صُـحار العَـبْدي
(…ـ نحو 40 هـ/… ـ660م )
أبو عبد الرحمن، صُحار بن عياش ابن شُراحيل بن منقذ العَبْديّ، من بني مُرّة بن ظفَر بن الدِّيل بن عَمرو.. بن عبد القيس العبدي الدِّيلي. وقد اختُلف في اسم أبيه، ما بين: عياش، وعباس، وعابس، وصخر. والأول أشهرها.
كان صُحَار العَبْدي خطيباً مفوَّهاً، وبليغاً لَسِناً، وأحد العلماء المشهورين بمعرفة الأنساب. وله أخبار حسنة، كذلك له مع معاصره دَغْفَل بن حنظلة (ت65هـ) نسّابة العرب محاورات ومطارحات.
وصُحار أحد الصحابة الذين وفدوا على النبيr، ولم تطل صحبته لرسول اللهr كثيراً، لذلك كانت روايته عنه قليلة، اقتصرت على حديثين أو ثلاثة.
وروى عن صحار ابناه: عبد الرحمن، وجعفر، كما روى عنه: منصور بن أبي منصور. وكان ممن شهدوا فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، في خلافة الفاروق عمر، ثم كان عثماني الرأي والهوى أيام الفتنة الكبرى، ولما قُتل الخليفة عثمان بن عفان قام صحار يطالب بدمه، مع من طالب، وخرج على الإمام علي معارضاً له، وشهد موقعة صفين مع معاوية، مخالفاً قومه الذين كانوا إلى جانب علي، من أمثال: صعصعة، وزيد وسَيْحان أولاد صُوحان ابن حُجر بن الحارث، وكلهم خطباء مشهورون في عبد القيس.
صار صُحار بعد ذلك أثيراً لدى معاوية، وعاصر صدراً من خلافته، ولازمه مدة، وبينهما محاورات تدل على ما كان يتمتع به، في أجوبته لمعاوية وغيره، من ذكاء وسرعة بديهة وقوةٍ في الإقناع والتأثير.
من ذلك، أن معاوية سأله: «ما البلاغة؟» فقال صحار : «الإيجاز». قال معاوية: «وما الإيجاز؟» قال: «أن تقول فلا تخطئ، وتسرع فلا تبطئ». ثم استطال صحار كلامه، فقال: «أقِلْني يا أمير المؤمنين، هو ألاّ تخطئ ولا تبطئ». فتكلم بأوجز مما قال أولاً، وحقق صفة البلاغة.
كان صحار أزرق العينين، وكذلك ابنه عبد الرحمن، والعرب يتشاءمون بالزُّرقِ العيون. قال له معاوية مرة: «يا أزرق». فحوّل كلامه إلى وجهةٍ أخرى عن طريق ما سمي «أسلوب الحكيم» قائلاً: «البازي أزرق». فقال له: «يا أحمر». قال صحار: «الذهب أحمر».
وقيل يوماً لصحار: إن الرجل يقول لصاحبه عند تذكيره إياه يداً سلفت، وإحساناً تقدم: «أما نحن فإنا نرجو أن نكون قد بلغنا من أداء ما يجب لك عندنا مبلغاً مرضياً»، وهذا الرجل يعلم أنه قد وفّى صاحبَه حقّه الواجب، وتفضّل عليه بما لا يجب. فقال صحار: « كانوا يستحبّون أن يَدَعوا للقول متنفّساً، وأن يتركوا فيه فضلاً، وأن يتجافَوْا عن حقٍ، إن أرادوه لم يُمنعوا منه ». وكان يشير بذلك إلى قضية اختيار الألفاظ وصوغ الكلام، وأن ذلك الرجل قال في كلامه: «نرجو أن نكون..» لا لأنه يعلم فيه خللاً، ولكنه أخذ بآداب العرب ووجوه كلامهم.
سكن صُحار العبدي البصرةَ وعُدّ في أهلها، وفيها كانت وفاته. وذكر ابن النديم في «الفهرست» أن له من الكتب «كتاب الأمثال». ومع إجماع المصادر على أن صحاراً كان خطيباً مفوَّهاً، فإنها لم تُورد شيئاً من خطبه، واقتصرت على إيراد شيء من محاوراته وأجوبته.
محمود فاخوري
(…ـ نحو 40 هـ/… ـ660م )
أبو عبد الرحمن، صُحار بن عياش ابن شُراحيل بن منقذ العَبْديّ، من بني مُرّة بن ظفَر بن الدِّيل بن عَمرو.. بن عبد القيس العبدي الدِّيلي. وقد اختُلف في اسم أبيه، ما بين: عياش، وعباس، وعابس، وصخر. والأول أشهرها.
كان صُحَار العَبْدي خطيباً مفوَّهاً، وبليغاً لَسِناً، وأحد العلماء المشهورين بمعرفة الأنساب. وله أخبار حسنة، كذلك له مع معاصره دَغْفَل بن حنظلة (ت65هـ) نسّابة العرب محاورات ومطارحات.
وصُحار أحد الصحابة الذين وفدوا على النبيr، ولم تطل صحبته لرسول اللهr كثيراً، لذلك كانت روايته عنه قليلة، اقتصرت على حديثين أو ثلاثة.
وروى عن صحار ابناه: عبد الرحمن، وجعفر، كما روى عنه: منصور بن أبي منصور. وكان ممن شهدوا فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، في خلافة الفاروق عمر، ثم كان عثماني الرأي والهوى أيام الفتنة الكبرى، ولما قُتل الخليفة عثمان بن عفان قام صحار يطالب بدمه، مع من طالب، وخرج على الإمام علي معارضاً له، وشهد موقعة صفين مع معاوية، مخالفاً قومه الذين كانوا إلى جانب علي، من أمثال: صعصعة، وزيد وسَيْحان أولاد صُوحان ابن حُجر بن الحارث، وكلهم خطباء مشهورون في عبد القيس.
صار صُحار بعد ذلك أثيراً لدى معاوية، وعاصر صدراً من خلافته، ولازمه مدة، وبينهما محاورات تدل على ما كان يتمتع به، في أجوبته لمعاوية وغيره، من ذكاء وسرعة بديهة وقوةٍ في الإقناع والتأثير.
من ذلك، أن معاوية سأله: «ما البلاغة؟» فقال صحار : «الإيجاز». قال معاوية: «وما الإيجاز؟» قال: «أن تقول فلا تخطئ، وتسرع فلا تبطئ». ثم استطال صحار كلامه، فقال: «أقِلْني يا أمير المؤمنين، هو ألاّ تخطئ ولا تبطئ». فتكلم بأوجز مما قال أولاً، وحقق صفة البلاغة.
كان صحار أزرق العينين، وكذلك ابنه عبد الرحمن، والعرب يتشاءمون بالزُّرقِ العيون. قال له معاوية مرة: «يا أزرق». فحوّل كلامه إلى وجهةٍ أخرى عن طريق ما سمي «أسلوب الحكيم» قائلاً: «البازي أزرق». فقال له: «يا أحمر». قال صحار: «الذهب أحمر».
وقيل يوماً لصحار: إن الرجل يقول لصاحبه عند تذكيره إياه يداً سلفت، وإحساناً تقدم: «أما نحن فإنا نرجو أن نكون قد بلغنا من أداء ما يجب لك عندنا مبلغاً مرضياً»، وهذا الرجل يعلم أنه قد وفّى صاحبَه حقّه الواجب، وتفضّل عليه بما لا يجب. فقال صحار: « كانوا يستحبّون أن يَدَعوا للقول متنفّساً، وأن يتركوا فيه فضلاً، وأن يتجافَوْا عن حقٍ، إن أرادوه لم يُمنعوا منه ». وكان يشير بذلك إلى قضية اختيار الألفاظ وصوغ الكلام، وأن ذلك الرجل قال في كلامه: «نرجو أن نكون..» لا لأنه يعلم فيه خللاً، ولكنه أخذ بآداب العرب ووجوه كلامهم.
سكن صُحار العبدي البصرةَ وعُدّ في أهلها، وفيها كانت وفاته. وذكر ابن النديم في «الفهرست» أن له من الكتب «كتاب الأمثال». ومع إجماع المصادر على أن صحاراً كان خطيباً مفوَّهاً، فإنها لم تُورد شيئاً من خطبه، واقتصرت على إيراد شيء من محاوراته وأجوبته.
محمود فاخوري