تثير مجموعة من التجارب أسئلة مثل: هل كتل من الخلايا والأدمغة المعزولة واعية؟ وكيف يعمل هذا الوعي إن كان موجودًا؟ تجد المئات من الأدمغة البشرية المصغرة في مخبر أليسون موتري، أدمغة بحجم حبات السمسم تطفو في أطباق بتري تطلق إشارات كهربائية. تُنمّى هذه البنى الدقيقة المسماة «الأدمغة العضوانية» من الخلايا الجذعية، وقد أصبحت مشاهدتها في المخابر التي تدرس خصائص الدماغ أمرًا شائعًا.
وجد عالم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، أليسون موتري طرقًا مبتكرة لنشر نماذجه، إذ وصّل عضوانيات بروبوتات وعدّل جيناتها بإضافة جينات نياندرتال إليها وأطلقها في مدار حول محطة الفضاء الدولية، واستخدم نماذج ليطور أنظمة ذكاء اصطناعي شبيهة بالبشر.
ركز موتري عمله مؤقتًا كمعظم العلماء الآخرين على دراسة مرض كوفيد-19 باستخدام عضوانيات دماغية لاختبار أثر الأدوية في فيروس كورونا، وقد لفتت إحدى التجارب الأنظار أكثر من غيرها، ففي أغسطس 2019 نشر فريق موتري ورقة بحثية في مجلة (Cell Stem Cell) تتعلق بخلق عضوانيات دماغية بشرية تنتج أمواجًا منتظمة من النشاط المشابه لنشاط أدمغة الأطفال الخدج، واستمرت أمواج النشاط هذه عدّة أشهر حتى أوقف الفريق التجربة.
يُعد النشاط الكهربي المنتظم المنتشر في الدماغ من خصائص الدماغ الواعي، لذا أثارت تجربة الفريق العديد من التساؤلات العلمية والأخلاقية، مثل: هل من المقبول أن يصل تطور العضوانيات الدماغية إلى هذا المستوى المتقدم أم لا؟ وهل يُفترض أن تحظى هذه العضوانيات «الواعية» بمعاملة وحقوق لا توفَّر لباقي كتل الخلايا؟ وهل يمكن خلق وعي من لا شيء؟
إن فكرة الأدمغة المعزولة الواعية ذاتيًا ليست بالجديدة، فقد أعلن فريق من جامعة ييل في كونيتيكت قبل عدة أشهر أنهم أعادوا الحياة -جزئيًا على الأقل- إلى أدمغة خنازير بعد موتها بعدة ساعات، وذلك بإزالة أدمغة الخنازير من جماجمها ونقعها في خليط من المواد الكيميائية، إذ أعاد الفريق إنعاش الوظائف الخلوية للخلايا العصبية وقدرتها على نقل الإشارات الكهربية.
أثارت بعض التجارب الأخرى جدلًا أخلاقيًا بين العلماء، حول هل من المقبول إجراء تجارب كهذه؟ مثل إضافة خلايا عصبية بشرية إلى أدمغة الفئران. إذ يريد البعض تجنّب تجارب خلق الوعي، في حين يرى آخرون في العضوانيات المعقدة وسيلةٌ لدراسة الأمراض البشرية الفتاكة.
يعتقد موتري وعلماء أعصاب آخرون أن العضوانيات الدماغية قد تكون أداة جوهرية في فهم بعض الحالات المميزة كالتوحد والفصام، التي تستحيل دراستها على حيوانات التجربة دراسةً مفصلة، وللتمكن من ذلك يرون أنهم يجب أن يتعمدوا تشكيل الوعي لدراسته.
يطالب الباحثون الآن بتوجيهات مشابهة لتلك المستخدمة في التجارب على الحيوانات، لتوجيه استخدام العضوانيات البشرية وتجارب خلق الوعي. بدأت الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب في يونيو دراسة تهدف إلى تحديد المشاكل الأخلاقية والقانونية المرتبطة بالعضوانيات الدماغية والهجائن البشرية-الحيوانية.
إحدى نقاط الإشكال المتعلقة بالأدمغة المُنمّاة مخبريًا هي أن علماء الأعصاب لم يتفقوا بعد على طريقة لتعريف الوعي وقياسه، ويتخوف الأخلاقيون من أن غياب تعريف محدد يجعل إيقاف التجارب قبل تجاوزها الخطوط الحمراء أمرًا مستحيلًا.
يقول أنيل سيث عالم الأعصاب الإدراكية في جامعة ساسكس في المملكة المتحدة إن التجارب الحالية قد تفرض إعادة فتح الجدل، فإن توصل العلماء إلى خلق عُضيّة دماغية يقتنعون بوعيها فيجب أن يسرعوا إلى الاتفاق على نظرية لكيفية حدوث ذلك، فعندما تجزم نظرية يؤمن بها أحدهم أن العضوانيات تملك وعيًا، في حين ترفض ذلك نظريات أخرى، تنعدم الثقة بوجود الوعي، إذ تعتمد الثقة كثيرًا على النظرية المُتبناة.
حالات الوعي
قد يكون خلق نظام واعٍ أسهل بكثير من تحديد تعريف له، إذ إن الباحثين والخبراء يعرّفون الوعي بطرق مختلفة لأسباب متنوعة، وتصعب صياغة تعريف عملي واحد يجمع تلك الاختلافات ويحدد حالة الوعي في الأدمغة المُنماة مخبريًا.
يقيّم الأطباء مستوى وعي المرضى في الحالة الإنباتية اعتمادًا على الرّمش أو الإجفال عند استجابتهم للألم أو المحفزات الأخرى. في حين يقيس الباحثون استجابة الدماغ للصعق بالنبضات الكهربية باستخدام مخطط كهرباء الدماغ، ويُظهِر الدماغ الواعي تقلبًا ونشاطًا كهربائيًا أعقد، مقارنةً بالدماغ غير الواعي الذي يستجيب بأنماط أبسط وأكثر وانتظامًا. لكن هذه الاختبارات قد لا تسبر الوعي بطريقة ملائمة.
في الدراسات التي تصوّر أدمغة المرضى في الغيبوبة أو الحالات الإنباتية، وجد العلماء أن المرضى غير المستجيبين قد يظهرون نشاطًا دماغيًا شبيهًا بالوعي، مثل النشاط في مناطق الدماغ المسؤولة عن الحركة، عندما يُطلب منهم التفكير في المشي.
من الصعب جدًا تطبيق الاختبارات الطبية للوعي على الخلايا الدماغية المُنماة مخبريًا أو أدمغة الحيوانات المعزولة، فعندما وجد موتري أن أنماط استجابة العضوانيات الدماغية في مختبره تشبه استجابة أدمغة الأطفال الخدج، لم يتضح ما يمكن أن نستنتجه من ذلك. فبعض الباحثين لا يرون أن نشاط دماغ الخدج معقد بما يكفي ليُعَد وعيًا. والعضوانيات الدماغية ليس بمقدورها أن ترمش أو تجفل من التحفيز الألمي، لذا لا يمكننا الاعتماد على الاختبار الطبي للوعي.
عند تطوير عضوانيات دماغية بشرية، تتحول الخلايا ما قبل العصبية (باللون الأحمر) إلى خلايا عصبية (الأخضر)، تتصل بشبكات (الأبيض)
لكن على العكس، تمتلك الأدمغة المعزولة للحيوانات الميتة حديثًا البنى الضرورية للوعي، إضافةً إلى الاتصال العصبي المتشكل نتيجة الذكريات والتجارب التي مر بها الحيوان، إذ تقول جانتين لونشوف الفيلسوفة وعالمة الأعصاب في جامعة هارفارد- ماساشوستس: «عند الحديث عن دماغ مليء بكل ما سبق، يصعب أن نتخيل أنه فارغ، لا أعرف ما يستطيع هذا الدماغ فعله فيما يخص التفكير، لكنه بالتأكيد ليس صفرًا».
إعادة دماغ ميت إلى حالة شبيهة بالحياة كما فعل فريق جامعة ييل قد يحمل إمكانية استعادة درجة من الوعي، رغم أن العلماء بذلوا جهودًا كبيرة لتجنب ذلك باستخدام عوامل حاجبة للمواد الكيميائية التي تمنع النشاط المنتشر في الدماغ.
يتفق العلماء على أنهم يجب أن يأخذوا الإمكانيات التي تتيحها تجارب كهذه بجدية، إذ عُقد في أكتوبر 2019 مؤتمر في جامعة كاليفورنيا- سان دييغو، حضره العديد من علماء الأعصاب والفلاسفة، مع طلاب وأشخاص آخرين، بهدف إيجاد إطار أخلاقي للتجارب المستقبلية، لكن نتائج هذا المؤتمر تأخرت شهورًا عديدة بسبب عدم اتفاق بعض المؤلفين على المتطلبات الأساسية للوعي.
ازدياد التعقيد
يتفق جميع العلماء والأخلاقيين تقريبًا على أنه لم يُخلق أي وعي مخبريًا حتى الآن، لكنهم يتساءلون عما يجب أن يتوقعوه، وما هي نظريات الوعي التي قد تكون أكثر ملاءمةً، فوفقًا لفكرة تُسمى «نظرية المعلومات المتكاملة»، فإن الوعي ناتج عن كثافة اتصال الشبكات العصبية في الدماغ، أي كلما ازداد عدد الخلايا العصبية التي تتواصل معًا، ازداد الوعي، وهي قيمة تُسمى «فاي»، وإذا كانت هذه القيمة أكبر من الصفر عُدَّ الكائن العضوي واعيًا، وهو ما يحققه أكثر الحيوانات وفقًا للنظرية. يشك كريستوف كوخ رئيس معهد آلين للعلوم الدماغية في سياتل في أن أي عضوانيات موجودة حاليًا تجتاز هذه العتبة، لكنه يعترف أن أخرى أكثر تطورًا قد تجتازها.
تتطلب نظرية أخرى للوعي تغذيةً حسية أو أنماطًا كهربية منتظمة في مناطق متعددة من الدماغ، وهي تُسمى نظرية «مساحة العمل العالمية»، وتفترض هذه النظرية أن القشرة الجبهية الأمامية للدماغ تعمل حاسوبًا يعالج التغذية الحسية ويترجمها إلى حس بالوجود، ولأن العضوانيات الدماغية لا تمتلك قشرة جبهية أمامية لتعالج التغذية الحسية، فلا يمكن أن تكون واعية. تقول مادلين لانكستر مختصة البيولوجيا التطورية في جامعة كامبريدج: «قد تتواصل الخلايا العصبية معًا دون وجود التغذية أو ما ينتج عنها، لكن هذا لا يعني بالضرورة وجود شيء مشابه للتفكير البشري».
ربط العضوانيات الدماغية بالأعضاء مهمة سهلة إلى حد ما، إذ نمّى فريق لانكستر عام 2019 عضوانيات دماغية بشرية قرب عمود فقري وعضلات ظهر فأر، وعندما رُبطت أعصاب العضواني الدماغي بالعمود الفقري بدأت العضلات بالتقلص.
تستخدم عالمة الأحياء التطورية مادلين لانكستر العضوانيات لدراسة تنظيم الدماغ واضطراباته في مختبرها بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة
تُصمم معظم العضوانيات لتنتج جزءًا واحدًا من الدماغ هو القشرة المخية، ولكن مع تطورها بمرور الوقت وباستعمال عوامل النمو الملائمة، تنتج الخلايا الجذعية البشرية العديد من الأجزاء الأخرى من الدماغ، التي تنظم نشاطها الكهربائي بعد ذلك. تمكنت اختصاصية البيولوجيا الجزيئية باولا أرلوتا من تطوير خلايا جذعية إلى عضوانيات دماغية مؤلفة من خلايا متعددة الأنواع، منها خلايا حساسة للضوء تشبه تلك الموجودة في الشبكية، في دراسة نُشرت عام 2017. ولكن لا يعني نشاط هذه الخلايا أن العضوانيات الدماغية هذه ترى أو تعالج المعلومات البصرية، لكنها قادرة على تشكيل الدارات المطلوبة لذلك.
يرى كل من أرلوتا ولانكستر أن العضوانيات الدماغية التي نمّياها بدائية أكثر من أن تكون واعية، لأنها تفتقر إلى البنى التشريحية الضرورية لتشكيل أنماط معقدة من المخططات الكهربائية الدماغية، لكن تقول لانكستر إن ذلك يعتمد على التعريف على أية حال، وتقول: «إن كنت تعتقد أن ذبابة ما واعية، يمكن أن تقول إن العضوانية كذلك».
تعتقد لانكستر مع العديد من الباحثين الآخرين أن دماغ الخنزير الذي أعيد إحياؤه يُرجَّح أن يكون واعيًا أكثر من العضوانيات.
حاول فريق الباحثين الذي أجرى تجربة دماغ الخنزير بقيادة عالم الأعصاب نيناد سيستان إيجاد طرق جديدة لإعادة إحياء الأعضاء، لا لتشكيل الوعي، إذ تمكنوا من إعادة نشاط خلايا عصبية مفردة أو مجموعات منها، وتجنبوا تشكيل أمواج دماغية واسعة الانتشار. وعندما وجد الفريق ما يشبه نشاط مخطط كهربائي دماغي منتظم أوقفوا التجربة فورًا، وخدروا الأدمغة احترازيًا، مع أن اختصاصيًا عصبيًا أكد أن نمط النشاط ذاك لم يكن متوافقًا مع الوعي.
تواصل سيستان مع معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة بهدف الحصول على توجيهات لكيفية متابعة التجربة، قيّمت التجربة لجنة المعاهد التي تضمنت لونشوف وإنسو هيون المختص في الأخلاقيات البيولوجية في جامعة كيس ويسترن في كليفلاند أوهايو، ووافقت على إبقاء الأدمغة مخدرة. لكن هذه اللجنة لم تعتمد تنظيمات أكثر تعميمًا، ولا تتطلب تقييمًا مختصًا في الأخلاقيات البيولوجية للمقترحات المتعلقة بالعضوانيات، لأن أعضاءها يعتقدون أن تشكل الوعي أمر غير مرجح.
لم تتوصل معاهد الصحة الوطنية إلى تعريف واضح للوعي، يقول هيون: «إن الأمر يتسم بمرونة كبيرة، إذ يدعي كل شخص معنًى خاصًا به، إن لم يكن واضحًا أننا نناقش الفكرة ذاتها يكون الحوار صعبًا».
استخدم عالم الأعصاب نيناد سيستان منصة BrainEx لاستعادة النشاط العصبي في أدمغة الخنازير غير المجسدة
تعاريف مُبهَمة
يرى البعض أنه من العبث تعريف الوعي في أي شكل من الأدمغة المُنماة مخبريًا، إذ يقول ستيفن لوريس عالم الأعصاب في جامعة لييج في بلجيكا الذي ابتكر بعض المقاييس المرتكزة على الصور للوعي لدى المرضى في الحالة الإنباتية: «من المستحيل قول أي شيء ذي معنى عما يمكن هذه الخلايا الدماغية أن تفكر فيه أو تدركه، لأننا لا نفهم الوعي. لا يجب أن نبالغ في غرورنا، ويجب أن نكمل الأبحاث بحذر شديد».
يشير لوريس وآخرون إلى أن تجربة العضوانيات مختلفة جدًا عن تجربة جنين خديج أو إنسان بالغ أو خنزير على الأرجح، ولا يمكن مقارنتهما مباشرة. إضافةً إلى أن بنى العضوانيات أصغر من أن يُقاس نشاطها بدقة، وقد تكون التشابهات بين المخطط الكهربي لنشاط العضوانيات وأدمغة الأطفال الخدج وليدة الصدفة.
يتفق العديد من الباحثين مع لوريس على فكرة أن السؤال عن مدى وعي نظام ما غير قابل للإجابة، ويتجنب العديد منهم الموضوع تمامًا. يقول سيرجيو باسكا عالم الأعصاب في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا: «لا أعرف لماذا يجب أن نحاول الإجابة عن السؤال، فهذا النظام ليس دماغًا بشريًا، إنه مكون من خلايا عصبية تملك نشاطًا كهربائيًا، لكن يجب التفكير بحذر عن كيفية مقارنة الأمرين».
يقول موتري إنه لا يعرف أي تعريف يجب أن يستخدم ليقرر مسألة وعي العضوانيات الدماغية. ففي مرحلة ما، قد تساعد العضوانيات الباحثين على الإجابة عن أسئلة حول كيفية تشكيل الدماغ للحالة الواعية. يدرس عالم الرياضيات غابرييل سيلفا من جامعة كاليفورنيا النشاط العصبي في عضوانيات موتري، لإيجاد خوارزمية توضح تشكيل الدماغ للوعي، ويهدف مشروعه إلى إيجاد نظام صناعي يعمل كالوعي البشري.
لا توجد تشريعات في الوقت الحالي في الولايات المتحدة أو أوروبا تمنع الباحثين من خلق الوعي. تخطط لجان الأكاديميات الوطنية لنشر تقرير السنة القادمة، وتوضح آخر الأبحاث الحاجة إلى وضع تشريعات، ويهدف الأعضاء إلى بحث هل يجب الحصول على موافقة الأشخاص الذين تُستعمل خلاياهم لإنماء عضوانيات دماغية، وكيفية دراسة العضوانيات والتخلص منها بطريقة إنسانية. يعمل المجتمع الدولي لأبحاث الخلايا الجذعية على التوجيهات المتعلقة بالعمل على العضوانيات، لكنه لا يناقش الوعي، لأنه يعتقد أن العلم لم يصل إلى تلك المرحلة بعد.
يقول هيون أن لجنة الأخلاقيات البيولوجية لمعاهد الصحة الوطنية لم تتلق أي طلبات لخلق عضوانيات معقدة واعية تقتضي وضع توجيهات جديدة بعد، وينفي موتري علمه بوجود أي محاولات متعمدة لخلق عضوانيات واعية، مع أن عضوانيات معقدة بما يكفي قد تصل إلى تلك الحالة مصادفة.
يرحب موتري وآخرون بتوجيهات جديدة حال إقرارها، وقد تتطلب هذه التوجيهات تفسير الباحثين لعدد العضوانيات الدماغية المستعملة وأن يستخدموها من أجل الأبحاث العلمية التي لا يمكن أن تُجرى بطريقة أخرى، وأن يقلل مقدار الألم الذي تسببه هذه الأبحاث قدر الإمكان، وأن تكون عملية التخلص من هذه العضوانيات إنسانية.
سيساعد وجود هذه التوجيهات الاستباقية الباحثين على تقييم منافع وأضرار خلق كيانات واعية. يؤكد العديد من العلماء أن هذه التجارب قد تعطي أفكارًا مهمة، إذ تقول لانكستر: «يوجد الكثير من الأشخاص الواعين الذين يعانون أمراضًا عصبية لا علاج لها، إن أوقفنا جميع هذه الأبحاث بسبب التجربة الفكرية الفلسفية، فسنؤذي بشرًا حقيقيين يحتاجون إلى علاجات جديدة».
يمكن اختبار العلاجات على عضوانيات دماغية مُنماة من خلايا جذعية فأرية أو على حيوانات التجربة الاعتيادية، وستجيب هذه التجارب عن النقاشات حول الاستخدام الأخلاقي للعضوانيات البشرية.
يتمنى هيون رؤية مقارنة الباحثين بين مخططات كهربائية لعضوانيات فأرية وفئران حية، ما قد يبين مدى تشابه العضوانيات البشرية مع الدماغ البشري. ويرى موتري أنه لا فرق يُذكر بين العمل على العضوانيات الدماغية وفئران التجربة، ويقول: «نحن نعمل على حيوانات واعية دون أي مشكلات، ويجب أن نمضي قدمًا في الأبحاث، فأنا لا أرى مشكلة إن اتضح أن العضوانيات قد صارت واعية».
وجد عالم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، أليسون موتري طرقًا مبتكرة لنشر نماذجه، إذ وصّل عضوانيات بروبوتات وعدّل جيناتها بإضافة جينات نياندرتال إليها وأطلقها في مدار حول محطة الفضاء الدولية، واستخدم نماذج ليطور أنظمة ذكاء اصطناعي شبيهة بالبشر.
ركز موتري عمله مؤقتًا كمعظم العلماء الآخرين على دراسة مرض كوفيد-19 باستخدام عضوانيات دماغية لاختبار أثر الأدوية في فيروس كورونا، وقد لفتت إحدى التجارب الأنظار أكثر من غيرها، ففي أغسطس 2019 نشر فريق موتري ورقة بحثية في مجلة (Cell Stem Cell) تتعلق بخلق عضوانيات دماغية بشرية تنتج أمواجًا منتظمة من النشاط المشابه لنشاط أدمغة الأطفال الخدج، واستمرت أمواج النشاط هذه عدّة أشهر حتى أوقف الفريق التجربة.
يُعد النشاط الكهربي المنتظم المنتشر في الدماغ من خصائص الدماغ الواعي، لذا أثارت تجربة الفريق العديد من التساؤلات العلمية والأخلاقية، مثل: هل من المقبول أن يصل تطور العضوانيات الدماغية إلى هذا المستوى المتقدم أم لا؟ وهل يُفترض أن تحظى هذه العضوانيات «الواعية» بمعاملة وحقوق لا توفَّر لباقي كتل الخلايا؟ وهل يمكن خلق وعي من لا شيء؟
إن فكرة الأدمغة المعزولة الواعية ذاتيًا ليست بالجديدة، فقد أعلن فريق من جامعة ييل في كونيتيكت قبل عدة أشهر أنهم أعادوا الحياة -جزئيًا على الأقل- إلى أدمغة خنازير بعد موتها بعدة ساعات، وذلك بإزالة أدمغة الخنازير من جماجمها ونقعها في خليط من المواد الكيميائية، إذ أعاد الفريق إنعاش الوظائف الخلوية للخلايا العصبية وقدرتها على نقل الإشارات الكهربية.
أثارت بعض التجارب الأخرى جدلًا أخلاقيًا بين العلماء، حول هل من المقبول إجراء تجارب كهذه؟ مثل إضافة خلايا عصبية بشرية إلى أدمغة الفئران. إذ يريد البعض تجنّب تجارب خلق الوعي، في حين يرى آخرون في العضوانيات المعقدة وسيلةٌ لدراسة الأمراض البشرية الفتاكة.
يعتقد موتري وعلماء أعصاب آخرون أن العضوانيات الدماغية قد تكون أداة جوهرية في فهم بعض الحالات المميزة كالتوحد والفصام، التي تستحيل دراستها على حيوانات التجربة دراسةً مفصلة، وللتمكن من ذلك يرون أنهم يجب أن يتعمدوا تشكيل الوعي لدراسته.
يطالب الباحثون الآن بتوجيهات مشابهة لتلك المستخدمة في التجارب على الحيوانات، لتوجيه استخدام العضوانيات البشرية وتجارب خلق الوعي. بدأت الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب في يونيو دراسة تهدف إلى تحديد المشاكل الأخلاقية والقانونية المرتبطة بالعضوانيات الدماغية والهجائن البشرية-الحيوانية.
إحدى نقاط الإشكال المتعلقة بالأدمغة المُنمّاة مخبريًا هي أن علماء الأعصاب لم يتفقوا بعد على طريقة لتعريف الوعي وقياسه، ويتخوف الأخلاقيون من أن غياب تعريف محدد يجعل إيقاف التجارب قبل تجاوزها الخطوط الحمراء أمرًا مستحيلًا.
يقول أنيل سيث عالم الأعصاب الإدراكية في جامعة ساسكس في المملكة المتحدة إن التجارب الحالية قد تفرض إعادة فتح الجدل، فإن توصل العلماء إلى خلق عُضيّة دماغية يقتنعون بوعيها فيجب أن يسرعوا إلى الاتفاق على نظرية لكيفية حدوث ذلك، فعندما تجزم نظرية يؤمن بها أحدهم أن العضوانيات تملك وعيًا، في حين ترفض ذلك نظريات أخرى، تنعدم الثقة بوجود الوعي، إذ تعتمد الثقة كثيرًا على النظرية المُتبناة.
حالات الوعي
قد يكون خلق نظام واعٍ أسهل بكثير من تحديد تعريف له، إذ إن الباحثين والخبراء يعرّفون الوعي بطرق مختلفة لأسباب متنوعة، وتصعب صياغة تعريف عملي واحد يجمع تلك الاختلافات ويحدد حالة الوعي في الأدمغة المُنماة مخبريًا.
يقيّم الأطباء مستوى وعي المرضى في الحالة الإنباتية اعتمادًا على الرّمش أو الإجفال عند استجابتهم للألم أو المحفزات الأخرى. في حين يقيس الباحثون استجابة الدماغ للصعق بالنبضات الكهربية باستخدام مخطط كهرباء الدماغ، ويُظهِر الدماغ الواعي تقلبًا ونشاطًا كهربائيًا أعقد، مقارنةً بالدماغ غير الواعي الذي يستجيب بأنماط أبسط وأكثر وانتظامًا. لكن هذه الاختبارات قد لا تسبر الوعي بطريقة ملائمة.
في الدراسات التي تصوّر أدمغة المرضى في الغيبوبة أو الحالات الإنباتية، وجد العلماء أن المرضى غير المستجيبين قد يظهرون نشاطًا دماغيًا شبيهًا بالوعي، مثل النشاط في مناطق الدماغ المسؤولة عن الحركة، عندما يُطلب منهم التفكير في المشي.
من الصعب جدًا تطبيق الاختبارات الطبية للوعي على الخلايا الدماغية المُنماة مخبريًا أو أدمغة الحيوانات المعزولة، فعندما وجد موتري أن أنماط استجابة العضوانيات الدماغية في مختبره تشبه استجابة أدمغة الأطفال الخدج، لم يتضح ما يمكن أن نستنتجه من ذلك. فبعض الباحثين لا يرون أن نشاط دماغ الخدج معقد بما يكفي ليُعَد وعيًا. والعضوانيات الدماغية ليس بمقدورها أن ترمش أو تجفل من التحفيز الألمي، لذا لا يمكننا الاعتماد على الاختبار الطبي للوعي.
عند تطوير عضوانيات دماغية بشرية، تتحول الخلايا ما قبل العصبية (باللون الأحمر) إلى خلايا عصبية (الأخضر)، تتصل بشبكات (الأبيض)
لكن على العكس، تمتلك الأدمغة المعزولة للحيوانات الميتة حديثًا البنى الضرورية للوعي، إضافةً إلى الاتصال العصبي المتشكل نتيجة الذكريات والتجارب التي مر بها الحيوان، إذ تقول جانتين لونشوف الفيلسوفة وعالمة الأعصاب في جامعة هارفارد- ماساشوستس: «عند الحديث عن دماغ مليء بكل ما سبق، يصعب أن نتخيل أنه فارغ، لا أعرف ما يستطيع هذا الدماغ فعله فيما يخص التفكير، لكنه بالتأكيد ليس صفرًا».
إعادة دماغ ميت إلى حالة شبيهة بالحياة كما فعل فريق جامعة ييل قد يحمل إمكانية استعادة درجة من الوعي، رغم أن العلماء بذلوا جهودًا كبيرة لتجنب ذلك باستخدام عوامل حاجبة للمواد الكيميائية التي تمنع النشاط المنتشر في الدماغ.
يتفق العلماء على أنهم يجب أن يأخذوا الإمكانيات التي تتيحها تجارب كهذه بجدية، إذ عُقد في أكتوبر 2019 مؤتمر في جامعة كاليفورنيا- سان دييغو، حضره العديد من علماء الأعصاب والفلاسفة، مع طلاب وأشخاص آخرين، بهدف إيجاد إطار أخلاقي للتجارب المستقبلية، لكن نتائج هذا المؤتمر تأخرت شهورًا عديدة بسبب عدم اتفاق بعض المؤلفين على المتطلبات الأساسية للوعي.
ازدياد التعقيد
يتفق جميع العلماء والأخلاقيين تقريبًا على أنه لم يُخلق أي وعي مخبريًا حتى الآن، لكنهم يتساءلون عما يجب أن يتوقعوه، وما هي نظريات الوعي التي قد تكون أكثر ملاءمةً، فوفقًا لفكرة تُسمى «نظرية المعلومات المتكاملة»، فإن الوعي ناتج عن كثافة اتصال الشبكات العصبية في الدماغ، أي كلما ازداد عدد الخلايا العصبية التي تتواصل معًا، ازداد الوعي، وهي قيمة تُسمى «فاي»، وإذا كانت هذه القيمة أكبر من الصفر عُدَّ الكائن العضوي واعيًا، وهو ما يحققه أكثر الحيوانات وفقًا للنظرية. يشك كريستوف كوخ رئيس معهد آلين للعلوم الدماغية في سياتل في أن أي عضوانيات موجودة حاليًا تجتاز هذه العتبة، لكنه يعترف أن أخرى أكثر تطورًا قد تجتازها.
تتطلب نظرية أخرى للوعي تغذيةً حسية أو أنماطًا كهربية منتظمة في مناطق متعددة من الدماغ، وهي تُسمى نظرية «مساحة العمل العالمية»، وتفترض هذه النظرية أن القشرة الجبهية الأمامية للدماغ تعمل حاسوبًا يعالج التغذية الحسية ويترجمها إلى حس بالوجود، ولأن العضوانيات الدماغية لا تمتلك قشرة جبهية أمامية لتعالج التغذية الحسية، فلا يمكن أن تكون واعية. تقول مادلين لانكستر مختصة البيولوجيا التطورية في جامعة كامبريدج: «قد تتواصل الخلايا العصبية معًا دون وجود التغذية أو ما ينتج عنها، لكن هذا لا يعني بالضرورة وجود شيء مشابه للتفكير البشري».
ربط العضوانيات الدماغية بالأعضاء مهمة سهلة إلى حد ما، إذ نمّى فريق لانكستر عام 2019 عضوانيات دماغية بشرية قرب عمود فقري وعضلات ظهر فأر، وعندما رُبطت أعصاب العضواني الدماغي بالعمود الفقري بدأت العضلات بالتقلص.
تستخدم عالمة الأحياء التطورية مادلين لانكستر العضوانيات لدراسة تنظيم الدماغ واضطراباته في مختبرها بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة
تُصمم معظم العضوانيات لتنتج جزءًا واحدًا من الدماغ هو القشرة المخية، ولكن مع تطورها بمرور الوقت وباستعمال عوامل النمو الملائمة، تنتج الخلايا الجذعية البشرية العديد من الأجزاء الأخرى من الدماغ، التي تنظم نشاطها الكهربائي بعد ذلك. تمكنت اختصاصية البيولوجيا الجزيئية باولا أرلوتا من تطوير خلايا جذعية إلى عضوانيات دماغية مؤلفة من خلايا متعددة الأنواع، منها خلايا حساسة للضوء تشبه تلك الموجودة في الشبكية، في دراسة نُشرت عام 2017. ولكن لا يعني نشاط هذه الخلايا أن العضوانيات الدماغية هذه ترى أو تعالج المعلومات البصرية، لكنها قادرة على تشكيل الدارات المطلوبة لذلك.
يرى كل من أرلوتا ولانكستر أن العضوانيات الدماغية التي نمّياها بدائية أكثر من أن تكون واعية، لأنها تفتقر إلى البنى التشريحية الضرورية لتشكيل أنماط معقدة من المخططات الكهربائية الدماغية، لكن تقول لانكستر إن ذلك يعتمد على التعريف على أية حال، وتقول: «إن كنت تعتقد أن ذبابة ما واعية، يمكن أن تقول إن العضوانية كذلك».
تعتقد لانكستر مع العديد من الباحثين الآخرين أن دماغ الخنزير الذي أعيد إحياؤه يُرجَّح أن يكون واعيًا أكثر من العضوانيات.
حاول فريق الباحثين الذي أجرى تجربة دماغ الخنزير بقيادة عالم الأعصاب نيناد سيستان إيجاد طرق جديدة لإعادة إحياء الأعضاء، لا لتشكيل الوعي، إذ تمكنوا من إعادة نشاط خلايا عصبية مفردة أو مجموعات منها، وتجنبوا تشكيل أمواج دماغية واسعة الانتشار. وعندما وجد الفريق ما يشبه نشاط مخطط كهربائي دماغي منتظم أوقفوا التجربة فورًا، وخدروا الأدمغة احترازيًا، مع أن اختصاصيًا عصبيًا أكد أن نمط النشاط ذاك لم يكن متوافقًا مع الوعي.
تواصل سيستان مع معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة بهدف الحصول على توجيهات لكيفية متابعة التجربة، قيّمت التجربة لجنة المعاهد التي تضمنت لونشوف وإنسو هيون المختص في الأخلاقيات البيولوجية في جامعة كيس ويسترن في كليفلاند أوهايو، ووافقت على إبقاء الأدمغة مخدرة. لكن هذه اللجنة لم تعتمد تنظيمات أكثر تعميمًا، ولا تتطلب تقييمًا مختصًا في الأخلاقيات البيولوجية للمقترحات المتعلقة بالعضوانيات، لأن أعضاءها يعتقدون أن تشكل الوعي أمر غير مرجح.
لم تتوصل معاهد الصحة الوطنية إلى تعريف واضح للوعي، يقول هيون: «إن الأمر يتسم بمرونة كبيرة، إذ يدعي كل شخص معنًى خاصًا به، إن لم يكن واضحًا أننا نناقش الفكرة ذاتها يكون الحوار صعبًا».
استخدم عالم الأعصاب نيناد سيستان منصة BrainEx لاستعادة النشاط العصبي في أدمغة الخنازير غير المجسدة
تعاريف مُبهَمة
يرى البعض أنه من العبث تعريف الوعي في أي شكل من الأدمغة المُنماة مخبريًا، إذ يقول ستيفن لوريس عالم الأعصاب في جامعة لييج في بلجيكا الذي ابتكر بعض المقاييس المرتكزة على الصور للوعي لدى المرضى في الحالة الإنباتية: «من المستحيل قول أي شيء ذي معنى عما يمكن هذه الخلايا الدماغية أن تفكر فيه أو تدركه، لأننا لا نفهم الوعي. لا يجب أن نبالغ في غرورنا، ويجب أن نكمل الأبحاث بحذر شديد».
يشير لوريس وآخرون إلى أن تجربة العضوانيات مختلفة جدًا عن تجربة جنين خديج أو إنسان بالغ أو خنزير على الأرجح، ولا يمكن مقارنتهما مباشرة. إضافةً إلى أن بنى العضوانيات أصغر من أن يُقاس نشاطها بدقة، وقد تكون التشابهات بين المخطط الكهربي لنشاط العضوانيات وأدمغة الأطفال الخدج وليدة الصدفة.
يتفق العديد من الباحثين مع لوريس على فكرة أن السؤال عن مدى وعي نظام ما غير قابل للإجابة، ويتجنب العديد منهم الموضوع تمامًا. يقول سيرجيو باسكا عالم الأعصاب في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا: «لا أعرف لماذا يجب أن نحاول الإجابة عن السؤال، فهذا النظام ليس دماغًا بشريًا، إنه مكون من خلايا عصبية تملك نشاطًا كهربائيًا، لكن يجب التفكير بحذر عن كيفية مقارنة الأمرين».
يقول موتري إنه لا يعرف أي تعريف يجب أن يستخدم ليقرر مسألة وعي العضوانيات الدماغية. ففي مرحلة ما، قد تساعد العضوانيات الباحثين على الإجابة عن أسئلة حول كيفية تشكيل الدماغ للحالة الواعية. يدرس عالم الرياضيات غابرييل سيلفا من جامعة كاليفورنيا النشاط العصبي في عضوانيات موتري، لإيجاد خوارزمية توضح تشكيل الدماغ للوعي، ويهدف مشروعه إلى إيجاد نظام صناعي يعمل كالوعي البشري.
لا توجد تشريعات في الوقت الحالي في الولايات المتحدة أو أوروبا تمنع الباحثين من خلق الوعي. تخطط لجان الأكاديميات الوطنية لنشر تقرير السنة القادمة، وتوضح آخر الأبحاث الحاجة إلى وضع تشريعات، ويهدف الأعضاء إلى بحث هل يجب الحصول على موافقة الأشخاص الذين تُستعمل خلاياهم لإنماء عضوانيات دماغية، وكيفية دراسة العضوانيات والتخلص منها بطريقة إنسانية. يعمل المجتمع الدولي لأبحاث الخلايا الجذعية على التوجيهات المتعلقة بالعمل على العضوانيات، لكنه لا يناقش الوعي، لأنه يعتقد أن العلم لم يصل إلى تلك المرحلة بعد.
يقول هيون أن لجنة الأخلاقيات البيولوجية لمعاهد الصحة الوطنية لم تتلق أي طلبات لخلق عضوانيات معقدة واعية تقتضي وضع توجيهات جديدة بعد، وينفي موتري علمه بوجود أي محاولات متعمدة لخلق عضوانيات واعية، مع أن عضوانيات معقدة بما يكفي قد تصل إلى تلك الحالة مصادفة.
يرحب موتري وآخرون بتوجيهات جديدة حال إقرارها، وقد تتطلب هذه التوجيهات تفسير الباحثين لعدد العضوانيات الدماغية المستعملة وأن يستخدموها من أجل الأبحاث العلمية التي لا يمكن أن تُجرى بطريقة أخرى، وأن يقلل مقدار الألم الذي تسببه هذه الأبحاث قدر الإمكان، وأن تكون عملية التخلص من هذه العضوانيات إنسانية.
سيساعد وجود هذه التوجيهات الاستباقية الباحثين على تقييم منافع وأضرار خلق كيانات واعية. يؤكد العديد من العلماء أن هذه التجارب قد تعطي أفكارًا مهمة، إذ تقول لانكستر: «يوجد الكثير من الأشخاص الواعين الذين يعانون أمراضًا عصبية لا علاج لها، إن أوقفنا جميع هذه الأبحاث بسبب التجربة الفكرية الفلسفية، فسنؤذي بشرًا حقيقيين يحتاجون إلى علاجات جديدة».
يمكن اختبار العلاجات على عضوانيات دماغية مُنماة من خلايا جذعية فأرية أو على حيوانات التجربة الاعتيادية، وستجيب هذه التجارب عن النقاشات حول الاستخدام الأخلاقي للعضوانيات البشرية.
يتمنى هيون رؤية مقارنة الباحثين بين مخططات كهربائية لعضوانيات فأرية وفئران حية، ما قد يبين مدى تشابه العضوانيات البشرية مع الدماغ البشري. ويرى موتري أنه لا فرق يُذكر بين العمل على العضوانيات الدماغية وفئران التجربة، ويقول: «نحن نعمل على حيوانات واعية دون أي مشكلات، ويجب أن نمضي قدمًا في الأبحاث، فأنا لا أرى مشكلة إن اتضح أن العضوانيات قد صارت واعية».