اسبانيه (موسيقي ورقص)
Spain - Espagne
إسبانية
الموسيقى والرقص
الموسيقى الإسبانية موسيقى أوربية في حلة مشرقية موشحة بزخارف عربية، وتتميز بكثرة الألحان المبنية على سلم «مي mi» [ر. الموسيقى]. وقد ساعد وضع إسبانية الجغرافي وتاريخها على أن تزخر موسيقاها برصيد غني فيه مزيج من أنواع الموسيقى الشرقية والغربية مثل الغناء البيزنطي، والسلالم الإغريقية، والمقامات الهندية ragas، والغناء الكنسي الغريغوري، والألحان الغجرية، والموسيقى العربية. وأصبح لكل مقاطعة فيها تقاليدها الخاصة في أنواع الغناء والإيقاعات المختلفة التي أغنت الفولكلور الإسباني، ولاسيما الفلامنكو flamenco (وهو غناء أندلسي يرافق بآلة الغيتار وبالرقص أحياناً المصاحب «بالفقيشات» (الكاستنييت) castañets [ر. الآلات الموسيقية] لتحديد الإيقاع وكثيراً ما تكون أنواع من الفولكلور الإسباني مميزة بالغناء ذي الزخارف اللحنية من دون كلمات mélismes وبالإيقاعات الأندلسية.
وأهم ما يميز الرقصات والأغاني الإسبانية أنها ذات إيقاع ثلاثي الزمن مثل: السوليار soleare، والبيانثيكو villancico، والمالاغوينيا malaguena، والبولو polo، والسغيديّا seguidilla والفَنْدَنْغو fandango والخوتا jota، والبوليرو bolero، والثاباتيادو zapateado.
وقد ألف الفولكلور الإسباني فناً خاصاً استطاع أن يوحد مصادر أعمال الموسيقيين مثل: ألبينيث I.Albeniz، وغرانادوس [ر] E.Granados، ودي فايا[ر] M.De. Falla، وتورينا J.Turina، الذين أسهموا في النهضة الموسيقية الإسبانية الحديثة ونالوا شهرة عالمية. وقد استطاع هذا الفن لفت انتباه كثير من الموسيقيين من خارج إسبانية فأوحى إليهم بأعمال موسيقية مهمة كالسمفونية الإسبانية للمؤلف الفرنسي لالو E.Lalo، والكابريتشو capriccio الإسبانية للمؤلف الروسي ريمسكي ـ كورساكوف [ر] N.Rimsky-Kursakov.
لمحة تاريخية: تأثرت إسبانية في القرنين السادس والسابع بالثقافة القوطية البادية بوضوح في الأغاني الدينية، وبحضارات شعوب البحر المتوسط، وتنامت فيها الموسيقى التي كانت عنصراً مهماً في طقوس الديانة المسيحية. ومنذ الفتوحات العربية الإسلامية لإسبانية، بدأ عصر انبعاث جديد مزدهر دام حتى عام 1492، برزت فيه الآثار التي أوجدها الموسيقي زرياب الذي استقر في قرطبة منذ عام 822م بعد هروبه من بلاط بغداد. وقد ظهر هذا الازدهار على وجه الخصوص في قرطبة وإشبيلية، وكان نتيجة للتفاعل بين الموسيقى العربية والموسيقى الإسبانية مدة ثمانية قرون تقريباً. ولهذا، فإن الموروثات الموسيقية المتعددة والمختلفة قد أثرت في الموسيقى الغنائية الدينية الإسبانية وطقوسها. وحين كان الغناء المستعرب mozarabe يحل محل الغناء الرومي وينتشر في معظم أرجاء شبه الجزيرة الإيبرية، كانت التأثيرات الفرنسية تتجلى بالرجوع إلى الغناء الغريغوري والتطور البوليفوني (المتعدد الأصوات) polyphonique [ر. الانسجام].
كان الموسيقيون الإسبان يستخدمون بعض الألحان الدنيوية في موسيقاهم التي كانت تتطور شيئاً فشيئاً في القرون الأخيرة من العصر الوسيط. وكانت الموسيقى العربية في الوقت ذاته قد رسخت بصماتها العميقة في البلاد وتولدت عنها الموسيقى الأندلسية [ر.الأندلس]، وما صيحات الفلامنكو، ومنها أوليه (olé وأصلها يا ليل...) إلا صدى للموسيقى العربية. وكان لانتشار الموسيقى الأندلسية في شمالي البلاد أثر في نشأة تراتيل أعياد الميلاد والمناسبات الدينية الأخرى ومنها البيانثيكو التي انتقلت إلى جنوبي فرنسة فأوربة، إذ إن الشعراء الجوالين Troubadours في أواسط فرنسة وجنوبيها كانوا كثيراً ما يقلدون الزجالين الأندلسيين. ومع استسلام غرناطة للحكم القومي الجديد ومع يقظة الروح القومية الإسبانية، انبثقت حركة موسيقية جديدة وجدت لها انطلاقة في كل أنماط الموسيقى المتداولة في مختلف مقاطعات البلاد منذ القرن السادس عشر.
أخذت الموسيقى الإسبانية في عصر النهضة تثبت خطاها الوطنية في المجالين الديني والدنيوي، وتنعتق نوعاً ما مما يربطها بجاراتها الأوربيات. واجتازت في القرن السادس عشر عصراً لامعاً بهياً واكب أوضاع الموسيقى في إيطالية. وشهدت «البوليفونية» الدينية تطوراً عظيماً لا يختلف في ظاهره عن التقاليد الفلمنكية ـ الرومية. وكانت «البوليفونية» قد أصبحت، بطبيعة الحال، لغة موسيقية عالمية في كل أوربة الكاثوليكية. وتتجلى الروح الأصيلة لهذا الطابع الموسيقي في أعمال دِي مورالِس (1500-1553) C.De Morales زعيم المدرسة الأندلسية، الذي اشتهر في كل أوربة بشخصيته الفنية المبدعة والذي عرف كيف يمزج بين الفن الفلمنكي وخصائص الموسيقى الإسبانية. ويعدّ دي فيكتوريا (1548-1611) T.L.De Victoria من كبار موسيقيي ذلك العصر، وهو مؤمن متشدد لم يؤلف موسيقى دنيوية أبداً.
وفي الربع الأخير من القرن السادس عشر، شهدت البيويلا vihuela رواجاً كبيراً، وكانت معروفة منذ القرن الرابع عشر. والبيويلا آلة وترية انحدرت من العود العربي وهي سابقة الغيتار، ولها ستة أوتار مزدوجة تنقر بالأصابع. وعندما بدأ عصر الغيتار يزدهر بدأت البيويلا بالأفول، وكان للغيتار أربعة أوتار مفردة ثم أضيف وتر خامس فسادس، وسمي أيضاً «القيثارة الإسبانية». أما العود فقد ظل يحتل مكان الصدارة في إسبانية وأوربة ردحاً طويلاً من الزمن إلى أن ظهرت الآلات من ذوات لوحة الملامس keyboard كالكلافيكورد clavichord [ر. البيانو] وسلالتها. وقد بدأ موسيقيون كثيرون يكتبون للأرغن organ ولآلات لوحة الملامس منهم دي كابيثون (1510-1566) A.De Cabezon الذي كان له فضل إتقان الـ «تِيْنْتوس» tientos وهي تشكيلات variations في أسلوب المحاكاة تشبه الـ «ريتشركاره» recercare الإيطالية [ر. الصيغ الموسيقية]. وبذلك وضع دِي كابيثون حجراً راسخاً في موسيقى الأرغن والكلافسان clavecin [ر. البيانو]. وإضافة إلى التينتوس، شاعت صيغة الـ «ديفرِنْثْيا» diferencia، وهي تشكيلات لألحان كنسية أو لأغانٍ دنيوية. ومنذ أواخر القرن السادس عشر، بدأت تشيع ألحان الرقص مثل الـ «بابانا» pavana والـ «غَياردَه» gallarda والـ «سَرَبَنْدَه» sarabanda.
وإذا كان القرن السادس عشر عصراً ذهبياً في إسبانية من حيث الموسيقى، فإن القرن السابع عشر شهد تراجعاً ملحوظاً في هذا الفن، ولكنه، مع ذلك، لم يخل من محاولات بنّاءة. فقد ظهر كتّاب ومؤلفون حاولوا المحاورة بين الكلام والغناء في أعمالهم الأدبية، وكذا بين الكلمة واللحن إذ ولدت الـ «ثَرْثْويلا» zarzuela الشبيهة بالأوبرا، وذلك بعد ربع قرن تقريباً من ظهور الأوبرا الإيطالية. وتحتوي الثرثويلا على حوارات إلقائية recitative وأغانٍ وجوقات غنائية ورقصات، ثم أضيف إليها، فيما بعد، فاصل أو مشهد مرح «تونادِيا» tonadilla يقدم بين فصولها، وقد كتب في الثرثويلا كل من إيدالغو (1600-1685)J.Hidalgo ، ودورون (1650-1716) S.Durón، وكارْيون (1670- 1747) A.L.Carriónn وغيرهم. ومع أن هؤلاء الرواد الدراميين الأوائل كانوا سبباً في نشوء المسرح الغنائي الإسباني، فإنه لم يحرّض المؤلفين الآخرين بصورة جدية، ولم تظهر أسماء لامعة في هذه الحقبة من الزمن، ولم تبرز فيها إنجازات في مجال الموسيقى الآلية. وبقي الغيتار يحل محل العود والبيويلا. أما الأرغن فقد حافظ على امتيازه بوساطة فنانين ذوي موهبة عالية، كالأندلسي دي أراوْخو F.C.De Araujo (نحو 1576- 1654)، والبلنثي كابانِياس (1644-1712) J.Cabanillas. وبفضل هجرة المؤلف الإيطالي دومينيكو سكارلاتّي D.Scarlatti إلى إسبانية، واهتمامه بالعناصر الموسيقية الشعبية والإيقاعية الأندلسية المختلفة، بدأت الموسيقى الآلية تلقى تقديراً وإعجاباً. وكان سكارلاتي قد أدرج بعضاً من الموسيقى الأندلسية في مؤلفاته (من نوع «التمارين» exercises للكلافسان) لاقت أصداء جماهيرية كبيرة في شبه الجزيرة الإيبرية. وقد تركت إقامة سكارلاتي الطويلة في إسبانية آثاراً مزدهرة في مؤلفي الكلافسان الإسبانيين، ويظهر ذلك بوضوح في أعمال السوناتا[ر] Sonata للأب سولر A.Soler.
واشتهر موسيقيون إسبان آخرون خارج بلادهم مثل تيرّادِياس (1711-1751) D.Terradillas الذي يعد أحد رواد المدرسة النابوليتانية في إيطالية، ومارتن إي سولر (1754-1806) V.Martin Y Soler الذي عرف باسم مارتيني الإسباني. وقد نال مارتيني هذا شهرة واسعة في أوربة حتى إن موتسارت Mozart نفسه استعار إحد ألحانه ليضمنه أوبراه «دون جوفاني» Don Giovanni.
اتخذت الثرثويلا في القرن الثامن عشر أسماء عدة كالكوميديا والدراما الموسيقية وغيرهما، وأخذت «التوناديا» مكاناً بارزاً بين فصول المسرحية أو في نهايتها. وفي نهاية القرن، ظهر نوع جديد من المسرحيات سمي ميلولوغوس mélologos ثم ظهرت له أسماء مختلفة أخرى. وكانت موضوعات هذه المسرحيات دينية أو «ميتولوجية» أو تاريخية تأتي الموسيقى متفرقة بين أحداثها. واتخذ الأوراتوريو oratorio[ر.الأنشودة الدينية] أيضاً عدة أسماء كالدراما القدسية أو المجازية. إلا أن الجمهور لم يتفاعل مع المسرح الغنائي تفاعلاً جاداً إلا حين جاء باربييري (1823-1894) F.Barbieri وفتح الطريق بثرثويلاته الثمانين أمام زملائه المؤلفين الذين مهدوا السبيل فيما بعد إلى ألبينيث ودي فايا وغيرهما في تحقيق الأوبرا الوطنية.
وشهدت إسبانية في القرن التاسع عشر أحداثاً واضطرابات سياسية أثرت في مجرى الحياة الموسيقية فيها. ومع أن النصف الأول من هذا القرن كان عصر السمفونية الإبداعية والعازفين المهرة الذين اجتاحوا أوربة، فإنه لم يكن للموسيقيين الإسبانيين فيه صدى يذكر. ومع ذلك، فقد ظهر في بداية القرن بعض العازفين المبدعين مثل سور F.Sor (العازف على الغيتار) إضافة إلى دي أرّيغا (1806-1826)J.Crisostomo De Arriga (العازف على الكمان) الذي أطلق عليه لقب موتسارت الصغير. وفي النصف الثاني من هذا القرن، برع كل من ساراسات P.Sarasate في العزف على الكمان، وتارّيغا (1852-1909)F.Tarrega في العزف على الغيتار. كما ظهرت بداية تكوين الفرق الموسيقية الكبيرة «الأوركسترا السمفونية»، وتأسست جمعيات للحفلات الموسيقية ترأسها عدد كبير من الإسبانيين والأجانب المهرة.
أما الأغاني الراقصة الأندلسية، والأغاني الشعبية المرافقة بالغيتار أو البيانو فقد برزت في بداية القرن، وانتشرت الأغاني الوطنية، والأغاني الجوقية، وكذلك «الليد» lied [ر. الأغنية]. كما حدثت تبدلات في الموسيقى المسرحية، إذ طغى طابع المؤلفين الإيطاليين مثل روسّيني G.Rossini، وبليني[ر] V.Bellini، ومن ثم كانت ألحان فيردي[ر] G.Verdi لا تقاوم في منتصف القرن. واقتحمت «الواقعية الإيطالية» verismo المحافل الموسيقية في كل مكان. ومع أن بعض المؤلفين كانوا يحاولون إحياء الثرثويلا وابتكار أنواع هازلة منها، فأن الإهمال لازمها.
ولم يخل هذا القرن أيضاً من بعض المهتمين بالعلوم الموسيقية. فقد ظهر مؤلفون وكتّاب وعلماء موسيقيون مثل فْويرتِس (1817-1880) M.S.Fuertes ، وبِدريل F.Pedrell، كما تأسس المعهد الموسيقي «كونسرفاتوار» conservatoire في مدريد عام 1830 وحمل اسم الملكة ماري كريستين دي بوربون Marie- Christine de Bourbon التي خصته برعايتها.
الوضع في القرن العشرين: إن أهم ما يلفت النظر في القرن العشرين وجود ستة موسيقيين نالوا شهرة عالمية معظمهم مؤلفون أسهموا في النهضة الموسيقية الحديثة وهم: ألبينيث، وغرانادوس، ودي فايا، وتورينا، وعازف التشيلّو والمؤلف وقائد الأوركسترا كازالس[ر] P.Casals، وعازف الغيتار سِغوفيا[ر] A.Segovia. وقد شهدت بداية القرن ولادة عدد من المؤلفين المبدعين أيضاً مثل الأخوين رودولفو وإرنستو هالْفْتِر R. & E. Halffter اللذين أبدعا في مجال أعمال الباليه ballet، ورودريغو J.Rodrigo مؤلف حوارية (كونشرتو) الغيتار الشهير بـ «أرانْخْويث aranjuez»، إضافة إلى خِرهاردْ R.Gerhard الذي يُعدّ زعيماً للدوديكافونيين dodecaphonic [ر. الموسيقى] الإسبان.
وعلى غرار «الستة» les six في باريس (وهي جماعة ستة من المؤلفين الفرنسيين أسسوا عام 1920 اتجاهاً موسيقياً مناهضاً للانطباعية ومؤيداً لاتباعية جديدة neoclassicism) تألفت في مدريد عام 1930، جماعة «الثمانية» los ochos. إلا أن الحرب الأهلية فرّقتهم وعاش معظمهم خارج البلاد.
ويبدو على أكثر المؤلفين من الجيل الجديد أنهم متأثرون بالتقانة الفنية الحديثة التي يرون أنها تضفي على مؤلفاتهم الطابع العالمي. من هؤلاء: كريستوبال هالفتر، وبابلو L.Pablo الذين ولدا عام 1930. وإنثينار J.R.Encinar الذي ولد عام 1954. وقد شهدت بداية القرن كذلك أفول جمعية مدريد للحفلات الموسيقية، وظهور الأوركسترا السمفونية بقيادة أربوس E.F.Arbos. وكانت أوركسترا كاسالس تقيم حفلاتها في برشلونة من عام 1920 حتى عام .1936 وتأسست بعد ذلك فرقة منافسة هي الأوركسترا الفلهارمونية بقيادة بيريث كاساس B.Pérez Casas.
وبعد استقرار البلاد إثر انتهاء الحرب الأهلية فيها، ثبتت الأوركسترا الوطنية أقدامها. وكانت فرق موسيقية أخرى ومجموعات رباعيات وترية وغيرها لموسيقى الحجرة تسهم في الحركة الموسيقية في مناطق مختلفة. وقد برع عازفون منفردون solists كثيرون مثل كاسّادو (1897- 1966) G.Cassadóَ، وهو تلميذ كازالس، في العزف على التشيلّو، وإيتوربي (1895-1980)J.Iturbi في العزف على البيانو، وييبس (1927) N.F.Yepes في العزف على الغيتار، وثاباليتا (1907) N.Zabaleta في العزف على الهارب harp.
حسني الحريري