الصاحب بن عبّاد Al-Sahib ibn Abbad وزير غلب عليه الأدب، فكان من نوادر الدهر علماً

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصاحب بن عبّاد Al-Sahib ibn Abbad وزير غلب عليه الأدب، فكان من نوادر الدهر علماً

    6 ـ 385هـ/938 ـ 995م)

    أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الطالقاني، وزير غلب عليه الأدب، فكان من نوادر الدهر علماً وفضلاً وتدبيراً وجودة رأي، ولد بالطالقان من أعمال قزوين وإليها نسبته كان أبوه عباد وزيراً لركن الدولة البويهي، وقد أشار الشاعر أبو سعيد الرستمي إلى ذلك في قصيدة مدح فيها الصاحب بقوله:
    ورث الوزارة كابراً عن كابر
    موصولة الأسناد بالأسناد
    كما قال أبو بكر الخوارزمي: «إن الصاحب ورث الوزارة عن أبيه» وهو أول من لُقِّب بالصاحب من الوزراء، لأنه صحب الفضل بن العميد فقيل له صاحب ابن العميد ثم أطلق عليه هذا اللقب «الصاحب» لما تولى الوزارة.
    تتلمذ الصاحب بن عباد أول أمره لأبيه عباد، وكان هذا من أهل العلم والمعرفة، إضافة إلى كونه وزيراً لركن الدولة البويهي، وقد صنف كتاباً في أحكام القرآن الكريم، وكان مناصراً ومؤيداً للمعتزلة وآرائهم كما تتلمذ الصاحب على أبي الفضل بن العميد، ولازمه وأخذ عنه، كما أخذ دراسة الأدب وتذوقه واللغة العربية عن أبي الحسن أحمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب «المجمل في اللغة».
    كان الصاحب أول أمره كاتباً صغيراً، التحق بخدمة أبي الفضل ابن العميد، ومالبث أن لفت انتباه رئيسه إلى ما يتميز به من ذكاء وسرعة بديهة إضافة إلى علمه الواسع، وقد رشحته هذه الصفات ليكون كاتباً للأمير مؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه الذي وثق به فلقبه بالصاحب كافي الكفاة واستوزره.
    ولما توفي مؤيد الدولة عمل الصاحب على إحلال التفاهم بين إخوته، واستطاع إقناع فخر الدولة بالعودة من خراسان وكان قد هرب إليها خوفاً من أخيه عضد الدولة والتجأ إلى السامانيين، كما مكنه من استلام السلطة، فكافأه فخر الدولة بأن أبقاه وزيراً، ومنحه ثقته التامة، فلم يكن يخالفه في أمر، فقصده الأدباء والشعراء، وأصحاب الحاجات اعترافاً منهم بكرمه وتذوقه للأدب وعلو منزلته. ويبدو أن الصاحب أراد أن يعرف قوة مركزه لدى فخر الدين فطلب منه أن يعفيه من الوزارة فأجابه: «لك في هذه الدولة من إرث الوزارة، كما لنا من إرث الإمارة، فسبيل كل واحد منا أن يحتفظ بحقه» ولم يستجب لطلبه.
    بقي الصاحب يحتل منصب الوزارة نحو ثماني عشرة سنة ونيف، حتى وفاته في مدينة الريّ، ثم نقل جثمانه إلى أصفهان حيث دفن فيها، ولقد شارك في تشييع جنازته، كبار القادة والأمراء، والأدباء وجماهير الناس، ويتقدم الجميع فخر الدولة.
    كان الصاحب علماً من أعلام الأدب، فريد عصره في البلاغة والفصاحة والشعر، وكان أوحد زمانه في التدبير والحنكة، وكان متحمساً للمعتزلة ومناصراً لهم، وقد جلب له ذلك العديد من الخصوم كانوا يتتبعون مثالبه وأخطاءه ومن أبرزهم أبو حيان التوحيدي، وكان الصاحب قد حجبه عنه وأقصاه من مجلسه، وقد وصفه أبو حيان بقوله: «كان حاضر الجواب، فصيح اللسان، قد نتف من كل أدب شيئاً وأخذ من كل فن طرفاً... إنه شديد التعصب على أهل الحكمة والناظرين في أجزائها كالهندسة، والطب، والموسيقى... يتشيع بمذهب أبي حنيفة ومقالة الزيدية... والناس كلهم يحجمون عنه لجرأته وسلاطته... شديد العقاب، طفيف الثواب، طويل العتاب...».
    وبالمقابل هنالك العديد من الكتاب والأدباء والشعراء كانوا يشيدون بخصال الصاحب وأدبه، ومن أبرزهم الثعالبي في كتابه «يتيمة الدهر»، وابن نُبَاته.
    وعلى الرغم من كثرة مشاغله بحكم منصبه، بقي مثابراً على عقد مجلسه الأدبي وبحضور كبار الأدباء والكتاب، كما عمل في تأليف الكتب فصنف في اللغة كتاباً سماه «المحيط» ويقع في سبع مجلدات، رتبه على حروف المعجم، كما ألف كتاب «الكافي في الرسائل»، وكتاب «الإمامة»، وكتاب «الوزراء»، وكتاب «الكشف عن مساوئ شعر المتنبي».
    وكانت عنده مكتبة زاخرة بأمهات الكتب، وقد اعتذر عن قبول منصب الوزارة عند نوح الساماني محتجّاً بأن مكتبته لايمكن نقلها، ولا يستغنى عنها إذ إنها تحتاج إلى ما لا يقل عن أربعمئة جمل لحملها.
    عبد الرحمن بدر الدين

يعمل...
X