الاسكندرية Alexandrieثانية مدن أنشأها الاسكندر حملت اسمه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاسكندرية Alexandrieثانية مدن أنشأها الاسكندر حملت اسمه




    اسكندريه (تاريخ)

    - Alexandrie

    تاريخ الاسكندرية

    الاسكندرية ثانية المدن التي أنشأها الاسكندر وحملت اسمه بعد اسكندرية إيسوس (الاسكندرونة [ر] اليوم) على الساحل السوري، وهي أشهر المدن التي أقامها الفاتح المقدوني في المناطق التي غزاها مثل اسكندرية بوكفالا (شمالي الهند) واسكنردية هراة في إقليم آرية الفارسي، واسكندرية قندهار في إقليم أراضوسية وغيرها من الاسكندريات التي تميز كل منها بلقب كان يضاف إلى اسمها. وقد ميزت الاسكندرية في مصر في الكتابات العربية كما ميز اسم الاسكندر بإضافة أداة التعريف إليها في حين لا يحمل اسم أي اسكندرية أخرى وأي اسكندر آخر أداة التعريف هذه. كما ميزتها الكتابات القديمة بأن أضافت إلى اسمها لقب Ad Aegyptum وتعني المصاقبة لمصر.
    صورة جوية لمجسم تصميم مشروع مكتبة الإسكندرية الجديدة
    تذكر المصادر أن الاسكندر وضع أساسات المدينة سنة 331ق.م وعهد بتخطيطها إلى المهندس دينوقراطس Dinokrates الذي طبق أفكار مهندس المدن الشهير هيبوداموس الملطي Hippodamos (القرن الخامس ق.م) فجاء مخططها شبكياً أو شطرنجياً وشوارعها مستقيمة متقاطعة، تطل عليها أروقة محمولة على أعمدة لأسواق تجارية تضاف إلى سوق الساحة العامة «الأغورا» في المدينة، وتكوِّن هذه الأروقة مداخل المنازل والحوانيت والمحال العامة. وقد حصنت المدينة بأبراج وأسوار بلغ محيطها نحو 15 كم وضمت، حتى ظهور رومة، أعظم مدن العالمين الإغريقي والروماني بقصورها وأسواقها ومعابدها ومقابرها الملكية وملاعبها وموانئها ودور العلم والجامعات فيها. أما منشآت الاسكندرية وأكثرها شهرة فمكتبتها ومنارتها. وقد أشرف على بدء العمل في المنشآت العامة للمدينة كليومينس النقراطيسي بتكليف من الاسكندر بعد مغادرته مصر. ومع أن كل الملوك البطالمة أسهموا إسهاماً ملحوظاً في تجميل عاصمتهم فإن العبء الأكبر كان من نصيب بطلميوس الأول وبطلميوس الثاني.
    ويتبين من وصف استرابون أنه كان يشق المدينة عدد من الشوارع المرصوفة عرض كل منها 25 متراً تتقاطع عمودياً وتضاء ليلاً بالمشاعل. ويذكر استرابون أن أحد الشارعين الرئيسين الكبيرين في المدينة كان يجتاز المدينة من مقبرة القباري في الغرب إلى باب كانوب في الشرق ماراً بالجمنازيوم، في حين يبدأ الشارع العرضي الذي يقطعه من مكان ما عند بحيرة مريوط في الجنوب الشرقي إلى الرصيف الذي يربط الشاطئ بجزيرة فاروس أو عند رأس لوخياس مؤلفاً بتقاطعه مع الشارع الأول ساحة عامة كبيرة تدعى «ميسون بديون» Meson Pedion. وكانت بقية الشوارع تجري موازية للشارعين الرئيسين مؤلفة جُزيرات تقوم عليها البيوت والدكاكين والمحال العامة بحسب المساحة المتوافرة لكل جزيرة. مع ملاحظة أن معظم هذه الشوارع كان عريضاً يسمح بمرور العربات، وكانت قوانين المدينة تقضي بأن يترك بين كل بيت أو دكان وما يجاوره مسافة لا تقل عن 30سم.
    وتذكر المصادر أن بطلميوس الثاني أطلق اسم زوجه أرسنوي Arsinoe على كل شوارع الاسكندرية المارة بالحي الملكي الذي كان يسمى بروخيون Broucheion، وكانت هذه الشوارع تميز بإضافة ألقاب الإلهات الإغريقيات. وبالقرب من الحي الملكي أقيم ميناء ملكي خاص يقع على الشاطئ الجنوبي للميناء الكبير. وتطل على الميناء حدائق مزينة تشرف على الجامعة أو دار العلم Mouseion والمكتبة الكبرى ودار القضاء Dekasterion والجمنازيوم. ويضيف استرابون أنه كان في هذا الحي منطقة تدعى سيما Sema يعتقد أنها ضمت قبور ملوك البطالمة إلى جانب قبر الاسكندرالأسطوري. وعلى مشارف المدينة من جهتها الجنوبية الشرقية أقيم مضمار لسباق الخيل Hippodromos وفي الجهة المقابلة لها أقيم ميدان الألعاب الرياضية Stadion.
    أصبحت الاسكندرية حاضرة البطالمة بعد أن اتخذها بطلميوس، أحد أشهر قادة الاسكندر، عاصمة له ولأسرته من بعده، وقد تابع هؤلاء اهتمامهم بالمدينة حتى غدت عاصمة العالم القديم في التجارة والثقافة والعلوم والفنون. وقدر المؤرخون عدد سكانها الأحرار في القرن الأول ق.م بنحو 300 ألف نسمة، يضاف إليهم مثلهم أو أكثر من غير الأحرار والمستوطنين.
    سكن المدينة في بداية تأسيسها مواطنون من الإغريق والمقدونيين والسكان المحليين إضافة إلى جالية يهودية، وتذكر المصادر أن اليهود اندمجوا في الحياة الاسكندرانية حتى إنهم كانوا يتلون صلواتهم باللغة اليونانية التي ترجموا إليها التوراة.
    وقد أسهمت النعرات القومية والخلافات المذهبية والتباينات الاجتماعية والتدخلات الخارجية مع مرور الوقت في إذكاء حركات عصيان وتمرد أدى بعضها إلى نتائج سياسية على الصعيد الداخلي، ولا سيما عند انتقال العرش من شخص إلى آخر. ولعل أشهر هذه الحركات ثورة الفرقة التراقية على بطلميوس الرابع سنة 204ق.م، وغزو أنطيوخوس الرابع مصر (170- 168 ق.م) ثم ثورة الاسكندريين على بطلميوس الحادي عشر والثاني عشر (89- 80ق.م). وبوفاة كليوباترة السابعة (30ق.م) تبعت الاسكندرية رومة واحتلت المرتبة الثانية في الأهمية السياسية، ولكنها مع ذلك أفادت اقتصادياً من التوسع الامبراطوري في مناطق المتوسط والشرق. فغدت مركزاً تجارياً عالمياً يصدر الحبوب والزجاج والخزف الملون والمعادن النفيسة والأقمشة والعقاقير والبخور والتوابل والبردي في مقابل استيراد الأخشاب والزيوت والخمور. ولم يكن من المستبعد في هذا الخليط العرقي والمذهبي المتشابك في مصالحه المادية المتعاظمة أن تنشب بين الفينة والأخرى بعض القلاقل والانتفاضات التي تؤكد المصادر أن أباطرة رومة قضوا عليها أو على معظمها بقسوة متناهية.
    وفي القرون الأولى للميلاد برزت كنيسة الاسكندرية لتصبح إحدى أشهر كنائس العالم إلى جانب كنائس أنطاكية والقسطنطينية ورومة.
    وعندما فتح المسلمون الاسكندرية سنة 20هـ/ 640م، وعلى الرغم مما يذكره المؤرخون البيزنطيون عن مغادرة بطريرك الاسكندرية المدينة ومعه بعض كبار مساعديه من علمائها إثر الفتح مباشرة، فمن المعروف أن أقباط مصر ساعدوا المسلمين إبان الفتح. وقد أفاد المسلمون من هذا التعاون فتركوا إدارة المال في مصر في عهدة أقباطها ومنهم ثيودوسيوس Theodosios الذي عينه الخليفة يزيد بن معاوية (60- 64هـ/ 679-683م) حاكماً على الاسكندرية. لكن الحال تبدل مع اتساع عملية التعريب في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684-705م). وكان حال الاسكندرية قد بدأ بالتدهور منذ نقل العاصمة إلى الفسطاط، فنزح عن المدينة عدد كبير من سكانها وفقدت بالتالي كثيراً من أهميتها الاقتصادية والثقافية. وعلى الرغم من الإصلاحات التي حصلت وخاصة في تدعيم أسوار المدينة في عهود عدد من الخلفاء والسلاطين ولاسيما في زمن الخليفة العباسي المتوكل (232- 247هـ/ 847-861م) وأحمد بن طولون (254-270هـ/ 868 -884م) وصلاح الدين الأيوبي (568-589هـ/1172-1193م) والملك الظاهر بيبرس (658-676هـ/ 1259-1277م) والملك الأشرف شعبان (764-778هـ/ 1362-1376م) وقانصوه الغوري (907-923هـ/1501-1516م)، فإن تلك الأسوار لم تصمد أمام الجحافل العثمانية وسقطت الاسكندرية بأيدي آل عثمان سنة 1516م. وفي المرحلة العثمانية شهدت الاسكندرية نقل عدد من آثارها إلى اصطنبول.
    لا يعرف للاسكندرية تاريخ مستقل عن تاريخ مصر ولاسيما في المرحلة العثمانية باستثناء أن الضرائب التي كانت تجبى منها كانت ترسل مباشرة إلى اصطنبول، وأن ميناءها كان ملجأ شتوياً للأساطيل العثمانية التي كانت تغزو «دار الحرب» غربي المتوسط. ولهذا كانت سجون المدينة مكتظة دائماً بالأسرى من الأوربيين الذين كانوا يباعون في أسواق النخاسة.
    ومع كشف طريق الرجاء الصالح أمام الملاحة الأوربية تدهورت أهمية الاسكندرية الاقتصادية حتى إن بعض المصادر ذكرت أن سكانها لم يكونوا يتعدون خمسة آلاف في أواخر القرن الثامن عشر. وفي صيف 1798م احتل الفرنسيون الاسكندرية بقيادة نابليون بونابرت وظلت في أيديهم حتى عام 1801م حين احتلتها القوات البريطانية بعد معركة أبي قير ثم انسحبت منها سنة 1807م. وقد استعادت الاسكندرية بعض بريقها مع بداية حكم محمد علي باشا (1805-1848م) إذ أقام فيها في أول ولايته على مصر أحواضاً وأرصفة جديدة مع دار صناعة (ترسانة) لبناء السفن، وأعاد ربط المدينة بنهر النيل عن طريق ترعة المحمودية (اكتمل بناؤها سنة 1820) وأسهم ذلك كله في إنعاش الحركة الاقتصادية. وفي عهد الخديوي إسماعيل (1864-1879م) غدت الاسكندرية برعايته من أجمل مدن مصر والشرق فربطت مع السويس بخط حديدي عن طريق القاهرة، وشيدت فيها القصور الفخمة والحدائق الغناء، وأعيرت عناية خاصة لتطوير الخدمات العامة، فقصدها للسكن والاصطياف عدد كبير من سكان حوض البحر المتوسط ولاسيّما من سورية ولبنان وتركية واليونان وغيرها، وأخذ أهلها عن الغرب عادات كثيرة أسهمت في تطوير أحوالها الاجتماعية والإدارية، وعادت إليها شهرتها في مجال التجارة الداخلية والخارجية، واشتهرت مركز اصطياف ممتازاً. لكن المدينة لم تلبث أن تعرضت للقصف والاحتلال البريطاني من جديد بسبب فتنة استعرت بين الوطنيين من سكان المدينة والأجانب في أثناء ثورة أحمد عرابي (1882) تذرع بها البريطانيون لبسط سيطرتهم على مصر، تحت اسم «الحماية» التي استمرت حتى ثورة 23 تموز 1952، وقد استعادت الاسكندرية أهميتها في ظل الحكم الوطني وانتعشت اقتصادياً. وزاد عدد سكانها زيادة كبيرة.
    جامعة الاسكندرية
    تعدُّ جامعة الاسكندرية أو «دار العلم» التي أقامها بطلميوس الأول سنة 288ق.م بإيحاء من دمتريوس الفاليرومي Demetrios of Phalerum أقدم جامعة معروفة في العالم. وقد أطلق عليها لقب «ربات الفنون التسعة» Moseum (وكان الإغريق يعدون الآداب والعلوم فنوناً). وفي الجامعة مكتبة حظيت بأهمية خاصة في العصر الهلنستي حتى طغت في أواخر ذلك العصر وبدايات العصر الروماني على شهرة الجامعة نفسها، كما ألحقت بالجامعة معابد وحدائق لدراسة النبات والحيوان وخواص المعادن.
    ويقسم المؤرخون تاريخ الجامعة ومكتبتها إلى خمس مراحل رئيسة: ثلاث منها في العصر البطلمي، واثنتان في العصر الروماني. ويؤرخون للمرحلة الأولى بعهد بطلميوس الأول (306-283ق.م) وفيه كانت الجامعة والمكتبة في طور التأسيس، وعهد بأمرها إلى إقليدس Euklides الصوري الذي نجح في إدارتها وقدم مشروعاً تعليمياً عظيماً في مصر كما قام بتطوير علم الرياضيات، لكنه لم ينجح في مهمته النجاح المرضي. ومع ذلك فقد تخرج في جامعة الاسكندرية أجيال من المهندسين وعلماء الرياضيات والفلك الذين اعتمدوا في دراساتهم، حتى القرن الخامس، على ما أبدعه إقليدس في الهندسة والرياضيات.
    وتذكر المصادر عدداً من معاصري إقليدس المشهورين في الجامعة مثل الشاعر فيليتاس Philitas، والشاعر وعالم الجدل الميغاري ديودوروس خرونوس Diodoros -chronos والفيلسوف الجاحد بآلهة الإغريق ثيودوروس Theodoros والفيلسوف هيسغيوس Hisigios الذي نفي من الاسكندرية بأمر ملكي بسبب محاضراته المتمردة التي دافع في بعضها عن شرعية الانتحار، وأخيراً دمتريوس الفاليرومي الفيلسوف وحاكم أثينة المشهور الذي عمل بعد هربه من أثينة أميناً لمكتبة الاسكندرية في عهد بطلميوس الثاني، وتعزو إليه المصادر إنشاء الجامعة في عهد بطلميوس الأول. أما المرحلة الثانية، وتمتد من عهد بطلميوس الثاني (283-246 ق.م) إلى عهد بطلميوس السابع (145-117ق.م) فقد كانت أزهى المراحل، إذ تخطت مرحلة التأسيس إلى مرحلة الإنجازات العلمية وبرز فيها عدد من العلماء والأعمال.
    ويجمع مؤرخو تلك المرحلة على أن أبرز الأعمال كانت الترجمة «السبعينية» للتوراة التي قام بترجمتها من العبرية إلى اليونانية 72 حبراً في 72 يوماً. وفي تلك المرحلة حاول بطلميوس الثاني إحياء المنافسات الشعرية التي انحسرت؛ فأقام أعياداً للإله ديونيسيوس تخللتها ألعاب رياضية ومسابقات شعرية استأثرت باهتمام أعظم شعراء العصر الذين انكبوا على تحقيق أشعار الأقدمين، وفي مقدمتها أشعار هوميروس التي كان بيسيستراتوس Pisistratos طاغية أثينة (546-527 ق.م) قد أمر بجمعها، ولكنه لم يجد من يحققها التحقيق المناسب. وكان على رأس هؤلاء ثلاثة أدباء توالوا على أمانة مكتبة الاسكندرية وهم زنودوتوس Zenodotos من إفسوس (ولد نحو 325 ق.م وشغل أمانة المكتبة عام 284 ق.م) وبعده تلميذه أريستوفانس Aristophanes من بيزنطة (257-180ق.م) الذي صحح مانشره أستاذه. وأخيراً أريستارخوس Aristarchos من ساموتراقيه (217-145 ق.م) الذي كان أستاذاً لبطلميوس السادس فيلو متور (184-145 ق.م) وصحح مجمل مانشره سلفاه في هذا المجال.
    وفي مجال العلوم البحتة ولاسيما الرياضيات برزت أبحاث عدد من العلماء أشهرهم إراتوسْثُنِس (275-194ق.م)Eratosthenes من قورينية في ليبية الذي أحيا مجموعة من الأبحاث في علمي الفلك والجغرافية، وخلفه أجاتارخيدس Agatarchides من كنيدوس (اشتهر نحو 116ق.م) وعدد آخر أقل أهمية مثل «أرستليس» و«تيموخاريس» و«كونون» الذين أكملوا ماقام به سابقوهم في الجغرافية والفلك، مثلما أتم أبحاث إقليدس في الرياضيات كل من الفلكي هيبارخوس Hipparchos من نيكاية في بيثونية (ولد نحو 190ق.م واشتهر بين عامي 161-126ق.م)، و Apollonios أبولونيوس (262- 190ق.م) من برغا في بامفولية، وفي مجال التشريح قدم العالمان إرسستراتوس Erasistratos من كيوس (منتصف القرن الثالث ق.م) وهروفيلوس Herophilos (منتصف القرن الثالث ق.م) أبحاثاً محلية عدّها المؤرخون المعاصرون مقدمة لنشوء علم الطب. في حين لم يتمكن فلاسفة الاسكندرية من اللحاق بعلماء عصرهم وإثبات جدارتهم لتفرقهم مذاهب شتى بين الأكاديمية والأبيقورية والدعوة إلى المعرفة التجريبية بدلاً من المعرفة النظرية وغير ذلك من المذاهب.
    وفي المرحلة الثالثة انعكست الأوضاع السياسية الداخلية السيئة على حالة جامعة الاسكندرية العلمية مما أدى إلى تفرق العلماء ولجوئهم إلى مراكز العلم في آسيا الغربية وبلاد اليونان. وسرعان ماتنبه الملوك إلى خطورة ماتتعرض له الجامعة ومكتبتها من أضرار مادية ومعنوية، فشرعوا في تعويض المكتبة عما فقدته من مؤلفات عظيمة إبان الأحداث الداخلية، وطلبوا من بعض المدن، ومنها أثينة، إهداءهم عدداً من المخطوطات أشهرها مؤلفات المسرحي الإغريقي الشهير أوربيدس Euripides (القرن الخامس ق.م) مقابل كميات من الحبوب. كما استعاروا مؤلفات أصلية من عدد من المدن مقابل رهون عظيمة، وضحوا بالرهون بغية الاحتفاظ بهذه المؤلفات.
    ومع أن هذه الحماسة أعاد للجامعة والمكتبة بعضاً من مكانتيهما السابقتين فأنها تركت أثراً سلبياً، فقد برزت بنتيجة اهتمام الملوك بالعلوم مجموعات من صغار العلماء قدموا أبحاثاً عزوها إلى كبار علماء العصور السابقة لعصرهم، مما أدى إلى استشراء الفساد في الحركة العلمية المبنية على تآليف منحولة، أسهم في ترديها عدم مراعاة المسؤولين مهامهم وتناقص رعاية الملوك لتردي الوضع السياسي الداخلي والخارجي مرة أخرى وصولاً إلى كليوباترة السابعة (30ق.م). ولم يؤد قدوم الرومان في بدايته إلى أي تطوير للحركة العلمية في الجامعة والمكتبة، بل على العكس، فقد أسفر النزاع بين قادة الرومان على أرض مصر عن إحراق مكتبة الاسكندرية. وقدرت بعض الدراسات المعاصرة عدد المخطوطات التي أتلفت بأربعمئة ألف مجلد. وقد عوّض ماركوس أنطونيوس جزءاً من هذه الخسارة عندما أهدى إلى معشوقته كليوباترة مكتبة الأتاليين في برغامة بآسيا، وكانت تضم مئتي ألف مخطوطة. كما أضاف كل من يوليوس قيصر (102-44ق.م) وتيبريوس كلاوديوس (10 ق.م-54م) عدداً من المخطوطات، إضافة إلى الاهتمام الخاص بتعيين مسؤولين عن الجامعة والمكتبة من ذوي السمعة الطيبة والهمة العالية. ومع ذلك لم تستعد الجامعة شهرتها السابقة، إلا أنها، على الأقل، قدمت جديداً في تحقيق مؤلفات عصر بريكلس (495-429 ق.م) ونشر بحوث عالية المستوى في مجالات الفصاحة والشعر والنحو كتبها كلٌ من أبولونيوس Apollonios وأبيون Apion وهفايستون. كما برز في تلك الحقبة أعظم جغرافيي الحضارة الكلاسيكية وهما استرابون وبطلميوس اللذان أكملا دراسات من سبقهم من الجغرافيين وشذباها. في حين اشتهر في مجال الطب سورانوس Soranos الأفسوسي. ومع أنه لم تتقدم في العلوم النظرية إلا الفلسفة، فإنها لم تبلغ شأوها المفترض ولم تتوضح معالمها إلا مع مطلع القرون الميلادية حين تجلت في الاسكندرية ثلاثة مذاهب هي الأفلاطونية والأرسطية والرواقية، وكان أبرز فلاسفة العصر أنطيوخس العسقلاني (130/120- 68 ق.م)Antiochos of Ascelon مؤسس الأكاديمية الخامسة في أثينة.
    يحدد المؤرخون عصر جامعة الاسكندرية الأخير في المدة مابين عهدي الامبراطورين قسطنطين الكبير (274-337م) وثيودوسيوس الأول (391م) وهي المدة التي تحوّل فيها الجدل العلمي في الجامعات إلى مشاحنات بين أنصار المسيحية وأعدائها، ولاسيما حين مال قسطنطين إلى المسيحية، وأصدر بعض القوانين التي قيدت حرية الوثنيين في الرد على معارضيهم. بل تعدى ذلك إلى هدم السارابيوم Sarapium أشهر معابد الوثنية في الاسكندرية، بعد أن تشاجر أحد الوثنيين وبطريرك الاسكندرية ثيوفيلس Theopheles واشتكيا إلى الامبراطور الذي أمر بطرد فلاسفة الوثنية من الجامعة سنة 391م. وفي سنة 416م قتل مسيحيو الاسكندرية آخر فيلسوفة وثنية وهي هيباتية Hipatia. ولم تقم قائمة بعد ذلك التاريخ لأي فلسفة أو علم وثني في الاسكندرية.
    أفادت المسيحية الاسكندرانية من الدراسات الدينية التي أنجزها بعض أحبار اليهود الذين عاشوا في الاسكندرية وعلى رأسهم فيلون (40ق.م -40م) Philon وأريستوبولوس Aristobulos ولاسيما في مجال التوفيق بين الحكمة اليهودية المعتمدة على تنزيه الله والحكمة الإغريقية القائمة على تمجيد العقل. ومع ترسخ المسيحية بإعلانها ديناً رسمياً للدولة أوائل القرن الرابع الميلادي تزايد نفوذ الأساتذة المسيحيين من دون أن يؤدي ذلك إلى إقصاء الأساتذة الوثنيين الذين بدؤوا بمرور الوقت يراعون التعاليم المسيحية. ولم يكد القرن الخامس ينتهي حتى كانت جامعة الاسكندرية منارة يتخرج فيها أعلام الفكر المسيحي أمثال يحيى النحوي وإلياس وداود واستيفانوس السكندري، إضافة إلى عدد آخر من القديسين أمثال القديس بطرس والقديس اسكندر السكندري، والقديس أثينايوس والقديس غريغوريوس والقديس المؤرخ يوليوس الإفريقي والقديس مكاريوس الشاب والقديس كيرلّوس. وكان لهؤلاء جميعاً أبلغ الأثر في تنقية المسيحية من شوائب الوثنية قبل وصول الإسلام إلى مصر.
    منارة الاسكندرية
    لعل أعظم معالم الاسكندرية قاطبة منارتها الشهيرة، التي تعدُّ إحدى عجائب الدنيا، وخلدها الأقدمون بنقش صورتها على عدد من النقود والأواني داخل مصر وخارجها. وتذكر المصادر أن المهندس سوستراتوس Sostratos من جزيرة كنيدوس بدأ بإقامتها على جزيرة صغيرة شرقي جزيرة فاروس في عهد بطلميوس الأول سنة 297ق.م، وأتمها في عهد بطلميوس الثاني نحو 280/ 279ق.م وقد بدأت معالم هذا البناء الضخم بالاندثار بدءاً من القرن الثامن حين تحطم قسم من المنارة بتأثير زلزال أصاب شواطئ مصر، ثم توالت عوادي الزمن وأهملت صيانة المنارة حتى تداعت تماماً في أواسط القرن الرابع عشر للميلاد.
    حاول المؤرخون المعاصرون تصور معالم المنارة من وصف المصادر القديمة والوسيطة لها، وخاصة وصف «أبي الحجاج يوسف بن محمد البلوي الأندلسي» الذي زارها مرتين في طريقه إلى الحج ذهاباً وإياباً ووصفها وصفاً دقيقاً. ويبدو أن الشكل المتصور كان هرمياً خفيفاً ثلاثي التقسيم، يرتكز أساساً على قاعدة ضخمة، وتعلو البناء شعلة ضخمة. وكان القسم الأول مربعاً من الأسفل بارتفاع 71.30 متراً يعلوه قسم مثمن الشكل بارتفاع 34.50 متراً وفوقه قسم أسطواني الشكل بارتفاع 9.20 متراً. ويقدر المؤرخون الذين شاركوا في تصور المنارة ارتفاعها الإجمالي بـ 135 متراً، بعد إضافة 20 متراً هي ارتفاع القاعدة والشعلة. ويتبين من الوصف أن ثمة مرقى حلزوني الشكل عرضه نحو 1.57 متر يدور حول القسم الأول. أما القسم الثاني فكان فيه درج من 32 درجة، وفي القسم الثالث 18 درجة، وباستثناء الإحدى والخمسين غرفة التي احتواها القسم الأول عن يمين المرقى الحلزوني ويساره. لم تأت المصادر على أي ذكر لغرف في القسمين الثاني والثالث. ويبدو أن المنارة كانت مكسوة بالحجارة ومزخرفة بلوحات جدارية من الرخام والبرونز. وأحيط موضع الشعلة بثمانية أعمدة ترتكز عليها قبة أقيم فوقها تمثال إله البحار الأكبر بوسيدون يحيط به أربعة تماثيل لآلهة بحرية أقل شأناً تنفخ أبواقها في الاتجاهات الأربعة، وكان النور المنبعث من الشعلة ينتج من إحراق الأخشاب التي كانت ترفع إلى مكان الشعلة بوساطة مرفاع خاص، وقد ثبتت مرايا محدبة من المعدن في زوايا الشعلة لإيصال ضوئها إلى مسافات بعيدة.
    مفيد العابد
يعمل...
X