"قلعة مصياف" تنوع عمراني فريد و أنفاق وممرات سرية تتحدى الخيال
------------------------------------------------
اقتضت ضآلة المساحة وقلة الأمن في مدن العصور الوسطى، كما الحال في مصياف، أن يكون للمدينة قلعة لحمايتها من المعتدين والدفاع عنها من المغيرين، حيث جرت العادة أن تنفق المدينة ما لا يقل عن خمسة أثمان ميزانيتها العامة، في حفظ الأسوار، وإعداد المعدات للحرب والدفاع.
.
ويقف الزائر لقلعة مصياف حائرا من أين سيبدأ بزيارة معالم هذه القلعة التاريخية التي مرت عليها حضارات عديدة، يظهر ذلك من التنوع العمراني في طبقاتها الست التي تعود للقرن الخامس ميلادي.
.
تقع قلعة مصياف الأثرية في مدينة مصياف بالريف الغربي لمحافظة حماة.
وتُعد جزءاً لا يتجزأ من الحي القديم لمصياف ومنطقة جذب رئيسة فيها، وواحدة من أفضل القلاع المحفوظة في سوريا حتى اليوم،
.
يعود تاريخ بنائها إلى العام (44) قبل الميلاد
.
(القرن الخامس الميلادي) خلال الفترة الرومانية التي شهدت كثافة في البناء العسكري في عصر الإمبراطورية الرومانية الشرقية. وفي بناء تحصينات ومواقع عسكرية للسيطرة على الطرق الرئيسية للبلاد، وكان أشهرها ما توضع على سلاسل الجبال الغربية.
.
وتتوضع "قلعة مصياف" على قمة تل متدرج الانحدار من الحجر الجيري الطبيعي، وتطل بارتفاع 20 متراً على مناظر جبال سوريا الطبيعية في النهاية الشرقية لمصياف، حيث تتماشى أسوارها الخارجية مع الخطوط العامة للمرتفع الصخري المتطاول الذي تنتصب فوقه، آخذةً شكلاً بيضاوياً مماثلاً لشكل القاعدة القائمة عليها.
.
اكتسب موقع القلعة على حافة الجبال الساحلية الغربية الممتدة من الشمال إلى الجنوب في موقع استراتيجي أهمية كبيرة، وقد كان لهذا الموقع هدفين الأول عسكري والثاني اقتصادي.
عدا عن تأمينها شبكة مواصلات ومسالك عابرة من الداخل إلى الساحل كانت هامة بالنسبة للرومان والبيزنطيين فهي تؤمن الطريق إلى "طرابلس الشام" مروراً ب"وادي النصارى" و"حصن سليمان" و"برج صافيتا" ثم إلى "أنطاكية" مروراً ب"قلعة أبو قبيس" و"حارم" والى البقاع اللبناني عبر "قلعة عكار" والى حمص عبر "قلعة بعرين" و"سهل حمص" والى حلب عبر "برج جرجرة" وحماه فمعرة النعمان
وهي تتصل عبر هذه الطرق بقلاع عدة منها، "قلعة القدموس"، "قلعة العليقة"، "قلعة المرقب"، و"مدينة بانياس الساحلية" بالإضافة إلى الطرق العابرة للجبال،
وهذه الطرق والمسالك كانت تعبرها أيضاً القوافل التجارية وهذا أعطى القلعة أهمية اقتصادية بالإضافة إلى أهميتها العسكرية.بالنسبة إلى كل من الرومان والبيزنطيين.
.
وكانت في البداية عبارة عن برج دفاعي لتأمين حماية طرق المواصلات، ثم خضعت للبيزنطيين،
.
شيدت قلعة مصياف فوق كتلة صخرية بيضوية الشكل اتجهت من الشمال إلى الجنوب، وقد أخذت شكلها البيضوي من شكل تلك الصخرة وحافظت على هذا الشكل على رغم من تعدد طوابقها،
وقد ارتكزت على الصخرة عرضيا ً وعموديا، واستدعى شكلها وطراز عمارتها أن تكون أبنية الجدران الخارجية متينة وعريضة حتى تتحمل الثقل المتموضع فوقها،
ويلاحظ أن بعض الجدران قد حفر أساسه في القاعدة الصخرية وثبت عليها بواسطة أسافين حجرية لها شكل أسطواني، ويبرز ذلك في الجدار الغربي المطل على المدينة الحالية.
.
ويزنر القلعة سور دفاعي ما زالت معظم أجزائه موجودة من الجهة الشرقية أما بقية الأ تجاهات فقد اختلط فيها مع البناء وله أبواب ارتبطت تسميتها بالاتجاهات الأربعة. لم يبق منها سوى باب واحد ما زال يحتفظ بشكله.
أما غرب المدينة وعلى قمة جبل يجاور جبل(المشهد) فتقع قلعة أخرى هي قلعة (القاهر)
.
وتتكون القلعة من حصن داخلي بني فوق الجزء الجنوبي المرتفع من قمة الهضبة الصخرية على شكل شبيه بالمربع تتوزع على زواياه أبراج مستطيلة تقريباً ذات مستويين دفاعيين وتتوسطه باحة سماوية ذات مستوى أرضي.
.
يحيط بالحصن العلوي سور أول يضم سطح الهضبة الصخرية العليا والحصن العلوي خمسة أبراج مستطيلة استنادية كما يحيط بالحصن الداخلي سور خارجي يحيط بأطراف الهضبة الصخرية، وعدد من الأبراج المستطيلة وعلى ارتفاع مستويين مزودة بمرامي سهام صغيرة.
.
يقع المدخل الرئيسي للقلعة في الزاوية الجنوبية الغربية للقلعة الخارجية، وهو عبارة عن نظام معماري عربي إسلامي مكون من قاعتين كبيرتين بينهما ممر طويل.
.
وتشير الأدلة الأثرية إلى أن الطبقات السفلية وأساسات القلعة التي هي الكتلة الصخرية الضخمة التي بنيت فوقها القلعة بمجموع طوابقها قد تعود أولاً إلى أصل بيزنطي، ثم أضيفت المستويات اللاحقة في ما بعد من قبل الإسماعيليين النزاريين، في عهد شيخ الجبل سنان راشد الدين، ثم المماليك والعثمانيين.
.
وقد بنيت الأقبية ومستودع الماء والمؤونة الرئيس بحفر القاعدة الصخرية وتشكيلها في سويتها، بحيث اعتبرت القاعدة الطابق الأول للقلعة، واستعملت الأقواس الدائرية في حمل القبو، وصممت بحيث تستند إلى الأكتاف الصخرية من الداخل وإلى جدار السور من الخارج.
.
كما تضمنت صهريج (خزان) الماء، وهو يمتد من الشمال إلى الجنوب وبعض أجزائه محفور في الصخر، والآخر عبارة عن جدران طليت بطينة عازلة، ويتضمن سطحه عدة فتحات تنتشر في القلعة لاستخراج المياه منه، كما توجد فتحات أخرى لتغذيته بمياه الأمطار عبر أنابيب فخارية
إلى جانب خزان الماء توجد غرف التموين، وهي غرف معزولة لا تصلها الرطوبة لحفظ المواد التموينية خلال فترات الحصار
وهنالك أيضا أقبية وإسطبلات للخيول وغرف خدمات.
.
يظهر التقسيم البصري بشكل واضح في القسم السفلي من القلعة المحفور بالصخر، حيث تتوسطه منطقة مركزية يشكلها طابقان سكنيان، ومنطقة تحصين يحدها سور خارجي يرتفع بنحو أربعة طوابق.
فالقلعة تتكون من ستة طوابق، الطوابق السفلية محفورة ضمن الصخر وتضم أجنحة سكنية وأقبية، والطوابق الثلاثة التالية كانت مخصصة لجميع أشكال الحياة من حمامات وأسواق وإسطبلات.
أما الطابق السادس والأخير فكان مخصصاً لتربية الحمام الزاجل وتدريبه على المراسلات بين القلعة والقلاع التابعة لها.
.
أما أبراج القلعة الخارجية فهي تشكل في مجموعها الطابقين الثاني والثالث، وتتركز فيهما الشرفات الدفاعية والجدران التي تحتوي على فتحات مختلفة بغرض استخدامها لأغراض الدفاع.بالاضافة لما ذكر من تخصيصها لجميع اشكال الحياة
.
القسم الداخلي من القلعة بني في المرحلة الإسلامية، وهو يشكل قلعة داخل القلعة، وقد بنى هذا الجزء "سنان راشد الدين" وهو يشكل الطابق الرابع من القلعة،
ويوجد في الطابقين الخامس والسادس كتابات عربية كوفية، مما يدل على أنهما إسلاميان.
.
يصعد إلى مدخل القلعة بدرج متكسر، يشكل واجهته برج دفاعي حصين يتوسط برجين جانبيين ويرتفع على ثلاث طبقات، وفي نهايته عناصر معمارية تعلوها شرفة مخصصة للحراس ومزودة بطلاقات ومرامٍ للسهام.
بعد خطوات من مدخل القلعة الداخلي وعلى يسار الزائر، يمتد سرداب طويل يطلق عليه "سوق الطويل"، يعتقد أنه كان يمثل السوق المركزية للقلعة التي كانت تجري فيها معظم عمليات البيع والشراء، من دون أن يمنع طابعه التجاري من وجود غرف صغيرة تحوي جدرانها على فتحات للرمي.
.
ويظهر تمايز عناصر الأبراج الخارجية للقلعة بشكل واضح، وبخاصة في أشكال الأبراج بين مربع ومستطيل ومضلع، وتتفاوت قياسات وألوان حجارتها. وهذا يرجع إلى تنوع واختلاف الأساليب المعمارية التي أسهمت في تشكيل هذا البناء من خلال مراحل زمنية متباعدة، التي تفسر أيضاً وضوح تفاصيل عمليات الترميم المتكررة للقلعة.
*الترميمات الأخيرة:
رممت القلعة عام 2000 من قبل مؤسسة "الأغا خان"، وأُهّلت فراغاتها وزودت بمرافق وخدمات إضافية لتوظيفها سياحياً، وكان للسوق النصيب الأكبر من الترميم، لتعبر عن وجه المدينة الأثري وتاريخها المنيع.
ويذكر ان مؤسسة الآغا خان للثقافة وأحياء المدن التاريخية وبموجب اتفاق مع الحكومة السورية قامت بترميم عدد من القلاع في سورية ومنها قلعة صلاح الدين وقلعة حلب وقلعة مصياف.
في العام( 2001) شكلت لجنة من المديرية العامة للآثار والمتاحف في كل من دمشق وحماة ومصياف، بتمويل من المؤسسة لتحديد الأماكن المطمورة بالأتربة والحجارة، والكشف عن بعض المواقع التي تشي بما تحتها وإزالة نواتج الكشف وترحيله في قلعة مصياف,
.
ودلت التنقيبات الأثرية التي أجرتها على وجود شبكة أنفاق سرية كانت على الأرجح بمثابة ممرات هروب، وغرف مختلفة وأقبية كانت غير معروفة من قبل، إضافة إلى شبكة من الأنابيب الفخارية كانت تتفرع من عدة اتجاهات لتصب في المستودعات المائية التي اكتشفت أثناء عمليات التنقيب، كما اكتشفت أحواض حجرية وأفران،
إضافة إلى اكتشاف برج دفاعي مدخله من "السوق الطويل"، وله ثلاث فتحات للرمي وفي أرضيته فتحة واسعة يعتقد أنها مهرب نجاة سري يؤدي إلى خارج القلعة.
كما عثر على نظام من القنوات والصهاريج الموضوعة في الجزء السفلي من القلعة، التي كانت تستخدم لجمع مياه الأمطار. وكشف أيضاً عن بئر ماء محفورة في الصخر عمقها نحو 20 متراً، وفيها ماء يصل إلى عمق نحو عشرة أمتار، ولها غطاء مثقوب بطريقة نحتية على شكل موشور هرمي مقلوب في وسط الغطاء.
.
وهناك أيضاً الحمّام الإسلامي، الذي اكتُشف في مدخل القلعة الخارجي، وبعض أجزائه تصل إلى تحت الدرج الصاعد إلى القلعة، فضلاً عن الفرن الذي لا يزال بحالة جيدة، والعديد من العملات المعدنية وقطع السيراميك.
.
كما تم الوصول إلى الأرضيات الأساسية لبعض الطوابق وأدراج وممرات تقود إلى باطن القلعة. وقامت اللجنة بتحديد الأماكن التي سترمم أولا ً ثم آلية العمل وذلك بعد تدريب كادر محلي على عمليات الترميم والحقن وتكوين الخلائط اللازمة لعمليات الترميم،
وتشير جميع الاكتشافات إلى أن التحصين صمم للتعامل مع فترات الحصار الطويلة التي كانت تشهدها القلعة.
.
وقد اقتضت عمليات الترميم الإبقاء على الجدران والمساحات دون إضافات في الارتفاعات أو إتمام للمساحات.
=AZV_-2d76AWRvyjTgITpQwkELmoVMNbtyKOooniZ5kJ8N-E2zIQHUECsHEU_Xzl2EM_y-U9Zglh7e2vjLFeR335ZAgcSZ-dHSA3g5HDOkYr5pkM7CbkE-A7BZwYDuN5_3UdE2iQfjkfAzMQG8tRmSOVuhlv8YcgwwrnmfAo 9UY7nEWVOxSWF7dPGCDg-biSFvu8&__tn__=*bH-R]
=AZV_-2d76AWRvyjTgITpQwkELmoVMNbtyKOooniZ5kJ8N-E2zIQHUECsHEU_Xzl2EM_y-U9Zglh7e2vjLFeR335ZAgcSZ-dHSA3g5HDOkYr5pkM7CbkE-A7BZwYDuN5_3UdE2iQfjkfAzMQG8tRmSOVuhlv8YcgwwrnmfAo 9UY7nEWVOxSWF7dPGCDg-biSFvu8&__tn__=*bH-R]
=AZV_-2d76AWRvyjTgITpQwkELmoVMNbtyKOooniZ5kJ8N-E2zIQHUECsHEU_Xzl2EM_y-U9Zglh7e2vjLFeR335ZAgcSZ-dHSA3g5HDOkYr5pkM7CbkE-A7BZwYDuN5_3UdE2iQfjkfAzMQG8tRmSOVuhlv8YcgwwrnmfAo 9UY7nEWVOxSWF7dPGCDg-biSFvu8&__tn__=*bH-R]
=AZV_-2d76AWRvyjTgITpQwkELmoVMNbtyKOooniZ5kJ8N-E2zIQHUECsHEU_Xzl2EM_y-U9Zglh7e2vjLFeR335ZAgcSZ-dHSA3g5HDOkYr5pkM7CbkE-A7BZwYDuN5_3UdE2iQfjkfAzMQG8tRmSOVuhlv8YcgwwrnmfAo 9UY7nEWVOxSWF7dPGCDg-biSFvu8&__tn__=*bH-R]
=AZV_-2d76AWRvyjTgITpQwkELmoVMNbtyKOooniZ5kJ8N-E2zIQHUECsHEU_Xzl2EM_y-U9Zglh7e2vjLFeR335ZAgcSZ-dHSA3g5HDOkYr5pkM7CbkE-A7BZwYDuN5_3UdE2iQfjkfAzMQG8tRmSOVuhlv8YcgwwrnmfAo 9UY7nEWVOxSWF7dPGCDg-biSFvu8&__tn__=*bH-R]