من المثير أن نخوض تجربة رؤية عالمنا الذي نعيش به عبر عيني الطيور المهاجرة. تتميز هذه الطيور بقدرتها على رؤية المجال المغناطيسي للأرض، وتقوم هذه القدرة على التفاعل بين فيزياء ميكانيكا الكم والكيمياء الحيوية بما يساعد الطيور على الهجرة لمسافات شاسعة.
أعلن علماء من جامعة طوكيو في بداية عام 2021 أنهم تمكنوا للمرة الأولى من رصد تفاعل رئيسي مفترض مسؤول عن قدرة الطيور والكثير من الكائنات الأخرى على رؤية اتجاه قطبي كوكب الأرض.
المهم هنا، أن هذا الاكتشاف يمثل دليلًا واضحًا على ظاهرة فيزيائية كمومية تؤثر بصورة مباشرة في تفاعل كيميائي حيوي في الخلية، لطالما اعتُبر هذا التفاعل افتراضًا لم يُرَ سابقًا في الواقع حتى لحظة الاكتشاف.
رصد فريق العلماء باستخدام مجهر مصنوع خاصةً ليكون حساسًا للومضات الضوئية الخفيفة مزرعة من الخلايا البشرية الحاوية على مادة مميزة حساسة للضوء تستجيب بفعالية للتغيرات في المجال المغناطيسي.
إذ تتطابق التغيرات التي شاهدها العلماء في المختبر مع ما كان متوقعًا في حال نتج هذا التفاعل المضيء الذي رصده المجهر عن تأثير فيزيائي كمومي خفي.
يقول عالم الفيزياء الحيوية جوناثون وودوارد: «لم نضف أو نعدّل أي شيء على خلايا المزرعة. نظن الآن أننا نمتلك دليلًا قويًا جدًّا على رصدنا تفاعلًا كموميًّا صافيًا يؤثر في النشاط الكيميائي على المستوى الخلوي».
السؤال الأهم كيف تستطيع الخلايا، خاصةً الخلايا البشرية، الاستجابة للمجالات المغناطيسية؟
مع وجود الكثير من الفرضيات التي تحاول شرح هذه الظاهرة، يظن الكثير من الباحثين أن هذه القدرة على التفاعل مع المجالات المغناطيسية تنجم عن تفاعل فيزيائي كمومي فريد يتضمن مستقبلات ضوئية تسمى كريبتوكروم – Cryptochrome.
توجد الكريبتوكروم داخل خلايا أنواع حية كثيرة وتشارك في ضبط إيقاعات الساعة البيولوجية. لكن عند الأنواع الحية من الطيور المهاجرة والكلاب والكائنات الأخرى تشارك الكريبتوكروم في القدرة السحرية على الإحساس بالمجالات المغناطيسية.
في الحقيقة، ومع أن معظم البشر لا يستطيعون رؤية المجالات المغناطيسية، تحوي الخلايا البشرية بالتأكيد على جسيمات الكريبتوكروم. وتوجد بعض الأدلة على قدرة البشر على الإحساس بالمجال المغناطيسي للأرض مع أن هذا الإحساس لا يصل للوعي.
شعّع الباحثون بهدف رصد التفاعل الكمومي داخل الكريبتوكروم في أثناء حدوثه مزرعة من الخلايا البشرية بالضوء الأزرق، دافعًا إياها لتضيء بخفة. وفي أثناء توهجها، عرّض الفريق مرارًا مزرعة الخلايا لمجالات مغناطيسية ذات ترددات مختلفة.
وجد العلماء أنه في كل مرة يعبر فيها المجال المغناطيسي الخلايا، ينخفض توهجها بنسبة 3.5% بقيمة كافية تشير إلى حدوث تفاعل مباشر. والآن، كيف يؤثر المجال المغناطيسي في المستقبل الضوئي؟
يعود كل هذا التأثير لخاصية أصيلة في الإلكترونات تسمى السبين spin.
نعلم أصولًا أن سبين الإلكترونات يتأثر بشدة في المجالات المغناطيسية. إذ يحشد المجال المغناطيسي الإلكترونات باتجاه واحد حول الذرة، جامعًا عددًا كافيًا منها في مكان واحد، لتتحرك كتلة المادة المصنوعة متماسكة باستخدام مجال مغناطيسي ضعيف يشبه المجال المحيط بكوكبنا.
هذه الآلية رائعة وجيدة إن كنت ترغب في صنع إبرة بوصلة للملاحة. ولكن في ظل عدم وجود أي مكونات حساسة مغناطيسيًا داخل جماجم طيور الحمام، اضطر الفيزيائيون إلى التفكير على مستوى أدق وأعمق.
إذ طور الباحث في معهد ماكس بلانك كلاوس شولتن عام 1975 نظريةً حول قدرة المجالات المغناطيسية على التأثير في التفاعلات الكيميائية.
تتضمن هذه النظرية شيئًا يسمى الزوج الجذري – Radical Pair. يمثل الجذر غير المختلف عن غيره إلكترونًا يقع في الغلاف الخارجي للذرة غير مرتبط مع إلكترون آخر.
في العادة يتبنى هذا الإلكترون العازب رفيقًا مساعدًا له في ذرة أخرى ليشكلا سوية الزوج الجذري. يبقى هذان الإلكترونان منفصلين عن بعضهما، لكنهما يبقيان في حالة تشابك كما لو كان بينهما تاريخ قديم، إذ يعني التشابك في العالم الكمومي أن سبينا كلا الإلكترونين يستجيبان لبعضهما بصورة غريبة مهما كانت المسافة بينهما.
وبما أنه لا يمكن شرح سر هذا التشابك باتصال فيزيائي بين الإلكترونين، تعد هذه الظاهرة نشاطًا كموميًا كاملًا، لدرجة أنه أثار غرابة آلبرت أينشتاين وأطلق عليه اسم الاتصال الشبحي.
سيكون هذا التشابك قصير الأمد في الخلية الحية. لكنه سيستمر كفاية حتى يُحدث تأثيرًا ملحوظًا في أسلوب تفاعل ذرتيهما الأم.
في التجربة التي أجراها الباحثون، يشير الانخفاض في شدة توهج مزرعة الخلايا البشرية في أثناء مرور المجال المغناطيسي عبرها إلى تأثر عملية توليد الأزواج الجذرية.
من النتائج المثيرة للاهتمام عن هذا البحث التأثير غير المباشر للمجالات المغناطيسية حتى الضعيفة منها في العمليات الحيوية الأخرى. مع أن الأدلة عن تأثير المغناطيسية في الصحة البشرية ضعيفة، تثبت هذه التجربة وجود مجال كاف للتحقق وإجراء تجارب أخرى.
يقول وودوارد: «يكمن الشيء المفرح في هذا البحث في رؤية أن العلاقة بين سبين اثنين من الإلكترونات المفردة تملك تأثيرًا كبيرًا في عالم الحياة».
لا شك أن الطيور ليست الكائنات الحية الوحيدة التي تعتمد على المجال المغناطيسي للأرض بهدف التوجه. إذ تعتمد أنواع من السمك والديدان والحشرات وحتى بعض الثدييات على المجال المغناطيسي للأرض. حتى نحن البشر قد نتأثر فكريًا في هذا المجال المغناطيسي الضعيف.
إن تطور هذه القدرة من الإحساس بالمجال المغناطيسي للأرض قد يؤدي إلى عدد مختلف من التأثيرات بناءً على آليات فيزيائية متنوعة.
في النهاية، يعد امتلاك دليل على أن واحدًا من هذه التأثيرات ينبع من عالم ميكانيكا الكم الغريب ليؤثر في سلوك الكائنات الحية كافيًا حتى يدفعنا لاكتشاف ما هي العمليات الحيوية الأخرى النابعة من أعماق عالم الفيزياء الأساسية.
أعلن علماء من جامعة طوكيو في بداية عام 2021 أنهم تمكنوا للمرة الأولى من رصد تفاعل رئيسي مفترض مسؤول عن قدرة الطيور والكثير من الكائنات الأخرى على رؤية اتجاه قطبي كوكب الأرض.
المهم هنا، أن هذا الاكتشاف يمثل دليلًا واضحًا على ظاهرة فيزيائية كمومية تؤثر بصورة مباشرة في تفاعل كيميائي حيوي في الخلية، لطالما اعتُبر هذا التفاعل افتراضًا لم يُرَ سابقًا في الواقع حتى لحظة الاكتشاف.
رصد فريق العلماء باستخدام مجهر مصنوع خاصةً ليكون حساسًا للومضات الضوئية الخفيفة مزرعة من الخلايا البشرية الحاوية على مادة مميزة حساسة للضوء تستجيب بفعالية للتغيرات في المجال المغناطيسي.
إذ تتطابق التغيرات التي شاهدها العلماء في المختبر مع ما كان متوقعًا في حال نتج هذا التفاعل المضيء الذي رصده المجهر عن تأثير فيزيائي كمومي خفي.
يقول عالم الفيزياء الحيوية جوناثون وودوارد: «لم نضف أو نعدّل أي شيء على خلايا المزرعة. نظن الآن أننا نمتلك دليلًا قويًا جدًّا على رصدنا تفاعلًا كموميًّا صافيًا يؤثر في النشاط الكيميائي على المستوى الخلوي».
السؤال الأهم كيف تستطيع الخلايا، خاصةً الخلايا البشرية، الاستجابة للمجالات المغناطيسية؟
مع وجود الكثير من الفرضيات التي تحاول شرح هذه الظاهرة، يظن الكثير من الباحثين أن هذه القدرة على التفاعل مع المجالات المغناطيسية تنجم عن تفاعل فيزيائي كمومي فريد يتضمن مستقبلات ضوئية تسمى كريبتوكروم – Cryptochrome.
توجد الكريبتوكروم داخل خلايا أنواع حية كثيرة وتشارك في ضبط إيقاعات الساعة البيولوجية. لكن عند الأنواع الحية من الطيور المهاجرة والكلاب والكائنات الأخرى تشارك الكريبتوكروم في القدرة السحرية على الإحساس بالمجالات المغناطيسية.
في الحقيقة، ومع أن معظم البشر لا يستطيعون رؤية المجالات المغناطيسية، تحوي الخلايا البشرية بالتأكيد على جسيمات الكريبتوكروم. وتوجد بعض الأدلة على قدرة البشر على الإحساس بالمجال المغناطيسي للأرض مع أن هذا الإحساس لا يصل للوعي.
شعّع الباحثون بهدف رصد التفاعل الكمومي داخل الكريبتوكروم في أثناء حدوثه مزرعة من الخلايا البشرية بالضوء الأزرق، دافعًا إياها لتضيء بخفة. وفي أثناء توهجها، عرّض الفريق مرارًا مزرعة الخلايا لمجالات مغناطيسية ذات ترددات مختلفة.
وجد العلماء أنه في كل مرة يعبر فيها المجال المغناطيسي الخلايا، ينخفض توهجها بنسبة 3.5% بقيمة كافية تشير إلى حدوث تفاعل مباشر. والآن، كيف يؤثر المجال المغناطيسي في المستقبل الضوئي؟
يعود كل هذا التأثير لخاصية أصيلة في الإلكترونات تسمى السبين spin.
نعلم أصولًا أن سبين الإلكترونات يتأثر بشدة في المجالات المغناطيسية. إذ يحشد المجال المغناطيسي الإلكترونات باتجاه واحد حول الذرة، جامعًا عددًا كافيًا منها في مكان واحد، لتتحرك كتلة المادة المصنوعة متماسكة باستخدام مجال مغناطيسي ضعيف يشبه المجال المحيط بكوكبنا.
هذه الآلية رائعة وجيدة إن كنت ترغب في صنع إبرة بوصلة للملاحة. ولكن في ظل عدم وجود أي مكونات حساسة مغناطيسيًا داخل جماجم طيور الحمام، اضطر الفيزيائيون إلى التفكير على مستوى أدق وأعمق.
إذ طور الباحث في معهد ماكس بلانك كلاوس شولتن عام 1975 نظريةً حول قدرة المجالات المغناطيسية على التأثير في التفاعلات الكيميائية.
تتضمن هذه النظرية شيئًا يسمى الزوج الجذري – Radical Pair. يمثل الجذر غير المختلف عن غيره إلكترونًا يقع في الغلاف الخارجي للذرة غير مرتبط مع إلكترون آخر.
في العادة يتبنى هذا الإلكترون العازب رفيقًا مساعدًا له في ذرة أخرى ليشكلا سوية الزوج الجذري. يبقى هذان الإلكترونان منفصلين عن بعضهما، لكنهما يبقيان في حالة تشابك كما لو كان بينهما تاريخ قديم، إذ يعني التشابك في العالم الكمومي أن سبينا كلا الإلكترونين يستجيبان لبعضهما بصورة غريبة مهما كانت المسافة بينهما.
وبما أنه لا يمكن شرح سر هذا التشابك باتصال فيزيائي بين الإلكترونين، تعد هذه الظاهرة نشاطًا كموميًا كاملًا، لدرجة أنه أثار غرابة آلبرت أينشتاين وأطلق عليه اسم الاتصال الشبحي.
سيكون هذا التشابك قصير الأمد في الخلية الحية. لكنه سيستمر كفاية حتى يُحدث تأثيرًا ملحوظًا في أسلوب تفاعل ذرتيهما الأم.
في التجربة التي أجراها الباحثون، يشير الانخفاض في شدة توهج مزرعة الخلايا البشرية في أثناء مرور المجال المغناطيسي عبرها إلى تأثر عملية توليد الأزواج الجذرية.
من النتائج المثيرة للاهتمام عن هذا البحث التأثير غير المباشر للمجالات المغناطيسية حتى الضعيفة منها في العمليات الحيوية الأخرى. مع أن الأدلة عن تأثير المغناطيسية في الصحة البشرية ضعيفة، تثبت هذه التجربة وجود مجال كاف للتحقق وإجراء تجارب أخرى.
يقول وودوارد: «يكمن الشيء المفرح في هذا البحث في رؤية أن العلاقة بين سبين اثنين من الإلكترونات المفردة تملك تأثيرًا كبيرًا في عالم الحياة».
لا شك أن الطيور ليست الكائنات الحية الوحيدة التي تعتمد على المجال المغناطيسي للأرض بهدف التوجه. إذ تعتمد أنواع من السمك والديدان والحشرات وحتى بعض الثدييات على المجال المغناطيسي للأرض. حتى نحن البشر قد نتأثر فكريًا في هذا المجال المغناطيسي الضعيف.
إن تطور هذه القدرة من الإحساس بالمجال المغناطيسي للأرض قد يؤدي إلى عدد مختلف من التأثيرات بناءً على آليات فيزيائية متنوعة.
في النهاية، يعد امتلاك دليل على أن واحدًا من هذه التأثيرات ينبع من عالم ميكانيكا الكم الغريب ليؤثر في سلوك الكائنات الحية كافيًا حتى يدفعنا لاكتشاف ما هي العمليات الحيوية الأخرى النابعة من أعماق عالم الفيزياء الأساسية.