لطالما حسبنا أن الوصف الوظيفي لخلايا الدم الحمراء بسيط، إذ تملك وظيفةً واحدةً فقط هي حمل الأكسجين ونقله إلى أنسجة الجسم طوال الوقت، ويعود الفضل في وقاية الجسم من العدوى إلى خلايا الدم البيضاء وحدها. لكن هذه المعلومات لم تعد دقيقة.
أكدت دراسة حديثة أُجريت في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة أن خلايا الدم الحمراء تؤدي أيضًا دورًا مهمًا في العملية الالتهابية.
بدأت شكوك العلماء حول ذلك في منتصف القرن الماضي، إذ وجد بعض الباحثين أن خلايا الدم الحمراء تؤدي دورًا ما في الدفاع عن الجسم ضد الأجسام الغريبة.
وبحلول التسعينيات، اكتشف الباحثون مستقبلات على سطح خلايا الدم الحمراء، إذ أبدت هذه المستقبلات استجابةً للسيتوكينات، وهي مركبات بروتينية يفرزها جهاز المناعة. أشارت جميع هذه الأدلة إلى احتمال امتلاك هذه الخلايا وظيفة مناعية.
إضافة إلى ترافق تسمم الدم أحيانًا مع النقص غير المفسر لخلايا الدم الحمراء، إذ توضح طبيبة الرئة نيلام مانغالمورتي: «يُلاحَظ فقر الدم الالتهابي عادةً مباشرة بعد العدوى، مثل العدوى الطفيلية بالملاريا، ويصيب أيضًا جميع المرضى المصابين بأمراض شديدة مثل تعفن الدم والعدوى الطفيلية والعدوى الجرثومية والرضوض وكوفيد-19 ولم نستطع تفسير ذلك».
اكتشفت مانغالمورتي وفريقها قدرة خلايا الدم الحمراء على الارتباط بأجزاء صغيرة من الحمض النووي المتقدري العائم في الدم نتيجةً لتأذي الأنسجة، وأدى هذا الارتباط إلى تحريض عمليات ساعدت على تنظيم الاستجابة الالتهابية في الرئتين.
ورغم هذا الاكتشاف، ظل جزء من العملية غير مفهوم: كيف تستطيع قطعة صغيرة من حمضنا النووي تحويل خلية ناقلة للأكسجين إلى وسيلة لمقاومة الالتهاب؟ ولماذا تختفي الخلية؟ تكمن الإجابة عن هذا السؤال في بروتينات ترتبط بالحمض النووي ويُعرَف بالمستقبلات الشبيهة بالتول (TLR). توجد هذه المستقبلات طبيعيًا على سطح الخلايا الدفاعية مثل البالعات الكبيرة، إذ تستجيب لسلاسل الحمض النووي مشيرة إلى تعرض الجسم لغزو من قبل عامل ممرض.
كشفت التجارب الحديثة على دم المصابين بكوفيد-19 وتعفن الدم والشمبانزي وجود هذه المستقبلات على سطح خلايا الدم الحمراء أيضًا، ووجدوا زيادة في عدد هذه المستقبلات، وخاصة المستقبلات الشبيهة بالتول-9 (TLR9).
في أثناء العدوى، تتحد هذه المستقبلات بسهولة بقطع الحمض النووي المتحررة التي يظهر بعضها تشابهًا غريبًا مع سلاسل من الحمض النووي الفيروسي والجرثومي.
يتسبب هذا الارتباط تحت ظروف مخبرية مضبوطة بعناية في تغيير شكل خلايا الدم الحمراء، هذا ما شكل صدمةً للباحثين إذ فقدت شكلها المقعر المشابه لقطعة الدونات.
كان تغير الشكل هذا نتيجةً لتعفن الدم، وأكدت رؤية ذلك خلال التجارب المخبرية أن الباحثين على الطريق الصحيح.
وسرعان ما اختفت خلايا الدم الحمراء المشوهة؛ إذ ابتلعتها الخلايا البلعمية، ويطلق هذا الابتلاع بدوره سلسلة من النواقل الالتهابية التي تنبه الجهاز المناعي وتدفعه للعمل بسرعة.
أكدت عدة دراسات أُجريَت على فئران مصابة بالطفيليات ما جاء في الدراسة السابقة، إذ كانت مستويات الحمض النووي المتقدري مرتفعةً على سطح خلايا الدم الحمراء مقارنةً بالحيوانات غير المصابة.
في الواقع، ستفتح هذه الدراسة آفاقًا علاجيةً واسعةً أمام الباحثين، إذ لا تحمل العملية الالتهابية الفوائد للجسم دائمًا، فقد يشكل إطلاقها في مناطق سليمة من العدوى خطرًا خاصةً عند المصابين بالأمراض المناعية الذاتية.
قد يسهم هذا الاكتشاف في إيجاد طريقة لكبح ردود أفعال خلايا الدم الحمراء المفرطة تجاه قطع الحمض النووي المتقدري العائم في الدم والسيطرة على العملية الالتهابية، الأمر الذي سينقذ حياة الكثيرين من المعرضين لخطر الإصابة بفقر الدم الالتهابي الحاد.
يقول مانغالمورتي: «إن الإجراء المتبع حاليًا مع مرضى العناية المركزة المصابين بفقر الدم الحاد، وهو ما يمثل جميع المصابين بأمراض شديدة تقريبًا، هو نقل الدم، لكن هذا الإجراء مترافق مع الكثير من الآثار الجانبية الخطيرة بما في ذلك الإصابة الرئوية الحادة وزيادة خطر الوفاة».
وأضاف: «لكن اكتشاف آلية حدوث فقر الدم الالتهابي الحاد فتح أمامنا آفاقًا جديدة لعلاجه دون الحاجة إلى نقل الدم، وحصار مستقبلات التول-9 على سطح خلايا الدم الحمراء أحد الأمثلة على ذلك».