الصـابوني (أحمد بن إبراهيم
(1291 ـ 1334هـ/1874ـ 1915م)
أحمد بن إبراهيم القاوقجي، المشهور بالصابوني، من أهل مدينة حماة بسورية. عالم دين وأديب ومؤرخ ومصلح اجتماعي.
ولد في حماة، وفيها نشأ وعاش حتى وفاته، في فترة كانت سورية فيها جزءاً من الدولة العثمانية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأصحابُ سياسة التتريك من أولي الأمر يتخذون مختلف وسائل البطش والتنكيل بأحرار العرب المناضلين.
أدخل أحمد الصابوني الكتّاب طفلاً، فتعلّم القرآن ومبادئ الكتابة ـ على عادة ذلك الزمان ـ ثم أدخله أبوه ميدان العمل واختار له حرفة الإسكاف التي كانت رائجة يومئذ، فحذق الصنعة وظل يعمل فيها حتى قارب الثامنة عشرة من عمره. وكان في أثناء ذلك يلازم علماء مدينته ويداوم على دروس بعضهم في المساجد، ولاسيما العلامة الشيخ محمد علي المراد الذي كانت له حلقة في علوم اللغة والدين، والذي حبب إلى الصابوني متابعة الدراسة والتزوّد من مناهل العلم والمعرفة. ولم يلبث هذا أن ترك المهنة وسلك طريق العلم، وراح يتصل بعلماء آخرين، ونما في نفسه حب الاطلاع والتفهم، فاتّصل ببعض طلاب العلم المستنيرين من أمثال حسن الرزق ومحمد سعيد الجابي اللذين أصبحا فيما بعد من أعلام رجال الإصلاح والنهضة في مدينة حماة. وانعقدت الألفة بين هؤلاء الثلاثة، فعقدوا العزم على العمل معاً، لتبديد الجمود الذي كان يحيط بجو العلماء، ويجعلهم في معزل عن الشعب ومشاعره وتطلعاته، وصادف أن قدم إلى حماة الشيخ سليم البخاري الدمشقي (ت 1928م) وهو من طلائع الإصلاح الديني واليقظة الحديثة في سورية، فاتصل به أولئك الثلاثة، وبث في نفوسهم روح العزيمة والمضاء وشجعهم على النضال.
حملت هذه الروح الجديدة أحمد الصابوني على أن ينغمس في لجة الإصلاح، ويعمل على إنقاذ البلاد من الجهل والأمية والعبودية الاجتماعية والسياسية، فقام من أجل ذلك برحلات عديدة إلى دمشق واتصل بعلمائها وأدبائها وقادة الرأي فيها من جهة، كما اتصل بالطبقة المستنيرة المثقفة في مدينة حماة من جهة أخرى، من أمثال صالح قنباز، وتوفيق الشيشكلي، أو في حمص كعبد الحميد الزهراوي (من شهداء أيار فيما بعد)، وغيرهم من أعلام النهضة الحديثة، وأخـذ يدعـو إلى آرائـه وأفكاره بشتى وجوه الإصلاح في الدين والسياسة والاجتماع، وأصدر جريدته اليومية «لسان الشرق» سنة 1324هـ/1906م لتكون منبراً لآرائه وآراء المصلحين من أصدقائه ومعارفه في مختلف المدن السورية. ولما توقفت عن الصدور لم ينقطع عن الكتابة، بل ظل يتابع نشر المقالات في كثير من الصحف والمجلات، في حماة وغيرها، وظل في حركة دائبة وسعي مثابر حتى وفاته في الثالثة والأربعين من عمره.
وبرغم قصر الحياة التي عاشها، فقد استطاع أن يحقق كثيراً من أهدافه الإصلاحية في شتى أطواره وتقلباته، وأسهم في الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي، وفي إنهاض الجيل الذي عاش بين ظهرانيه، متخذاً لذلك وسائل شتى توصله إلى أهدافه، من دروس كان يعقد لها حلقات خاصة في المساجد، ومن كتب تنشر العلم والوعي والثقافة بين الناس، ومن صحيفة يومية إصلاحية، غدت من أمهات صحف الشام بما اشترع لها من أسباب، وفتح فيها من أبواب تبارى فيها النثر والشعر، والحكمة والبلاغة على مستوى عال من أدب القول وحسن البيان، فضلاً عن مقالاته الإصلاحية التي كان ينشرها في جريدته وفي الجرائد الأخرى، وكذلك قصائده الشعرية.
ولمع نجمه وعلا ذكره، حتى عُيّن عضواً في لجنة المعارف في المحافظة (لواء حماة)، كما عيّن عضواً في لجنة الأوقاف. وأخيراً عين عضواً في لجنة المدافعة الملّيّة لجمع التبرعات للجيش، ثم مدرساً عاماً لمدينة حماة، يلقي دروسه العلمية في مختلف مساجدها.
ترك الصابوني عدداً من المؤلفات، طبع بعضها، وبعضها الآخر لا يزال مخطوطاً عند أسرته. أما المطبوع من تصانيفه فهو: «البيان في علم البيان» رسالة في البلاغة تحتوي على جوهر هذا الفن بأسلوب واضح، «تاريخ حماة» (ط1 1332هـ) لخصه من تضاعيف الكتب والآثار القديمة. وقد سلك فيه مسلكه من الاقتصار على الجوهر خشية سأم المطالع. وليس هناك كتاب آخر في تاريخ مدينة حماة غير هذا الكتاب، «تسهيل المنطق» (1329هـ) رسالة في علم المنطق تجمع قواعد هذا الفن بعبارة سهلة واضحة، «الدروس الجلية للشبهات الخفية» (1343هـ): يشتمل هذا الكتاب على الدروس التي ألقاها الصابوني في مساجد حماة ـ بصفته مدرساً عاماً ـ سنة 1328هـ/1910م، وطبعها بعد وفاته وعلق عليها تلميذه الشيخ عبد الرحمن المصري. «الدولة الإسلامية» (أو ماضي الشرق وحاضره) (1328هـ): كتاب تاريخ موجز، يؤرخ للدولة الإسلامية منذ عصر الخلفاء الراشدين حتى سقوط الخلافة في بغداد سنة 656هـ. وبه ينتهي الجزء الأول. ولم يظهر جزؤه الثاني إذ حال موت المؤلف دون ذلك.
أما مؤلفاته المخطوطة فهي: «أحسن الأسباب في نظم قواعد الإعراب»، وكتاب «قواعد الإعراب» متنٌ في النحو لابن هشام الأنصاري نظمه الصابوني شعراً على طريقة المتون العلمية، ثم شرحه. وابتدأه بقوله:
الحمد والثناء والشـكر لمـن
بالمصطفى الهادي على الإسلام مَنّْ
و«الإصباح» نظم متن «نور الإيضاح» في الفقه الحنفي، وشرح رسالة الشيخ يحيى المسالخي في النحو، و«المقاصد اللطيفة في فقه أبي حنيفة»، انتهى به إلى باب «الشُّفعة» وأدركه الأجل قبل إكماله. و«اليقين في حقيقة سِيَر المرسلين» من القطع الكبير، يحتوي على قصص الأنبياء وبعض المعتقدات في الديانتين المسيحية واليهودية، مقتصراً على الحقائق، وبعيداً عن الشبهات.
وللصابوني ديوان شعر مخطوط، يقع في نحو70 صفحة. وشعره يدل على ثقافته وآرائه ودعوته الإصلاحية في شتى الوجوه والنواحي، كما يصور نزعاته الوجدانية وخلجات نفسه، وتجاربه التي عبّر عنها بكثير من الحِكم التي امتلأ بها شعره. ومنه قوله متألماً مما وصلت إليه حال المجتمع والبلاد:
بلادٌ عليها مهجتي تتفطّر
ودمع الأسى من مقلتي يتحدر
بلادٌ عليها الجهل مدّ رواقه
فباتت بليل الفقر تمشي وتعثر
أقلّب طرفي في الرجال، فلا أرى
بهم مَن بعمران البلاد يفكّر
إذا قام فيهم مرشدٌ ودعاهمُ
لنيل المعالي سفّهوه وأنكروا
ومن حكمه قوله:
مصائب تَتْرى، والنفوس غوافل
فإن عظمتْ فتكاً فأسبابها نحنُ
وقد يضحك الإنسان من شرّ ما يرى
ورُبّ ابتسامٍ جرّه الهمّ والحزنُ
محمود فاخوري
(1291 ـ 1334هـ/1874ـ 1915م)
أحمد بن إبراهيم القاوقجي، المشهور بالصابوني، من أهل مدينة حماة بسورية. عالم دين وأديب ومؤرخ ومصلح اجتماعي.
ولد في حماة، وفيها نشأ وعاش حتى وفاته، في فترة كانت سورية فيها جزءاً من الدولة العثمانية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأصحابُ سياسة التتريك من أولي الأمر يتخذون مختلف وسائل البطش والتنكيل بأحرار العرب المناضلين.
أدخل أحمد الصابوني الكتّاب طفلاً، فتعلّم القرآن ومبادئ الكتابة ـ على عادة ذلك الزمان ـ ثم أدخله أبوه ميدان العمل واختار له حرفة الإسكاف التي كانت رائجة يومئذ، فحذق الصنعة وظل يعمل فيها حتى قارب الثامنة عشرة من عمره. وكان في أثناء ذلك يلازم علماء مدينته ويداوم على دروس بعضهم في المساجد، ولاسيما العلامة الشيخ محمد علي المراد الذي كانت له حلقة في علوم اللغة والدين، والذي حبب إلى الصابوني متابعة الدراسة والتزوّد من مناهل العلم والمعرفة. ولم يلبث هذا أن ترك المهنة وسلك طريق العلم، وراح يتصل بعلماء آخرين، ونما في نفسه حب الاطلاع والتفهم، فاتّصل ببعض طلاب العلم المستنيرين من أمثال حسن الرزق ومحمد سعيد الجابي اللذين أصبحا فيما بعد من أعلام رجال الإصلاح والنهضة في مدينة حماة. وانعقدت الألفة بين هؤلاء الثلاثة، فعقدوا العزم على العمل معاً، لتبديد الجمود الذي كان يحيط بجو العلماء، ويجعلهم في معزل عن الشعب ومشاعره وتطلعاته، وصادف أن قدم إلى حماة الشيخ سليم البخاري الدمشقي (ت 1928م) وهو من طلائع الإصلاح الديني واليقظة الحديثة في سورية، فاتصل به أولئك الثلاثة، وبث في نفوسهم روح العزيمة والمضاء وشجعهم على النضال.
حملت هذه الروح الجديدة أحمد الصابوني على أن ينغمس في لجة الإصلاح، ويعمل على إنقاذ البلاد من الجهل والأمية والعبودية الاجتماعية والسياسية، فقام من أجل ذلك برحلات عديدة إلى دمشق واتصل بعلمائها وأدبائها وقادة الرأي فيها من جهة، كما اتصل بالطبقة المستنيرة المثقفة في مدينة حماة من جهة أخرى، من أمثال صالح قنباز، وتوفيق الشيشكلي، أو في حمص كعبد الحميد الزهراوي (من شهداء أيار فيما بعد)، وغيرهم من أعلام النهضة الحديثة، وأخـذ يدعـو إلى آرائـه وأفكاره بشتى وجوه الإصلاح في الدين والسياسة والاجتماع، وأصدر جريدته اليومية «لسان الشرق» سنة 1324هـ/1906م لتكون منبراً لآرائه وآراء المصلحين من أصدقائه ومعارفه في مختلف المدن السورية. ولما توقفت عن الصدور لم ينقطع عن الكتابة، بل ظل يتابع نشر المقالات في كثير من الصحف والمجلات، في حماة وغيرها، وظل في حركة دائبة وسعي مثابر حتى وفاته في الثالثة والأربعين من عمره.
وبرغم قصر الحياة التي عاشها، فقد استطاع أن يحقق كثيراً من أهدافه الإصلاحية في شتى أطواره وتقلباته، وأسهم في الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي، وفي إنهاض الجيل الذي عاش بين ظهرانيه، متخذاً لذلك وسائل شتى توصله إلى أهدافه، من دروس كان يعقد لها حلقات خاصة في المساجد، ومن كتب تنشر العلم والوعي والثقافة بين الناس، ومن صحيفة يومية إصلاحية، غدت من أمهات صحف الشام بما اشترع لها من أسباب، وفتح فيها من أبواب تبارى فيها النثر والشعر، والحكمة والبلاغة على مستوى عال من أدب القول وحسن البيان، فضلاً عن مقالاته الإصلاحية التي كان ينشرها في جريدته وفي الجرائد الأخرى، وكذلك قصائده الشعرية.
ولمع نجمه وعلا ذكره، حتى عُيّن عضواً في لجنة المعارف في المحافظة (لواء حماة)، كما عيّن عضواً في لجنة الأوقاف. وأخيراً عين عضواً في لجنة المدافعة الملّيّة لجمع التبرعات للجيش، ثم مدرساً عاماً لمدينة حماة، يلقي دروسه العلمية في مختلف مساجدها.
ترك الصابوني عدداً من المؤلفات، طبع بعضها، وبعضها الآخر لا يزال مخطوطاً عند أسرته. أما المطبوع من تصانيفه فهو: «البيان في علم البيان» رسالة في البلاغة تحتوي على جوهر هذا الفن بأسلوب واضح، «تاريخ حماة» (ط1 1332هـ) لخصه من تضاعيف الكتب والآثار القديمة. وقد سلك فيه مسلكه من الاقتصار على الجوهر خشية سأم المطالع. وليس هناك كتاب آخر في تاريخ مدينة حماة غير هذا الكتاب، «تسهيل المنطق» (1329هـ) رسالة في علم المنطق تجمع قواعد هذا الفن بعبارة سهلة واضحة، «الدروس الجلية للشبهات الخفية» (1343هـ): يشتمل هذا الكتاب على الدروس التي ألقاها الصابوني في مساجد حماة ـ بصفته مدرساً عاماً ـ سنة 1328هـ/1910م، وطبعها بعد وفاته وعلق عليها تلميذه الشيخ عبد الرحمن المصري. «الدولة الإسلامية» (أو ماضي الشرق وحاضره) (1328هـ): كتاب تاريخ موجز، يؤرخ للدولة الإسلامية منذ عصر الخلفاء الراشدين حتى سقوط الخلافة في بغداد سنة 656هـ. وبه ينتهي الجزء الأول. ولم يظهر جزؤه الثاني إذ حال موت المؤلف دون ذلك.
أما مؤلفاته المخطوطة فهي: «أحسن الأسباب في نظم قواعد الإعراب»، وكتاب «قواعد الإعراب» متنٌ في النحو لابن هشام الأنصاري نظمه الصابوني شعراً على طريقة المتون العلمية، ثم شرحه. وابتدأه بقوله:
الحمد والثناء والشـكر لمـن
بالمصطفى الهادي على الإسلام مَنّْ
و«الإصباح» نظم متن «نور الإيضاح» في الفقه الحنفي، وشرح رسالة الشيخ يحيى المسالخي في النحو، و«المقاصد اللطيفة في فقه أبي حنيفة»، انتهى به إلى باب «الشُّفعة» وأدركه الأجل قبل إكماله. و«اليقين في حقيقة سِيَر المرسلين» من القطع الكبير، يحتوي على قصص الأنبياء وبعض المعتقدات في الديانتين المسيحية واليهودية، مقتصراً على الحقائق، وبعيداً عن الشبهات.
وللصابوني ديوان شعر مخطوط، يقع في نحو70 صفحة. وشعره يدل على ثقافته وآرائه ودعوته الإصلاحية في شتى الوجوه والنواحي، كما يصور نزعاته الوجدانية وخلجات نفسه، وتجاربه التي عبّر عنها بكثير من الحِكم التي امتلأ بها شعره. ومنه قوله متألماً مما وصلت إليه حال المجتمع والبلاد:
بلادٌ عليها مهجتي تتفطّر
ودمع الأسى من مقلتي يتحدر
بلادٌ عليها الجهل مدّ رواقه
فباتت بليل الفقر تمشي وتعثر
أقلّب طرفي في الرجال، فلا أرى
بهم مَن بعمران البلاد يفكّر
إذا قام فيهم مرشدٌ ودعاهمُ
لنيل المعالي سفّهوه وأنكروا
ومن حكمه قوله:
مصائب تَتْرى، والنفوس غوافل
فإن عظمتْ فتكاً فأسبابها نحنُ
وقد يضحك الإنسان من شرّ ما يرى
ورُبّ ابتسامٍ جرّه الهمّ والحزنُ
محمود فاخوري