اسكندرونه (لواء)
Iskenderun - Iskenderun
الاسكندرونة (لواء ـ )
صقع من بلاد الشام نُسب إلى مدينة الاسكندرونة، التي أقيمت على بعض أنقاض المدينة الفينيقية السابقة ميرياندروس على يد أنتيغون (أحد قواد الاسكندر المقدوني). وكان تأسيسها عام 333 ق.م. ويقال لهذا الصقع «السنجق» و«اللواء» في مقابل مايعرف باسم «المحافظة» في التقسيمات الإدارية السورية القائمة اليوم.
كان لواء اسكندرونة موطن الجراجمة والمَردَة وجزءاً من الثغور الشامية على الحدود الشمالية الغربية لدار الخلافة الأموية والعباسية في مواجهة الروم البيزنطيين.
وقد يكتب الاسم «اسكندرون» في بعض المصادر.
الأوضاع الجغرافية الطبيعية
1 ـ التضاريس: تضاريس لواء الاسكندرونة امتداد طبيعي لتضاريس الغرب السوري الواقعة على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط (إقليم الساحل والجبال الساحلية وإقليم حوض العاصي). وتتألف هذه التضاريس من شريطين متباينين هما: الجبال والغور. والسبب في التباين الذي يصل فرق الارتفاع معه إلى نحو 2000م، هو أن اللواء يعد النهاية الشمالية لوحدة بنائية (تكتونية) كبرى هي الانهدام السوري ـ الإفريقي الذي يمتد مسافة 6000كم من نهر الزامبيزي في موزامبيق في الجنوب حتى مرعش في شمال اللواء. والوحدة البنائية هذه مازالت في طور التكوين وغير مستقرة تؤكدها الهزات والزلازل التي ضربت المنطقة وضربت مدينة أنطاكية وغيرها أكثر من مرة، وكان أخطرها زلزال عام 256م، الذي راح ضحيته نحو 250000 نسمة.
أ ـ الجبال: تتألف جبال اللواء من سلسلة شريطية قوسية محدبة نحو الشرق هي جبال اللّكام (الأمانوس) الممتدة من الشمال والشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي مسافة 90كم بعرض متوسط قدره 15كم. وهي سلسلة متفرعة من جبال طوروس وتنتهي في الجنوب الغربي في رأس الخنزير حيث تغيب في مياه البحر المتوسط مباشرة. وتؤلف جبال اللكام سلسلة متماسكة متوسط ارتفاعها يزيد على 1500م وأعلى قمة فيها 2262 م في مغرتِبَه (بوزداغ)، وتشرف على خليج الاسكندرونة والسهول الساحلية في الغرب بسفوح شديدة الانحدار نسبياً. كما تشرف على سهل العمق وغوره ووادي نهر الأسود (قره صو) في الشرق بسفوح أشد انحداراً. ولا يخترقها سوى ممر واحد هو ممر (شعب) بيلان الذي يرتفع 687 م فوق سطح البحر، ويفصل بين كتلة اللّكام الجنوبية التي تعرف بالجبل الأحمر (قِزِل داغ 1795م)، ومن أقسامها جبل موسى (1241م)، وكتلة اللكام الشمالية، ومن أقسامها جبل الكافر (كاوورداغ).
تتصف جبال اللكام بظهور الصخور الخضراء الاندفاعية في بنية كتلتها الجنوبية وفي أجزاء من الكتلة الشمالية، في حين تتنوع الصخور في معظم بنية كتلتها الشمالية فتظهر فيها الصخور الكلسية والدولوميتية والرملية وغيرها من صخور الحِقَب الجيولوجية الأربعة.
تنتهي جبال اللكام في الجنوب بخانق نهر العاصي الأدنى، الذي ترتفع جنوبه كتلة جبل الزيارة (1234م) وجبل الأقرع (1728م) في الغرب وتِلال القُصَير في الشرق.
ويبرز جبل الأقرع بشكله المخروطي وصخوره الكلسية عالياً عند نهاية الحدود بين اللواء ومحافظة اللاذقية على البحر. أما في جبل الزيارة وتِلال القُصَير فتتنوع الصخور مع غلبة الصخور المارنية والكلسية والخضراء العائدة للحقبين الثاني والثالث، في حين تغلب التوضعات اللحقية الرباعية في وادي العاصي، الذي يرسم فيها أكواعه المترنحة. كما تتألف من الترسبات الرباعية توضعات الشريط السهلي الساحلي الضيق في سهل اسكندرونة وسهل أرسوز.
ب ـ الغور: يمتد الغور إلى الشرق من جبال اللّكام وإلى الشمال من تلال القصير، وجبال باريشا والوسطاني والأعلى في أراضي محافظة إدلب[ر]، وإلى الغرب من جبل الأكراد. وهو منخفض انهدامي ضيق في الشمال (15-20كم) ومتسع في الجنوب (نحو 50كم)، ومتوسط ارتفاعه بين 130-140م فوق سطح البحر، ويؤلف شريطاً غورياً منبسط القاع، يضم وادي النهر الأسود (قره صو) في الشمال، ومنخفض سهل العمق في الجنوب. وللغور امتداد في الشمال ينتهي في منطقة مرعش. وتقع أخفض أقسامه على ارتفاع 80م فوق سطح البحر، حيث كانت بحيرة العمق ومستنقعاتها قبل التجفيف. ويتسع سهل العمق بلسان شرقي يؤلف المجرى الأدنى لنهر عفرين ومصبه في البحيرة. ويمكن التمييز في شريط الغور بين القسم الشمالي الأكثر ارتفاعاً ويتألف في معظمه من صخور اندفاعية ومسكوبات بركانية ثلاثية العمر تعرف باللّجاة (أو اللجة)، والقسم الجنوبي وأودية الأنهار التي تنتهي إليه، وهو أخفض وتغلب عليه الترسبات الرباعية اللحقية والبحيرية ـ المستنقعية.
وتجدر الإشارة إلى أن نهر العاصي يجري على الأطراف الجنوبية لسهل العمق قريباً جدا ً من منخفض البحيرة ومستنقعاتها (نحو 900م) من دون أن يصب فيها، بل يتابع جريانه نحو الغرب والجنوب الغربي، ويتلقى مياه شريط الغور كلها عن طريق النهر الأسود الذي كان يفرغ فائض البحيرة والمستنقعات من المياه. وكان يطلق على هذا الجزء من النهر الأسود اسم نهر العاصي الصغير.
2ـ المناخ والمياه: تغلب في أنحاء لواء الاسكندرونة أحوال المناخ المتوسطي لشرق البحر المتوسط، الموسومة بصيف جاف وحار وشتاء مطير معتدل إلى بارد. وتبين المعطيات التالية متوسطات حرارة الساحل (مركز الاسكندرونة) والداخل (مركز أنطاكية) بالدرجات المئوية:
المركز | المتوسط السنوي | متوسط الصيف | متوسط الشتاء | الحرارة الدنيا المطلقة | الحرارة العظمى المطلقة |
الاسكندرونة | 19.5 | 28.1 | 10.6 | -6 | 43 |
أنطاكية | 18.1 | 27.7 | 8 | -14.6 | 42.7 |
إن لخليج الاسكندرونة وموقعه في أقصى الزاوية الشمالية الشرقية للبحر المتوسط، ولعروضه الجغرافية الانتقالية والشمالية للمناخ المتوسطي، وللتباينات في الارتفاعات بين شريطي الجبال والغور، أكبر الأثر في الاختلافات المناخية بين مكان وآخر في اللواء.
أما المياه فاللواء غني بالمياه السطحية، وتمثلها شبكة نهر العاصي الأدنى ورافداه: النهر الأسود ونهر عفرين. وتقدر غزارة العاصي قبيل مصبه بنحو 86م3/ثا وسطياً. ويتلقى العاصي ورافداه مياه كثير من النهيرات والجداول والسيول الهابطة من الجبال المشرفة على أوديتها. وهناك أنهار قصيرة وسريعة الجريان تهبط من السفوح الغربية لجبال اللكام وتنتهي في البحر مباشرة، منها أنهار: باياس ودرباني والقشلة وزللي ومنطرة وغيرها. وكانت بحيرة العمق، ومساحتها نحو 100كم2، تحتل قلب سهل العمق وتحيط بها مستنقعات تزيد مساحتها على 200كم2، تنتهي إليها مياه شبكتي النهر الأسود ونهر عفرين. لكن البحيرة ومعظم مستنقعاتها جففت بجر مياه نهر عفرين بقناة إلى النهر الأسود مباشرة، مما زاد في مساحة الأرض الزراعية وقلل من الفاقد المائي بالتبخر. ومع ذلك مازالت بقايا المستنقعات موجودة في الغور، كما توجد عند مصب العاصي وفي أشرطة السهل الساحلي.
تتألف نباتات اللواء من أنواع متوسطية متقهقرة أزال الإنسان معظمها من البقاع التي عمرها. وتتدرج الأنواع مع الارتفاع فتبدأ بأحراج الماكي حتى علو 1200م، تليها أشجار البلوط والسنديان والصنوبر والمخروطيات وغيرها. أما في الغور والمنخفضات فتظهر الأعشاب والنباتات المائية.
السكان: يرجع بدء إعمار المنطقة إلى العصر الحجري القديم، إذ عثر على بعض من آثاره في مغارة السويدية وغيرها. واستمر الإعمار في العصور التالية، فكان سهل العمق مركز حضارة تدل عليها المواقع والتلال التي كشف عنها في تل عطشانة (ألالاخ)[ر] وعشرات المواقع الأخرى. ويرجع سبب الإعمار المستمر للمنطقة إلى الأوضاع الجغرافية الطبيعية الملائمة وإلى أهمية الموقع الجغرافي. لذا كانت المنطقة ملتقى عناصر سكانية منذ القدم.
يتألف سكان اللواء من العرب وهم الغالبية والأتراك والأكراد والشركس وقلة من الأرمن. ولقد تغيرت نسبة هذه العناصر بحسب الأوضاع والأحوال السياسية التي مرت بها مسألة اللواء حتى اقتطاعه. ومازال العرب يؤلفون الأكثرية الساحقة حتى اليوم وخاصة في الأرياف، وأسطورة الهجرة العربية غير دقيقة إذ لم يهاجر من عرب اللواء أكثر من 4000 نسمة من أصل 180ألف نسمة، وكان العرب في عام 1937 يؤلفون 65٪ من نسبة السكان وظلوا كذلك حتى اليوم، والباقي من الأتراك والأرمن والأكراد والشركس عندما كان مجموع السكان 297080 نسمة، ومنذ عام 1939 أخذت نسبة السكان الأتراك ترتفع مع تحول اللواء إلى ولاية تركية سميت «هاتاي». ولاتعترف الإحصاءات والنشرات التركية بوجود عناصر غير تركية في اللواء اليوم، مع وجود أعداد كبيرة من العرب في كل مكان تقريباً في ريف اللواء ومدنه ووجود الأكراد في شماله الغربي والشركس في منطقة الريحانية ويني شهر وفي مدن جركس وأنطاكية وقرقخان. وثمة قلة من الأرمن تعيش على يمين نهر العاصي قرب مصبه. ويقدر عدد سكان لواء الاسكندرونة بنحو 890000 نسمة (1997)، يعيشون في 275 قرية وبلدة ومدينة تتبعها عشرات المزارع. وتبلغ الكثافة السكانية 170ن/كم2. وتزيد هذه الكثافة في المدن والسهول الساحلية وشريط الغور الجنوبي وتلال القصير، وتتراجع في المرتفعات والجبال. ويعيش أكثر من نصف السكان في مدن يزيد عدد سكانها على 10.000 نسمة. أبرزها: الاسكندرونة وأنطاكية (مركز الولاية) والسويدية وأوردو وقرقخان والريحانية والحربية. وتقدر نسبة الذكور بنحو 51.7٪ مقابل 48.3٪ للإناث، كما بلغت نسبة النمو السكاني 23 بالألف سنوياً في عقد الثمانينات والتسعينات.
الأوضاع الاقتصادية
توجد في اللواء مكامن للحديد والكروم والأسبست وبعض الذهب في الجبال، لكن احتياطي هذه الثروات قليل جداً واستخراجها غير مجدٍ اقتصادياً. لذا قام الاقتصاد المحلي على استثمار الثروات الطبيعية السطحية من مياه وأحوال مناخية ملائمة، وعلى استغلال الترب الخصبة في السهول وأودية الأنهار والتلال والسفوح القدمية للجبال لممارسة الزراعة وتربية الحيوانات. وكان القطاع الزراعي ومازال عماد الإنتاج والعيش في اللواء على ما حققه القطاع الصناعي والسياحي من تطور واضح ونمو متزايد.
1 ـ الزراعة: يدخل اللواء في نطاق الأقاليم المناخية الزراعية ذات الشروط الجيدة لممارسة العمل الزراعي، فعلى تخوم إقليم الغابات الزراعي الانتقالي في الغرب يمتد إقليم الأشجار المثمرة والخضر، وإقليم الزراعات الواسعة في الشرق. وتؤلف الزراعة العنصر الرئيس للحياة الاقتصادية في اللواء، وعمادها الأرض الزراعية التي تقترب مساحتها من نصف مساحة اللواء، وتدخل في منطقة الاستقرار الزراعي الأولى، فالزراعة مضمونة باعتماد الأمطار وازدياد المساحات المروية.
وينتشر استثمار الغابات في شريط جبال اللكام، في حين تستثمر المرتفعات الجنوبية مراعي بالدرجة الأولى. أما السفوح والمنبسطات والسهول الصالحة للزراعة فيستغلها الإنسان في الزراعات الحقلية كالحبوب والقطن والأشجار المثمرة كالزيتون والحمضيات والكرمة. وينتج اللواء أصنافاً جيدة من القمح، أشهرها ما يزرع في تلال القصير لصناعة النشا. وتراجعت زراعة الأرز بعد تجفيف مستنقعات العمق وحل القطن محلها في معظم المساحات، إذ احتل هذا المحصول المركز الأول بين المحصولات الصناعية. وتنتج بساتين اللواء الفواكه من دراق وتفاح وأجاص (كمثرى) ومشمش ولوز في وادي العاصي والمرتفعات الجنوبية، في حين تزدهر بساتين الحمضيات على الساحل. كذلك تنتشر زراعة الخضر حول التجمعات السكنية وبساتين اللواء المختلفة، وخاصة في البقاع المروية ولبعض أنواع الدراق والحمضيات شهرة حسنة.
تربى في اللواء حيوانات مختلفة أهمها الماعز والضأن ثم الأبقار، كما يعنى السكان بتربية الدواجن في كل مكان. أما الحيوانات الأخرى فقد تراجعت أعدادها بدخول الآلة والسيارات في ميدان الأعمال التي كانت تقوم بها الخيول والجمال والحمير وغيرها.
وتقدم مياه الخليج أنواعاً مختلفة من السمك والسلاحف البحرية والقريدس، يتم اصطيادها محلياً. وتتجه الزراعة وتربية الحيوانات وصيد السمك اتجاهاً علمياً يعتمد البحوث ونتائجها، والآلة والري والطاقة حيثما توافرت. لكن الأساليب القديمة والتقليدية مازالت معمولاً بها.
2 ـ الصناعة: قامت الصناعة في اللواء على المواد الأولية المحلية المتوافرة من المنتجات الزراعية والحيوانية والغابية. وكانت مدينة أنطاكية مركز أبرز الصناعات التي كانت تقليدية، كالصناعة الغذائية وصناعة الصابون والأدوات الزراعية والمنزلية وغيرها. ثم انتقل مركز الثقل الصناعي إلى الاسكندرونة بعد قطع أنطاكية عن ظهيرها الاقتصادي، سورية، منذ عام 1939. وهكذا أخذت مدينة الاسكندرونة تنمو وتتركز فيها الصناعات الحديثة، وأصبح ميناؤها أهم ميناء في اللواء.
من ابرز الصناعات التي تنتشر معاملها حول المدينة وشمالها وفي أنحاء اللواء الأخرى، الصناعات الغذائية والزيوت وحفظ الخضر والفواكه، ثم صناعة الصابون والصناعات المعدنية من الصلب إلى الخراطة وورشات تصليح الآلات، والصناعة النسيجية ومحالج القطن وصناعة الأخشاب ومواد البناء، والصناعة الكيمياوية والسماد، وعدد آخر من الصناعات الخفيفة والاستهلاكية.
تعليق