الصقالبة
الصقالبة Slaves تسمية أطلقها الجغرافيون العرب في القرون الوسطى على عدد من الشعوب المتحدرة من أصول شتى، كانت تنزل الأراضي المجاورة لبلاد الخزر بين القسطنطينية و أرض البلغار، ومنهم من سكن شمالي القارة الأوربية وعلى ضفاف نهر الفولغا.
ومفرد صقالبة: صقلب أو صقلبي أو صقلابي، وكذلك يمكن أن يبدأ الاسم بالسين بدلاً من الصاد، واسم الصقالبة بالإفرنجية سلاف Slaves، ويقال لهم سلافيون أيضاً، وهي مأخوذة من كلمة سلافا باللسان الصقلبي؛ و معناها المجد، أو من كلمة سلوفو؛ ومعناها الكلام، وكانت تلفظ عندهم سكلاف، فعرَّبها العرب إلى «صقلب»، وأصبح هذا اللفظ عندهم يستخدم للرقيق الأبيض على الإجمال، حيث كان النخاسون يحملونهم من شمالي أوربا، و يتاجرون ببيعهم في أنحاء العالم، وكان الاتجار بهم رائجاً.
و كان لفظ الصقالبة يطلق في الأصل على الأسرى الذين تأسرهم الشعوب الجرمانية في حروبها ضد الشعوب الصقلبية، ثم يبيعونهم إلى مسلمي إسبانيا، ولكن ما لبث هذا الاسم أن انسحب على أناس من أجناس أخرى حتى شمل جميع الأجانب الذين كانوا يستخدمونهم في الجيش أو لحراسة الحريم أياً كان أصلهم.
ويذكر المؤرخ المسعودي أن أصل الصقالبة من ولد مار بن يافث بن نوح، وإليه يرجع سائر أجناس الصقالبة و به تلتحق أنسابهم، في حين يذكر النسَّابة ابن الكلبي أن الصقالبة هم أخوة الأرمن و اليونان و الفرنجة، وأنهم تحدروا من صلب يونان بن يافث، ويذكر ابن خلدون أنهم أخوة الخزر و الترك من ولد ريفات بن كومر بن يافث، وجعل المسعودي جنس الترك أحسن الصقالبة.
ومن الممكن أن تُستخلص أقسامهم من أقوال العلماء والمؤرخين في فروع ثلاثة رئيسة:
الفـرع الأول: الفرع الروسي، ويشمل الروس و الرسنياكه والروثينيين.
الفرع الثاني : الفرع الإيليري الصربي، و يشمل الصرب و المجر و البشناق و الهرسكيين و أهل الجبل الأسود والسلافونيين.
الفرع الثالث: الفرع البلغاري، وقامت منه دول كثيرة و تلاشت، كدول بوهيميا ومورافيا.
وتنتمي لغاتهم إلى أصل واحد يتفرع عنه فروع كثيرة، وأقدم هذه الفروع اللغة المعروفة بالسلافية الكنسية، وهي اللغة التي تُرجمت إليها الأناجيل في القرن التاسع الميلادي، ولغات الصقالبة بالجملة لغات سهلة التعبير قوية المعاني.
وكانت ديانتهم القديمة وثنية، ولهم معبودان أحدهما المعبود الأبيض أو إله الخير، والآخر المعبود الأسود أو إله الشر. وفي القرن التاسع الميلادي دخل الكثير منهم في المسيحية، وبقي آخرون على وثنيتهم إلى أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، وفيما بعد دخل الكثير منهم في الدين الإسلامي.
وكان للصقالبة أثر واضح في الخلافة الأموية في الأندلس، فكان اسمهم يطلق في وقت مبكر جداً على جميع الأرقَّاء المجلوبين الذين يلتحقون بالجيش أو يُعيّنون في مناصب أخرى في قصور الخلفاء، ومعظمهم كان قد جلبهم القراصنة المغاربة والأندلسيون في حملاتهم على السواحل الأوربية للبحر المتوسط، وكذلك فعل اليهود الذين كانوا يحترفون تجارة «صناعة الخصيان» أي الخصيان المستخدمين في حراسة الحريم، ومارسوا ذلك خاصة في فرنسا، وكان معظم هؤلاء الأسرى عند وصولهم إلى الأندلس سرعان ما يتعلمون اللغة العربية، ثم يعلنون إسلامهم.
ولم يؤثر عن عبد الرحمن الداخل أنه أكثر منهم في دولته، وأول من استكثر منهم حفيده الحكم بن هشام، ثم تدرج الأمويون في استخدامهم حتى ازداد عددهم زيادة كبيرة بتعاقب السنين، وأكثر ذلك كان في عهد عبد الرحمن الناصر، الذي جعلهم بطانته و جنده، و عهد إليهم بالشؤون الحربية و قلَّدهم المناصب الدينية المهمة، و ذُكر في الكتب التاريخية أن تعدادهم تزايد على مر حكم عبد الرحمن الناصر من 3750 إلى 6087 ثم إلى13750نسمة على التوالي. ولم تكن هذه الزيادة مجرد زيادة في العدد، فقد أسهم الصقالبة في حياة المجتمع عامة وفي الحياة السياسية خاصة، فكانوا يتولون المناصب المرموقة على الرغم من أنهم كانوا من الأرقاء، و قد اغتنى بعضهم و امتلك الضياع الواسعة، وكان لبعضهم العبيد الخاصون بهم، وأسهموا في أمور السياسة بنصيب وافر يتناسب و ازدياد عددهم، وتولوا المناصب الرفيعة في الدولة وخاصة في عهد عبد الرحمن الناصر الذي ولاَّهم مناصب قيادية عسكرية، وكان يستخدمهم للحد من شوكة النفوذ الذي كان لأشراف العرب في دولته، ومن ثم لم يتردد في أن يعهد لأحدهم و هو «نجدة الصقلبي» عام 327 هـ/939م بقيادة الحملة التي سيرها إلى ملك ليون، على الرغم من معارضة رجال قصره.
لم يكن الدور الذي مارسه الصقالبة في عهد خلفه الحكم الثاني يقل شأناً عن الدور الذي سمح به عبد الرحمن، حتى إن الصقالبة أحسوا عند وفاته بأنهم سادة الموقف، إذ كان عددهم ضخماً في بلاط أمراء قرطبة وجيوشهم، وكان في قرطبة فرقة من الحرس الصقالبة رهن مشيئة رجلين صقلبيين من أكابر أعيان الدولة، وهما فائق النظامي صاحب البرد والطرز، وجؤذر صاحب الصاغة، حتى إنهم حاولوا إخفاء نبأ وفاته للحؤول دون اختيار وريث للعرش خارج عن رغبتهم لكنهم أخفقوا.
كان للصقالبة يد في جميع المؤامرات التي دبرت في قرطبة و في سائر بقاع الأندلس، ينضمون حيناً إلى الجانب الفائز وحيناً إلى الجانب الخاسر. و قد عرفوا بروح الإقدام و الطمع و الاستبداد، ومنهم الخصي «خيران» الذي كان في مستهل القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي زعيماً لحزب الصقالبة في عاصمة البلاد.
وكانوا يبلغون أقصى قوتهم إذا كان الحاكم شديد الضعف، كما هي الحال إزاء هشام الثاني، فقد تطلع أحد الصقالبة في عهده و اسمه «واضح» إلى حكم البلاد، ولكنه لم يكن يمتلك الكفاءة و الأهلية و المقدرة اللازمة لذلك.
لاشك أن هؤلاء الصقالبة قد تأثروا بالحضارة العربية الإسلامية في الأندلس بفضل اتصالهم بها، و تثقف الكثير منهم، فكان منهم علماء ومفكرون وشعراء، وفي رواية أن أحدهم وهو «صبيب الصقلابي» صنف كتاباً أشاد فيه بفضائل أدباء الصقالبة من الأندلس، و درس فيه أشعارهم و رحلاتهم، وكان عنوان الكتاب : «كتاب الاستظهار و المغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة».
إبراهيم زعرور
الصقالبة Slaves تسمية أطلقها الجغرافيون العرب في القرون الوسطى على عدد من الشعوب المتحدرة من أصول شتى، كانت تنزل الأراضي المجاورة لبلاد الخزر بين القسطنطينية و أرض البلغار، ومنهم من سكن شمالي القارة الأوربية وعلى ضفاف نهر الفولغا.
ومفرد صقالبة: صقلب أو صقلبي أو صقلابي، وكذلك يمكن أن يبدأ الاسم بالسين بدلاً من الصاد، واسم الصقالبة بالإفرنجية سلاف Slaves، ويقال لهم سلافيون أيضاً، وهي مأخوذة من كلمة سلافا باللسان الصقلبي؛ و معناها المجد، أو من كلمة سلوفو؛ ومعناها الكلام، وكانت تلفظ عندهم سكلاف، فعرَّبها العرب إلى «صقلب»، وأصبح هذا اللفظ عندهم يستخدم للرقيق الأبيض على الإجمال، حيث كان النخاسون يحملونهم من شمالي أوربا، و يتاجرون ببيعهم في أنحاء العالم، وكان الاتجار بهم رائجاً.
و كان لفظ الصقالبة يطلق في الأصل على الأسرى الذين تأسرهم الشعوب الجرمانية في حروبها ضد الشعوب الصقلبية، ثم يبيعونهم إلى مسلمي إسبانيا، ولكن ما لبث هذا الاسم أن انسحب على أناس من أجناس أخرى حتى شمل جميع الأجانب الذين كانوا يستخدمونهم في الجيش أو لحراسة الحريم أياً كان أصلهم.
ويذكر المؤرخ المسعودي أن أصل الصقالبة من ولد مار بن يافث بن نوح، وإليه يرجع سائر أجناس الصقالبة و به تلتحق أنسابهم، في حين يذكر النسَّابة ابن الكلبي أن الصقالبة هم أخوة الأرمن و اليونان و الفرنجة، وأنهم تحدروا من صلب يونان بن يافث، ويذكر ابن خلدون أنهم أخوة الخزر و الترك من ولد ريفات بن كومر بن يافث، وجعل المسعودي جنس الترك أحسن الصقالبة.
ومن الممكن أن تُستخلص أقسامهم من أقوال العلماء والمؤرخين في فروع ثلاثة رئيسة:
الفـرع الأول: الفرع الروسي، ويشمل الروس و الرسنياكه والروثينيين.
الفرع الثاني : الفرع الإيليري الصربي، و يشمل الصرب و المجر و البشناق و الهرسكيين و أهل الجبل الأسود والسلافونيين.
الفرع الثالث: الفرع البلغاري، وقامت منه دول كثيرة و تلاشت، كدول بوهيميا ومورافيا.
وتنتمي لغاتهم إلى أصل واحد يتفرع عنه فروع كثيرة، وأقدم هذه الفروع اللغة المعروفة بالسلافية الكنسية، وهي اللغة التي تُرجمت إليها الأناجيل في القرن التاسع الميلادي، ولغات الصقالبة بالجملة لغات سهلة التعبير قوية المعاني.
وكانت ديانتهم القديمة وثنية، ولهم معبودان أحدهما المعبود الأبيض أو إله الخير، والآخر المعبود الأسود أو إله الشر. وفي القرن التاسع الميلادي دخل الكثير منهم في المسيحية، وبقي آخرون على وثنيتهم إلى أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، وفيما بعد دخل الكثير منهم في الدين الإسلامي.
وكان للصقالبة أثر واضح في الخلافة الأموية في الأندلس، فكان اسمهم يطلق في وقت مبكر جداً على جميع الأرقَّاء المجلوبين الذين يلتحقون بالجيش أو يُعيّنون في مناصب أخرى في قصور الخلفاء، ومعظمهم كان قد جلبهم القراصنة المغاربة والأندلسيون في حملاتهم على السواحل الأوربية للبحر المتوسط، وكذلك فعل اليهود الذين كانوا يحترفون تجارة «صناعة الخصيان» أي الخصيان المستخدمين في حراسة الحريم، ومارسوا ذلك خاصة في فرنسا، وكان معظم هؤلاء الأسرى عند وصولهم إلى الأندلس سرعان ما يتعلمون اللغة العربية، ثم يعلنون إسلامهم.
ولم يؤثر عن عبد الرحمن الداخل أنه أكثر منهم في دولته، وأول من استكثر منهم حفيده الحكم بن هشام، ثم تدرج الأمويون في استخدامهم حتى ازداد عددهم زيادة كبيرة بتعاقب السنين، وأكثر ذلك كان في عهد عبد الرحمن الناصر، الذي جعلهم بطانته و جنده، و عهد إليهم بالشؤون الحربية و قلَّدهم المناصب الدينية المهمة، و ذُكر في الكتب التاريخية أن تعدادهم تزايد على مر حكم عبد الرحمن الناصر من 3750 إلى 6087 ثم إلى13750نسمة على التوالي. ولم تكن هذه الزيادة مجرد زيادة في العدد، فقد أسهم الصقالبة في حياة المجتمع عامة وفي الحياة السياسية خاصة، فكانوا يتولون المناصب المرموقة على الرغم من أنهم كانوا من الأرقاء، و قد اغتنى بعضهم و امتلك الضياع الواسعة، وكان لبعضهم العبيد الخاصون بهم، وأسهموا في أمور السياسة بنصيب وافر يتناسب و ازدياد عددهم، وتولوا المناصب الرفيعة في الدولة وخاصة في عهد عبد الرحمن الناصر الذي ولاَّهم مناصب قيادية عسكرية، وكان يستخدمهم للحد من شوكة النفوذ الذي كان لأشراف العرب في دولته، ومن ثم لم يتردد في أن يعهد لأحدهم و هو «نجدة الصقلبي» عام 327 هـ/939م بقيادة الحملة التي سيرها إلى ملك ليون، على الرغم من معارضة رجال قصره.
لم يكن الدور الذي مارسه الصقالبة في عهد خلفه الحكم الثاني يقل شأناً عن الدور الذي سمح به عبد الرحمن، حتى إن الصقالبة أحسوا عند وفاته بأنهم سادة الموقف، إذ كان عددهم ضخماً في بلاط أمراء قرطبة وجيوشهم، وكان في قرطبة فرقة من الحرس الصقالبة رهن مشيئة رجلين صقلبيين من أكابر أعيان الدولة، وهما فائق النظامي صاحب البرد والطرز، وجؤذر صاحب الصاغة، حتى إنهم حاولوا إخفاء نبأ وفاته للحؤول دون اختيار وريث للعرش خارج عن رغبتهم لكنهم أخفقوا.
كان للصقالبة يد في جميع المؤامرات التي دبرت في قرطبة و في سائر بقاع الأندلس، ينضمون حيناً إلى الجانب الفائز وحيناً إلى الجانب الخاسر. و قد عرفوا بروح الإقدام و الطمع و الاستبداد، ومنهم الخصي «خيران» الذي كان في مستهل القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي زعيماً لحزب الصقالبة في عاصمة البلاد.
وكانوا يبلغون أقصى قوتهم إذا كان الحاكم شديد الضعف، كما هي الحال إزاء هشام الثاني، فقد تطلع أحد الصقالبة في عهده و اسمه «واضح» إلى حكم البلاد، ولكنه لم يكن يمتلك الكفاءة و الأهلية و المقدرة اللازمة لذلك.
لاشك أن هؤلاء الصقالبة قد تأثروا بالحضارة العربية الإسلامية في الأندلس بفضل اتصالهم بها، و تثقف الكثير منهم، فكان منهم علماء ومفكرون وشعراء، وفي رواية أن أحدهم وهو «صبيب الصقلابي» صنف كتاباً أشاد فيه بفضائل أدباء الصقالبة من الأندلس، و درس فيه أشعارهم و رحلاتهم، وكان عنوان الكتاب : «كتاب الاستظهار و المغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة».
إبراهيم زعرور