اسراء ومعراج
Isra and Mi'raj - Isrâ et Mi`raj
الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج رحلة خاصة أكرم الله بها رسوله محمداً r، وتسمى معجزة الإسراء والمعراج، لتدل على نبوَّته، وصدق رسالته.
والإسراء في الشريعة الإسلامية تعبير عن توجه محمد رسول الله r ليلاً من مكة المكرمة إلى بيت المقدس.
والمعراج يعني صعود النبي r من بيت المقدس إلى السموات العلى، العلى، ومافوقها، ورجوعه منها إلى بيت المقدس، ثم عودته إلى مكة المكرمة من ليلته تلك قبل الفجر.
وقد حدثت هذه الرحلة في ليلة 26- 27 رجب على المشهور قبل عام أو أعوام من الهجرة، ولها في نفوس المسلمين مقام جليل، وتبين قداسة المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، لانبعاث الأنبياء منهما، مع الصلة الوثيقة بينهما، وفيها فرضت الصلاة على المسلمين.
وتذكر كتب السيرة أن جبريل عليه السلام أيقظ رسول الله r، وأخبره بهذه الرحلة، وجهَّزه لذلك، وقدَّم له البُراق (وقد وصف بأنه دابة بيضاء) فركبه، ورافقه جبريل في رحلته، حتى وصلا إلى بيت المقدس، وهناك صلى رسول الله r ركعتين إماماً بالأنبياء، ثم جيء بالمعراج (وهي آلة العروج) فارتقاه رسول الله r إلى السموات السبع، حيث استقبلته الملائكة، والتقى عدداً من الأنبياء، إلى أن وصل إلى سِدْرةِ المنتهى، «وهي التي ينتهي إليها ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وينتهي إليها ما يهبط من فوقها فيقبض منها». (كما جاء في «صحيح مسلم») ثم وقف جبريل في مكانه، وارتقى رسول الله r، حتى سمع كلام الله تعالى مباشرة، وأوحى إليه ما أوحى، وتلقى أمر الله سبحانه وتعالى بفريضة الصلاة، مما يبين أهمية الصلاة في الدين. ورأى النبي في هذه الرحلة الجنة والنار والعرش.
وفي الصباح أخبر رسول الله r قريشاً بما جرى، فدهشوا لذلك، وطلبوا منه وصف بيت المقدس وأبرز معالمه، فأظهر الله سبحانه له تلك المدينة، فعرّفها، ووصف المسجد الأقصى بدقة، فلم يعترض عليه أحد ممن كان يأتيهما في طريقه إلى الشام، ويعرفهما حق المعرفة، وأخبرهم عن بعض القوافل التي رآها، وما جرى لبعض إبلها، وموعد قدومها، فكا ن كما قال.
ومع ذلك فقد كذبه نفر من أهل مكة، وتشكك آخرون في الأمر، وازداد المؤمنون إيماناً، واقسم أبو بكر رضي الله عنه على صدق الرسول r بما أخبر به، فلقب بالصِّدِّيق.
وثبتت قصة الإسراء في الآية الأولى من سورة الإسراء وهي السورة السابعة عشرة من سور القرآن الكريم، إذ قال الله تعالى: )سُبْحانَ الذي أسْرَى بعَبْده ليْلاً، مِنَ المسجِدِ الأقْصى الذي بَارَكْنَا حَولَهُ، مِنْ آياتنا، إنَّه هُو السَّميع البَصير(، كما ثبتت قصة الإسراء في كتب السُّنَّة النبوية، وفي مقدمتها صحيح البخاري وصحيح مسلم، ورواها الصحابة في أقطار الإسلام حتى صارت متواترة.
وأما المعراج فثبت في الآيات 1-18 من سورة النجم، بقوله تعالى: )والنَّجْمِ إذا هَوى، ما ضلَّ صاحبُكم وما غَوى، وما ينطقُ عَن الهَوى، إنْ هو إلا وَحيٌ يُوحى( إلى قوله تعالى: )وهو بالأفق الأعلى، ثم دَنا فتدلّى، فكان قابَ قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوَحى، ما كذَب الفؤادُ ما رأى( ثم قال تعالى: )وَلَقدْ رآه نَزْلةً اُخرى، عِنْد سِدْرة المُنْتَهَى، عِندْها جَنَّةُ المأوى، إذ يَغْشَ السِّدْرة ما يَغشْ، ما زاغَ البصرُ وما طَغَى، لَقَد رَأَى مِن آَيات ربّه الكُبْرى(.
وفي كتب الحديث الشريف نصوص صريحة مرويّة عن عشرين صحابياً فأكثر، ومنها صحيحا البخاري ومسلم، في وصف الإسراء والمعراج، وما شاهده الرسول r من آيات الله الكبرى، حتى تواترت الروايات في ذلك، وصنف العلماء كتباً مستقلة في الإسراء والمعراج تزيد على الأربعين.
وقال جمهور الصحابة والمفسرين والمحدثين والفقهاء والعلماء: إن الإسراء والمعراج كانا يقظة، وبالروح والجسد معاً، وهو الموافق للنصوص الشرعية، والمتفق مع كون الإسراء والمعراج معجزة خارقة للعادة، ولذلك أنكرها المشركون في مكة.
وذهبت السيدة عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، والحسن البصري، وابن إسحق إلى أن هذه الرحلة كانت بالروح فقط.
وتركت قصة الإسراء والمعراج أثراً ظاهراً في الأدب العربي والإسلامي والفكر الصوفي ويلاحظ ذلك بوضوح عند أبي يزيد البسطامي (ت261هـ) وأبي العلاء المعري (ت449هـ) وعمر الخيام (ت515هـ) وحافظ الشيرازي (ت 585هـ) وابن الفارض (ت632هـ) وجلال الدين الرومي (672هـ). كذلك كشف عدد من الكتاب الغربيين ومنهم آسين بلاثيوس M.Asin Placios عن تأثير قصة الإسراء والمعراج في «الكوميدية الإلهيّة» للشاعر الإيطالي دانتي، واستدل على ذلك بنصوص مترجمة منها إلى اللاتينية والفرنسية قبل دانتي، وأيده فيما انتهى إليه المستشرق الإيطالي تِشيرُولَّلي بكتابه «السُّلَّم ـ يعني المِعْراج ـ ومسألة المنابع العربيّة الإسبانية للكوميدية الإلهيّة».
محمد الزحيلي