عكس علامات الشيخوخة لدى الفئران، فهل ينجح ذلك لدى البشر؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عكس علامات الشيخوخة لدى الفئران، فهل ينجح ذلك لدى البشر؟

    ناقش العلماء الذين يدرسون الشيخوخة السبب المُحرِّض لعملية الشيخوخة في الخلايا، وركزوا على الطفرات في الحمض النووي التي يمكن أن تخرِّب العمليات الطبيعية في الخلية مع مرور الوقت مؤدّيةً لبدء موت الخلية. ولكن لم تُدعَم هذه النظرية لأنّ الخلايا لدى كبار السن غير مليئة بالطفرات، ولأنّ الحيوانات أو الأشخاص الذين لديهم عدد أكبر من الخلايا الطافرة لا يشيخون قبل أوانهم.

    لذلك ركّز العلماء على جزء آخر من الجينوم يسمى الإبيجينوم. بما أنّ جميع خلايا الكائن الواحد لها نفس الحمض النووي، فإنّ الإيبيجينوم يحوِّل خلايا الجلد إلى خلايا جلدية وخلايا الدماغ إلى خلايا دماغية. ويحدث ذلك عبر إعطاء تعليمات مختلفة للخلايا المتنوعة والتي ترشدها إلى الجينات التي يجب التعبير عنها والتي يجب إسكاتها.

    يشبه علم مافوق الجينات التعليمات التي يعتمد عليها الخياطون لإنشاء قمصان أو سراويل أو سترات. يبدؤون العمل بنفس النسيج، لكنّ النمط هو من يحدد الشكل والوظيفة النهائية التي ستأخذها القطعة من الملابس. بالنسبة للخلايا، تؤدي التعليمات فوق الجينية إلى تشكيل خلايا ذات بنى ووظائف فيزيائية مختلفة في عملية تسمى التمايز.

    بعد مرور عقد على فوز عالم الأحياء شينيا ياماناكا من جامعة كيوتو بجائزة نوبل بالمشاركة مع علماء آخرين لاكتشافهم مزيجًا من البروتينات التي تعيد برمجة الخلايا البالغة إلى خلايا جذعية متعددة الاستخدامات، يقول فريقان من العلماء إنه يمكن في المستقبل لمجموعة من البروتينات أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بالنسبة لكائنات بأكملها مثل البشر.

    استخدم فريق من العلماء في إحدى شركات التقانة الحيوية تقنية العلاج الجيني لإيصال بعض مما يسمى بعوامل ياماناكا إلى الفئران المسنة، ما أدّى إلى إطالة فترة حياتها قليلًا. واتبع فريق آخر استراتيجية مماثلة لعكس التغييرات المرتبطة بالشيخوخة في الفئران المعدلة وراثيًا.

    في كلتا الحالتين، تبيّن أنّ عوامل ياماناكا قد استعادت جزءًا من إيبيجينوم الحيوانات، أي إن التعديلات الكيميائية على الحمض النووي والبروتينات تساعد على توجيه نشاط الجينات إلى حالة أكثر شبابًا. لكنّ العلماء الذين لم يشاركوا في العمل يقولون إن الاقتراحات حول إعادة العمر للوراء سابقة لأوانها.

    يقول مات كايبرلين، عالم الشيخوخة في جامعة واشنطن ، سياتل: «تستخدم هذه الدراسات عوامل إعادة البرمجة لعكس التغيرات فوق الجينية التي تحدث أثناء الشيخوخة، لكن هذا بعيد كلّ البعد عن جعل حيوان عجوز شابًا مرة أخرى».

    وَجدَت عدّة مجموعات أن الفئران المعدلة وراثيًا التي تبدأ بالتعبير عن عوامل ياماناكا في مرحلة البلوغ تبدي عكسًا لبعض أعراض الشيخوخة.

    لإيجاد طريقة تسمح بعلاج قابل للتطبيق على الأشخاص، حقنت شركة Rejuvenate Bio فئرانًا مسنة (عمرها 124 أسبوعًا) بالفيروسات المرتبطة بالفيروسات الغدية (AAVs) التي حمّلوها جينات لثلاثة من هذه العوامل والمعروفة جميعها باسم OSK.

    حسبما ذكرت الشركة في مجلة bioRxiv، عاشت هذه الحيوانات 18 أسبوعًا إضافيًا في المتوسط، مقارنةً بالمجموعة المرجعية التي عاشت 9 أسابيع. وقد استعادت هذه الحيوانات جزئيًا أنماط متيلة الحمض النووي -وهو نوع من العلامات فوق الجينية- النموذجية للحيوانات الأصغر سنًا. على الرغم من أن بعض الدراسات أشارت إلى أن عوامل ياماناكا يُمكن أن تُعزّز السرطان، يقول نوا ديفيدسون، كبير المسؤولين العلميين في شركة Rejuvenate وأحد المؤسسين لها، أنّ الشركة لم تجد حتى الآن أيّ آثار سلبية واضحة على الفئران في ضوء العلاج الجيني.

    يقول ستيفن أوستاد الذي يدرس بيولوجيا الشخوخة من جامعة ألاباما، برمنغهام: «إنه أمر مشوق، وربما يكون قفزة نوعية. لكن يجب أن تكرر هذه النتائج وتُفهَم الآلية قبل أن نجزم بالأمر».

    أمّا عن الدراسة الثانية، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة Cell، فهي من فريق بقيادة ديفيد سينكلير، عالم الوراثة بكلية الطب بجامعة هارفارد الذي دعم سابقًا العديد من المداخلات المثيرة للجدل “المضادة للشيخوخة” على مدى العقدين الماضيين.

    شرع فريق سينكلير في اختبار “نظرية المعلومات الخاصة بالشيخوخة”، التي تفترض أن أجسادنا تتقدّم في السن بسبب الفقد التراكمي للعلامات فوق الجينية، وأن آليات إصلاح الحمض النووي للخلايا -التي تعمل طوال عمر الكائن لإصلاح الأضرار التي تصيب الحمض النووي- هي التي تؤدي لفقد هذه العلامات.

    لاختبار النظرية لدى الثدييات، أنتج فريق العلماء عبر الهندسة الوراثية سلالة فئران تصنع -عند إعطائها دواءً معينًا- إنزيمًا يقطع الحمض النووي الخاص بها في 20 موقعًا في الجينوم، تُصلح لاحقًا عبر آليات إصلاح الحمض النووي. وتبع ذلك تغييرات شاسعة في أنماط مثيلة الحمض النووي للخلايا والتعبير الجيني، وهذا يتفق مع نظرية سنكلير. انتهى الأمر بالفئران بامتلاكهم بصمة فوق جينية أشبه بتلك التي تملكها الحيوانات الأكبر سنًا، وتدهورت صحتها. ففي غضون أسابيع، فقدت الفئران الشعر والصباغ. وفي غضون أشهر، ظهرت عليها أعراض ضعف عديدة وشيخوخة في الأنسجة.

    لمعرفة ما إذا كان التدهور فوق الجيني قابلًا للعكس، حقن الباحثون بعض هذه الفئران التي تبدو مسنة بـواسطة AAVs التي تحمل جينات OSK التي أفادت مجموعة سينكلير مؤخرًا أنها يمكن أن تعكس فقدان الرؤية في القوارض المسنة.

    أشارت التحليلات التي أُجريت على عضلات الفئران والكليتين وشبكية العين إلى أنّ مجموعة البروتينات هذه عكست بعض التغيّرات فوق الجينية التي تسببها الكسور في الحمض النووي. تُشير هذه النتائج إلى طريقة لتوجيه عمر الحيوان “إلى الأمام والخلف”، كما يقول سينكلير، تدعم هذه النتائج أيضًا فكرة علاجات الشيخوخة التي تستهدف الإيبيجينوم لدى البشر.

    أشاد عالم الأحياء الجُزيئية وولف ريك -مدير معهد ألتوس كامبردج للعلوم الذي افتُتِح العام الماضي من قبل شركة Altos Labs التي تركز على إعادة الشباب- بتطور وشموليّة دراسة فريق هارفارد، لكنّه يقول إن طريقة الفريق غير المباشرة لتحفيز حصول تغييرات فوق جينية تؤدي إلى حصول أذيّات كبيرة في الحمض النووي ويمكن أن يكون لها تأثيرات أخرى تجعل من الصعب إثبات أن هذه التغييرات هي المُسببة الشيخوخة.

    يقول جان فيج، عالم الوراثة في كلية ألبرت أينشتاين للطب، إنه من غير الواضح أيضًا مدى قدرة الفئران التي تعرّضت لأذيات في حمضها النووي على التقدم بالسن بشكل طبيعي.

    ويُؤكّد وولف ريك وغيره على أنّ الشيخوخة عملية معقدة تشارك فيها العديد من العوامل، وأنه في كلتا الورقتين البحثيّتين، كانت تأثيرات علاج OSK متواضعة: إطالة بسيطة لمدى الحياة في أحد الدراستين ، وعكس جزئي للأعراض المحفِّزة صناعياً في الآخر.

    يقول فيج: «لايُبرِّر لنا هذا البحث استنتاج أن التقدم في العمر عبارة عن برنامج من الممكن إعادته للوراء». ومع ذلك، تريد كلتا المجموعتين نقل دراستهما للمرحلة السريرية.

    يقول ديفيدسون إن شركة Rejuvenate تدرس الآليات الكامنة وراء عمل العلاج وتعديل طريقة توصيله وتكوينه. ويضيف: «ليس بالضرورة أن تكون OSK هي المجموعة النهائية من العوامل».

    يقول سنكلير إن فريقه بدأ باختبار OSK بإيصاله عبر AAV في عيون القرود: «إذا نجحت هذه الدراسات على القرود وبدا كل شيء آمنًا بما يكفي للإنسان، فالخطة هي التقدم مباشرة إلى إدارة الغذاء والدواء FDA لإجراء دراسة على واحد أو أكثر من أمراض العمى المرتبطة مع التقدم بالعمر».
يعمل...
X