لوحة للرسام شفيق رضوان (صفحة الرسام - فيسبوك)
محمود الرحبي يحرر الرواية من مشقات التطويل
"المموه" تسعى إلى تقنية الشذرات من دون التخلي عن الأحداث والشخصيات
شريف صالح
الخميس 20 يوليو 2023م
يملك الكاتب العماني محمود الرحبي سجلاً يزيد على سبع مجموعات قصصية توجته بجوائز مرموقة منها جائزة السلطان قابوس وجائزة دبي الثقافية. واستطاع بمجموعات مثل "ساعة زوال"، و"أرجوحة فوق زمنين"، و"لم يكن ضحكاً فحسب" أن يرسخ اسمه بين أهم كتاب القصة العربية القصيرة. مع ذلك يغامر الرحبي من حين لآخر في مضمار الرواية، وقد أصدر: "خريطة الحالم"، "درب المسحورة"، "فراشات الروحاني"، و"أوراق الغريب"، قبل أن ينشر أحدث رواياته "المموه" (دار المتوسط).
لا شك أن المكانة التي حققها قاصاً تلقي بظلالها دائماً على منجزه الروائي، وتقيم المقارنات، وإلى أي مدى يكتب سرده الروائي بروح وتقنيات القصة القصيرة.
الدوامة والملحمة:
تخلى الرحبي عن كل أدبيات الرواية الكلاسيكية المتعارف عليها، رغم حرصه على تجنيس نصه على الغلاف بأنه "رواية"، والمفاجأة أن النص يقع في أقل من 60 صفحة. ويظل الحجم معياراً معترفاً به في التصنيف، إذ كيف نضع نص الرحبي القصير في القائمة ذاتها مع روايات عربية أو عالمية تتخطى صفحاتها 400 وأكثر؟
رواية "المموه" (دار المتوسط)
بهذه الصفحات القليلة لا نصل إلى الحجم المعتاد للقصة الطويلة أو ما يسمى "النوفيلا"، وإنما نحن إزاء قصة متوسطة، نعثر على مثيلاتها ضمن مجموعات لكتاب مثل يوسف إدريس أو بهاء طاهر. فهل نرفض نقدياً التجنيس الذي اختاره للرحبي، وفقاً لمعيار الحجم، أما نتجاوز عن ذلك ونقبل ما ارتآه الكاتب لنصه؟ علماً أن ثمة تجارب عربية سابقة لروايات بالغة القصر مثل "المهدي" لعبدالحكيم قاسم، وهو أيضاً قاص من طراز رفيع.
غريبان في عمان:
من الخصائص العميقة للقصة القصيرة، قلة الشخصيات، والعزلة. فهي تكتب عن شخص أو شخصين في حال أقرب إلى التوحد والانعزال. ثمة قصص كثيرة لتشيخوف وهمنغواي، ترتكز على هذين الملمحين. ويستعيرهما الرحبي بكفاءة، فلدينا البطل (الراوي أيضاً) الذي لا يكشف عن اسمه، وصديقه "عثمان". هما يتحركان معاً في فضاءات متنوعة داخل سلطنة عمان، لكن الفضاء المركزي المتكرر هو "الحانة" أينما وجدت.
لا تتوفر عن الرجلين معظم المعلومات، كما لا يتورطان إلا نادراً في أنشطة اجتماعية. مع تسيد "الحانة" كملتقى للغرباء والمتوحدين مع أنفسهم، ينطبق ذلك أيضاً على البطلين كغريبين عابرين. ثمة معلومات أساسية عن البطل/الراوي، فهو في منتصف الثلاثينيات من عمره، فشل في زيجة قصيرة لأن زوجته كانت متطلبة، كما فشل في عمله بسبب حبه للنوم. ويعيش مع أمه العجوز المتدينة.
الكاتب محمود الرحبي (دار المتوسط)
وفي أحد الأيام قرر أن يطلق لحيته ويلتزم الصلاة، وهو ما طمأن والدته نسبياً، فابنها بات يعمل لآخرته، ولا ينقصه سوى أن يعمل لحياته الدنيا فيتزوج ويجد لنفسه وظيفة مناسبة. أما عثمان، فالمعلومات عنه أكثر ندرة، من الواضح أنه يتاجر في الممنوعات، ويلتقي زبائنه في حانات مختلفة، ويحتاج البطل بلحيته وهيئته المتدينة لجذب الأنظار بعيداً منه. إن هيئته المتدينة لن تكون مستغربة في مسجد، وإنما في حانة تصبح مثار اهتمام وسوف تجذب تركيز الآخرين نحوه، بما يسمح لعثمان بإجراء صفقاته في هدوء، وإبعاد الشبهات عن نفسه.
تعليق