ابراهيمي (محمد بشير) Al-Ibrahimi (Mohammad Al-Bashir- من أعلام النهضة العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ابراهيمي (محمد بشير) Al-Ibrahimi (Mohammad Al-Bashir- من أعلام النهضة العربية

    الإبراهيمي (محمد البشير-)

    ابراهيمي (محمد بشير)

    Al-Ibrahimi (Mohammad Al-Bashir-) - Al-Ibrahimi (Mohammad Al-Bashir-)

    الإبراهيمي (محمد البشير -)
    (1306- 1385هـ/1889- 1965م)

    علم من أعلام النهضة العربية الإسلامية في الجزائر، وثاني اثنين فيها بعد الإمام عبد الحميد بن باديس [ر]، والمنظّر لهذه النهضة ولسانها وقلمها وواضع أسسها الفكرية.
    ولد محمد البشير الإبراهيمي بمواطن قبيلة «أولاد إبراهيم» غرب مدينة قسنطينة بالجزائر، ونشأ في بيت علم ودين، فحفظ القرآن الكريم ودرس علوم العربية وحفظ الكثير من التراث الشعري والنثري، وقد تصدى للتدريس بعد وفاة عمه وأستاذه ولمّا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره.
    وفي سنة 1912 قام البشير الإبراهيمي برحلته الأولى إلى المشرق العربي بعد أن كان قد سبقه والده إلى الحجاز هرباً من ظلم المستعمر الفرنسي، فزار القاهرة والحجاز ودمشق والتقى العلماء فيها وزعماء النهضة الفكرية والأدبية، ومن هؤلاء مشايخ الأزهر: البشري وبخيت والدجوي، والشاعران شوقي وحافظ.
    التقى الإبراهيمي في الحجاز الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ الطيب العقبي سنة 1913، فكانوا يلتقون للبحث في شؤون الجزائر وسبل النهوض بها. وفي سنة 1917 قامت السلطات العثمانية بترحيل أسرة الإبراهيمي فيمن رحّلت آنذاك من المدينة إلى دمشق بعد استفحال الثورة العربية بقيادة الشريف حسين. وقد باشر الإبراهيمي في دمشق الوعظ والإرشاد في الجامع الأموي، ودرّس الآداب العربية بالمدرسة السلطانية (مكتب عنبر)، الثانوية الوحيدة آنذاك، مع الشيخ عبد القادر المبارك [ر]، وفي دمشق توثقت الصداقة بين الإبراهيمي، والشيخ بهجة البيطار [ر]، وفيها التقى الشيخ محمد رشيد رضا [ر].
    عاد الإبراهيمي إلى الجزائر في مستهل سنة 1920، وكان قد رجع إليها كذلك ابن باديس والعقبي، وانصرف الإبراهيمي إلى التعليم في إحدى المدارس الحرة في مدينة «اصطيف» وعقد الندوات العلمية، ولم ينقطع عن الاتصال بابن باديس، وفي سنة 1924 وضع القانون الأساسي لإنشاء جمعية «الإخاء العلمي». وفي سنة 1931 عقد المؤتمر التأسيسي «لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين» التي جعلت العروبة والإسلام مبدأ لها ونادت: «الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا»، وكانت هذه الصيحة وتلك الصحوة رداً تاريخياً على الاحتفال المئوي باحتلال فرنسة للجزائر. ويرى الإبراهيمي هذه المرحلة مناط فخره وتاج أعماله العلمية والاجتماعية والأفق المشرق في حياته. وتقاسم أقطاب الحركة الإصلاحية المهمات في المقاطعات الثلاث للقطر الجزائري: عبد الحميد بن باديس في قسنطينة العاصمة العلمية للشرق الجزائري والطيب العقبي في العاصمة (الجزائر) ومحمد البشير الإبراهيمي في تلمسان العاصمة العلمية القديمة في الغرب الجزائري.
    كانت السنوات التالية لتأسيس «جمعية العلماء» مرحلة المواجهة الحاسمة مع المستعمر، والتصدي للانحراف الديني بالاتجاه نحو المدرسة العلمية الحديثة والتربية الإسلامية الصحيحة. وقد تعاطف الشعب مع تأسيس المدارس الحرة لمواجهة المدرسة الفرنسية، وبناء المساجد الجامعة في وجه الزوايا الطرقية التي هادنت المستعمر. وازدهرت في هذه المرحلة صحافة جمعية العلماء (مجلة الشهاب وجريدة البصائر)، وكان للإبراهيمي في كل هذه المجالات، إلى جانب زملائه من رجال الجمعية، اليد الطولى والخطوة الرائدة والكلمة المسموعة والفكرة المستشرفة، يؤرخ للحياة العلمية في الجزائر وللحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي، ويحرر التقرير الأدبي لجمعية العلماء في مؤتمراتها الدورية، إلى جانب الرسالة التعليمية التي لم ينقطع عنها في مدرسة «دار الحديث» بتلمسان.
    كان المستعمر يتعقّب الإبراهيمي ويتحيّن الفرص لإسكاته، وقد أصدر حكماً بإبعاد الإبراهيمي في 10 آذار1940 إلى قرية «أفلو» في الصحراء الوهرانية، وبعد أسبوع من استقراره في منفاه توفي ابن باديس وانتخب الإبراهيمي رئيساً لجمعية العلماء. وقد ظل في منفاه ثلاث سنوات وأطلق سراحه في أوائل سنة 1943، فعاد إلى تلمسان ثم انتقل إلى العاصمة الجزائر سنة 1943، وكانت هذه المرحلة مرحلة التهيئة والتعبئة الروحية والمعنوية لقيام الثورة الجزائرية على أسس من مقومات الشخصية الجزائرية العربية المسلمة، كما كانت هذه المرحلة أغنى مراحل حياة الإبراهيمي إبداعاً وتأليفاً، فقد كانت مقالاته الافتتاحية في «جريدة البصائر» الأسبوعية نسجاً فريداً في النبض العربي الإسلامي، ونموذجاً رائداً من حيث المضمون الوطني المستوعب لقضايا العرب في المغرب العربي ومشرقه.
    سيق الإبراهيمي إلى السجن مع ألوف من الجزائريين المناضلين إثر حوادث 8 أيار (مايو) 1945م في الجزائر، ولم يطلق سراحه إلا في شهر آذار 1946م. وفي سنة 1948م خطت جمعية العلماء خطوة رائدة في مجال التربية والتعليم بافتتاح «معهد عبد الحميد بن باديس» للتعليم الثانوي في قسنطينة، وكان الطلاب قبل ذلك يوفدون إلى «الزيتونة» بتونس و«القرويين» بفاس، وكانت أولى البعثات العلمية الجزائرية إلى الجامعات في المشرق العربي من خريجي معهد ابن باديس.
    وفي سنة 1952 غادر الإبراهيمي الجزائر في رحلة إلى المشرق العربي والعالم الإسلامي، ولم يعد إلى الجزائر إلا بعد الاستقلال سنة 1962، وكانت دوافع هذه الرحلة: دراسة أحوال المسلمين في مواطنهم، والاتصال المباشر بعلماء الدين، ودراسة أحوال الحكومات الإسلامية ودراسة نفسية شباب الأمم الإسلامية المتباعدة الديار، وتعريف المشرق العربي بالمغرب العربي. وكانت سمعة الرجل قد سبقته، فكان، حيثما حلّ، مثار الإعجاب والاعتزاز ومحل الترحيب والإكرام، ونزل ضيفاً على جامعة الدول العربية بالقاهرة، والتقى الملوك والرؤساء العرب في العواصم التي زارها، وزار باكستان وأقام فيها شهوراً، وكان الإبراهيمي في رحلته لسان حال الجزائر. ثم استقر بالقاهرة مشرفاً على مكتب «جمعية العلماء» ساهراً على البعثات العلمية الجزائرية إلى عواصم العالم العربي، وكان منزله بمصر الجديدة ملتقى العلماء والأدباء وقبلة طلبة العلم وأبناء الثورة الجزائرية وقادتها. وفي عام 1961 صدر قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بعضوية الإبراهيمي في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، واستقبله المجمع عام 1962م.
    عاد الإبراهيمي إلى الجزائر غداة انتصار الثورة الجزائرية وإعلان الاستقلال، وألقى خطبة أول جمعة تقام في جامع «كتشاوة» في العاصمة، وكانت الجيوش الفرنسية قد داهمت هذا الجامع إبّان احتلالها الجزائر وهو غاص بالمصلين يوم الجمعة، فاحتلته وحوّلته إلى كاتدرائية.
    لازم الإبراهيمي بيته تحيط به الوفود غادية رائحة، يؤرقه - إلى جانب السـنّ والمرض - ما دبّ من خلاف بين قادة الثورة، وقد خطّ بيده في 16 نيسان 1964 نداءً ناشد فيه القادة رأب الصدع وإصلاح ذات البين. توفي في الجزائر ودفن في مقبرة «سيدي أمحمد» في جنازة مشهودة.
    ترك الإبراهيمي خمسة عشر مؤلفاً في اللغة والأدب والدين عدّدها في كلمته في حفل استقباله عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ولكن أكثرها فُقد، وقد جمع مما تبقى من آثاره أربعة مجلدات صدرت بين أعوام (1978 - 1985) وكان الجزء الثاني منها كتاب «عيون البصائر» الذي سبق أن اختار الإبراهيمي مقالاته من جريدة «البصائر» وصدر عام 1963.
    اتصف الشيخ الإبراهيمي بنفس طويل في الكتابة وقلم مسترسل في معالجة القضايا المصيرية للجزائر والعرب والمسلمين، وكانت له في الاستعمار وألاعيبه ومكائده نظرة لاتخطئ وحكم صادق أكّدته الأيام، وكان يسلسل بعض المقالات في القضية الواحدة إلى عشرين حلقة أو تزيد، فتؤلف هذه المقالات كتاباً مستقلاً بذاته. ولو نشرت آثار الإبراهيمي على هذا النحو لأربت على ثلاثين كتاباً.
    صالح الخرفي
يعمل...
X