إبراهيم العريس
لغز الجزء الممحي من لوحة عائلية أثارت غضباً وقطيعة وأضحكت فرنسا الفنية زمناً
في هذه الأيام بالذات يقفل أبوابه واحد من أهم المعارض الفنية التي شهدتها باريس في متحف الأورساي خلل الآونة الأخيرة، ليجمع في نوع من المقارنة التي خرج منها الفنانان إدوار مانيه وإدغار ديغا اللذان شاركت أعمال لهما في المعرض الثنائي، متعادلين. وسيعد هذا التعادل نقطة لصالح ديغا الذي كان غالبا ما يأتي في مكانة تالية لمكانة مانيه في تراتبية رسامي القرن التاسع عشر الفرنسي. هذه المرة بدت أعمال ديغا أكثر تجانساً وتنوعاً وواقعية على ضوء مجاورتها أعمال مانيه الذي اعتبر دائماً بتلمذته المميزة على الفن الإسباني، سيداً كبيراً في مجال الرسم، بل أكثر من ذلك استعادت مكانة ديغا الشخصية ألقها بعد عقود طويلة استند فيها العارفون فرسم صورة شخصية له إلى توصيف جان رينوار – السينمائي الكبير وابن بيار أوغست رسام الانطباعية الكبير - لديغا توصيفاً يخلو من أناقة جاعلاً من رسام راقصات الباليه وجياد السباق شخصاً نفوراً يزعج عائلة رينوار كلما زار صديقه الرسام، ويثير بخاصة نفور جان الذي عرفه فتى ولم يحبه. في المعرض ومن خلال ردود الفعل تبدلت صورة ديغا. غير أن ذلك التبدل إنما أتى خاصة من خلال استعادة حكاية لوحة لديغا تعود إلى عام 1885، أثارت شرخاً كبيراً استعيدت تفاصيله لمناسبة المعرض، والحكاية هي تلك اللوحة رسم فيها ديغا أمسية من المفروض أنها لطيفة وحميمة بين مانيه وزوجته. ومن المعروف أن تركيبة اللوحة قد حيرت كثراً مثيرة تساؤلات حائرة منذ ظهورها للمرة الأولى، وقليلاً ما تمكن أحد من تقديم رواية واقعية عنها.
أمسية لم تعبر
فاللوحة (التي يبلغ ارتفاعها 65 سم ومقابل عرض يزيد قليلاً على 71 سنتيمتراً)، تثير الحيرة من جراء قطعة قماش باهت اللون يشغل ما لا يقل عن ثلث عرضها وكأن يداً محت ما كان مرسوماً في ذلك الجانب الأيمن من اللوحة على أمل العودة لاستكمالها ولم تفعل. مهما يكن تبدو هذه الـ"كأن" هنا غير ضرورية، فذلكم هو الواقع وتلكم هي الحكاية. أما اليد المعنية فهي يد مانيه نفسه كما سنرى على الفور. فالذي حدث هو أن ديغا تمكن في تلك الأمسية التي كانت واحدة من أمسيات عديدة يمضيها في بيت الزوجين، من أن يخط بالقلم اسكتشاً سريعاً سيقال إنه خطه دون تنبه من صديقين، لمشهد فتنه: مشهد مانيه مستلقياً على الكنبة نصف نائم/ نصف متأمل فيما زوجته الهولندية التي كانت مشهورة بعزفها البارع على آلة البيانو، تعزف له كما تفعل كل ليلة، مقطوعة موسيقية مندمجة فيها. حتى الآن كل هذا منطقي كما تقول الحكاية وما كان من شأنه أن يبدل من تلقي اللوحة حين رسمها ديغا لاحقاً في محترفه ليتوجه بها فرحاً إلى منزل مانيه ويقدمها له على أساس أنها هدية/ مفاجأة، بيد أن المفاجأة ستكون في مكان آخر: إذ بعد مغادرة ديغا البيت فرحاً بأنه قدم اللوحة لمانيه الذي كان قد سبق له أن أهداه قبل فترة عربوناً لصداقتهما الوثيقة، لوحة "طبيعة صامتة مع دراق" أحبها ديغا كثيراً وعلقها يومها في صدر صالون منزله.
غضب متبادل
إذاً بعد مغادرة ديغا في تلك الأمسية راح مانيه يتأمل اللوحة وقد بدأ غضبه يتصاعد واشمئزازه من اللوحة يفرض نفسه، ولقد طاول الاشمئزاز أول ما طاول بروفيل زوجته الذي اعتبره مانيه مسيئاً إليها يظهر قبحها بدلاً من أن يحسن من شأنه، حتى وإن كانت جلستها بديعة والمشهد كله مقبولاً على رغم ما يبدو على مانيه في اللوحة من ضجر وعدم اهتمام جدي بما تعزفه زوجته هو الذي كان معروفاً عنه على أية حال عدم حبه للموسيقى من ناحية، وخيانته لزوجته من ناحية أخرى، لكنه لئن كان لا يمانع في أن تسفر جلسته وملامحه "اللامبالية" في اللوحة، عن سريان هذا الانطباع عنه، كان يفضل طبعاً ألا يكونا مجرد رد فعل على عزف زوجته مهما كان الأمر. وهكذا لم يكن منه إلا أن تناول مقصاً اجتزأ به من اللوحة ثلثها الأيمن بحيث أبقى البورتريه الخاص به كما هو مكتفياً من "العازفة" بأن يبدو منها ظهرها وجلستها لا أكثر، بالتالي صار البورتريه يعبر عن موقف فنان من الموسيقى بشكل عام دون أن يفهم أحد علاقة الزوجة بالموقف. لم تعد اللوحة على هذه الشاكلة قادرة على أن تعكس سلوكاً عائلياً سيئاً. وهكذا علق مانيه في صالونه الجزء الباقي من اللوحة وأخفى إلى الأبد الجزء المقصوص.
نقص أبدي
وطبعاً كان يمكن للحكاية أن تقف هنا لو أن مانيه أخفى ما تبقى من اللوحة كلها ولم يرها ديغا على تلك الشاكلة المجتزأة، لكن ديغا وفي زيارة تالية لبيت مانيه، رأى بأم عينيه ما اقترفه زميله في حق لوحته فجن جنونه وانتزع اللوحة من على الجدار وغادر البيت الواقع في شارع سانت بطرسبورغ الباريسي خابطاً الباب وراءه "دون أن يلقي التحية على مانيه"، بحسب ما نقل عن جامع اللوحات إمبرواز فولار صديق الرسامين الذي سيمضي وقتاً طويلاً بعد ذلك في محاولة إعادة العلاقات بينهما. أما قبل ذلك فإن ديغا ما إن وصل إلى شقته متأبطاً لوحته حتى أتى بقطعة قماش ألصقها مكان الجزء المقصوص وهو عازم على إعادة اللوحة إلى شكلها الأصلي، لكنه سيموت بعد سنوات طويلة دون أن يفعل ذلك. وهو بعد أن أعاد للوحة حجمها الأول تاركاً فراغاً أبيض اللون قال لنفسه أنه سيعود لملئه لاحقاً، انتزع من جدار صالونه لوحة "الدراق" لمانيه وأرسلها بالبريد إلى بيت هذا الأخير في شارع سانت بطرسبورغ مع بطاقة كتب عليها: "أيها السيد... ها أنذا أعيد إليك دراقاتك". وسيقول فولار نفسه إن ديغا فعل ذلك انتصاراً لكرامته الفنيه مع أنه كان شغوفاً بلوحة مانيه الصغيرة تلك.
زوبعة في فنجان
لقد واصل فولار حينها محاولات الصلح التي بدت له شديدة الصعوبة أول الأمر، ولا سيما من جانب مانيه الذي لن يتقارب مجدداً من صديقه القديم إلا في عام 1866، أي بعد عام من الأزمة. ويبدو أنه لم يفعل إلا بعد أن عوض على كرامته الفنية بإنجازه في ذلك العام لوحة صغيرة الحجم (أكثر من 38 سنتيمتراً ارتفاعاً مقابل نحو 47 سنتيمتراً عرضاً، وتوجد اليوم في متحف الأورساي نفسه). والطريف أن النقاد سيتساءلون عن موقف مانيه بالنظر إلى أن اللوحة التي رسمها لزوجته رداً على رسم مانيه لها صورت تلك الزوجة المسكينة قبيحة أكثر كثيراً مما فعل ديغا وظهرت وحدها في اللوحة دون أن يكون هو جمهور ذلك العزف الوحيد كما صوره ديغا في اللوحة الأخرى. ويقيناً أن كثراً قالوا في معرض تعليقاتهم يومها أن غضب مانيه إنما كان زوبعة في فنجان وأن الضحية في ذلك كله إنما كان ديغا لا الزوجة التي لم يعرف أحد رأيها في أي من اللوحتين.
استقرار ياباني
مهما يكن من أمر سيتمكن فولار في النهاية من مصالحة الرجلين وسيكون ديغا الأكثر تسامحاً، إذ حين فاتحه فولار بالأمر قال له أخيراً بكل بساطة، "... أجل يا صديقي، فالواحد لا يمكنه أبداً أن يبقى على قطيعة مع مانيه". وتصالح الصديقان بشرط ألا يعودا أبداً إلى ذكر ما حدث. أما لوحة "الدراق" التي سيعود ديغا مراراً وتكراراً إلى التعبير عن كم أنه كان يحبها ويأسف لفقدانه إياها في سورة غضبه، فإن مانيه سيسارع إلى بيعها لفولار الذي سيحقق من بيعها ربحاً كبيراً لن يحصل ديغا على أي نزر منه، هو الذي سيتمكن على أية حال من بيع لوحة "السيد والسيدة مانيه" بحالتها المزرية التي لم يتح له أبداً من الوقت أو المزاج ما يمكنه من إعادتها إلى حالتها الطبيعية كما كان قد وعد نفسه، وهي بقيت تتداول من يد إلى يد في مجموعة خاصة حتى استقرت أخيراً حيث هي اليوم في "متحف كيتاكيوشو البلدي" في اليابان، حيث من الغريب أن نقصها لا يثير أية أسئلة فضولية لدى الزائرين المحليين.
لغز الجزء الممحي من لوحة عائلية أثارت غضباً وقطيعة وأضحكت فرنسا الفنية زمناً
في هذه الأيام بالذات يقفل أبوابه واحد من أهم المعارض الفنية التي شهدتها باريس في متحف الأورساي خلل الآونة الأخيرة، ليجمع في نوع من المقارنة التي خرج منها الفنانان إدوار مانيه وإدغار ديغا اللذان شاركت أعمال لهما في المعرض الثنائي، متعادلين. وسيعد هذا التعادل نقطة لصالح ديغا الذي كان غالبا ما يأتي في مكانة تالية لمكانة مانيه في تراتبية رسامي القرن التاسع عشر الفرنسي. هذه المرة بدت أعمال ديغا أكثر تجانساً وتنوعاً وواقعية على ضوء مجاورتها أعمال مانيه الذي اعتبر دائماً بتلمذته المميزة على الفن الإسباني، سيداً كبيراً في مجال الرسم، بل أكثر من ذلك استعادت مكانة ديغا الشخصية ألقها بعد عقود طويلة استند فيها العارفون فرسم صورة شخصية له إلى توصيف جان رينوار – السينمائي الكبير وابن بيار أوغست رسام الانطباعية الكبير - لديغا توصيفاً يخلو من أناقة جاعلاً من رسام راقصات الباليه وجياد السباق شخصاً نفوراً يزعج عائلة رينوار كلما زار صديقه الرسام، ويثير بخاصة نفور جان الذي عرفه فتى ولم يحبه. في المعرض ومن خلال ردود الفعل تبدلت صورة ديغا. غير أن ذلك التبدل إنما أتى خاصة من خلال استعادة حكاية لوحة لديغا تعود إلى عام 1885، أثارت شرخاً كبيراً استعيدت تفاصيله لمناسبة المعرض، والحكاية هي تلك اللوحة رسم فيها ديغا أمسية من المفروض أنها لطيفة وحميمة بين مانيه وزوجته. ومن المعروف أن تركيبة اللوحة قد حيرت كثراً مثيرة تساؤلات حائرة منذ ظهورها للمرة الأولى، وقليلاً ما تمكن أحد من تقديم رواية واقعية عنها.
أمسية لم تعبر
فاللوحة (التي يبلغ ارتفاعها 65 سم ومقابل عرض يزيد قليلاً على 71 سنتيمتراً)، تثير الحيرة من جراء قطعة قماش باهت اللون يشغل ما لا يقل عن ثلث عرضها وكأن يداً محت ما كان مرسوماً في ذلك الجانب الأيمن من اللوحة على أمل العودة لاستكمالها ولم تفعل. مهما يكن تبدو هذه الـ"كأن" هنا غير ضرورية، فذلكم هو الواقع وتلكم هي الحكاية. أما اليد المعنية فهي يد مانيه نفسه كما سنرى على الفور. فالذي حدث هو أن ديغا تمكن في تلك الأمسية التي كانت واحدة من أمسيات عديدة يمضيها في بيت الزوجين، من أن يخط بالقلم اسكتشاً سريعاً سيقال إنه خطه دون تنبه من صديقين، لمشهد فتنه: مشهد مانيه مستلقياً على الكنبة نصف نائم/ نصف متأمل فيما زوجته الهولندية التي كانت مشهورة بعزفها البارع على آلة البيانو، تعزف له كما تفعل كل ليلة، مقطوعة موسيقية مندمجة فيها. حتى الآن كل هذا منطقي كما تقول الحكاية وما كان من شأنه أن يبدل من تلقي اللوحة حين رسمها ديغا لاحقاً في محترفه ليتوجه بها فرحاً إلى منزل مانيه ويقدمها له على أساس أنها هدية/ مفاجأة، بيد أن المفاجأة ستكون في مكان آخر: إذ بعد مغادرة ديغا البيت فرحاً بأنه قدم اللوحة لمانيه الذي كان قد سبق له أن أهداه قبل فترة عربوناً لصداقتهما الوثيقة، لوحة "طبيعة صامتة مع دراق" أحبها ديغا كثيراً وعلقها يومها في صدر صالون منزله.
غضب متبادل
إذاً بعد مغادرة ديغا في تلك الأمسية راح مانيه يتأمل اللوحة وقد بدأ غضبه يتصاعد واشمئزازه من اللوحة يفرض نفسه، ولقد طاول الاشمئزاز أول ما طاول بروفيل زوجته الذي اعتبره مانيه مسيئاً إليها يظهر قبحها بدلاً من أن يحسن من شأنه، حتى وإن كانت جلستها بديعة والمشهد كله مقبولاً على رغم ما يبدو على مانيه في اللوحة من ضجر وعدم اهتمام جدي بما تعزفه زوجته هو الذي كان معروفاً عنه على أية حال عدم حبه للموسيقى من ناحية، وخيانته لزوجته من ناحية أخرى، لكنه لئن كان لا يمانع في أن تسفر جلسته وملامحه "اللامبالية" في اللوحة، عن سريان هذا الانطباع عنه، كان يفضل طبعاً ألا يكونا مجرد رد فعل على عزف زوجته مهما كان الأمر. وهكذا لم يكن منه إلا أن تناول مقصاً اجتزأ به من اللوحة ثلثها الأيمن بحيث أبقى البورتريه الخاص به كما هو مكتفياً من "العازفة" بأن يبدو منها ظهرها وجلستها لا أكثر، بالتالي صار البورتريه يعبر عن موقف فنان من الموسيقى بشكل عام دون أن يفهم أحد علاقة الزوجة بالموقف. لم تعد اللوحة على هذه الشاكلة قادرة على أن تعكس سلوكاً عائلياً سيئاً. وهكذا علق مانيه في صالونه الجزء الباقي من اللوحة وأخفى إلى الأبد الجزء المقصوص.
نقص أبدي
وطبعاً كان يمكن للحكاية أن تقف هنا لو أن مانيه أخفى ما تبقى من اللوحة كلها ولم يرها ديغا على تلك الشاكلة المجتزأة، لكن ديغا وفي زيارة تالية لبيت مانيه، رأى بأم عينيه ما اقترفه زميله في حق لوحته فجن جنونه وانتزع اللوحة من على الجدار وغادر البيت الواقع في شارع سانت بطرسبورغ الباريسي خابطاً الباب وراءه "دون أن يلقي التحية على مانيه"، بحسب ما نقل عن جامع اللوحات إمبرواز فولار صديق الرسامين الذي سيمضي وقتاً طويلاً بعد ذلك في محاولة إعادة العلاقات بينهما. أما قبل ذلك فإن ديغا ما إن وصل إلى شقته متأبطاً لوحته حتى أتى بقطعة قماش ألصقها مكان الجزء المقصوص وهو عازم على إعادة اللوحة إلى شكلها الأصلي، لكنه سيموت بعد سنوات طويلة دون أن يفعل ذلك. وهو بعد أن أعاد للوحة حجمها الأول تاركاً فراغاً أبيض اللون قال لنفسه أنه سيعود لملئه لاحقاً، انتزع من جدار صالونه لوحة "الدراق" لمانيه وأرسلها بالبريد إلى بيت هذا الأخير في شارع سانت بطرسبورغ مع بطاقة كتب عليها: "أيها السيد... ها أنذا أعيد إليك دراقاتك". وسيقول فولار نفسه إن ديغا فعل ذلك انتصاراً لكرامته الفنيه مع أنه كان شغوفاً بلوحة مانيه الصغيرة تلك.
زوبعة في فنجان
لقد واصل فولار حينها محاولات الصلح التي بدت له شديدة الصعوبة أول الأمر، ولا سيما من جانب مانيه الذي لن يتقارب مجدداً من صديقه القديم إلا في عام 1866، أي بعد عام من الأزمة. ويبدو أنه لم يفعل إلا بعد أن عوض على كرامته الفنية بإنجازه في ذلك العام لوحة صغيرة الحجم (أكثر من 38 سنتيمتراً ارتفاعاً مقابل نحو 47 سنتيمتراً عرضاً، وتوجد اليوم في متحف الأورساي نفسه). والطريف أن النقاد سيتساءلون عن موقف مانيه بالنظر إلى أن اللوحة التي رسمها لزوجته رداً على رسم مانيه لها صورت تلك الزوجة المسكينة قبيحة أكثر كثيراً مما فعل ديغا وظهرت وحدها في اللوحة دون أن يكون هو جمهور ذلك العزف الوحيد كما صوره ديغا في اللوحة الأخرى. ويقيناً أن كثراً قالوا في معرض تعليقاتهم يومها أن غضب مانيه إنما كان زوبعة في فنجان وأن الضحية في ذلك كله إنما كان ديغا لا الزوجة التي لم يعرف أحد رأيها في أي من اللوحتين.
استقرار ياباني
مهما يكن من أمر سيتمكن فولار في النهاية من مصالحة الرجلين وسيكون ديغا الأكثر تسامحاً، إذ حين فاتحه فولار بالأمر قال له أخيراً بكل بساطة، "... أجل يا صديقي، فالواحد لا يمكنه أبداً أن يبقى على قطيعة مع مانيه". وتصالح الصديقان بشرط ألا يعودا أبداً إلى ذكر ما حدث. أما لوحة "الدراق" التي سيعود ديغا مراراً وتكراراً إلى التعبير عن كم أنه كان يحبها ويأسف لفقدانه إياها في سورة غضبه، فإن مانيه سيسارع إلى بيعها لفولار الذي سيحقق من بيعها ربحاً كبيراً لن يحصل ديغا على أي نزر منه، هو الذي سيتمكن على أية حال من بيع لوحة "السيد والسيدة مانيه" بحالتها المزرية التي لم يتح له أبداً من الوقت أو المزاج ما يمكنه من إعادتها إلى حالتها الطبيعية كما كان قد وعد نفسه، وهي بقيت تتداول من يد إلى يد في مجموعة خاصة حتى استقرت أخيراً حيث هي اليوم في "متحف كيتاكيوشو البلدي" في اليابان، حيث من الغريب أن نقصها لا يثير أية أسئلة فضولية لدى الزائرين المحليين.