الفروسية
الفارس knight لقب كان يمنح لأحد أفراد الطبقة الإقطاعية النبيلة الأوربية في القرون الوسطى، بعد أداء القسم على أن يقاتل في سبيل إعلاء كلمة الحق، والانضواء تحت راية ملكه أو سيده الإقطاعي أو إحدى منظمات الفرسان الأوربية في ذلك الزمان في ظل النظام الإقطاعي والكنيسة، ويفترض فيه إتقان ركوب الخيل واستعمال السيف والرمح الخطي وأنواع الأسلحة الأخرى.
والإقطاع feudalism نظام اقتصادي اجتماعي شبه عسكري، ساد أوربا في القرون الوسطى (من القرن التاسع حتى القرن السابع عشر)، أساسه العلاقة بين مالك الأرض lord والتِّـناء (الأتباع) vassals، ويتميز بالبيعة homage التي يعلن فيها الأتباع ولاءهم لمالك الأرض. ويرجع مغزى الفروسية إلى عهود قدماء الجرمان الذين كانوا يقدسون اللحظة التي يبلغ فيها الفتى سن الرجولة ويصبح قادراً على حمل السلاح.
يُكرَّم الفارس عند تشريفه بهذا اللقب في احتفال مهيب وفق تقليد ثابت يشترك فيه رجال السلطتين الدينية والمدنية، فيركع الفارس أمام سيده (سواء الملك أو الأمير أو المالك) ويؤدي القسم المعهود فيباركه سيده بالسيف. وما يزال هذا التقليد متبعاً إلى اليوم في بعض بلدان أوربا رمزياً مع غياب نظام الفروسية الإقطاعي.
ومهما يكن من أمر فإن مرتبة الفارس تأتي في قاعدة هرم النبالة الذي يتصدره الملك. ولقب الفروسية لا يورَّث، فالطفل النبيل لا يولد فارساً، وإنما يحصل على اللقب مستقبلاً بجدارته.
من صفات الفارس أن يكون مؤمناً مناصراً للحق، صادقاً كريماً مطيعاً لسيده ومنفذاً لأوامره، محافظاً على شرفه ملتزماً واجباته، مخلصاً لزوجته يحميها ويصون شرفها، يقاتل العدو بشرف، ويذود عن المظلومين ويساعد المحتاجين. أما الأتباع sergeants فهم مرشحون لمرتبة الفارس، وينبغي أن يتحلوا بأخلاقه وأن يصقلوا مواهبهم وفقها. وهم في الحد الأدنى، حامل الدروع armourbearer، واثنان من النبّالة (مشاة أو خيالة) للدفاع عن الفارس، إضافة إلى ثلاثة من الغلمان pages (أو الخدم). وتجدر الإشارة إلى أن الصبي النبيل وأنداده يدخلون في خدمة الفروسية من سن السابعة، فيخدم والده غلاماً قبل الانضمام إلى وحدة الأسرة أو إلى معية والده، وربما خضع بعد سن الثانية عشرة لمزيد من التعليم العسكري وأساليب الحياة، ويُعرف الصبي في هذه المرحلة بالمالك الفتى damoiseau أو الولد المالك valet إلى أن يلتحق براعيه patron في جولاته وحملاته campaigns تابعاً، حامل دروع أو سلاح، ويُخاطب بالوصيف الماجد gentleman، ويذكر اسمه مع لقب المحترم esquire.
تُدعى الوحدة التي يرأسها الفارس بالرمَّاحة spear. وينضوي في الحرب 25-80 فارساً في تشكيل يدعى اللواء standard وله راية. وتجدر الإشارة إلى أن تعداد الصليبيين في معركة حطين (583هـ/1187م) بلغ 20 ألف مقاتل منهم 1200 فارس (من دون ذكر الأتباع).
في الفترة بين نهاية القـرن الحادي عشر ونهاية القـرن الثالـث عشر أخذ التغيير مجراه فانتقل الفرسان الأوربيون من نطاق الإقطاع المحلي الضيق إلى نطـاق المملكة، وأصبحت قوات الإقطاع feudal host تؤلف جيشاً يقاتل تحت رايـة الملك، ويشارك في حملات بعيدة أو ما وراء البحـار. وكانت الحملات الصليبية (489-690هـ/1095-1295م) من بين الأسباب الرئيسية التي فرضت على فرسان أوربا التوحد برعاية الكنيسة. وقد عُرِف الفرسان الذين شاركوا فيها، وكان لهم باع طويل، بفرسان القبر المقدس Holy Sepulcher. وتحت هذا الشعار نشأت أخويات دينية فرسانية منها فرسان القديس يوحنا St.John التي عرفت بالاسبتارية hospitallers، وفرسان الهيكل templars التي عرفت بالداوية، وفرسان التيوتون Teutonic في ألمانيا التي ضمت في صفوفها عدداً كبير من الأرستقراطية الألمانية إبان الحملة الصليبية الثالثـة التي شــارك فيـها الامبـراطور الجــرماني فــريدريك الأول بـربروســا Friedrick I Barbarossa. وتجدر الإشارة إلى أن فرسان التيوتون قد عملوا فيما بعد على توسيع ألمانيا شرقاً على حساب السلاف وشعوب البلطيق، ورسَّخوا الثقافة الجرمانية في بروسيا الشرقية. وفرسان مالطا التي انبثقت عن الاسبتارية.
وتكونت في الوقت نفسه أخويات أخرى ذات نزعة قومية أشد في كل من إسبانيا والبرتغال لمناهضة الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبرية فأُنشئت أخوية كالاترابا Calatrava الفرســانية القشتـالية، وأخــوية القنطـرة Alcantara، وأخوية سانتياغو Santiago في قشتالة.
لم يكن لدى العرب والمسلمين نظام إقطاعي ولا طبقات مميزة اجتماعياً حتى العهد السلجوقي، على نحو ما كان في أوربا القرون الوسطى، وبالتالي لم يكن لديهم فرسان بمعناها الإقطاعي، فخيالة العرب كانت من النوع الخفيف السريع الحركة، ومسلحة بالسيوف والقسي، وقد اشتهروا بمهارتهم في ركوب الخيل، وتمتعوا بصفات أخلاقية تفوق بكثير مزايا الفارس الأوربي. وكانت الفروسية في مفهومهم تعني النجابة والكرم والمهارة والقتال إلى جانب التسامح والعفو عند المقدرة.
ويمكن أن ينطبق على مفهوم الفروسية الأوربية تنظيم الفرسان المماليك وتقاليدهم في العصر المملوكي مع بعض الفروق المميزة، بوصفهم أقلية عسكرية حاكمة oligarchy سيطرت على السلطة في مصر وبلاد الشام نحو ثلاثة قرون (648-923هـ/1250-1517م).
ولعل من الأسباب التي أدت إلى انتهاء عهد الفروسية توقف الحملات الصليبية تدريجياً وظهور الأسلحة النارية في القرن الخامس عشر، وعدم قدرة الفرسان بدروعهم الثقيلة على الصمود أمام نيران المدفعية. وهكذا انفرط عقد الفروسية والفرسان وانتفت الغاية إلى وجودهم. ومنذ أوائل القرن السادس عشر اختزلت الفروسية إلى مجرد ألقاب شرف يمنحها الملوك لفئات معينة من الناس تقديراً لخدماتهم.
هاني صوفي
الفارس knight لقب كان يمنح لأحد أفراد الطبقة الإقطاعية النبيلة الأوربية في القرون الوسطى، بعد أداء القسم على أن يقاتل في سبيل إعلاء كلمة الحق، والانضواء تحت راية ملكه أو سيده الإقطاعي أو إحدى منظمات الفرسان الأوربية في ذلك الزمان في ظل النظام الإقطاعي والكنيسة، ويفترض فيه إتقان ركوب الخيل واستعمال السيف والرمح الخطي وأنواع الأسلحة الأخرى.
والإقطاع feudalism نظام اقتصادي اجتماعي شبه عسكري، ساد أوربا في القرون الوسطى (من القرن التاسع حتى القرن السابع عشر)، أساسه العلاقة بين مالك الأرض lord والتِّـناء (الأتباع) vassals، ويتميز بالبيعة homage التي يعلن فيها الأتباع ولاءهم لمالك الأرض. ويرجع مغزى الفروسية إلى عهود قدماء الجرمان الذين كانوا يقدسون اللحظة التي يبلغ فيها الفتى سن الرجولة ويصبح قادراً على حمل السلاح.
يُكرَّم الفارس عند تشريفه بهذا اللقب في احتفال مهيب وفق تقليد ثابت يشترك فيه رجال السلطتين الدينية والمدنية، فيركع الفارس أمام سيده (سواء الملك أو الأمير أو المالك) ويؤدي القسم المعهود فيباركه سيده بالسيف. وما يزال هذا التقليد متبعاً إلى اليوم في بعض بلدان أوربا رمزياً مع غياب نظام الفروسية الإقطاعي.
ومهما يكن من أمر فإن مرتبة الفارس تأتي في قاعدة هرم النبالة الذي يتصدره الملك. ولقب الفروسية لا يورَّث، فالطفل النبيل لا يولد فارساً، وإنما يحصل على اللقب مستقبلاً بجدارته.
من صفات الفارس أن يكون مؤمناً مناصراً للحق، صادقاً كريماً مطيعاً لسيده ومنفذاً لأوامره، محافظاً على شرفه ملتزماً واجباته، مخلصاً لزوجته يحميها ويصون شرفها، يقاتل العدو بشرف، ويذود عن المظلومين ويساعد المحتاجين. أما الأتباع sergeants فهم مرشحون لمرتبة الفارس، وينبغي أن يتحلوا بأخلاقه وأن يصقلوا مواهبهم وفقها. وهم في الحد الأدنى، حامل الدروع armourbearer، واثنان من النبّالة (مشاة أو خيالة) للدفاع عن الفارس، إضافة إلى ثلاثة من الغلمان pages (أو الخدم). وتجدر الإشارة إلى أن الصبي النبيل وأنداده يدخلون في خدمة الفروسية من سن السابعة، فيخدم والده غلاماً قبل الانضمام إلى وحدة الأسرة أو إلى معية والده، وربما خضع بعد سن الثانية عشرة لمزيد من التعليم العسكري وأساليب الحياة، ويُعرف الصبي في هذه المرحلة بالمالك الفتى damoiseau أو الولد المالك valet إلى أن يلتحق براعيه patron في جولاته وحملاته campaigns تابعاً، حامل دروع أو سلاح، ويُخاطب بالوصيف الماجد gentleman، ويذكر اسمه مع لقب المحترم esquire.
تُدعى الوحدة التي يرأسها الفارس بالرمَّاحة spear. وينضوي في الحرب 25-80 فارساً في تشكيل يدعى اللواء standard وله راية. وتجدر الإشارة إلى أن تعداد الصليبيين في معركة حطين (583هـ/1187م) بلغ 20 ألف مقاتل منهم 1200 فارس (من دون ذكر الأتباع).
في الفترة بين نهاية القـرن الحادي عشر ونهاية القـرن الثالـث عشر أخذ التغيير مجراه فانتقل الفرسان الأوربيون من نطاق الإقطاع المحلي الضيق إلى نطـاق المملكة، وأصبحت قوات الإقطاع feudal host تؤلف جيشاً يقاتل تحت رايـة الملك، ويشارك في حملات بعيدة أو ما وراء البحـار. وكانت الحملات الصليبية (489-690هـ/1095-1295م) من بين الأسباب الرئيسية التي فرضت على فرسان أوربا التوحد برعاية الكنيسة. وقد عُرِف الفرسان الذين شاركوا فيها، وكان لهم باع طويل، بفرسان القبر المقدس Holy Sepulcher. وتحت هذا الشعار نشأت أخويات دينية فرسانية منها فرسان القديس يوحنا St.John التي عرفت بالاسبتارية hospitallers، وفرسان الهيكل templars التي عرفت بالداوية، وفرسان التيوتون Teutonic في ألمانيا التي ضمت في صفوفها عدداً كبير من الأرستقراطية الألمانية إبان الحملة الصليبية الثالثـة التي شــارك فيـها الامبـراطور الجــرماني فــريدريك الأول بـربروســا Friedrick I Barbarossa. وتجدر الإشارة إلى أن فرسان التيوتون قد عملوا فيما بعد على توسيع ألمانيا شرقاً على حساب السلاف وشعوب البلطيق، ورسَّخوا الثقافة الجرمانية في بروسيا الشرقية. وفرسان مالطا التي انبثقت عن الاسبتارية.
وتكونت في الوقت نفسه أخويات أخرى ذات نزعة قومية أشد في كل من إسبانيا والبرتغال لمناهضة الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبرية فأُنشئت أخوية كالاترابا Calatrava الفرســانية القشتـالية، وأخــوية القنطـرة Alcantara، وأخوية سانتياغو Santiago في قشتالة.
لم يكن لدى العرب والمسلمين نظام إقطاعي ولا طبقات مميزة اجتماعياً حتى العهد السلجوقي، على نحو ما كان في أوربا القرون الوسطى، وبالتالي لم يكن لديهم فرسان بمعناها الإقطاعي، فخيالة العرب كانت من النوع الخفيف السريع الحركة، ومسلحة بالسيوف والقسي، وقد اشتهروا بمهارتهم في ركوب الخيل، وتمتعوا بصفات أخلاقية تفوق بكثير مزايا الفارس الأوربي. وكانت الفروسية في مفهومهم تعني النجابة والكرم والمهارة والقتال إلى جانب التسامح والعفو عند المقدرة.
ويمكن أن ينطبق على مفهوم الفروسية الأوربية تنظيم الفرسان المماليك وتقاليدهم في العصر المملوكي مع بعض الفروق المميزة، بوصفهم أقلية عسكرية حاكمة oligarchy سيطرت على السلطة في مصر وبلاد الشام نحو ثلاثة قرون (648-923هـ/1250-1517م).
ولعل من الأسباب التي أدت إلى انتهاء عهد الفروسية توقف الحملات الصليبية تدريجياً وظهور الأسلحة النارية في القرن الخامس عشر، وعدم قدرة الفرسان بدروعهم الثقيلة على الصمود أمام نيران المدفعية. وهكذا انفرط عقد الفروسية والفرسان وانتفت الغاية إلى وجودهم. ومنذ أوائل القرن السادس عشر اختزلت الفروسية إلى مجرد ألقاب شرف يمنحها الملوك لفئات معينة من الناس تقديراً لخدماتهم.
هاني صوفي