اعمي تطيلي
Al-A'ma Al-Tutili - Al-A'ma Al-Tutili
الأعمى التُّطِيْليّ
(... ـ 525هـ/ ... ـ 1130م)
أبو جعفر، أحمد بن عبد الله بن أبي هريرة القيسي، شاعر ووشاح أندلسي، عُرف بالأعمى وبالأُعَيمى لعاهته، وبالتُّطِيْليّ نسبة إلى مسقط رأسه تُطِيلة، وهي مدينة بالأندلس إلى الشرق من قرطبة.
أقام في إشبيلية، حمص الأندلس، وهي يومئذ عامرة بمجالس الأدباء والعلماء، فنهل من علوم عصره من لغة، وأدب، وتاريخ، وفقه، وأصول، وحديث، واشتهر شاعراً وشاحاً. ويبدو أن أموراً جرت له في إشبيلية، فضاق بالمقام بها وقال:
مَلِلْتُ حِمْصَ وملَّتني فلو نطقتْ | كما نطقتُ تَلاحَيْنا على قَدَرِ | |
وسوَّلت ليِ نفسي أن أُفارقها | والماء في المُزن أصفى منه في الغُدُرِ |
ترك التطيلي ديوان شعر وموشحات، وتناول معظم الأغراض المعروفة من مدح ورثاء ووصف وغزل وشكوى وهجاء. وبسبب هجائه اللاذع لقب ببشار الأندلس.
والوصف قليل في شعره، لأن عاهته حالت دون إكثاره منه، وجلّه في وصف السيف والرمح. ومن وصفه قوله يصف أسد رخام يرمي بالماء على بحيرة:
أسدٌ ولو أني أنا | قشهُ الحسابَ لقلتُ صخرهْ | |
وكأنه أسد السما | ء يمجّ من فيه المجرّهْ |
ومن أبرز ممدوحيه محمد بن عيسى الحضرمي، أحد أعيان القواد في الأندلس، وأبو العلاء بن زُهر الإيادي الإشبيلي، وكان شاعراً وطبيباً، من جيد مديحه قصيدته البائية في محمد بن عيسى الحضرمي التي يقول فيها:
هو الأسد الوَرْدُ الذي سار ذكره | وليس له إلا البسالة غابُ | |
سَلِ الدينَ والدنيا هل ابتهجا به | كما انجاب عن ضوء النهار ضبابُ | |
نضاه أميرُ المؤمنين مُهَنَّداً | له الحِلم مَتْنٌ، والمضاءُ ذُبابُ |
مالي وللأعين النُجْلِ | أجمعنَ عُدواناً على قَتْلي |
ونُبّئتُ ذاك الوجهَ غَيّره البِلى | على قرب عهدٍ بالطلاقة والبِشر | |
بكيت عليه بالدموع ولو أَبَت | بكيتُ عليه بالتجلّد والصبر | |
فليتهم وارَوْا ذُكَاءَ مكانه | ولو عرضت في أوجه الأنجمِ الزُهر | |
وليتهم واروه بين جوانحي | على فيض دمعي واحتدامِ لظى صدري |
خُذا حدّثاني عن فُلٍ وفلاّن | لعلّي أرى باقٍ على الحَدَثانِ |
رويدَ الأماني إنّ رزءَ محمدٍ | عدا الفلكَ الأعلى عن الدورانِ | |
وحسبُ المنايا أن تفوز بمثله | كفاكِ ولو أخطأته لكفاني |
وفي مجال الرثاء أيضاً يقول من قصيدة:
وَدَعِ الأحبّة والدنوَّ أو النوى | ما أشبه التسليمَ بالتوديع |
موشحاته
ظهرت عبقرية التُّطيلي وأصالته الحقيقية في الموشح، وقد بدا فيه غني الصورة، فيّاض التعبير شديد القدرة على التصرّف بأوجه البديع والبيان، وقد نسبت إليه ثلاثون موشحة، له منها اثنتان وعشرون، والثماني الباقيات نُسبت إليه وإلى غيره، فقد كان له صلات مع وشاحي عصره كابن باجّة (ت533هـ/ 1138م)، وأبي بكر يحيى بن محمد المعروف بابن بقيّ (ت540هـ/ 1145م)، وأبي بكر محمد بن أحمد الأنصاري الإشبيلي الأبيض (ت544هـ/ 1149م) أعظم الوشاحين في عصر المرابطين، وقد غلب ابن بقي وآخرين من فرسان حلبة التوشيح في دولة المرابطين في مساجلة في التوشيح، بعد أن اجتمعوا في مجلس بإشبيليّة، وقد اصطنع كل واحد منهم موشحة، وتأنّق فيها، فلما افتتح التطيلي موشحته بقوله:
ضاحك عن جُمان | سافرٌ عن بدر | |
ضاق عنه الزمان | وحواه صدري |
كيف السبيلُ إلى | صبري وفي المعالم أشجان | |
والركبُ وسط الفلا | بالخرّد النواعم قد بانوا |
يا نازحَ الدار سلْ خيالَك | يُنبيك أنْ قد صرتُ كالخيالِ |
لما اجتليتَ الزمانَ قُرْبَهْ | ضَمَّن بعض الحديث عَتْبَهُ | |
إذ ظنّ أني سلوتُ حُبَّه | غنّيته أستميلُ قلبَهْ |
عَلِي حبيبي خَطَرْ ببالك | أنّي بغيرك ماشغلت بالي |
مكانته الأدبية
شهد القدماء والنقاد بتفوّق التُّطيلي ووضعوه في مكانه من الأدب العربي في عداد الشعراء والوشاحين المتقدمين، فقال عنه ابن بسام في الذخيرة: «له أدب بارع، ونظر في غامضه واسع، وفهم لا يُجارى، وذهن لا يُبارى، ونظم كالسحر الحلال ونثر كالماء الزلال»، وقد أثبت من نثره رسالته إلى ابن بيّاع السبتي، وهي من الرسائل الإخوانية ذات المعاني الواضحة، والمشاعر الصادقة.
أما ابن خلدون فقال عنه في المقدمة: «التُّطيلي سابق فرسان حلبة الوشاحين في دولة المُلَثَّمين».
وفي العصر الحديث دعاه مصطفى عوض الكريم في كتابه «فن التوشيح» بقطب التوشيح الأعظم، لأن شهرته في الموشحات كانت أكثر منها في القصائد.
هناء دويدري