كان حاتم يرعى إبل أبيه فوافاه ثلاثة نفر فنحر لهم ثلاثة من إبله ولم يعرفهم ثم سألهم فكانوا النابغة الذبياني، وعبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم وهم فحول الشعراء فقام وفرّق إبل أبيه فيهم وعاد إلى أبيه صفرا قد أذهب الإبل مفتخرا بصنعه فأقسم أبوه ألا يساكنه فقال حاتم: إذا لا أبالي واعتزل واستقل وسار أبوه بأهله وتركه ولربما سر حاتم بهذا لأنه بدأ الرهان وخط لذلك خطته فقال:
وَإِنّي لَعَفُّ الفَقرِ مُشتَرَكُ الغِنى
وَوُدُّكَ شَكلٌ لا يُوافِقُهُ شَكلي
وَشَكلِيَ شَكلٌ لا يَقومُ لِمِثلِهِ
مِنَ الناسِ إِلّا كُلُّ ذي نيقَةٍ مِثلي
وَلي نيقَةٌ في المَجدِ وَالبَذلِ لَم تَكُن
تَأَنَّقَها فيما مَضى أَحَدٌ قَبلي
وَأَجعَلُ مالي دونَ عِرضِيَ جُنَّةً
لِنَفسي فَأَستَغني بِما كانَ مِن فَضلي
وَلي مَعَ بَذلِ المالِ وَالبَأسِ صَولَةٌ
إِذا الحَربُ أَبدَت عَن نَواجِذُها العُصلِ
وَما ضَرَّني أَن سارَ سَعدٌ بِأَهلِهِ
وَأَفرَدَني في الدارِ لَيسَ مَعي أَهلي
سَيَكفي اِبتِنايَ المَجدَ سَعدَ بنِ حَشرَجِ
وَأَحمِلُ عَنكُم كُلَّ ما حَلَّ مِن أَزلي
وَما مِن لَئيمٍ عالَهُ الدَهرُ مَرَّةً
فَيَذكُرَها إِلّا اِستَمالَ إِلى البُخلِ