الروائي الألماني هيرمان هسه (غيتي)
"سدهارتا" أكثر الروايات الألمانية تأثيراً في العالم
قرن على صدور "القصيدة الهندية" لهرمان هسه التي ترجمت إلى ما يزيد على 40 لغة
سمير جريس
الأربعاء 19 يوليو 2022م
هرمان هسه (1877 – 1962) روائي من طراز خاص، ولعل أجمل رواياته هي حياته نفسها. إنه من الأدباء الذين لا يكتبون إلا عما تجيش به صدورهم، وما تكابده أرواحهم، عما مروا به وخبروه وعانوه. وعلى رغم عدد أعماله الضخم (أحصى أحد الباحثين أكثر من 200 كتاب وكتيب أصدرها هسه، ما بين شعر وقصة ورواية وتأملات، عدا آلاف المقالات ومراجعات الكتب)، فلا يمكن اعتبار عمل من أعماله سيرة ذاتية محضة، لكن معظم ما كتبه يقترب كثيراً أو قليلاً من سيرته الذاتية، وتعتبر بعض أعماله تنويعات واضحة على سيرته الذاتية، مثل "تحت العجلة" و"دميان" و"ذئب البراري" و"سدهارتا". وكلها تتناول مواضيعه المحورية: بحث الإنسان عن طريقه الخاص الذي يحقق له السعادة، والإنصات إلى صوت القلب، والبحث عن التوازن بين الروحانيات والدنيويات، والتحرر من الضغوط كافة وكل أشكال السلطة، سواء السلطة الأبوية أو الدينية أو السياسية. وعلى رغم اقتراب أعماله من السيرة الذاتية، لم يكن ينقصه الخيال، مثلما نرى في رواية "سدهارتا" التي أعتبرها شخصياً من أجمل ما كتب.
ولد هرمان هسه في الثاني من يوليو عام 1877 في مدينة كالف بجنوب ألمانيا، وكان الابن الثاني للمبشر المتحدر من إستونيا يوهانس هسه، أما أمه ماريا فكانت ابنة مبشر وباحث مشهور في اللغات والآداب الهندية هو هرمان جوندرت، وولدت في الهند.
رواية "سدهارتا" بالأصل الألماني (دار سوركامب)
تميز هرمان هسه منذ الطفولة بإرادة قوية وعزيمة صلبة، واتسم منذ الصغر بروح التمرد. أدخله أبوه معهداً للدراسات اللاهوتية كي يصبح قساً ومبشراً مثله، لكنه هرب منه بعد أن قضى فيه سبعة أشهر. ونجد أصداء تلك الفترة في روايته "تحت العجلة"، وكذلك في "سدهارتا".
سيرة كاتب
في عمر الـ15 حاول الانتحار، ودخل مصحة نفسية، ثم عمل طوال عام في ورشة لتركيب ساعات أبراج الكنائس، وبعدها شرع يدرس الأدب دارسة حرة في مكتبة المنزل، واستطاع التغلب على أزمته النفسية، ثم عمل مساعداً في مكتبة في توبينغن، وبعدها انتقل للعمل في مكتبة للكتب القديمة في بازل بسويسرا حيث
"سدهارتا" أكثر الروايات الألمانية تأثيراً في العالم
قرن على صدور "القصيدة الهندية" لهرمان هسه التي ترجمت إلى ما يزيد على 40 لغة
سمير جريس
الأربعاء 19 يوليو 2023 14:40
الروائي الألماني هيرمان هسه (غيتي)
هرمان هسه (1877 – 1962) روائي من طراز خاص، ولعل أجمل رواياته هي حياته نفسها. إنه من الأدباء الذين لا يكتبون إلا عما تجيش به صدورهم، وما تكابده أرواحهم، عما مروا به وخبروه وعانوه. وعلى رغم عدد أعماله الضخم (أحصى أحد الباحثين أكثر من 200 كتاب وكتيب أصدرها هسه، ما بين شعر وقصة ورواية وتأملات، عدا آلاف المقالات ومراجعات الكتب)، فلا يمكن اعتبار عمل من أعماله سيرة ذاتية محضة، لكن معظم ما كتبه يقترب كثيراً أو قليلاً من سيرته الذاتية، وتعتبر بعض أعماله تنويعات واضحة على سيرته الذاتية، مثل "تحت العجلة" و"دميان" و"ذئب البراري" و"سدهارتا". وكلها تتناول مواضيعه المحورية: بحث الإنسان عن طريقه الخاص الذي يحقق له السعادة، والإنصات إلى صوت القلب، والبحث عن التوازن بين الروحانيات والدنيويات، والتحرر من الضغوط كافة وكل أشكال السلطة، سواء السلطة الأبوية أو الدينية أو السياسية. وعلى رغم اقتراب أعماله من السيرة الذاتية، لم يكن ينقصه الخيال، مثلما نرى في رواية "سدهارتا" التي أعتبرها شخصياً من أجمل ما كتب.
ولد هرمان هسه في الثاني من يوليو عام 1877 في مدينة كالف بجنوب ألمانيا، وكان الابن الثاني للمبشر المتحدر من إستونيا يوهانس هسه، أما أمه ماريا فكانت ابنة مبشر وباحث مشهور في اللغات والآداب الهندية هو هرمان جوندرت، وولدت في الهند.
رواية "سدهارتا" بالأصل الألماني (دار سوركامب)
تميز هرمان هسه منذ الطفولة بإرادة قوية وعزيمة صلبة، واتسم منذ الصغر بروح التمرد. أدخله أبوه معهداً للدراسات اللاهوتية كي يصبح قساً ومبشراً مثله، لكنه هرب منه بعد أن قضى فيه سبعة أشهر. ونجد أصداء تلك الفترة في روايته "تحت العجلة"، وكذلك في "سدهارتا".
سيرة كاتب
في عمر الـ15 حاول الانتحار، ودخل مصحة نفسية، ثم عمل طوال عام في ورشة لتركيب ساعات أبراج الكنائس، وبعدها شرع يدرس الأدب دارسة حرة في مكتبة المنزل، واستطاع التغلب على أزمته النفسية، ثم عمل مساعداً في مكتبة في توبينغن، وبعدها انتقل للعمل في مكتبة للكتب القديمة في بازل بسويسرا حيث استقر.
هيرمان هسه بريشة بول ميجيرينغ (مؤسسة هيرمان هسه)
نشر أول أشعاره في ديوان بعنوان "أغان رومانسية"، وكان آنذاك في الـ22 من عمره. وبعد خمس سنوات، في عام 1904 نشر أولى رواياته "بيتر كامنتسند". وفي العام نفسه تزوج ماريا برنولي، وتفرغ للكتابة الإبداعية والصحافية. وتوالت بعدها أعماله التي حققت نجاحاً كبيراً، ومنها "تحت العجلة" (1906)، و"دميان" (1919)، و"سدهارتا – قصيدة هندية" (1922)، و"ذئب البراري" (1927).
بعد أن انفصل عن زوجته تزوج مرة أخرى عام 1924، غير أن الزواج الثاني لم يستمر سوى عام واحد. ثم تزوج للمرة الثالثة عام 1931، وهي الزيجة التي كتب لها الاستمرار حتى وفاته في التاسع من أغسطس عام 1962 في مدينة مونتانيولا بالقرب من لوجانو في إقليم تيسين السويسري.
وكان هسه من المعارضين القلائل للنزعة العسكرية الألمانية، سواء في الحرب العالمية الأولى أو الثانية، لذا منعت ألمانيا النازية في عام 1938 أعماله، ووصفتها بالرخاوة. وفي عام 1943 نشر هسه عمل حياته الذي استغرقت كتابته 12 سنة، وهي رواية "لعبة الكريات الزجاجية" (نحو 900 صفحة، وصدرت في جزئين، ونقلها إلى العربية مصطفى ماهر). وبعدها بثلاث سنوات نال جائزة نوبل التي منحت له باعتباره أديباً سويسرياً، إذ كان حصل على الجنسية السويسرية عام 1923 بعد أن أقام فيها 25 عاماً.
موجات استقبال أعماله
الرواية بترجمة فؤاد كامل (نيل وفرات)
منح هسه جوائز عديدة، أبرزها – بعد جائزة نوبل – جائزة السلام الألمانية عام 1955. واختلف تقييم أعمال هسه باختلاف العقود، ويمكن ملاحظة موجات في استقبال أعماله. لاقت أعماله المبكرة قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، صدى واسعاً ونجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً. وبعد الحرب العالمية الثانية وحصوله على جائزة نوبل شهدت أعماله رواجاً كبيراً، لا سيما بين الشباب العائد من الحرب مصدوماً. هذا الشباب الذي راح يبحث عن مغزى حياته وعن طريقه وجد في أعمال هسه مراده ومبتغاه، أو كما عبر عن ذلك الأديب توماس مان: "لقد أصاب هسه بدقة بالغة عصب تلك الفترة".
غير أن النقد الأدبي الألماني كان ينظر إلى أعماله منذ أواخر الخمسينيات نظرة مستهينة، وربما لعبت دوراً في ذلك، معارضة هسه الصريحة للنزعة العسكرية في ألمانيا، ونأيه بنفسه عن الانخراط في القضايا السياسية الآنية. وعندما توفي الأديب الكبير عام 1962، كان أصبح طي النسيان. لكن سرعان ما أعادت حركة الهيبيز في أميركا اكتشافه، ثم الحركة الطالبية في أوروبا. مرة أخرى عادت أعمال هسه لتحتل صدارة الاهتمام نظراً إلى الأسئلة التي تطرحها والأجوبة التي تقدمها، لا سيما رواية "ذئب البراري" ورواية "سدهارتا". وهكذا غزت أعماله قوائم أفضل المبيعات مرة أخرى، ويقدر ما بيع منها في العالم كله بنحو 120 مليون نسخة (حتى عام 2007). وبذا يعتبر هسه الأديب الألماني الأشهر في ما يتعلق بترجمة أعماله وقراءتها على مستوى العالم كله.
الرواية بالترجمة الفرنسية (دار سوي)
وشهد العالم العربي اهتماماً كبيراً بأعمال هسه منذ الستينيات، وكان الأكاديمي المصري مصطفى ماهر صاحب السبق في التعريف به عندما ترجم "بيتر كامنتسند" والعمل الضخم "لعبة الكريات الزجاجية". وترجمت أعمال أخرى لهسه عن الإنجليزية، مثل "تحت العجلة" (ترجمها فؤاد كامل بعنوان "الطفل الموهوب")، و"دميان" (ترجمها ممدوح عدوان)، و"ذئب البراري" (ترجمت أكثر من مرة بأكثر من عنوان)، و"نرسيس وغولدموند"، و"سدهارتا"، وكذلك كتابه "رحلة إلى الشرق". وربما تكون رواية "كلاين وفاغنر" )ترجمة أحمد الزناتي عن الألمانية، 2022) هي أحدث ما ترجم لهسه.
"سدهارتا" الذي بلغ هدفه
شرع هسه يكتب "قصيدته الهندية" في ديسمبر عام 1919، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي خلفت دماراً غير مسبوق، وراح ضحيتها نحو 9 ملايين إنسان. كانت فترة انهيار قيم، وسقوط إمبراطوريات، وجدت صداها في عنوان المؤلف الضخم الشهير الذي وضعه أوسفالد شبنغلر: "سقوط الغرب"، وهو عنوان كان يعبر عن الحالة النفسية لملايين في أوروبا.