الاستنتاج Deduction - عملية ءهنية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاستنتاج Deduction - عملية ءهنية











    استنتاج

    Deduction - Déduction

    الاستنتاج

    يمكن تعريف الاستنتاج deduction بأنه العملية الذهنية التي يُستخلص بها استخلاصاً دقيقاً، من قضية أو عدد من القضايا تدعى مقدمات، قضية أخرى تدعى نتيجة تنتج عنها بالضرورة، كما تقضي قواعد المنطق.
    وفي هذا التعريف احتمالان:
    احتمال أن يكون الاستنتاج من مقدمة واحدة، واحتمال أن يكون من عدد من المقدمات.
    أما الاحتمال الأول فيُفضي إلى مايعرف بالاستدلال المباشر inférence كما هو الأمر في تقابل القضايا وعكسها، مثل أن يُستنتج من صدق القضية: «كل إنسان فان»، كذب القضية: «لا إنسان فان»، أو يُستنتج من صدق القضية: «بعض الشعراء حكماء» صدق القضية: «بعض الحكماء شعراء».
    أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون الاستنتاج من عدد من المقدمات، كان أرسطو حصره في مقدمتين، وجوّز المناطقة بعده أن يكون أكثر، والاستنتاج هذا صوريّ ورياضي.
    ويتألف الصوري كما ذكر أرسطو من ثلاثة حدود: أصغر وأوسط وأكبر، منظومة في ثلاث قضايا: كبرى تضم الحدين الأكبر والأوسط، وصغرى تضم الحدين الأوسط والأصغر، ونتيجة تجمع بين الحدين الأصغر والأكبر في علاقة موجبة أو سالبة، وفقاً لوضع المقدمتين في إيجابهما وسلبهما.
    وهناك إلى جانب الصوري الاستنتاج الرياضي وهو نوعان: التحليلي والتأليفي.
    أما الاستنتاج التحليلي، فهو استدلال مؤلف من مقدمات مركبة، يستطيع الذهن أن يستخرج منها قضايا أبسط منها متضمنة فيها، كالبرهان التحليلي في الرياضيات. وهو يتألف من سلسلة من القضايا، أولها القضية التي يُراد إثباتها، وآخرها القضية المعلومة. فإذا تم الانتقال من الأولى إلى الأخيرة، كانت كل قضية نتيجة للتي بعدها، وكانت القضية الأولى نفسها نتيجة للقضية الأخيرة وصادقة مثلها. ومثال ذلك إرجاع القضية «مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين» إلى القضية «مجموع زوايا الخط المستقيم لجهة واحدة يساوي قائمتين».
    وأما الاستنتاج التأليفي: ويدعى الإنشائي، وهو يمضي في الاتجاه المعاكس لاتجاه الاستنتاج التحليلي، فينتقل من المبادئ البسيطة إلى النتائج المعقدة. فإذا كانت القضية: «مجموع زوايا الخط المستقيم لجهة واحدة يساوي قائمتين»، واستُخلص منها هندسياً القضية: «مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين»، حُصل على نتيجة لازمة عن القضية السابقة، ولكنها جديدة. ومن هنا كان الاستنتاج التأليفي إنشائياً.
    وعليه تكون الصفة الأساسية للاستنتاج هي لزوم النتيجة عن المقدمات لزوماً ضرورياً، سواء أكان الاستنتاج صورياً أم رياضياً.
    أساس الاستنتاج
    يبدو الاستنتاج حركة فكرية تمضي من حدس إلى حدس، فتربط برباط بدهي وضروري الحدين الأقصيين في سلسلة ما. ولكن هذه السلسلة مؤلفة من قضايا أخذت بطريق الاستقراء[ر]، مما يشير إلى أن الاستقراء هو أساس الاستنتاج. وهذا يصدق على الاستنتاج بنوعيه: الصوري والرياضي. والحقيقة أن مقدمة الاستدلال المباشر ومقدمتي القياس مأخوذة من الواقع بطريق الاستقراء. ولا يشذ عن ذلك الاستنتاج الرياضي التأليفي، فهو يعتمد على بديهيات ومسلمات (مصادرات) وتعريفات مأخوذة من الواقع بطريق الاستقراء.
    الاستنتاج والبحث العلمي
    وهكذا يُرى أن الاستنتاج أخذ يقوم بدور متعاظم في الحركة الفكرية الحديثة والمعاصرة.
    كان كَنت[ر] يعتقد أن منطق أرسطو ولد كاملاً. ولكن المناطقة المحدثين والمعاصرين رأوا أنه يفتقر إلى الأساليب الفنية والمناهج الدقيقة كالتي تستخدمها العلوم الاستنتاجية. ومن هنا كانت محاولة المنطقي الإنكليزي بول Boole في وضع علم جديد للمنطق، سماه جبر المنطق algèbre de la logique، من خصائصه استخدام رموز الجبر في المنطق على نحو يسهل معه إجراء عمليات تستنتج بها النتائج من المقدمات. ولكن جبر المنطق لدى بول كان خطوة غير كافية في بلوغ الشمول. فقام برتراند رسل [ر] والفرد نورث وايتهد [ر] بوضع كتابهما الضخم: «مبادئ الرياضيات»، أرسيا فيه الأساس التنظيمي لعلم الاستدلال الاستنتاجي، وبينا حاجة المنطق الرياضي إلى نظام رمزي يلائم تفكير المتخصصين، إذ ليس في وسع الذهن أن يتابع استنتاجاته في مجالات التجريد المتقدمة من دون الاستعانة برموز تمنحه دقته وإحكامه.
    غير أن الاستنتاج كان منذ القديم عمدة العلوم الرياضية، كالهندسة والفلك والجبر والمثلثات وغيرها... ولكنه انتهى في العصور الحديثة إلى ميلاد علوم جديدة هي الهندسة التحليلية وحساب التفاضل والتكامل وحساب الاحتمالات والطوبولوجية ونظرية المجموعات وغيرها.
    بيد أن الاستنتاج أخذ يغزو العلوم الاستقرائية أيضاً، الطبيعية منها والحيوية والإنسانية. ففي العلوم الطبيعية أخذ الاستنتاج يقوم بدور خطير، منذ أن أخذت الرياضيات تدخل إلى مجالات التعبير عن حقائقها ونظرياتها، وتقلبها إلى قوانين ثابتة ودقيقة، كما يشاهد ذلك في الفيزياء الرياضية والكيمياء الذرية وغيرهما... ولهذا رأى غوبلو أن علوم الطبيعة ستصبح في نهاية تطورها استنتاجية مجردة، فتكون مثل الرياضيات مثالية ومستقلة عن موضوعها.
    ولكن الاستنتاج لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى مجالات العلوم الحيوية والإنسانية، حينما تبنت هذه العلوم الدراسة الإحصائية منهجاً لها، وأنتهت إلى التعبير عن حقائقها بعلاقات عددية.
    قيمة الاستنتاج
    ولكن ما قيمة الاستنتاج في الكشف عن الحقائق العلمية؟ قد يبدو في الوهلة الأولى أن الاستنتاج له قيمة ثانوية إذا ما ووزن بينه وبين الاستقراء. ولكن شيئاً من التفكير يبين أن الأمر ليس كذلك: فقيمة الاستنتاج تكاد تعادل قيمة الاستقراء، بل إنه لا قيمة لأحدهما من دون الآخر، لأن التفكير يستخدمهما معاً. وقد انتبه هنري بوانكاريه[ر] إلى هذه الحقيقة. فقال بصدد ما يعرف عن الكرة الأرضية: «إن ما نعتقد أننا نعرفه عن الحالة الماضية للكرة الأرضية نستنتجه من حالتها الحاضرة. والكيفية التي يحدث بها هذا الاستنتاج تكون بقوانين نفترضها معروفة. والقانون هو علاقة بين المقدم والتالي تتيح لنا أن نستنتج على حد سواء، التالي من المقدّم. أي أن نتنبأ بالمستقبل وأن نستنتج المقدم من التالي، أي أن نستنتج الماضي من الحاضر». وهكذا فإن في المعرفة والتفكير ينتقل المرء من الاستقراء إلى الاستنتاج ومن الاستنتاج إلى الاستقراء، في نموهما فكرياً: ففي سلاسل الأفكار الاستنتاجية يندمج سلوك التجريب و«التفكير التجريبي» بازدياد متواصل.
    تيسير شيخ الأرض

يعمل...
X