افيون (حرب)
Opium war - Opium (guerre de l’-)
الأفيون (حرب ـ )
يطلق تعبير حرب الأفيون Opium War على مجموعة الأعمال الحربية التجارية التي كانت الصين ضحيتهما في أواسط القرن التاسع عشر، ويمكن تصنيفهما في حربين رئيسيتين حققت فيهما القوى الغربية مكاسب استعمارية وتجارية على حساب الصين. جرت الحرب الأولى (1839-1842) بين الصين وبريطانية، وكانت الحرب الثانية (1856- 1860) بين الصين من جهة وبريطانية وفرنسة من جهة أخرى، وتعرف أيضا بحرب «السهم» Arrow.
الأسباب غير المباشرة لهاتين الحربين
ظلت الصين طوال ثلاثة قرون منذ أن اكتشف رأس الرجاء الصالح ممتنعة على القوى الغربية الطامعة في ثرواتها، والطامحة إلى الاتجار معها، وكان البرتغاليون أول من وصل إلى ميناء كانتون في الصين سنة 1513 وتمكنوا بعد سنوات من ذلك التاريخ من الحصول على إذن بإقامة محطة تجارية في ماكاو. وكان هؤلاء يشترون السلع الصينية الزراعية والصناعية كالشاي والمنسوجات الحريرية والأواني الخزفية النفيسة (الصيني) والمصنوعات الخشبية والجلدية التي حظيت بإقبال كبير في أسواق الغرب مقابل سلع هندية تشتمل على العقاقير والأصباغ وخشب الصندل والتوابل، ولم تكن ثمة سلع أوربية ذات بال يمكن مبادلتها آنذاك بالسلع الصينية. وتبع البرتغاليين الإسبان فالهولنديون ولكنهم لم يستطيعوا الحصول على محطات تجارية لهم، في حين نجح البريطانيون عن طريق شركة الهند الشرقية البريطانية في إقامة محطة تجارية في كانتون بإشراف نقابة تجار «هونغ». وكان الشاي أهم سلعة تستوردها بريطانية وتدفع قيمتها نقداً بالعملة الذهبية والفضية. وعندما سعى البريطانيون في عام 1793 إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين صدموا بالرفض التام، وظلت العلاقات التجارية بين الصين والغرب محصورة في عدد محدود من الموانئ الصينية تحت الرقابة الصارمة لحكومة الصين. وبعد أن تمكنت بريطانية في عام 1818 من فرض سيطرتها على شبه القارة الهندية باستثناء عدد قليل من المراكز التجارية البرتغالية والفرنسية، وجدت نفسها في حاجة إلى أسواق أخرى لتصريف فائض إنتاجها الصناعي، وإلى مصادر غنية بالمواد الخام والسلع الغذائية لتوفير احتياجات الصناعة المتنامية. ولكن سوق الصين ظلت هدفا عزيز المنال على بريطانية، وكان ميزانها التجاري خاسرا معها على الدوام، وكان ذلك مصدر إزعاج شديد للحكومة البريطانية، إلى أن توصلت بريطانية إلى قلب الأوضاع عن طريق تجارة الأفيون.
كانت شركة الهند الشرقية البريطانية منذ عام 1773 قد تبنت سياسة إغراق الصين بالأفيون، وكان الخشخاش الذي يستخرج منه الأفيون يزرع في الهند بكميات كبيرة، وأقامت شركة الهند الشرقية مصنعا لإنتاج الأفيون في مدينة كاليكوت، وحصلت في عام 1797 على حق احتكاره وتصنيعه وتجارته، وكانت الصين في بادئ الأمر تستهلك كميات محدودة جداً من مادة الأفيون وتسمح باستيراده على أنه عقار طبي، ولا يتعاطاه من الصينيين إلا عدد محدود من أصحاب الأملاك والأرستقراطيين ورجال الحاشية. وقد حققت بريطانية من وراء هذه التجارة أرباحاً خيالية وتمكنت بها من تغيير الميزان التجاري لمصلحتها، ولاسيما عندما أخذ عدد المتعاطين في الصين يزداد إلى درجة كبيرة، ولم يعد يقتصر على طبقة معينة بل تعداها إلى عامة الشعب، فقد بلغ عدد المدمنين في الصين عام 1835 أكثر من مليوني فرد، وفقدت الصين في المدة بين 1823و1834 ما يعادل 25مليون دولار فضي، أي ما يوازي عشر الدخل السنوي، إضافة إلى الدمار العقلي والنفسي الذي لحق بالشعب الصيني من إدمان هذه المادة وانتشار الفساد والرشوة بين رجال الإدارة.
حرب الأفيون الأولى (1840- 1843)
الأسباب المباشرة: أدركت حكومة الصين منذ القرن الثامن عشر الأخطار التي قد تتعرض لها البلاد من وراء تجارة الأفيون والتوسع فيها فأصدرت في عام 1792 قراراً بحظرها. وفي عام 1796 أصدر الامبراطور «تشياتشينغ» (1796-1820) من أسرة مانشو (تاتشينغ) (1795- 1912) قانونا يقضي بتطبيق عقوبة الإعدام على من يتاجر بالأفيون، ولكن ذلك لم يمنع تجار هذه المادة من ابتكار أساليب مختلفة لتهريب الأفيون إلى الداخل. وكانت مدينة كانتون وبعض الجزر القريبة منها من أهم مراكز التهريب، وفي عام 1834 أنهت الحكومة البريطانية احتكار شركة الهند الشرقية التجارة مع الصين وعينت مشرفاً عاماً على التجارة البريطانية في مدينة كانتون، وحاولت حكومة الصين من دون جدوى التوصل إلى اتفاق مع الحكومة البريطانية حول جعل استيراد الأفيون قانونياً والحد من تهريبه، واستمر الخلاف بين الطرفين حتى عام 1839. ومع تفاقم حجم التهريب وما سببه من خسائر مادية ومعنوية، إضافة إلى تصاعد النقمة الشعبية على تجار الأفيون قام نائب الامبراطور في كانتون لين تشيه شو في 10 آذار 1839 بزيارة إلى ميناء كوانغ شو، على رأس قوة مسلحة وقبض على تجار الأفيون ومنع نقله إلى الصين وصادر كل مخزون الأفيون في الميناء وأمر بإحراقه وإغلاق متاجر الأفيون وسط تأييد شعبي عارم.
احتجت الحكومة البريطانية بشدة على تلك الإجراءات ورافضة التقيد بالحظر وعدته مخالفا لحرية التجارة التي كانت البرجوازية الصناعية الغربية تنادي بها وتعدها حقا مقدسا لها.
مجرى الحوادث: استجابت الحكومة البريطانية لتحريض ممثلها التجاري وفي السادس من كانون الأول سنة 1839 أعلن قطع العلاقات التجارية بين البلدين وعبأت بريطانية قوة عسكرية بقيادة جورج إليوت قوامها 16 سفينة حربية و20 سفينة نقل و4 سفن بخارية على متنها 4000 مقاتل وصلت جميعها إلى قبالة الساحل الصيني عند كوانغ دونغ. وفي الثاني والعشرين من شهر حزيران 1840 بدأت القوات البريطانية بإطلاق النار على عدة موانئ صينية، وفي أوائل 1841 قصفت القوات البريطانية ميناء كانتون كما احتلت هونغ كونغ، ثم أخذت تتوسع على امتداد الساحل بعد أن تلقت تعزيزات كبيرة، فاحتلت في عام 1842 تشنكيانغ وشنغهاي، وفي عام 1843 بدأت تتقدم باتجاه نانكين. وخشيت حكومة الصين سوء العاقبة فطلبت الصلح مع بريطانية التي وافقت على وقف إطلاق النار بعد أن أملت شروطها.
نتائج هذه الحرب: في 29 آب 1843 تم على متن السفينة الحربية البريطانية «كورفوولز» التوقيع على معاهدة نانكين التي أنهت نظام كانتون الاحتكاري للتجارة البحرية، واشتملت على نصوص مجحفة بالصين منها: تنازلها عن هونغ كونغ لبريطانية ودفع تعويضات مالية كبيرة لها وفتح عدد من الموانئ الصينية وتطبيق نظام الحماية الأجنبية على الانكليز.
وفي الثامن من تشرين الأول سنة 1843 تم التوقيع على معاهدة ملحقة نصت على أن تمنح بريطانية شرط الدولة الأَوْلَى بالرعاية.
أما الأفيون الذي دارت الحرب بسببه فلم يرد ذكره في المعاهدة، ولكن محصلة بنود المعاهدة تركت الباب مفتوحاً لجعل تجارة الأفيون مشروعة، وإلى تخلي الصين عن مطالبها بتفتيش السفن. وكانت النتيجة ازدهار تجارة الأفيون ازدهاراً كبيراً، ووصل معدل الاستيراد منه إلى سبعين ألف صندوق سنوياً، وبلغت قيمة ما استوردته الصين من تلك المادة في عشر سنوات بعد تلك الحرب 300-400 مليون دولار فضي.
حرب الأفيون الثانية أو حرب السهم (1856- 1860)
كانت معاهدة نانكين نموذجاً فاضحاً للمعاهدات الجائرة بين قوى غير متكافئة وتمخضت عن مغانم كبيرة لبريطانية كما فتحت شهية الدول الاستعمارية الأخرى للحصول على امتيازات مماثلة فراحت تضغط على الحكومة الإمبراطورية، وتم في الثالث من تموز 1844 توقيع معاهدة وانغسي مع الولايات المتحدة نصت على عدم خضوع الأمريكيين (وفي خاتمة المطاف كل الأجانب) المقيمين في الصين للسلطة القضائية الصينية وحصرته بالمحاكم القنصلية والمختلطة، وكفلت معاهدة وامبو مع فرنسة (24 تشرين الأول 1844) حرية ممارسة الشعائر الكاثوليكية ثم البروتستنتية (1845). وقد أدت تصرفات الأجانب إلى تفاقم النقمة الشعبية ومعارضة دخولهم مدينة كانتون. كذلك نجم عن ضعف الإدارة الصينية وتفشي الرشوة والانحلال بين أفراد الأسرة الإمبراطورية ورجال البلاط وأصحاب الأملاك، إضافة إلى الكوارث الطبيعية ونشوب ثورات وانتشار الفوضى، مما شجع القوى الأجنبية على توسيع نفوذها والتدخل في تلك الحوادث واستغلالها لصالحها.
أسبابها المباشرة: ظل البريطانيون يفتشون عن أعذار لتوسيع حقوقهم التجارية في الصين على أساس «سياسة الباب المفتوح»، ووجدوا الفرصة لتجديد العدوان عندما قام عدد من الموظفين الصينيين في أوائل شهر تشرين الأول 1856 بصعود متن السفينة «السهم» في ميناء كانتون وأنزلوا العلم البريطاني. واحتج المقيم العام البريطاني اللورد إلجين على هذا الإجراء وقدم إنذاراً إلى حاكم المدينة، ورافق ذلك دخول سفن حربية بريطانية إلى الميناء، ولكن نائب الامبراطور استخف بالقوات البريطانية وجاهر بالعداء للحكومة الإنكليزية، وانضمت فرنسة إلى بريطانية في تحرشها متعللة بمقتل أحد المبشرين الفرنسيين داخل البر الصيني، وأنذرت حكومة الصين بتسليم القتلة.
مجرى الحوادث ونتائجها: بدأت الحليفتان (بريطانية وفرنسة) عملياتهما الحربية في أواخر عام 1857 فاستولت قواتهما على مدينة كانتون وعلى بعض الحصون الساحلية، وطلب معتمدو الدول في شنغهاي مفاوضة حكومة الصين التي ترددت في قبول الإنذار، فتابعت القوات المتحالفة تقدمها نحو بكين، وفي أواخر شهر حزيران عام 1858 وصلت تلك القوات إلى تينتسين القريبة من بكين، وأرغمت حكومة الصين على التوقيع على معاهدة جديدة كان من شروطها فتح مفوضيات لعدد من الدول الأجنبية في بكين (بريطانية وفرنسة والولايات المتحدة وروسية)، وكذلك فتح أحد عشر ميناء صينيا للتجارة البحرية، والسماح للتجار والبعثات التبشيرية بالتوغل في البلاد، وإقامة نظام جمركي بحري يشرف عليه مفتش أجنبي، وإجازة تجارة الأفيون، وفتح نهر يانغتسي للملاحة التجارية، ودفع تعويضات لبريطانية وفرنسة. وأرغم الإمبراطور نفسه على توقيع المعاهدة.
لم تصادق حكومة الصين على نصوص معاهدة تينتسين التي فرضت عليها، فتابع الحلفاء أعمالهم الحربية وتقدمت قواتهم في السادس من شهر آب سنة 1860 إلى بوابات بكين ودخلتها وأحرقت في آب القصر الامبراطوري الصيفي، وفي الرابع والعشرين من الشهر نفسه عقدت معاهدة جديدة عرفت باسم معاهدة بكين تعهدت فيها الصين بالتقيد ببنود معاهدة تينتسين السابقة، وتمت المصادقة عليها. وتبع ذلك سيل من المعاهدات والامتيازات التي حصلت عليها دول أخرى مثل ألمانية وإيطالية وهولندة والنمسة وبلجيكة والدنمارك وغيرها.
محمد وليد الجلاد