أقدم الأدلة على وجود البشر في شبه الجزيرة العربية قد تفسر هجرتهم من إفريقيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أقدم الأدلة على وجود البشر في شبه الجزيرة العربية قد تفسر هجرتهم من إفريقيا

    عُثِر حديثًا على أدوات حجرية تدل على وجود البشر القدامى في شبه الجزيرة العربية قبل 400,000 سنة، وهي تُعَد أقدم الأدلة المتوفرة عن الوجود البشري في تلك المنطقة حتى هذا الوقت. يتزامن تاريخ صناعة هذه الأدوات مع تغيرات في المناخ، ما يبين توقيت تحركات البشر من إفريقيا.

    درس الدكتور «هو غروكت» من معهد ماكس بلانك موقعًا أثريًّا في منطقة «خل عميشان» الواقعة شمال شبه الجزيرة العربية، ومع أن الموقع أصبح الآن صحراءً غير قابلة للسكن، أفاد غروكت وزملاؤه بأنه كان يحتوي بحيرة تكوّنت وجفّت في ست فترات مختلفة خلال نصف مليون سنة الأخيرة.

    في خمس فترات منها، تُركَت أدوات حجرية حول حواف البحيرة توضح أن البشر عاشوا في تلك المنطقة كلما سنحت لهم الفرصة. وفي أثناء عمليات البحث، تبين أن الأدوات التي عُثر عليها في كل مرة تختلف عن سابقتها، ما يشير إلى تغير الحضارة البشرية خلال الوقت الفاصل بين تلك الفترات.

    من غير الواضح هل كان صانعو تلك الأدوات من البشر المعاصرين «هومو سابينس» أو من فرع آخر منقرض من العائلة البشرية، إلا أن الأدوات الأحدث من بينها كانت على الأرجح تنتمي إلى البشر المعاصرين.

    تدل عينات من الشريط الساحلي لجنوب غرب شبه الجزيرة العربية الرطب نسبيًّا على أن بعض المواقع كانت مأهولة بالبشر المعاصرين والنياندرتال في أوقات مختلفة، ومن المرجح أيضًا أن السكن البشري لخل عميشان تزامن مع هجرات أتاحت الفرصة للفروع الأخيرة من الجنس البشري أن تغزو العالم إلى ما بعد إفريقيا.

    أداة حجرية استُخدمَت فأسًا يدوية من منطقة خل عميشان، يبلغ عمرها 400,000 سنة.

    وفقًا للتأريخ الضوئي للعينات، فإن أعمارها تبلغ 400، 300، 200، و55 ألف سنة تقريبًا، مع الإشارة إلى أن أطول فترة للوجود البشري في المنطقة كانت منذ 130 إلى 75 ألف سنة. وهي المرة الأولى التي يرتبط فيها موقع في شبه الجزيرة العربية بفترات متعددة من الوجود البشري.

    تضمن الموقع الأثري أيضًا حفريات لحيوانات عاصرت البشر الذين سكنوا تلك المنطقة، وتنتمي معظمها إلى أنواع كانت تعيش في إفريقيا في ذلك الوقت، ما يؤكد نظرية أن شبه الجزيرة العربية شهدت فترات مطيرة قصيرة، بأحوال مناخية شبيهة بشمال إفريقيا، سمحت للبشر والحيوانات الذين كانوا يعيشون في إفريقيا أن يوسعوا نطاق سكنهم إلى خارجها. إضافةً إلى ذلك، اتضح أن بعض الأنواع من المناطق الآسيوية المجاورة عاشت أيضًا في خل عميشان خلال هذه الفترات.

    لذا فمن المحتمل أن بعض صانعي الأدوات كانوا مجموعة من البشر القدامى الذين غادروا إفريقيا في فترات هجرة مسبقة، واستصلحوا أجزاءً من شبه الجزيرة العربية حين كان ذلك ممكنًا.

    مع اختلاف العصور التي انتمت إليها الأدوات المكتشفة، فإنها تشابه نظيرتها الإفريقية من نفس الفترات الزمنية، بدرجة أكبر مقارنةً بتلك المكتشَفة في المناطق الواقعة شمال الموقع الأثري، التي كانت صالحة للسكن البشري باستمرارية أكبر.

    قال غروكت: «لطالما نُظِر إلى شبه الجزيرة العربية بوصفها مكانًا خاليًا في الماضي، مع ذلك يبين عملنا أننا ما زلنا لا نعرف إلا القليل عن التطور البشري في مناطق كثيرة من العالم، ويؤكد حقيقة أنه لا تزال هناك العديد من الأمور المفاجئة التي لم تُكتشَف بعد».

    أضاف الدكتور توم وايت من متحف التاريخ الطبيعي: «مثّلت شبه الجزيرة العربية حاجزًا كبيرًا أمام توسع البشر إلى خارج إفريقيا، وعودتهم إليها».

    وقال البروفيسور –غير المشارك في البحث- روبن دينل من جامعة إكسيتر : «قبل عشر سنوات، لم يُسجَّل أي موقع أثري أقدم من 10,000 سنة في أي منطقة من شبه الجزيرة العربية، التي تبلغ مساحتها ثلاثة ملايين كيلومتر مربع». لكن منذ ذلك الحين، اكتُشِفت آثار تعود إلى ما بين 85,000 إلى 120,000 سنة، وأدوات تعود إلى 190,000 سنة، تشابه أدوات أخرى من عصور أقدم، إضافةً إلى عظمة إصبع فردية.

    يشير دينل أيضًا إلى أن أحدث الأدوات المكتشفة قد تنتمي إلى وقت عاش فيه البشر المعاصرون والنياندرتال معًا في تلك المنطقة، ما قد يمثل إحدى المرات التي حدث فيها تزاوج بين النوعين.

    لحسن الحظ أن العلماء تمكنوا من العثور على آثار خل عميشان، إذ غطت الكثبان الرملية المتحركة الموقع الأثري في فترات الجفاف ووفرت له الحماية من التعرية، ما أتاح له الاحتفاظ بمؤشرات أثرية واضحة تُميّز بين فترات الوجود البشري المختلفة بدقة.
يعمل...
X