بالنظر إلى تاريخ الإنسان، لطالما كانت وفيات الأطفال لغزًا محيرًا، ولحسن الحظ تمكن الطب الحديث من حل أجزاء كبيرة من هذه الأحجية، ويعود الفضل الأكبر في ذلك إلى تقنيات مثل الفحص الوراثي، والأبحاث الطموحة مثل مشروع الجينوم البشري الذي درس التسلسل الجينومي للإنسان. اليوم، يُفحص حديثو الولادة ذوو العيوب الخلقية باستخدام التسلسل الجينومي الكامل، وقريبًا قد يُفحص الأصحاء أيضًا.
في أيلول 2021، أعربت المنظمة الأولى لبحوث الجينوم في بريطانيا عن نيتها تطوير برنامج تجريبي يعتمد على استخدام كامل التسلسل الجينومي، لتحديد مئات الأمراض الجينية عند مئتي ألف من المواليد الجدد الأصحاء. وقد لاقت المبادرة ترحيبًا من المجتمع العام في بريطانيا، وجرى حوار مفتوح موله برنامج علم الابتكار والأبحاث في بريطانيا، لكن الخبر أثار جدلًا في المجتمع العلمي أيضًا.
يمكن تلخيص الخلاف في التساؤل: كيف يساعد التسلسل الجينومي الأطفال؟ لو عرف كل فرد تاريخ تسلسله الجيني الكامل، فسيظهر سؤال وجودي: ماذا سيمنع المجتمع من الاتجاه إلى أفكار التفوق العرقي؟
ما التسلسل الجينومي؟
بدأ برنامج الجينوم البشري في 1990 وأُعلن انتهاؤه عام 2003، لكن عمليًا لم يكتمل تسلسل آخر 8% من تركيب الحمض النووي البشري حتى بداية 2021. الجينوم خريطة تحوي الشيفرة الوراثية الكاملة للكائن الحي، وتحتوي كل أنواع الجينات الفعالة منها والخامدة، ومع إن التركيز ينصب على الجينوم البشري، فهو ليس الوحيد الذي درسه العلماء، فحتى اليوم درس العلماء جينوم 350 نوعًا مختلفًا من النباتات، وأكثر من 250 نوعًا من الحيوانات، ومجموعة كاملة من الكائنات الدقيقة مثل فيروس سارس كوف2.
لقد قطعنا شوطًا طويلًا في فهمنا لعلم الجينات وتقنيات التسلسل الجينومي منذ 1990، ومع إن التعرف الكامل على الجينوم البشري تطلب عقودًا، فبوسع العلماء اليوم معرفة التسلسل الجينومي لشخص ما بدقة خلال 24 ساعة تقريبًا وبتكلفة أقل، لأنه على حد تعبير الدكتور إريك غرين، مدير المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري في الولايات المتحدة: «منذ نهاية مشروع الجينوم البشري، انخفضت تكلفة تسلسل الحمض النووي مليون مرة تقريبًا».
يُعد الجينوم أداة علمية قيمة جدًا، متضمنةً الجينوم البشري، فهي تساعد العلماء على دراسة تفاعلات الجينات المختلفة، وتشكل أيضًا قاعدة لمقارنة مختلف القطع من الحمض النووي للأفراد، وحتى مقارنة جينوم الفرد ذاته. ومع ذلك يبقى السؤال: ما الفوائد المتوقعة من التسلسل الجينومي للمواليد الجدد؟
الفوائد
يساعد توفر التسلسل الجينومي الكامل للمواليد الجدد الأطباء على معرفة حالات جينية خاصة ومعالجتها مباشرةً، فقد كان عوز المناعة المشترك الشديد (SCID) موتًا مؤكدًا لحديثي الولادة، فهو مرض يعطل وظائف جهاز المناعة بسبب الطفرات التي تصيب خلايا الدم البيضاء، أما الآن وبفضل الفحص الجيني أصبح قابلًا للعلاج، مع إنه لا يزال خطيرًا.
اليوم أصبح تصوير التسلسل الجينومي لدى الأطفال في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إجراءً روتينيًا لدراسة الحالات الجينية الخاصة باستخدام عينة دماء وتضخيم الحمض النووي. ويتلقى الأطفال الذين يظهرون مضاعفات بعد عدة أسابيع مجموعة أخرى من الفحوص الجينية الخاصة، متضمنةً دراسة التسلسل الجينومي الكامل، ما يثير تساؤل مناصري التسلسل الجينومي الكامل للأطفال: لماذا لا يجري الأطباء فحصًا شاملًا من البداية؟
يقول الدكتور غرين: «من الغريب أننا نجري هذا النوع من الدراسة فقط عند التعامل مع عدد محدود من الأمراض، في حين نستطيع تحديد آلاف الأمراض تقريبًا إن أجرينا هذه الدراسة منذ الولادة».
يشير أيضًا إلى أن امتلاك فحص التسلسل الجينومي الكامل يؤمن وسائل فعالة لمساعدة الأشخاص في المستقبل، ويتصور عالمًا يستطيع فيه الأطباء تأمين عناية صحية خاصة تتناسب مع التسلسل الجينومي الخاص بكل مريض. ومع إن الكثير من جوانب التشخيص المرضي الخاص بالتسلسل الجينومي ما زالت مجهولة، فإن الحصول على المزيد من المعلومات سيؤمّن مساعدة إضافية لملء هذه الفراغات في النهاية: «علينا مساعدة الأطباء بمنحهم هذه الأدوات»
السلبيات
لا يتفق الجميع على التسلسل الجينومي لجميع حديثي الولادة، وعلى حد تعبير الدكتور دايفيد كورتيز، مختص علم الجينوم المتعلق بالحالات النفسية في جامعة لندن: «لا تعجبني هذه الفكرة».
تخيل أنك ستعلم منذ ولادتك كيف ستكون طريقة موتك! تُعد هذه إحدى المشكلات المحتملة للتسلسل الجينومي. يضيف دكتور كورتيز: «قد يكتشف المريض حالة صحية لا يمكن علاجها أو الشفاء منها، ولن تؤثر في صحته حتى مرحلة متأخرة من حياته».
مرض هنتنغتون مثلًا، حالة تنكس عصبي نادر يسبب رعشات وصعوبات إدراكية ونوبات صرع، وإلى اليوم لم يُكتشَف له علاج فعال، ولا تظهر أعراضه إلا بعد عمر الأربعين، مع إنه يمكن بسهولة تحديده بواسطة التسلسل الجينومي.
بعض الأشخاص سيفضلون معرفة هذا المصير مسبقًا، لكن هذه المعرفة تُعد كابوسًا لآخرين. ناهيك بمسألة السرية، فيجب حفظ هذه المعلومات في قاعدة البيانات الوطنية، لكن كما أظهرت الأحداث الأخيرة لا توجد قاعدة بيانات منيعة ضد الاختراق بالكامل. فكرة قبول هذا الإجراء نقطة مهمة جدًا في رأي كورتيز، إذ يقول: «يمكن تطبيق ذلك على من بلغوا السن القانونية، لكن ليس على الأطفال حديثي الولادة».
من النقاط المهمة مسألة القبول المرتبطة بالجينوم ذاته، فنحن نحصل على الجينوم بالوراثة من الوالدين، وكل منهما -كسائر البشر- يملك جينومًا من الأم وآخر من الأب. وهكذا تتعقد الأمور عند التفكير في الأقارب من الدرجة الأولى -كالأخوة- أو الثانية، وهكذا سنفقد السيطرة على الأمور. إذا افترضنا موافقة حديثي الولادة على وضع التسلسل الجينومي الخاص بهم في قاعدة البيانات الوطنية، فذلك سيعطي معلومات عن أجدادهم، مع إنهم لا يوافقون بالضرورة.
يبدو إن مسألة دراسة التسلسل الجينومي الشامل تتعلق بمتى سيحدث ذلك وليس إن كان سيحدث. بالحصول على موافقة كبيرة من العامة والدعم الحكومي لبرنامج دراسة التسلسل الجينومي لحديثي الولادة، فقد يصبح هذا الإجراء عاديًا في المستقبل القريب.
في أيلول 2021، أعربت المنظمة الأولى لبحوث الجينوم في بريطانيا عن نيتها تطوير برنامج تجريبي يعتمد على استخدام كامل التسلسل الجينومي، لتحديد مئات الأمراض الجينية عند مئتي ألف من المواليد الجدد الأصحاء. وقد لاقت المبادرة ترحيبًا من المجتمع العام في بريطانيا، وجرى حوار مفتوح موله برنامج علم الابتكار والأبحاث في بريطانيا، لكن الخبر أثار جدلًا في المجتمع العلمي أيضًا.
يمكن تلخيص الخلاف في التساؤل: كيف يساعد التسلسل الجينومي الأطفال؟ لو عرف كل فرد تاريخ تسلسله الجيني الكامل، فسيظهر سؤال وجودي: ماذا سيمنع المجتمع من الاتجاه إلى أفكار التفوق العرقي؟
ما التسلسل الجينومي؟
بدأ برنامج الجينوم البشري في 1990 وأُعلن انتهاؤه عام 2003، لكن عمليًا لم يكتمل تسلسل آخر 8% من تركيب الحمض النووي البشري حتى بداية 2021. الجينوم خريطة تحوي الشيفرة الوراثية الكاملة للكائن الحي، وتحتوي كل أنواع الجينات الفعالة منها والخامدة، ومع إن التركيز ينصب على الجينوم البشري، فهو ليس الوحيد الذي درسه العلماء، فحتى اليوم درس العلماء جينوم 350 نوعًا مختلفًا من النباتات، وأكثر من 250 نوعًا من الحيوانات، ومجموعة كاملة من الكائنات الدقيقة مثل فيروس سارس كوف2.
لقد قطعنا شوطًا طويلًا في فهمنا لعلم الجينات وتقنيات التسلسل الجينومي منذ 1990، ومع إن التعرف الكامل على الجينوم البشري تطلب عقودًا، فبوسع العلماء اليوم معرفة التسلسل الجينومي لشخص ما بدقة خلال 24 ساعة تقريبًا وبتكلفة أقل، لأنه على حد تعبير الدكتور إريك غرين، مدير المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري في الولايات المتحدة: «منذ نهاية مشروع الجينوم البشري، انخفضت تكلفة تسلسل الحمض النووي مليون مرة تقريبًا».
يُعد الجينوم أداة علمية قيمة جدًا، متضمنةً الجينوم البشري، فهي تساعد العلماء على دراسة تفاعلات الجينات المختلفة، وتشكل أيضًا قاعدة لمقارنة مختلف القطع من الحمض النووي للأفراد، وحتى مقارنة جينوم الفرد ذاته. ومع ذلك يبقى السؤال: ما الفوائد المتوقعة من التسلسل الجينومي للمواليد الجدد؟
الفوائد
يساعد توفر التسلسل الجينومي الكامل للمواليد الجدد الأطباء على معرفة حالات جينية خاصة ومعالجتها مباشرةً، فقد كان عوز المناعة المشترك الشديد (SCID) موتًا مؤكدًا لحديثي الولادة، فهو مرض يعطل وظائف جهاز المناعة بسبب الطفرات التي تصيب خلايا الدم البيضاء، أما الآن وبفضل الفحص الجيني أصبح قابلًا للعلاج، مع إنه لا يزال خطيرًا.
اليوم أصبح تصوير التسلسل الجينومي لدى الأطفال في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إجراءً روتينيًا لدراسة الحالات الجينية الخاصة باستخدام عينة دماء وتضخيم الحمض النووي. ويتلقى الأطفال الذين يظهرون مضاعفات بعد عدة أسابيع مجموعة أخرى من الفحوص الجينية الخاصة، متضمنةً دراسة التسلسل الجينومي الكامل، ما يثير تساؤل مناصري التسلسل الجينومي الكامل للأطفال: لماذا لا يجري الأطباء فحصًا شاملًا من البداية؟
يقول الدكتور غرين: «من الغريب أننا نجري هذا النوع من الدراسة فقط عند التعامل مع عدد محدود من الأمراض، في حين نستطيع تحديد آلاف الأمراض تقريبًا إن أجرينا هذه الدراسة منذ الولادة».
يشير أيضًا إلى أن امتلاك فحص التسلسل الجينومي الكامل يؤمن وسائل فعالة لمساعدة الأشخاص في المستقبل، ويتصور عالمًا يستطيع فيه الأطباء تأمين عناية صحية خاصة تتناسب مع التسلسل الجينومي الخاص بكل مريض. ومع إن الكثير من جوانب التشخيص المرضي الخاص بالتسلسل الجينومي ما زالت مجهولة، فإن الحصول على المزيد من المعلومات سيؤمّن مساعدة إضافية لملء هذه الفراغات في النهاية: «علينا مساعدة الأطباء بمنحهم هذه الأدوات»
السلبيات
لا يتفق الجميع على التسلسل الجينومي لجميع حديثي الولادة، وعلى حد تعبير الدكتور دايفيد كورتيز، مختص علم الجينوم المتعلق بالحالات النفسية في جامعة لندن: «لا تعجبني هذه الفكرة».
تخيل أنك ستعلم منذ ولادتك كيف ستكون طريقة موتك! تُعد هذه إحدى المشكلات المحتملة للتسلسل الجينومي. يضيف دكتور كورتيز: «قد يكتشف المريض حالة صحية لا يمكن علاجها أو الشفاء منها، ولن تؤثر في صحته حتى مرحلة متأخرة من حياته».
مرض هنتنغتون مثلًا، حالة تنكس عصبي نادر يسبب رعشات وصعوبات إدراكية ونوبات صرع، وإلى اليوم لم يُكتشَف له علاج فعال، ولا تظهر أعراضه إلا بعد عمر الأربعين، مع إنه يمكن بسهولة تحديده بواسطة التسلسل الجينومي.
بعض الأشخاص سيفضلون معرفة هذا المصير مسبقًا، لكن هذه المعرفة تُعد كابوسًا لآخرين. ناهيك بمسألة السرية، فيجب حفظ هذه المعلومات في قاعدة البيانات الوطنية، لكن كما أظهرت الأحداث الأخيرة لا توجد قاعدة بيانات منيعة ضد الاختراق بالكامل. فكرة قبول هذا الإجراء نقطة مهمة جدًا في رأي كورتيز، إذ يقول: «يمكن تطبيق ذلك على من بلغوا السن القانونية، لكن ليس على الأطفال حديثي الولادة».
من النقاط المهمة مسألة القبول المرتبطة بالجينوم ذاته، فنحن نحصل على الجينوم بالوراثة من الوالدين، وكل منهما -كسائر البشر- يملك جينومًا من الأم وآخر من الأب. وهكذا تتعقد الأمور عند التفكير في الأقارب من الدرجة الأولى -كالأخوة- أو الثانية، وهكذا سنفقد السيطرة على الأمور. إذا افترضنا موافقة حديثي الولادة على وضع التسلسل الجينومي الخاص بهم في قاعدة البيانات الوطنية، فذلك سيعطي معلومات عن أجدادهم، مع إنهم لا يوافقون بالضرورة.
يبدو إن مسألة دراسة التسلسل الجينومي الشامل تتعلق بمتى سيحدث ذلك وليس إن كان سيحدث. بالحصول على موافقة كبيرة من العامة والدعم الحكومي لبرنامج دراسة التسلسل الجينومي لحديثي الولادة، فقد يصبح هذا الإجراء عاديًا في المستقبل القريب.