع عنها, أو لأن أكثرها ليست من بلاده, أو ضنّاً منه وتعمداً. وقد ألف الإِدريسي كتابه على شكل معجم يضم أسماء الأدوية المفردة, مرتبة على حروف الهجاء, وفسّر أسماءَها باللغات السريانية واليونانية والفارسية واللاتينية والبربرية والقبطية أحياناً, وذكر منافع كل مفرد منها, وما يستخرج منه من صموغ وزيوت, ويتخذ منه من أصول وأوراق وقشور وبراعم وأزهار وبذور. ويوجد في خزانة كتب الفاتح باصطنبول مخطوط يضم الجزأين الأول والثاني من كتاب «الجامع لأشتات النبات». يبتدئ الجزء الأول بحرف الألف إِلى حرف الزاي ويشتمل على 360 دواءً مفرداً. ويبتدئ الجزء الثاني بحرف الحاء إِلى حرف النون, ويضم 250 دواءً, والغالب أن تكون الحروف الباقية 14 حرفاً في جزأين آخرين. وذكر الإِدريسي أسماء أحد عشر مرجعاً, هي أشهر ما كتب في مفردات الطب في مشرق العالم العربي وغربه. كما استفاد من كتاب الإِدريسي «الجامع لأشتات النبات» كثير من المؤلفين بعده ولاسيما ابن البيطار[ر] في كتابه «الجامع لمفردات الأغذية والأدوية».
ج.ت
ادريسي (شريف)
Al-Idrisi (Al-Sharif-) - Al-Idrisi (Al-Sharif-)
الإِدريسي (الشريف -)
(493-560هـ/1100-1165م)
محمد بن محمد بن عبد الله, جغرافي ورحّالة عربي, ولد في مدينة سبتة بالمغرب الأقصى وينتسب إِلى شجرة الشرفاء الإِدريسية من بني حمود[ر] الأندلسيين الذين طالبوا بحقهم بالخلافة, ويمت بنسبه هذا إِلى الحسن بن علي بن أبي طالب, لذلك اشتهر باسم الشريف الإِدريسي. والمعروف أن جده الأكبر إِدريس بن عبد الله بن الحسن هرب من الحجاز إِلى المغرب الأقصى حيث أسس دولة الأدارسة[ر] هناك عام 172هـ/789م ولم يستطع بنو حمود أجداده الحفاظ على سلطانهم في مالقة فعادوا إِلى سبتة في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي وفيها ولد الإِدريسي وتلقى علومه الأولى. غير أن الصلات ظلت قائمة بين أسرة الإِدريس والأندلس فانتقل محمد الإِدريسي إِلى قُرطُبة صغيراً ونشأ فيها, ودرس في جامعتها العلوم والرياضيات وبرز في التاريخ والجغرافية ولمع اسمه في قرطبة حتى دعي بالقرطبي.
أولع الإِدريسي بالأسفار منذ أن شب عن الطوق فقام بسلسلة من الرحلات إِلى بلدان عدة وطوف بالأندلس ولشبونة وسواحل فرنسة والجزر البريطانية وزار المغرب ومصر والشام والأناضول واليونان, فاكتسب في رحلاته تلك الخبرة والمعرفة وتعرّف مراكز الطرق التجارية باستماعه أخبار التجار من عرب وروم وغيرهم.
وشجعه أقرباؤه من آل حمود على زيارة صقلية عام 532هـ/1138م وقدموه إِلى ملكها النورمندي روجار الثاني (505-549هـ/1111-1154م) فحظي عنده بالإِكرام ونشأت بين الاثنين مودة, وطلب الملك منه وضع كتاب وخريطة للعالم يعرف بهما موقعه منه. فمكث الإِدريسي في صقلية نحو عشرين عاماً صنع للملك في أثنائها كرة أرضية من صفائح الفضة وألف كتابه المشهور «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» وكتباً أخرى ثم عاد إِلى سبتة مسقط رأسه وأقام فيها إِلى وفاته.
كان الإِدريسي جغرافياً رائداً دقيق الملاحظة واسع المعرفة, ويتصف منهجه بمحاولة التقريب بين الجغرافية الوصفية والفلكية, والوصف غالب على مؤلفاته ويبدو ذلك جلياً عندما وصف الأرض بأنها معلّقة في الفضاء «كالمحّ في البيضة» وتصورها على هيئة كرة محيطها اثنان وعشرون ألفاً وتسعمئة ميل. واتبع الإِدريسي منحى بطليموس بتقسيمه الأرض إِلى سبعة أقاليم, وهي أحزمة عريضة فوق خط الاستواء, غير أن الجديد عند الإِدريسي أنه قسّم الأقاليم السبعة إِلى أجزاء رأسية عددها سبعون جزءاً, وجعل لكل جزء خريطة مسطحة وضعها الواحدة إِلى جانب الأخرى مبتدئاً من الغرب إِلى الشرق وربط الأجزاء كلها بعضها إِلى بعض, فإِذا جمعت الخرائط السبعون تكوّنت خريطة عامة لكل العالم. وقد أفاد الإِدريسي من ملاحظات من سبقه وعاصره مثل بطليموس واليعقوبي وابن حوقل, وأفاد منه كثيرون: كابن سعيد المغربي الذي عاش في النصف الثاني من القرن الثالث عشر (كان حياً عام 670هـ) ونقل عن الإِدريسي ما كتبه عن أوربة والبلاد الأخرى, وكذلك أبو الفداء (ت 732هـ) الذي عاش في بداية القرن الرابع عشر, وتولى ميلر طبع القسم الأكبر من خرائط الإِدريسي فاستخرج منها خريطته الشهيرة عام 1931. وقد مرّ وقت كان الإِدريسي فيه سفير الأدب الجغرافي العربي في أوربة ومؤسساتها العلمية حتى أطلق عليه اسم «استرابون العرب».
أما أهم آثار الإِدريسي فهو كتابه الشهير «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» الذي أنجزه عام 548هـ/1154م في بلاط ملك صقلية روجار الثاني وألحق به بخرائط توضيحية للأقاليم السبعة المعروفة آنذاك إِضافة إِلى خريطة مسطحة للعالم رسمها على هيئة دائرة في مطلع الكتاب وقسمها طولاً إِلى عشرة أجزاء متساوية تبدأ من القطب الأعلى (الجنوبي في علوم ذلك العصر) وتنتهي عند القطب الأسفل, وتقطعها خطوط عرضية فتؤلف ما يشبه المستطيلات (على نحو ما هو متبع اليوم في المرتسمات الحديثة).وقد أهدى الإِدريسي كتابه إِلى ملك صقلية فعرف بالكتاب الروجاري أو كتاب روجار ويعدُّ الكتاب أفضل رسالة في الجغرافية كتبت في العصور الوسطى, وهو من أوسع الكتب الجغرافية باللغة العربية شهرة في أوربة وقد ترجم إِلى الإِيطالية واللاتينية والفرنسية والألمانية وغيرها وطبع طبعات متعددة أقدمها الطبعة العربية التي صدرت في مطبعة آل مديتشي في رومة سنة 1592م باسم «نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق» وصدرت طبعته الإِيطالية سنة 1600م والطبعة اللاتينية في باريس سنة 1619م ومدريد سنة 1799م و1881م وطبع في لايبزغ سنة 1828م وليون سنة 1864م ورومة سنة 1885م أما آخر طبعات الكتاب فهي التي صدرت في رومة على أيدي متخصصين من المعهد الإِيطالي للشرقين الأدنى والأقصى في تسعة أجزاء فيما بين سنتي 1970 و1984م واشتملت المجلدات الثمانية الأولى على نص الكتاب وخصص المجلد التاسع للفهارس, وطبع الكتاب في بيروت باللغة العربية بمجلدين سنة 1989م, كذلك ألف الإِدريسي وهو في بلاط النورمنديين كتاب «روض الأنس ونزهة النفس» الذي أخذ عنه أبو الفداء في تقويم البلدان وذكره باسم «كتاب الشريف الإِدريسي في الممالك والمسالك» ويقول الشاعر ابن بشرون الصقلي المعاصر للشريف الإِدريسي: إِن هذا المؤلف الثاني وضعه الإِدريسي بناء على طلب وليم الأول خليفة روجار الثاني. وقد عثر المستشرق هورو فيتشرز في اصطنبول على مخطوط يمثل جزءاً من الكتاب ويحمل عنوان «روض الفرج ونزهة المهج» ويقول كرستيان سيبولد C.Seybold (1859-1921) إِن هذا المخطوط مختصر كتاب الإِدريسي الثاني, أما كرامرس J.H.Kramers (1891-1951) فيرى أنه اقتباس عن كتاب الإِدريسي الكبير (أنجز عام 588هـ/1192م وأعيد نسخه بعد قرن وضُمّن الإِقليم الثامن جنوب خط الاستواء مع الإِشارة إِلى ابن سعيد الذي أخذ عنه). أما الكرة الأرضية فقد صنعها الإِدريسي من صفائح الفضة بطلب من روجار الثاني وتمويل منه وبلغ وزنها 400 رطل رومي (144 أقة) وتعدُّ عملاً مبدعاً في فن الخرائط إِلى اليوم فهي تمثل تجسيماً لصورة الأرض بأقاليمها السبعة رسمها أولاً على الورق ثم نقشها نقشاً غائراً على صفائح الفضة وزينها بالذهب ثم سطّحها قليلاً فجاءت خطوط العرض متباعدة, والمقياس على خط الطول يتزايد بنسبة تزايده على خطوط العرض, ويحصل تشويه في المساحة كلما ابتعدت نقاطها عن خط الاستواء وقد فقدت هذه الكرة منذ قرون ولا يعرف مصيرها.
لم يقتصر اهتمام الإِدريسي على علمي الفلك والجغرافية بل تعداهما إِلى مجالات أخرى كالطب والصيدلة وعلم النبات. وقد عثر في النصف الثاني من القرن العشرين في إِحدى مكتبات اصطنبول على مخطوط يضم قسمه الأول رسالة في تحضير الأدوية للإِدريسي. ومن تصانيفه المهمة الأخرى كتاب «الجامع لصفات أشتات النبات» ويقول الإِدريسي في مقدمة كتابه هذا إِنه نظر في كتب من سبقه فوجدها مملوءة بالأغلاط, وإِن بعض المؤلفين أطال وجمع بين الأقوال, وبعضهم أوجز وذكر المعلوم وترك المجهول. لذلك رأى أن يرجع إِلى البحر الذي منه اغترفوا والكنز الذي منه استسلفوا, وهو كتاب دياسقوريدس الذي وضعه في الأدوية المفردة, ولكنه وجده قد ترك أدوية كثيرة لم يذكرها, إِما أنه لم يبلغه علمها ولا سمع عنها, أو لأن أكثرها ليست من بلاده, أو ضنّاً منه وتعمداً. وقد ألف الإِدريسي كتابه على شكل معجم يضم أسماء الأدوية المفردة, مرتبة على حروف الهجاء, وفسّر أسماءَها باللغات السريانية واليونانية والفارسية واللاتينية والبربرية والقبطية أحياناً, وذكر منافع كل مفرد منها, وما يستخرج منه من صموغ وزيوت, ويتخذ منه من أصول وأوراق وقشور وبراعم وأزهار وبذور. ويوجد في خزانة كتب الفاتح باصطنبول مخطوط يضم الجزأين الأول والثاني من كتاب «الجامع لأشتات النبات». يبتدئ الجزء الأول بحرف الألف إِلى حرف الزاي ويشتمل على 360 دواءً مفرداً. ويبتدئ الجزء الثاني بحرف الحاء إِلى حرف النون, ويضم 250 دواءً, والغالب أن تكون الحروف الباقية 14 حرفاً في جزأين آخرين. وذكر الإِدريسي أسماء أحد عشر مرجعاً, هي أشهر ما كتب في مفردات الطب في مشرق العالم العربي وغربه. كما استفاد من كتاب الإِدريسي «الجامع لأشتات النبات» كثير من المؤلفين بعده ولاسيما ابن البيطار[ر] في كتابه «الجامع لمفردات الأغذية والأدوية».
ج.ت