فوكيه (جان -)
(1420 - نحو 1477/1481)
جان فوكيه Jean Fouquet مصوّر ومزخرف ورسام وجوه فرنسي متميز، يعرف اليوم كواحد من كبار مبدعي عصره. طُبع أسلوبه بتأثير فلامنكي Flamand وتوسكاني Toscan اللذين هيمنا على الفن الأوربي في تلك الحقبة. أحدث فنّه تجديداً عميقاً في التصوير الفرنسي في القرن الخامس عشر.
قليلة هي المصادر التي توثّق حياته وأعماله، وكانت سني شبابه موضوعاً للنقاش والجدل بما في ذلك الوسط الفني الذي تلقى فيه تأهيله، وربما يعود ذلك إلى بدايات عمله بارتياده المراسم الباريسية أولاً، وقد أتاحت له إقامته المديدة في إيطاليا الاتصال بالفنانين الإيطاليين وتحديداً في فلورنسا Florence إبّان حكم عائلة ميديتشي Médicis، وامتازت أعماله في تلك المرحلة بعمق الأسلوب في تصوير الشخصيات والجمع بين الواقعية الفلامنكية والعقلانية اللاتينية.
وحين عاد إلى فرنسا نحو عام 1450م، واستقرَّ في مدينة تور Tours، سخَّر خبرته في خدمة المدينة وممثليها والمسؤولين الكبار في المملكة.
في عام 1475م، صار رسّام الملك لويس الحادي عشر Louis XI، إلا أن شهرته سرعان ما أفل نجمها ولم يرد إليه اعتباره إلا في القرن التاسع عشر مع الحركة الرومانتية؛ ففي فرنسا وألمانيا أعادوا الكشف عن أعماله المتعددة في التصوير والزخرفة والترقين.
كان الرسّام والمزخرف جان فوكيه فناناً خلاقاً في أكثر من ميدان، وقد خبر التقانات بأنواعها ولاسيما في التصوير والزخارف والمنمنمات، كما زاول طريقة الرسم بالمينا التي تعلمها في إيطاليا وكذلك التصوير على الزجاج، وربما تعلّم نسج السجاد أيضاً، وكان خبيراً بالأوسمة ومخرجاً ومنظماً للعروض الملكية. أنجز مجموعة من اللوحات الشخصية للملك لويس السابع Louis VII ولرئيس خزانة فرنسا والمستشار غيوم جوفنيل ديه أورسان Guillaume Juvénal des Ursins، ولاسيما الصورة الذاتية التي رسمها بطريقة المينا المتدرجة الذهبية المحفوظة في اللوڤر، فلقد كانت صورة استثنائية في حينها تعبر عن ضمير إنساني بحت. اشتهر فوكيه باكراً كمعلم في رسم الوجوه، إذ اهتم بالمكانة الاجتماعية والحالة النفسية للشخص المرسوم.
إن نسخاً رائعة من أعماله، تؤكّد أن جان فوكيه كان فناناً متميزاً مثل جان كلويه Jean Clouet وهولباين Holbein إن لم يفضل عليهما. وتؤكد براعته في رسم الوجوه في المخطوطات بأحجام صغيرة، وكأن الفنان يدشن نوعاً جديداً في رسم الصورة الجماعية حيث يبرز الأهمية السياسية أو الاجتماعية لشخوصه.
في القرن الخامس عشر، لم يكن هناك تمييز بين الرسم الدنيوي والرسم المقدّس، لهذا فقد كان يزخرف المخطوطات التاريخية لزبائنه من البلاط، وينجز رسومات وزخارف للعبادة، ففوكيه ليس معلماً في تاريخ الفن الفرنسي فقط، بل هو أول رسام تاريخ من سلسلة تضم كلاً من بوسان Poussin ولوبران Lebrun في القرن السابع عشر، وداڤيد David وآنغر Ingres في القرن التاسع عشر.
وفي معرض الفرنسيين الأوائل الذي نظمه هنري بوشو Henri Bouchot عام 1904 في المكتبة الوطنية استقبل فن فوكيه كمصدر من مصادر الفن الحديث، وعُدّ في مصاف رينوار Renoir وسيزان Cézanne.
هناك عملان فنيان يجعلان من فوكيه رساماً للوحات الدينية بامتياز، اللوحة الثنائية التي طلبها إيتيان شوڤالييه Etienne Chevalier ليقدِّمها لمجمع سيدة مولان (Notre-Dame de Melun)، فصلت هذه اللوحة إلى اثنتين، إحداهما في متحف برلين والثانية في متحف بلجيكا، واسمها (الرحمة)، وقد تمَّ اكتشافها عام 1931 من قبل بول ڤيتري Paul Vitry.
تبلور تحليل المصادر الإيطالية للمعلم فوكيه مع مرور الزمن، فالمحللون والمعلقون ركّزوا على التشابه المذهل بين أعمال فوكيه في كتابه «ساعات إيتيان شوڤالييه» ولوحته الثنائية لسيدة مولان، وأعمال الرسام والمصور فرا أنجيليكو Fra Angelico، إذ جمعت بينها قربى روحيّة، ولم تكن علاقات فوكيه مع المصور فرا أنجيليكو هي المصدر الوحيد، فثمة علاقات أخرى مع مصورين آخرين في إيطاليا، فلقد أحبَّ وتأثَّر بكلّ من مازولينو Masolino ومازاتشيو Masaccio وغيرهم، وأما قضية علاقته مع المصور بيرو ديللا فرانشيسكا Piero della Francesca فهي موضوع نقاش، فلعلّ التقارب والتعاون الذي ظهر فيما بينهما يعود لطبعهما ولطبيعة تعاونهما لفترة زمنية إبان وجودهما في الفترة التي أمضياها سوية في بعض مراسم الفن بفلورنسا.
إن بساطة الشكل وتكوينه المتقن ولاسيما في لوحة «العذراء» بلغت حداً بعيداً، إذ يمكن القول إنها مرور لمرحلة التجريدية، فالحجوم الملساء تُظهر رفضه للكثافة اللونية، وهذا الصفاء الواضح والمجرد والبعيد عن كل روح حسية كان نقياً وغير مادي، كما هي الحال في التصوير على الزجاج إبان القرن الثالث عشر، وإن انتقاءه لتلك الخطوط فائقة الأناقة ظاهر وجليّ كما في الفن القوطي Gothique، إن هذا التبسيط الواضح والموجود في لوحة «العذراء» يمكن تشبيهه بالبساطة التي تمتّع بها موندريان Mondrian؛ لأن تلك الهندسة المبسطة والأشكال الصافية والتناغم الدقيق تدفع إلى تقديم هذه المقارنة، إنها مقاربة ما بين الهندسية والفن الواقعي. كما أن تلك الدقة اللونية الموجودة في أعمال موندريان وفي لوحة «العذراء» لفوكيه تحاول التوفيق بين الواقعية الطبيعية والتجريد.
نزيه فريجات
(1420 - نحو 1477/1481)
جـان فوكيه (1451) |
قليلة هي المصادر التي توثّق حياته وأعماله، وكانت سني شبابه موضوعاً للنقاش والجدل بما في ذلك الوسط الفني الذي تلقى فيه تأهيله، وربما يعود ذلك إلى بدايات عمله بارتياده المراسم الباريسية أولاً، وقد أتاحت له إقامته المديدة في إيطاليا الاتصال بالفنانين الإيطاليين وتحديداً في فلورنسا Florence إبّان حكم عائلة ميديتشي Médicis، وامتازت أعماله في تلك المرحلة بعمق الأسلوب في تصوير الشخصيات والجمع بين الواقعية الفلامنكية والعقلانية اللاتينية.
وحين عاد إلى فرنسا نحو عام 1450م، واستقرَّ في مدينة تور Tours، سخَّر خبرته في خدمة المدينة وممثليها والمسؤولين الكبار في المملكة.
في عام 1475م، صار رسّام الملك لويس الحادي عشر Louis XI، إلا أن شهرته سرعان ما أفل نجمها ولم يرد إليه اعتباره إلا في القرن التاسع عشر مع الحركة الرومانتية؛ ففي فرنسا وألمانيا أعادوا الكشف عن أعماله المتعددة في التصوير والزخرفة والترقين.
كان الرسّام والمزخرف جان فوكيه فناناً خلاقاً في أكثر من ميدان، وقد خبر التقانات بأنواعها ولاسيما في التصوير والزخارف والمنمنمات، كما زاول طريقة الرسم بالمينا التي تعلمها في إيطاليا وكذلك التصوير على الزجاج، وربما تعلّم نسج السجاد أيضاً، وكان خبيراً بالأوسمة ومخرجاً ومنظماً للعروض الملكية. أنجز مجموعة من اللوحات الشخصية للملك لويس السابع Louis VII ولرئيس خزانة فرنسا والمستشار غيوم جوفنيل ديه أورسان Guillaume Juvénal des Ursins، ولاسيما الصورة الذاتية التي رسمها بطريقة المينا المتدرجة الذهبية المحفوظة في اللوڤر، فلقد كانت صورة استثنائية في حينها تعبر عن ضمير إنساني بحت. اشتهر فوكيه باكراً كمعلم في رسم الوجوه، إذ اهتم بالمكانة الاجتماعية والحالة النفسية للشخص المرسوم.
إن نسخاً رائعة من أعماله، تؤكّد أن جان فوكيه كان فناناً متميزاً مثل جان كلويه Jean Clouet وهولباين Holbein إن لم يفضل عليهما. وتؤكد براعته في رسم الوجوه في المخطوطات بأحجام صغيرة، وكأن الفنان يدشن نوعاً جديداً في رسم الصورة الجماعية حيث يبرز الأهمية السياسية أو الاجتماعية لشخوصه.
في القرن الخامس عشر، لم يكن هناك تمييز بين الرسم الدنيوي والرسم المقدّس، لهذا فقد كان يزخرف المخطوطات التاريخية لزبائنه من البلاط، وينجز رسومات وزخارف للعبادة، ففوكيه ليس معلماً في تاريخ الفن الفرنسي فقط، بل هو أول رسام تاريخ من سلسلة تضم كلاً من بوسان Poussin ولوبران Lebrun في القرن السابع عشر، وداڤيد David وآنغر Ingres في القرن التاسع عشر.
جان فوكيه: «القديس إيتيان وإيتيان شوفالييه» | |
(1452-1455) |
هناك عملان فنيان يجعلان من فوكيه رساماً للوحات الدينية بامتياز، اللوحة الثنائية التي طلبها إيتيان شوڤالييه Etienne Chevalier ليقدِّمها لمجمع سيدة مولان (Notre-Dame de Melun)، فصلت هذه اللوحة إلى اثنتين، إحداهما في متحف برلين والثانية في متحف بلجيكا، واسمها (الرحمة)، وقد تمَّ اكتشافها عام 1931 من قبل بول ڤيتري Paul Vitry.
تبلور تحليل المصادر الإيطالية للمعلم فوكيه مع مرور الزمن، فالمحللون والمعلقون ركّزوا على التشابه المذهل بين أعمال فوكيه في كتابه «ساعات إيتيان شوڤالييه» ولوحته الثنائية لسيدة مولان، وأعمال الرسام والمصور فرا أنجيليكو Fra Angelico، إذ جمعت بينها قربى روحيّة، ولم تكن علاقات فوكيه مع المصور فرا أنجيليكو هي المصدر الوحيد، فثمة علاقات أخرى مع مصورين آخرين في إيطاليا، فلقد أحبَّ وتأثَّر بكلّ من مازولينو Masolino ومازاتشيو Masaccio وغيرهم، وأما قضية علاقته مع المصور بيرو ديللا فرانشيسكا Piero della Francesca فهي موضوع نقاش، فلعلّ التقارب والتعاون الذي ظهر فيما بينهما يعود لطبعهما ولطبيعة تعاونهما لفترة زمنية إبان وجودهما في الفترة التي أمضياها سوية في بعض مراسم الفن بفلورنسا.
إن بساطة الشكل وتكوينه المتقن ولاسيما في لوحة «العذراء» بلغت حداً بعيداً، إذ يمكن القول إنها مرور لمرحلة التجريدية، فالحجوم الملساء تُظهر رفضه للكثافة اللونية، وهذا الصفاء الواضح والمجرد والبعيد عن كل روح حسية كان نقياً وغير مادي، كما هي الحال في التصوير على الزجاج إبان القرن الثالث عشر، وإن انتقاءه لتلك الخطوط فائقة الأناقة ظاهر وجليّ كما في الفن القوطي Gothique، إن هذا التبسيط الواضح والموجود في لوحة «العذراء» يمكن تشبيهه بالبساطة التي تمتّع بها موندريان Mondrian؛ لأن تلك الهندسة المبسطة والأشكال الصافية والتناغم الدقيق تدفع إلى تقديم هذه المقارنة، إنها مقاربة ما بين الهندسية والفن الواقعي. كما أن تلك الدقة اللونية الموجودة في أعمال موندريان وفي لوحة «العذراء» لفوكيه تحاول التوفيق بين الواقعية الطبيعية والتجريد.
نزيه فريجات