فان كوان (تشونغ تشينغ -)
يُعدُّ المصور فان كوان Fan Kuan من أهم الرسامين الصينيين الكبار في أواخر القرن العاشر ومطلع القرن الحادي عشر الميلاديين (ولد نحو منتصف القرن العاشر وتوفي نحو عام 1030)، لا يعرف عن حياته إلا القليل، باستثناء انتسابه لما يسمى بـ «مدرسة شمالي الصين»، واقتدائه في بداية نشاطه الفني بـ «لي تشينغ» Li Tch’ eng، وتطويره أسلوباً اتسم بالبساطة والدقة، يرتكز على استخدام الترقين والخطوط المتقطعة والتنقيط، واعتزامه، من ثم، الالتحاق بمدرسة الطبيعة، فهو القائل: «من المستحسن اعتبار الأشياء ذاتها معلمنا ومرشدنا، ولكن الفؤاد هو المعلم الأمثل بلا منازع»، فمن المرجح أنه عاش منذ ذلك الحين طاوياً متوحداً، وجوّالاً في جبال الشمال، يمضي أوقاته في تأمل الصخور ودراسة الأشجار، يشكلها ويجسدها في لوحات فنية بانورامية شاملة.
كان الرسم الصيني في هذه المرحلة متجهاً نحو الطبيعة بكل أجزائها، أي إن الرسام يرسم الجبل من قمته إلى سفحه ويملأ سطح اللوحة بالعناصر، وقد تجسد نموذج هذا الأسلوب في لفيفة كوان «الرحلة بين الجبال والجداول» kou- kong (المتحف الامبراطوري - تايبي)، وهي لفيفة عمودية تصوّر بالحبر والألوان الشفافة على الحرير الجبال الشامخة في شمالي الصين، وفيها يتجلى شغف الفنان بالمشاهد التي تمثل الطبيعة وجمالها الآسر، وتعد واحدةً من أهم اللوحات في تاريخ الفن الصيني، يبلغ ارتفاعها 2.1م، لكن أهميتها لا تعود إلى هذا الارتفاع الكبير بل إلى تأليفها النصبي كله.
يتوزع تكوين اللوحة في مقاطع ومشاهد درامية؛ ففي قاع اللوحة كتلة كبيرة من الصخور تسيطر على جزء من ثمانية من مساحة اللوحة تقريباً، وتُعدُّ أكثر العناصر في التكوين ثقلاً وثباتاً، إذ توحي بوزنها المعنوي والبصري أنها المركز، أما خلفية اللوحة أو الأرضية فتسهم إسهاماً كبيراً في توزيع الأدوار المهمة لعناصر التأليف، فعلى هذه الأرضية تتوزع كتل الجبال والأشجار والصخور والأنهار لتظهر أنها الموضوع الأهم في اللوحة، وعبر هذه الخلفية أيضاً ينظر المتلقي إلى الطبيعة بكل جلالها وشموليتها. وفي أسفل اللوحة عدد من المسافرين مع حيواناتهم الجفلى قادمين من اليمين نحو اليسار، يتحركون ليشكلوا نقطة الحراك في التكوين مع صغر حجومهم مقارنة بالطبيعة والكتل الضخمة المحيطة بهم. وعلى هذا الأساس تقوم خلفية اللوحة بدورين مهمين: يتمثل الدور الأول في تقديم مقدمة اللوحة كحامل رئيس لمجموع العناصر في اللفيفة، ويتمثل الدور الثاني في إشاعة العنصر الحركي الذي توفره خلفية اللوحة مقابل تلك الكتل الكبيرة الساكنة في المنظر، وقد ظهرت مجموعات الصخور مقسّمة إلى مجموعتين من خلال اختراق الشلال المائي الساقط من أعلى الجسر. وفي يمين اللوحة وعلى الهضاب المتجلية بكل تفاصيلها تظهر قمة أحد الهياكل الدينية مطلةً من بين مجموعات الأشجار المحيطة بالمكان.
هذا هو النموذج الذي يمثل المنظر الطبيعي (البانورامي) في فترة أسرة سونغ الشمالية وأسرة سونغ الجنوبية أي ما بين (1127-1228)، حيث كانت الصفة العامة للمشهد المرسوم الابتعاد عن الأسلوب التقليدي وإسباغ معانٍ ذاتية وانفعالية على الطبيعة، فيوحي المنظر بالخيال والغموض، حينما يمتزج الحبر بالماء وكأنهما شيء واحد لتختفي معالم الخطوط وتصبح ملامح سديمية وضبابية ممتعة.
إن التكوين العملاق لهذا الأثر الفني المشغول بما يسمى «قطرات المطر» ts’ouen يُبرِز ملمساً texture متراصّاً وكثيفاً يتباين مع سعة لون الضباب الفاتح، ويقدم للمتلقي منظراً من مناظر مدرسة الشمال، صارماً ونافذاً، فعالاً ومهيباً.
تأثر فان كوان بفنانين صينيين مهمين من قبله، مثل الرسام تشانغ تسه دوان صاحب اللوحة الشهيرة «مشاهد على شاطئ النهر»، وكذلك ترك فان كوان بأعماله قدوة ومثلاً لجيل الرسامين من بعده.
عبد الكريم فرج
يُعدُّ المصور فان كوان Fan Kuan من أهم الرسامين الصينيين الكبار في أواخر القرن العاشر ومطلع القرن الحادي عشر الميلاديين (ولد نحو منتصف القرن العاشر وتوفي نحو عام 1030)، لا يعرف عن حياته إلا القليل، باستثناء انتسابه لما يسمى بـ «مدرسة شمالي الصين»، واقتدائه في بداية نشاطه الفني بـ «لي تشينغ» Li Tch’ eng، وتطويره أسلوباً اتسم بالبساطة والدقة، يرتكز على استخدام الترقين والخطوط المتقطعة والتنقيط، واعتزامه، من ثم، الالتحاق بمدرسة الطبيعة، فهو القائل: «من المستحسن اعتبار الأشياء ذاتها معلمنا ومرشدنا، ولكن الفؤاد هو المعلم الأمثل بلا منازع»، فمن المرجح أنه عاش منذ ذلك الحين طاوياً متوحداً، وجوّالاً في جبال الشمال، يمضي أوقاته في تأمل الصخور ودراسة الأشجار، يشكلها ويجسدها في لوحات فنية بانورامية شاملة.
فان كوان: «سفر بين أعاصير وجبال» | |
حبر وألوان خفيفة على الحرير | |
(المتحف الوطني، فورموز) |
يتوزع تكوين اللوحة في مقاطع ومشاهد درامية؛ ففي قاع اللوحة كتلة كبيرة من الصخور تسيطر على جزء من ثمانية من مساحة اللوحة تقريباً، وتُعدُّ أكثر العناصر في التكوين ثقلاً وثباتاً، إذ توحي بوزنها المعنوي والبصري أنها المركز، أما خلفية اللوحة أو الأرضية فتسهم إسهاماً كبيراً في توزيع الأدوار المهمة لعناصر التأليف، فعلى هذه الأرضية تتوزع كتل الجبال والأشجار والصخور والأنهار لتظهر أنها الموضوع الأهم في اللوحة، وعبر هذه الخلفية أيضاً ينظر المتلقي إلى الطبيعة بكل جلالها وشموليتها. وفي أسفل اللوحة عدد من المسافرين مع حيواناتهم الجفلى قادمين من اليمين نحو اليسار، يتحركون ليشكلوا نقطة الحراك في التكوين مع صغر حجومهم مقارنة بالطبيعة والكتل الضخمة المحيطة بهم. وعلى هذا الأساس تقوم خلفية اللوحة بدورين مهمين: يتمثل الدور الأول في تقديم مقدمة اللوحة كحامل رئيس لمجموع العناصر في اللفيفة، ويتمثل الدور الثاني في إشاعة العنصر الحركي الذي توفره خلفية اللوحة مقابل تلك الكتل الكبيرة الساكنة في المنظر، وقد ظهرت مجموعات الصخور مقسّمة إلى مجموعتين من خلال اختراق الشلال المائي الساقط من أعلى الجسر. وفي يمين اللوحة وعلى الهضاب المتجلية بكل تفاصيلها تظهر قمة أحد الهياكل الدينية مطلةً من بين مجموعات الأشجار المحيطة بالمكان.
هذا هو النموذج الذي يمثل المنظر الطبيعي (البانورامي) في فترة أسرة سونغ الشمالية وأسرة سونغ الجنوبية أي ما بين (1127-1228)، حيث كانت الصفة العامة للمشهد المرسوم الابتعاد عن الأسلوب التقليدي وإسباغ معانٍ ذاتية وانفعالية على الطبيعة، فيوحي المنظر بالخيال والغموض، حينما يمتزج الحبر بالماء وكأنهما شيء واحد لتختفي معالم الخطوط وتصبح ملامح سديمية وضبابية ممتعة.
إن التكوين العملاق لهذا الأثر الفني المشغول بما يسمى «قطرات المطر» ts’ouen يُبرِز ملمساً texture متراصّاً وكثيفاً يتباين مع سعة لون الضباب الفاتح، ويقدم للمتلقي منظراً من مناظر مدرسة الشمال، صارماً ونافذاً، فعالاً ومهيباً.
تأثر فان كوان بفنانين صينيين مهمين من قبله، مثل الرسام تشانغ تسه دوان صاحب اللوحة الشهيرة «مشاهد على شاطئ النهر»، وكذلك ترك فان كوان بأعماله قدوة ومثلاً لجيل الرسامين من بعده.
عبد الكريم فرج