يبدو مفهوم الصراع النفسي psychological conflict بطبيعة دينامية،

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يبدو مفهوم الصراع النفسي psychological conflict بطبيعة دينامية،

    الصراع النفسي

    يبدو مفهوم الصراع النفسيpsychological conflict بطبيعة دينامية، وهو أساس لتحقيق السوية وتكوين الشخصية. ويعد الصراع النفسي ظاهرة وبعداً من أبعاد حياة الإنسان الميتافيزيقية والنفسية، ويعرفه كارتر غود (1973) Carter V.Goodبأنه: «حالة انفعالية مؤلمة تنتج من النزاع بين الرغبات المتضادة وعدم إشباع الحاجات أو عدم السماح لرغبة مكبوتة بالتعبير عن ذاتها شعورياً». ويعرّفه أ. ف بتروفسكي وم. ج باوشفسكي (1996) بأنه: «تصادم دوافع وحاجات واهتمامات وأشواق..إلخ على درجة متساوية تقريباً من القوة داخل الشخص».
    فعلى المستوى الميتافيزيقي يكون الإنسان مشدوداً بين المطلق والواقع، حائراً بين ماهيته السابقة على وجوده، ووجوده السابق على ماهيته، وبين المصير المحدد باختياراته والقدر المحتوم الذي يسعى إليه.
    وعلى مستوى علم النفس يعرض صلاح مخيمر (1975) أنواعاً للصراع تظهر في الواقع، يمكن تمثلها في الوعي، أهمها الصراع بين التلقائية ودافع الإبقاء على محبة الآخرين وتقديرهم، وبين التفوق على الآخرين وضرورة معاونتهم لكسب ودّهم، وبين دافع الحرية ومعوقاتها الواقعية، وبين الرغبة في إشباع الدافع الجنسي ومعوقاته من القيم والأخلاق، والصراع الناشئ عن الرغبة في إشباع حاجات التفوق والبروز والسيطرة والعدوان والطموح ومعوقاته الثقافية والحضارية.
    ويعرض سعد المغربي (1995) تبديات أخرى للصراع النفسي هي الصراع بين الذات والضمير، أو الصراع بين المكونات المكبوتة والذات والواقع، وصراع بين القيم، وصراع التوجهات، كالصراع بين التوجه الديني والتوجه العلماني.
    ويقول هنري موراي (1938) Murrayبقائمة من الحاجات النفسية ومعوقاتها وصراعها من أجل الإشباع مع الضغوط البيئية، مثل الحاجة إلى الاستعراضexhibition وضغط منع الاستعراض، والحاجة إلى الجنس sex وضغط منع الإشباع الجنسي، والحاجة إلى العدوان agressionوضغط عدم إشباع الحاجة إلى العدوان.
    ويمكن تصنيف وجهات النظر التي قامت على تفسير الصراع إلى:
    توجه مؤسس على وصف الوقائع الداخلية
    وتقوم وجهة النظر هذه في تفسير الصراع على مايتم على مستوى الوقائع الداخلية الباطنية وما يتم بينها من دينامية. فقد افترض فرويد أن النفس البشرية تتكون من ثلاث منظومات، وهي: «الهو» مخزن الشهوات والنزاعات والرغبات والدوافع، و«الأنا» ويمثل العادات والتقاليد والمواضعات والقوالب الاجتماعية، و«الأنا الأعلى» ويمثل القيم والمبادئ والمثل والأخلاق.
    ويعد فرويد [ر] الصراع من أشكال الدينامية التي تحدث بين المنظومات الثلاث، ويكون في صيغتين:
    أ - صيغة سوية: تنتج السلوك العادي والإبداعي، وتكون حالة الصراع بين «الهو» بمحتوياته وبين «الأنا» و«الأنا الأعلى» بمحدداتهما الواقعية والأخلاقية، وفي هذه الحالة يكون الأنا قادراً على القيام بوظيفته والتوفيق بين المنظومتين الأخرييْن ومحافظاً على الاستقلال الذاتي للفرد.
    ب - صيغة مرضية: تنتج السلوك الشاذ والأعراض المرضية، وتكون حالة الصراع هي ذاتها في الصيغة السوية، بخلاف أن «الهو» يكون جانحاً وضاغطاً وتخفق «الأنا» في التوفيق بين مطالب المنظومات الثلاث والقيام بوظيفتها العادية، فيكون الشقاق والنزاع بين «الهو» من ناحية و«الأنا» و«الأنا الأعلى» من ناحية أخرى، مما يسبب ظهور الأمراض النفسية. ويمكن أيضاً أن تنشق «الأنا الأعلى» وتدخل في صراع مع «الأنا» مما يسفر عنه أعراض الأمراض العقلية.
    توجه مؤسس على وصف الوقائع الخارجية
    قام هذا التوجه على أساس وصف الصراع، كما تتمثله الحواس. ويمثل هذا التوجه «ميللر» في دراسته الصراع، ويعرض جابر عبد الحميد (1986) هذا النوع من الصراع على النحو الآتي:
    أ ـ صراع الإقدام ـ الإقدام: ويكون بين دافعين كلاهما يدفعان نحو الاقتراب من هدف معين. ويوجد هذا الصراع في كثير من المواقف الحياتية، فالطفل يعيش موقف الصراع بين الذهاب إلى رحلة مع زملائه أو زيارة مع الأسرة.
    ب ـ صراع الإحجام ـ الإحجام: عندما يكون الفرد مجبراً على الاختيار بين هدفين كلاهما سلبيان مثل صراع التلميذ الذي يكره مادة من المواد الدراسية أو يرضى بالحصول على درجات منخفضة، أو الصراع في تفكير أحد الزوجين بالانفصال عن زوجه أو الرضى بأخطائه وقبول الأمر الواقع. ويتسم هذا النوع من الصراع بخاصية التردد وصعوبة اتخاذ القرار، والهروب من الموقف بصفة عامة أو بالانشغال عنه بأحلام اليقظة.
    جـ ـ صراع الإقدام ـ الإحجام: ينشأ عندما يكون الفرد معرضاً للحصول على هدف موضع رغبة ورهبة في الوقت نفسه، مثل الوظيفة ذات الراتب المرتفع ولكنها خطرة، وتنشأ صعوبة فض هذا الصراع من كونه بطبيعته ملزماً ولا يستطيع الفرد أن يفلت منه. وإذا كان مدرج الإقدام أعلى من مدرج الإحجام فإن الإقدام هو الذي يحدث والعكس بالعكس.
    طبيعة الصراع:
    يمكن أن تظهر طبيعة الصراع في أنه واقعة نفسية تبدأ بتنبيه أو استثارة arousalشديدة تجعل الفرد يشعر بالألم، ويكون مشدوداً إلى مخرجات سلوكية متعددة ومتناقضة. وترتبط هذه الحالة لدى الفرد بالرغبة في التخلص منها، وتأتي استجابة سوية عادية. ويفض الصراع أو ينتهي الأمر إلى الكبت عندما تخفق دفاعات الشخصية وتكون الحالة فوق الاحتمال فتتولد حالة الكدر والانعصاب، كما يكون الصراع بذرة المرض العقلي عندما يكون موضعه بين «الأنا» و«الأنا الأعلى».
    فطبيعة الصراع إذن هي سوية ومرضية في الوقت ذاته، والأمر يتوقف على صيغة الصراع ونوعه فقط.
    المتغيرات الفسيولوجية والنفسية المرتبطة بالصراع
    ترتبط بالصراع مؤشرات فسيولوجية منها: تغيُّر في ضربات القلب وتغيُّر في نواتج الجلد (الاستجابة الجلفانية، العرق) ـ الارتفاع في إفراز الهرمونات ـ تركيز أقل في اللعاب ـ تغيير في الموجات الكهرومغناطيسية الموجودة في الدماغ ـ وتغيُّر في الاتزان الفسيولوجي للجسم بصفة عامة.
    كما ترتبط بالصراع بعض المتغيرات النفسية، مثل القلق والعدوان، وتغيرات في صورة الجسد واضطرابات في الأكل، وتدنٍ في تقدير الذات، كما يرتبط الصراع بالاكتئاب والتوجس.
    الصراع كدالة وظيفية
    بحسب الطبيعة السوية للصراع، فإن وظيفته تظهر في اكتساب أنماط السلوك وتكوين الشخصية، إذ تُكتسب اشتقاقاً من صراعات الإنسان مع البيئة الطبيعية والاجتماعية في أثناء إشباع الحاجات والدوافع، وتتكون لدى الإنسان طبيعته السيكولوجية. فالشخصية من وجهة نظر موراي (1947) هي مجموع الحالات التي تظهر في صراع الحاجة أو الدافع مع الضغط البيئي، وليست بنايات استاتيكية كالسمات أو حصيلة من الارتباطات بين المثير والاستجابة.
    وتظهر الطبيعة السوية للصراع أيضاً في حالتين: الأولى أن للصراع جانباً دافعياً عندما يخلق حالة من التهيؤ الفسيولوجي والعصبي النفسي تدفع على إتيان الفعل والسلوك، والثانية كون الميول والنزعات اللاشعورية تستعين بالصراع من أجل الإشباع.
    وبحسب طبيعة الصراع المرضية، فإن وظيفته تكون في أنه بذرة المرض النفسي (العصاب) والمرض العقلي أيضاً (الهذيان).
    أساليب فض الصراع
    ويمكن فض الصراع بالأساليب الآتية:
    أ ـ الأساليب التربوية:
    مثل إشباع حاجات الأطفال في إطار من الواقع الاجتماعي، وتوجيه الصراعات إلى موضوعات خارجية وأهداف واقعية، والتدريب على المفاوضة والحوار أسلوباً لحل النزاعات، والاعتراف بالآخر المغاير والمختلف، والاعتراف بأن الفكرة لا ينميها إلا الفكرة المناوئة أو المضادة، وعدم عزل الطفل عن متناقضات الحياة لتدريبه على حلها.
    ب ـ الأساليب السيكولوجية:
    ـ تقوية الواقع الاجتماعي وهو ما تمثله «الأنا» لدى الأفراد.
    ـ تقوية المثل والقيم والمبادئ والأخلاق وما تمثله «الأنا الأعلى» لدى الأفراد.
    ـ تدريب الطفل على إشباع حاجاته في إطار من المصالحة مع «الأنا» و«الأنا الأعلى».
    ـ استخدام التنفيس الانفعالي والاستبطان الذاتي لحل الصراعات التي يعانيها الفرد.
    هارون توفيق موسى الرشيدي

يعمل...
X