اعمي
Blind - Aveugle
الأعمى
يغلب في الحديث عن الأعمى أو المكفوف الإشارة إلى من عنده عجز شديد في حاسة البصر يجعله غير قادر على الإفادة المقبولة من هذه الحاسة في أغراض الحياة العادية. والعجز على درجات، والعجز الكامل لا يتجاوز نسبة 15% من حالات المعوقين.
والتعريفات العلمية للأعمى متعددة، ويقع في المقدمة منها اثنان: التعريف القانوني والتعريف التربوي. ينطلق التعريف القانوني من إجراءات المساعدات التي توفرها الدولة لمن تحكم عليه بأنه أعمى، ويكون تعريفه عندئذ كما يلي: الأعمى هو من يكون العجز في البصر لديه من درجة تقتضي تلقّيه المساعدات القانونية. والأساس في تقرير المساعدات القانونية معدل درجة الإبصار وهو 20/ 200 أو أقل في أفضل العينين ومع المعينات البصرية.
أما التعريف التربوي فيذهب إلى أن الأعمى أو الكفيف هو من فقد بصره أو من عنده عجز شديد في البصر من درجة تجعل من اللازم تعليمه بطريقة بريل[ر] Braille. فإذا كان لدى الإنسان أو الطفل عجز جزئي في البصر قيل عنه إنه كفيف جزئياً، أو إنه يرى جزئياً، ويكون من اللازم تعليمه قراءة ما هو مطبوع باستعمال المكبرات البصرية، أو رسم المقروء بالأحرف الكبيرة أو بوسائل أخرى.
قياس حدة البصر
ينطلق قياس حدّة البصر من الشخص السوي بصراً وما يستطيع ضعيف البصر رؤيته بوضوح مما يقع على بعد عشرين قدماً (سبعة أمتار) منه. فإذا قيل عن حدة بصر شخصٍ ما إنها 20/70 فإن ذلك يعني أن هذا الشخص يرى على بعد 20 قدماً ما يراه السوي بصراً على بعد 70 قدماً (23 متراً). وبذلك يكون الأعمى المشار شخصاً يرى من بعد 20 قدماً ما يستطيع السوي بصراً رؤيته من بعد 200 قدم (66 متراً). وإذا كانت حدة بصر الشخص ما بين 20/70 و20/200 بأفضل العينين فإنه يسمى عندئذ مكفوفاً جزئياً.
وثمة اتجاهات أخرى في التمييز بين فئات المكفوفين تذهب مذاهب تختلف عن الاتجاه الذي يعتمد حدة البصر والبعد بين الناظر والشيء الذي يراه بوضوح. ومن هذه الاتجاهات ما يميز بين من حصل العجز عنده بعد الخامسة من العمر، أي بعد مدة من العمر تكون مناسبة لتراكم الخبرات البصرية لديه، ومن حصل العجز لديه قبل ذلك. ومن الاتجاهات كذلك القول بفئتين: فئة من حصل العمى عنده بعد الولادة، وفئة من حصل العمى عنده قبل ذلك.
والعوامل في حصول العمى كثيرة: بينها ما يعود إلى مرحلة تكوّن الجنين، وبينها ما يعود إلى المراحل التي تلي ذلك. ومن العوامل الأخيرة أمراض متعددة تصيب العينين [ر. العين] أو أذى طارئ يصيبهما. وقد ساعدت العناية بالعينين لمكانتهما من حياة الإنسان وتكيفه مع شروط المحيط حوله، والعناية بالطفولة في الحضارات الحديثة، والاكتشافات العلمية والطبية، ساعدت هذه كلها على انخفاض نسبة الإصابات بالعمى بأشكالها المختلفة بوجه عام والإصابات بعد الولادة بوجه خاص. وتشير الإحصاءات في الدول المتقدمة صناعياً إلى أن نسبة المكفوفين قانونياً لا تتجاوز 0.60% من المواليد. إلا أن النسبة ترتفع فوق ذلك في الدول الآخذة بالنمو التي ما تزال العناية الطبية لديها بالأطفال وغيرهم منخفضة عما يلزم.
ثم إن شدة الاعتماد على البصر في الحياة اليومية، والآثار المترتبة على ذلك، جعلت العناية بقياس حدته واسعة الانتشار. وبين أكثر المقاييس شيوعاً لوحة شنيلين Snellen chart وفيها ثمانية صفوف من الأحرف لمن يقرأ (أو ثمانية صفوف من أوضاع مختلفة لرمز E لمن لا يقرأ) وجُعل حجم الحروف أو الرمز من مستوى معين في كل صف ومختلف عما هو عليه في الصف التالي، ويتم فحص الشخص وهو على بعد 20 قدماً من اللوحة، وتحدد الأحرف (أو الرموز) التي يميزها في صف ما درجة حدة البصر لديه.
خبرات الأعمى ولغته
يؤدي البصر وظيفة مهمة في تكيف الفرد مع شروط البيئة حوله، وفي تكون الإدراكات البصرية وما تنطوي عليه من معارف، وفي أغراض الحياة اليومية العملية. والعجز في البصر لدى الشخص يؤدي إلى خسارة كبيرة في إفادته من وظائف البصر. ومع مثل هذه الخسارة يتجه الأعمى نحو مزيد من الاعتماد على وظائف الحواس الأخرى لديه وفي مقدمتها السمع واللمس والشم. إن هذا الاعتماد على الحواس الأخرى يجعلها مصدراً غنياً لإدراكاته ومعارفه، ولكن ذلك لا يعوّض كل خسارته في مجال الخبرات البصرية ولاسيما ما يتصل منها باللون. ولقد ساد اعتقاد بين الناس مدة من الزمن أن الحواس السليمة عند الأعمى أكثر حدة بالفطرة منها عند المبصر، ولكن الدراسات الحديثة بينت الخطأ في هذا الاعتقاد وأكدت أن التكيف يضطر الأعمى لتنمية خبرات لمسية وسمعية تساعده على إنجاز الكثير من عمليات التكيف مع البيئة المحيطية من دون أن تكون الحواس السليمة لديه أشد حدة مما لدى المبصر.
أما النمو اللغوي للأعمى ففي الحديث عنه اتجاهان رئيسان. يذهب الأول، وهو الأكثر شيوعاً، إلى القول إن الإعاقة البصرية لا تؤذي اكتساب الطفل المعوق اللغة واستعمالها، ولا تعطل سير نموها لديه. ويذهب الثاني إلى القول إن النمو اللغوي لدى الأعمى ليس أضعف منه عند السوي بصراً ولكنه نموّ ينطوي على ما هو مختلف بعض الاختلاف عما لدى الآخر. والحجة التي يعتمدها الاتجاه الثاني هي أن الأعمى يكتشف عالمه بالسمع واللمس والشم لا بالبصر، وأن من الطبيعي أن تعكس اللغة التي يستعملها هذا الحال الخاص به. وإذا كان تعليم الأعمى يأخذ بالحساب نقص خبراته البصرية، فإن إجراءات هذا التعليم تلح في النهاية على أن الطفل الأعمى ينتهي إلى نموّ لغوي من مستوى لا يقل عن السوي بصراً (وذلك بعد أخذ الفروق بين الأفراد بالحسبان) وإن كان يخسر في استعمال بعض الكلمات التي يكون مصدرها الرئيس الخبرة البصرية والتي يصعب إيجاد مصدر حسي آخر لتحديد دقيق لدلالتها. إنه يستعيض عن التحديد البصري للمكان بالتحديد اللمسي، ولكن اللمس لا يسعفه في تحديد اللون في الحالات العادية أو تحديد الأبعاد والحجوم الكبيرة.
تعليم الأعمى وتربيته
يواجه الطفل الكفيف مشكلة خاصة في تعلم القراءة والكتابة لأنهما عمليتان تعتمدان على التمييز البصري بوجه خاص. وقد انتهت جهود العاملين في التربية الخاصة بالمكفوفين [ر. التربية الخاصة] إلى حلول ساعدت على تخطيه هذه الصعوبة. فالطفل الضعيف البصر يمكن أن يتعلم القراءة باستعمال كتابة من حروف كبيرة، أو باستعمال «مكبرات» تمكن بصره الضعيف من إدراك حروف الكتابة العادية.
وقد تم إخراج مجموعات واسعة من الكتب تعتمد طريقة بريل في الكتابة فغدا الأعمى قادراً على متابعة تعلم المعارف التي تشملها المناهج الخاصة بمراحل الدراسة ما قبل الجامعة، وتعلم مناهج الجامعة فيما بعد، وتتوافر له الدراسة الجامعية في عدد من الأقطار المتقدمة في مجالات التربية الخاصة. ومع التوسع في استعمال طريقة بريل ظهرت طرائق أخرى تعتمد أساس حاسة اللمس كذلك في تعلم الرموز الخاصة بالرياضيات وغيرها.
على أن الأمر الذي لاشك فيه هو أن الأسرة تقوم بوظيفة بالغة الأهمية في تربية الأعمى وتدريبه مبكراً. إنها تقوم بهذه الوظيفة قبل بلوغه سن المدرسة أو ذهابه إلى روضة الأطفال. وهي تقوم بهذه الوظيفة كذلك حين تستقبله روضة الأطفال ثم المدرسة، ويفيد التعاون بين الأسرة والمدرسة في تحسين حياة الأعمى. ويعني وجود هذا التعاون الوثيق ضرورة تلقي الأسرة التوعية اللازمة من المدرسة وكذلك من الجهات المختلفة المعنية بتربية الطفل الأعمى وإعداده للحياة الواقعية وحياة العمل في المستقبل.
وثمة أمر آخر لاشك فيه وهو أن وظيفة الأسرة، ووظيفة المدرسة، لا تقفان عند عمليات تعليم الأعمى المعارف اللازمة، بل تمتدان إلى إنجاز عملية تربوية متكاملة موجهة بحاجات الأعمى الخاصة. فالأسرة والمدرسة تعملان على تنمية المهارات الاجتماعية لديه، بكل ما فيها من أنماط التعامل والتفاعل الاجتماعيين. وهما تعملان على إنماء مهارات حركية متنوعة وفق حاجاته إلى التنقل في أمكنة لا يرى حدودها ولكن يجب عليه أن يعتمد على جهده الشخصي في مواجهتها مع ما فيها من عوائق وطوارئ. يضاف إلى ذلك أنهما تعملان على إنماء مهارة الإصغاء والإنصات لديه وتوجيه الانتباه متأثراً بحاسة السمع في حالات كثيرة ليدرك كل صوت وكل حركة وذلك إضافة إلى إنماء مهارة اللمس واستعمال هذه الحاسة. وبهذه الطريقة تتسع رقعة وظائف الأسرة والمدرسة لتلبية الحاجات الخاصة التي توجد لدى الأعمى بسبب من الإعاقة البصرية التي يعاني منها.
تقنيات تدريب الأعمى
يستخدم الكفيف تقنيات عدة لتحسين حياته منها، تقنيات تقليدية، وأكثرها شيوعاً العصا البيضاء القابلة للطي المخصصة للعميان، وهي تمكنهم من تلمس العوائق التي تعترض طريقهم، والكلاب المدربة.
وهناك مؤسسات متخصصة في تدريب الكلاب على إرشاد الأعمى وتسهيل تنقله في الطرقات، وعلى وسائل النقل المختلفة، إذ يعلّم الكلب كيفية الاستجابة لكلمات مختارة يصدرها صاحبه الكفيف، فيتوقف ويسير، وينعطف يميناً أو يساراً، ويستطيع الكلب المدرب جيداً أن يقود الكفيف إلى أماكن بعيدة. ولكن أكثر التقنيات التي تيسر حياة الكفيف هي التقنيات الإلكترونية التي تحول المعلومات من حاسة إلى أخرى، أو من تقنية إلى أخرى إذ تعوض تقنيات الاتصال الحديثة عن حاسة البصر بحاسة السمع مثل الراديو والمسجلة، والتلفزيون والفيديو والهاتف، وكذلك الحاسوب الذي يستخدم تقنيات عدة في خزن المعلومات وتداولها، والتحكم بها من بعد، وتحويلها من تقنيات كتابية أو بصرية إلى سمعية أو لمسية.
وتيسر التقنيات الحديثة بالحاسوب على الكفيف العيش بأقل قدر من الإعاقة والمصاعب، الأمر الذي رفع مستوى تعليم كثير من المكفوفين وزاد في مشاركتهم في الحياة العامة. وهناك مؤسسات اجتماعية وتقنية، محلية وعربية وعالمية تيسر للمكفوفين الاتصال بالعالم المحيط بهم والعمل على تحسين حياتهم اليومية.
غسان أبو فخر