افضل بدر جمالي
Al-Afdal bin Badr Al-Jamali - Al-Afdal bin Badr Al-Jamali
الأفضل بن بدر الجمالي
(458 ـ 515هـ/ 1066 ـ 1121م)
الملك الأفضل أبو القاسم شاهنشاه أحمد ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني. شارك الأفضل أباه في بعض أعماله، ثم عُيّن وزيراً للمستنصر بالله الفاطمي بعد وفاة أبيه بدر (487هـ/ 1094م).
عزم الخليفة المستنصر بالله (حكم 428- 487هـ/ 1036- 1095م) على أخذ البيعة على الخلافة بعده لابنه الأكبر نزار (437- 488هـ/ 1045 - 1095م)، ولكن الأفضل ماطل في مبايعته لعداوة قديمة بينهما، ولأنه ـ أي الأفضل ـ كان يميل إلى أبي القاسم أحمد بن المستنصر من زوجته أخت الأفضل.
فلمّا مات الخليفة المستنصر اجتمع الأفضل بالأمراء والخواصّ وخوَّفهم من نزار، وأشار عليهم بمبايعة أخيه الأصغر أحمد، وكان حديث السن وبايعوه، وأجلسه الأفضل على سرير الخلافة في 18 ذي الحجة سنة 487هـ ولقّبه بالمستعلي بالله، وجلس هو على دكة الوزارة، وكان في جملة من بايعه أخواه عبد الله وإسماعيل. وأما نزار فبادر إلى الخروج إلى الاسكندرية وأقنع أخاه عبد الله بالخروج معه لاجئين إلى واليها ناصر الدولة أفتكين التركي مولى بدر الجمالي. فبايعه أهل الاسكندرية وتلقب بالمصطفى لدين الله وتجهز الأفضل لحربه وتوجه إلى الاسكندرية وضايق أهلها، فتصدى له أفتكين وهزمه. إلا أن الأفضل عاد إليها، بعد أن حشد قواته من جديد، فنازل المدينة وفتحها عنوة واعتقل نزاراً وأفتكين وغيرهما وبعثهم إلى القاهرة حيث قتلوا. وكان آخر العهد بهم (488هـ). وإلى نزار هذا تنسب الفرقة الإسماعيلية النزارية، وهي الفرقة التي عرفت باسم «الحشيشية» وكان حكام ألموت[ر] أبرز رجالها.
سار الأفضل على خطى والده في سياسة الأمور، فقد استأثر بالحكم وحده، وضيق على الخليفة المستعلي وحجر عليه، ودامت خلافته نحو ثماني سنوات (487- 495هـ/ 1094- 1101م). ويذكر بعض المؤرخين أنه مات مسموماً بتدبير النزارية، وإليه تنسب الفرقة الإسماعيلية المعروفة باسم «المستعلية».
لم تضعف وفاة المستعلي من نفوذ الأفضل، الذي بادر إلى مبايعة المنصور بن المستعلي بالخلافة. وكان طفلاً في الخامسة من العمر فلقبه «الآمر بأحكام الله»، وحجر عليه، وروضه على طاعته والسير وفق مشيئته، وظل ممسكاً بزمام الحكم متفرداً به. ولكن الآمر ما إن شب عن الطوق وتقدمت به السنون حتى ثار على وصيّه، وصمم على التخلص منه، فاتفق مع جماعة من أنصاره على اغتيال الأفضل، وتم لهم ذلك في آخر شهر رمضان سنة 515هـ/ 1121م.
دامت وزارة الأفضل سبعة وعشرين عاماً اتسمت باستقرار داخلي واستتباب الأمن والنظام في مصر. في حقبة من الزمن كانت رياح الفتن فيها تعصف بالدولة الفاطمية وغيرها من حواضر العالم الإسلامي. فقد كان الصراع على أشده بين الفاطميين والسلاجقة، ولم يكن الأفضل بعيداً عن هذه الصراع، فكانت له إسهامات في محاولة استرداد بعض المواقع التي كان السلاجقة قد استولوا عليها في عهد أبيه، مثل مدينتي صور (490هـ/ 1097م) وصيدا (491هـ/ 1098م). وكذلك انتزاع بيت المقدس في رمضان 491هـ/ 1098م من حكامها الأرتقيين[ر]. وفي هذه السنة نفسها شرعت جحافل الصليبيين تكتسح شمالي سورية فحاصرت أنطاكية واستولت عليها. وتوالى من بعدها سقوط مدن الشام الساحلية، الواحدة تلو الأخرى، ولم يظهر الأفضل من بُعْدِ النظر في مواجهة الفرنجة ما أظهره في الأمور الأخرى. ولعل مرد ذلك جهله طبيعة الحركة الصليبية وأهدافها، فاعتقد أن تقدم الفرنجة في الشام سيعينه على مواجهة السلاجقة. ولم يدرك الأفضل ما للقدس من أهمية في خطط الصليبيين وأنها هدف رئيسي لهم إلا بعد فوات الأوان. وبعد سقوط بيت المقدس بيد الفرنجة سنة 492هـ/ 1099م حاول الأفضل الوصول إلى اتفاق معهم بشأنها فلم يفلح، ولم يقنع بعدم جدوى المحاولة إلا بعد أن مني بهزيمة منكرة أمامهم في السنة نفسها بالقرب من عسقلان، فراح ينظم حملات سنوية لحرب الفرنجة حتى عام 500هـ/ 1107م. وكانت حملاته هذه تدخل فلسطين على طريق عسقلان والسهل الساحلي، وتصطدم بالفرنجة في مواقع مختلفة، ثم ترتدّ على أعقابها من دون أن تنجز شيئاً، باستثناء نصر لا يذكر عند يافا حققته سنة 496هـ/ 1102- 1103م. وبعد عام 499هـ/ 1107م قصر الأفضل جهوده في محاربة الفرنجة على غارات تقوم بها حامية عسقلان. وكان من نتائج إخفاقه في استرداد القدس من الصليبيين وتقاعسه عن نصرة ولاة المدن الساحلية أن سقطت جميعها في يد الفرنجة. فتم لهم احتلال عكا سنة 497هـ/ 1104م، وطرابلس سنة 503هـ/ 1109م. وبلغ الأمر ببلدوين ملك بيت المقدس أن تقدم بجنده عام 511هـ/ 1117م في أرض مصر حتى بلغ تنيس، ولكنه مات في طريق العودة. ولم يبق من مدن الساحل الشامي المهمة في يد الفاطميين عند وفاة الأفضل سوى صور وعسقلان.
خلّف الأفضل ثروة طائلة من الأموال والنقود والقماش والمواشي والمماليك. وفي كتب التاريخ تفصيلات مذهلة عن ثروته هذه. وقد استولى الخليفة الآمر بأحكام الله على هذه الثروة كلها، ويقال إن نقل ما خلفه الأفضل من الجواهر والحرائر والتحف الثمينة إلى قصر الخلافة استغرق أكثر من أربعين يوماً، وولي الوزارة من بعده المأمون البطائحي.
ج.ت