اغنيه
Song - Chanson
الأغنية
يطلق مصطلح «الأغنية» song على كل قطعة غنائية تؤدّى بصوت بشري بمرافقة الآلات أو من دونها. فإذا تطلب غناؤها عدداً قليلاً من المغنين فإن الأغنية تسمى عندئذ بعددهم، كأن تقول :الفردية solo والثنائية duet والثلاثية trio. أما إذا كانت لمجموعة ويتطلب غناؤها مجموعة غنائية فإنها تُسمى «أغنية جماعية» أو «لحناً جماعياً» تؤديه الجوقة (الكورس) choir. والغناء لغة: ما طُرب به، وتحسين القراءة وترقيقها.
يستخدم الإنسان حنجرته التي هي جزء من جهازه الصوتي، في إخراج الأصوات والأنغام. ويفوق تحكم الإنسان بصوته ومخارجه وأنماط تعبيره تحكمه بأي أداة أو آلة موسيقية. يُضاف إلى ذلك أن صوت الإنسان ينقل مع اللحن نصاً مفهوماً مشبعاً بالمعاني والعواطف، وبذلك تأتي الأغاني معبرة عن أحوال الإنسان ومشاعره وعواطفه وأفكاره على تنوعها واختلافها. ومن نصوص الأغاني ما يكون بالفصحى ومنها ما يكون بالعامية. وهي تتنوع بتنوع موضوعاتها.
ولأن الأغنية تتألف من كلمات وأصوات موسيقية كان لا بد للملحن أو المؤلف الموسيقي من أن يراعي، عند قيامه بتلحين نص الأغنية، توافق اللحن مع موضوع الأغنية العام، وانسجامه مع معاني كلماتها، وتطابقه مع الإيقاع الشعري فيها، وأن يختار الصوت المناسب لأداء الأغنية سواء كان صوت رجل أو امرأة أو طفل، أو كان المؤدي منفرداً أو ضمن مجموعة، على أن يكون صوت المغني أو المغنين متفقاً مع لحن الأغنية في طبقة الصوت وأسلوب الأداء. كذلك عليه أن يدقق في اختيار أنواع الآلات المرافقة وعددها، لتساعد في التعبير عن المعنى العام للأغنية. ولهذا، يفترض في الملحن أن يكون ملماً إلماماً وافياً بالنواحي الأدبية للغة التي تكتب فيها الأغنية، ولاسيما أوزانها الشعرية.
لمحة تاريخية
عرف البشر الغناء منذ أقدم العصور، والمقدّر أن الإنسان بدأ يغني منذ أن بدأ الكلام مستخدماً حنجرته استخداماً واعياً، واستمر بصقل صوته معبراً به عن عواطفه وحاجاته. ومع تنامي خبراته ومعارفه تنامت قدرته المتصلة بسيطرته على صوته ورافق ذلك تطور لغته. ولكن الإنسان احتاج إلى آلاف السنين حتى توضحت لديه العناصر المكونة للأغنية بالصورة المعروفة اليوم. وقد ارتبطت الموسيقى في الحضارات القديمة بالشعر والأدب والخطابة. كما كانت الفنون تجتمع في عمل فني واحد عند الشعوب البدائية كالرقص والغناء والرسم والنحت، وكانت تؤدى في مناسبة ذات غرض محدد. وقد كُشِفت أغنية نَصْرٍ فرعونية تتألف من عدة جمل بسيطة تتخللها جملة أو شطر يعاد أو يتكرر باستمرار، كبعض الأغاني الإفريقية والعربية الشعبية المعاصرة.
حظي الغناء في المعابد القديمة برعاية الكهنة، الذين كانوا يعدون علماء عصرهم، فطوروه وجعلوه من أسرارهم. وفي المعابد كانت الأناشيد تنشد في مدح الآلهة واستعطافها واسترضائها. كما كانت تقام طقوس الحب المقدس، وتمثل مسرحيات تتحدث عن الخلق والنزول إلى العالم السفلي، وكان الغناء جزءاً رئيساً من هذه الطقوس والمسرحيات، واستمر الغناء الديني بصوره المختلفة حتى العصر الحالي.
وقد نافس البلاط الملكي المعبد في العناية بالموسيقى ولكن في اتجاه مغاير. فنشأت في البلاط أنواع من الأغاني الدنيوية والترفيهية، منها ما كان يؤدى في الولائم والمناسبات ويرافقه للتسلية الرقص، بعد أن كان الرقص طقساً دينياً. وكان الغناء الشعبي وغناء المسيرات يمارس في العصر الآشوري وغيره. وهكذا أخذت الأغنية تواكب جميع مناحي الحياة. وبدأ التخصص بالغناء، وظهر من اشتغل به فزاد من رفعة هذا الفن وتعقيده، وارتقت الأغنية وتنوعت أشكالها البنائية مع مرور الزمن، وصار للأداء أهمية كبيرة من حيث نوعية الصوت البشري ومستوى تدريبه.
مراحل تطور الغناء العربي
مرت الأغنية العربية بمراحل تاريخية كان لكل منها أثره في الأغنية من ناحية الشعر والشكل البنائي واللحن والإيقاع والآلات المرافقة. ومن الممكن الوقوف عند المراحل التالية:
العصر الجاهلي: كان الشعر والغناء فناً واحداً في حضارات الشعوب القديمة، ولم ينفصل الشعر عن الغناء إلا بمرور وقت طويل. وكان أسلوب الغناء في العصر الجاهلي يعتمد على ترداد وزن معين يناسب الشطر من بيت الشعر وقد يعاد حرفياً في الشطر الثاني أو يدخل عليه بعض التغيير. وكان الغناء متفقاً مع وزن الشعر، ويتناسق النغم مع أطوال المقاطع اللفظية. ولم يعرف العرب قبل الإسلام فناً غنائياً يقوم على قواعد موضوعة، وكان الغناء مرتجلاً يتسم بالبساطة. ويقول المؤرخون العرب إن أول الغناء كان «الحُداء» وهو من بحر الرجز الذي يلائم سير الإبل. وكان العامة يسمون الحداء «الركباني» وهو الغناء الشعبي الأكثر شيوعاً. وكان غناء العرب على أنواع إلى جانب الحداء ومنها: النصب، والسِّناد، والنواح أو النوح، وغناء الحرب، وغناء القيان. ويُعدّ غناء القيان أرفع الأنواع فنياً، إذ كانت القيان على ثقافة موسيقية جيدة نسبياً، ولديهن معرفة بأصول الغناء وبالشعر العربي. فكن يغيّرن بعض الألفاظ، أو يُعدن ترتيب الأبيات، ويلفتن نظر الشعراء إلى أخطائهم في شعرهم أحياناً. وكان للغناء أثر في تنسيق قوافي القصائد، فالقافية والقفلة الموسيقية يقنعان المستمع بانتهاء البيت أو اللحن. ولعل في ذلك ما يفسر لماذا يستدعي تغيّر القافية تغيّراً في اللحن.
الأغنية العربية بعد الإسلام: لا يعرف على وجه التحديد متى انفصل الشعر عن الغناء ولكن، بعد الفتوح الإسلامية، ظهر في المدينة ومكة نمط جديد من الغناء أطلق عليه اسم «الغناء المتقن»، ونسب فضل إدخاله إلى طويس وسائب خاثر وعزّة الميلاء. ولربما انفصل الضرب الموسيقي عن وزن الشعر في هذه المرحلة. ويقصد من ذلك أن الضرب الذي توقعه الآلة الموسيقية الإيقاعية، يختلف عن وزن الشعر بما يكتنفه من أزمنة ونبر. وقد تمكّن هذا الأسلوب الجديد في عهد الفارابي [ر]، وغدا مسيطراً في الغناء في حين حافظ العَروض على وزن الشعر والغناء القديمين. وكانت المدينة ومكة قد بلغتا بعد الفتوح الإسلامية من الثراء والاستقرار ما أدى إلى نشاط ملحوظ في حياتهما الموسيقية، وظهرت فيهما حركة تجديد جعلتهما في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني للهجرة من أهم مراكز تدريب المحترفين على أسلوب الغناء المتقن الذي نال استحساناً في قصور بني أمية. وبعد ذلك النجاح الذي حققه مغنو العصر الأموي، ظهرت أنواع جديدة من الإيقاعات هي: الثقيل الأول وخفيفه، والثقيل الثاني وخفيفه، والرَمَل وخفيفه، والهزج. وأطلق العرب اسم «الصوت» على أغانيهم، وهو غناء البيت أو البيتين أو الثلاثة في مقام معيّن وعلى ضرب مفروض. واشتهر كل من طويس بضرب الهزج، وسائب خاثر بضرب الثقيل، وابن محرز بضرب الرَمَل. وتجدر الإشارة إلى أن فن الأداء تطور في العصر الأموي حتى بلغ أوجَه في عصر الوليد ابن يزيد في شخص معبد [ر]، كبير مؤدّي المدينة.
وفي العصر العباسي تطور فن الغناء تطوراً ملحوظاً، وظهر فيه نوع من غناء التناوب. فقد أدى اجتماع عدد من المغنين في بلاط الخليفة إلى نوع من التنافس يحاول فيه كل مغنٍّ أن يبزّ أنداده، وأدى ذلك إلى ارتقاء فن الغناء وتناوب المغنين أمام الخلفاء. وفي هذه الحقبة كان العود الآلة الأساس التي ترافق الغناء فساعد ذلك على تطوره وإتقانه، كما كانت له أهمية في تطوير النظريات الموسيقية. وإلى جانب الغناء المتقن، ظهر نوع آخر من الغناء الشعبي تنامى حتى كثرت أصنافه في العصر العباسي، ومنها الزجل والموال والقوما والكان وكان. وحين كانت بغداد في أوج ازدهارها الحضاري، كانت الأندلس تشهد أيضاً حركة فنية وأدبية غنية. فبعد أن ترك زرياب[ر] البلاط العباسي، الذي كان يعج بالموسيقيين والمغنين الذين اشتهروا في تطوير الغناء العربي ومصطلحاته، من أمثال إبراهيم الموصلي وابنه إسحق [ر]، وإبراهيم بن المهدي [ر]، وابن جامع، ذهب زرياب إلى الأندلس حيث لقي العناية والرعاية من البلاط الأموي هناك، وشجعه ذلك على تأسيس مدرسة موسيقية على غرار التقليد المتبع في المشرق (كمدرسة أستاذه إسحق الموصلي صاحب الدور الكبير في وضع أصول الغناء العربي). ولكنه أضفى عليها طابعه الخاص، ووضع الأسس الأولى لتعليم الغناء في العالم.
مثّل زرياب في الأندلس المدرسة العربية التقليدية الموروثة عن عزة الميلاء، وابن مسجح، وابن محرز وغيرهم. ولكن هذه المدرسة الأندلسية لم تتأثر، بسبب بعدها عن المشرق وهو أصلها، بالتطور الذي حدث في بغداد في القرن الثالث عشر الميلادي على يد صفي الدين عبد المؤمن الأرموي [ر]، وكان تهجيناً للمدرستين القديمة والجديدة، ولكنها امتازت على كل حال بإدخال وُسْطى زلزل [ر. العود] في نظرياتها، والتخلي نهائياً عن تناسق الوزن الشعري والوزن الموسيقي.
ومنذ القرن الخامس عشر الميلادي، ولاسيما بعد استقرار الحكم العثماني، عم الظلام المنطقة العربية، ودخلت الموسيقى زوايا المتصوفة الذين حافظوا على المتوارث منها، ولم يبدعوا جديداً. وبقيت هذه الحال سائدة حتى أواخر القرن التاسع عشر عندما ظهر مع بدء النهضة العربية الحديثة عدد من المغنين العلماء من أمثال الملاّ عثمان الموصلي [ر] (من الموصل)، وأحمد أبي خليل القباني [ر] (من دمشق)، والشيخ علي الدرويش [ر] (من حلب)، وخميس ترنان [ر] (من تونس)، وكامل الخلعي [ر] (من القاهرة) وغيرهم. وقد لوحظ في هذه المرحلة حماسة الموسيقيين لإحياء التراث، فانتشر الموشح المشرقي الذي يختلف عن نظيره الأندلسي بعدد أبياته وأقفاله، وازدهر الدور والقصيدة، وظهرت المسرحيات الغنائية. ودخلت في الغناء العربي المعروف اليوم تأثيرات متنوعة معظمها هندية وفارسية وتركية وغربية حديثة طبعت بطابع العرب وذوقهم ولغتهم.
أنواع الأغاني العربية: تحتل الأغنية الشعبية مكانة مهمة بين الأغاني العربية وهي توصف ببساطة لحنها وشكلها البنائي، وتستقي موضوعاتها من حياة الشعب وتقاليده وتجاربه المختلفة. وتؤدى هذه الأغاني عادة باللهجة العامية، ولا يعرف لا ملحنها ولا مؤلف كلماتها، ويتداولها الناس كما هي، أو يبدلون في كلماتها أو يضيفون إليها أو يعدلون في لحنها بحسب الذوق والبيئة التي توجد فيها. وهي لذلك متنوعة تنوع المناسبات والأمصار، ولكل منطقة لهجة خاصة وموسيقى تناسبها. ويمكن تصنيف الأغاني العربية الشعبية الشائعة في أنواع رئيسة هي الغناء البدوي، والغناء القروي، والغناء المدني والسواحلي.
ويعود الغناء البدوي بأصوله إلى العصر الجاهلي، ومن أنواعه السامر، والحداء، والهجيني، والفاردة، والمعيد، والتراويد، وهي أغان قصيرة الألحان شحيحة بالتزيينات اللحنية، ويعاد لحنها عند كل شطر من الشعر، ويتناوب في أدائها مغنٍ منفرد ومجموعة من المنشدين هم عادة من أبناء العشيرة وبناتها.
أما الأغاني القروية فذات لحن أعقد من البدوية، وفيه بعض التزيينات، وتدفق إيقاعي، وله شكل بنائي يساير الأشعار المغناة ويختلف باختلاف القوافي. وتتنوع موضوعات الأغاني القروية كأغاني الدبكة والرقص والعمل والحصاد والدِّراس والقطاف والرعي والطحن، كما تأخذ أغاني الحب قسطاً وافراً من الأغاني القروية، وتستعمل هذه الأغاني مقامات متنوعة.
وأما أغاني المدينة فأكثر ترفاً من النوعين السابقين، وفيها تفنن وصنعة. ومنها أغاني الأعراس والأفراح، والأحزان والأتراح، والمسيرات (الزفّة). وفي المدن الساحلية تنتشر أغاني البحر وصيد السمك واللؤلؤ وشوق البحارة إلى أهاليهم واستقبالهم عند عودتهم. كذلك تشتمل الأغاني الشعبية على ما يغنيه الأطفال من ابتكارهم وما تغنيه النساء لأطفالهن (أغاني المهد).
وموضوعات الأغاني الشعبية كثيرة جداً وتختلف طبيعتها الفنية من إيقاع ولحن وأداء باختلاف المنطقة التي نشأت فيها، ومناسبتها ووظيفتها الاجتماعية.
أما النوع الثاني من الأغاني فهو الأغنية الراقصة، أي ارتباط الغناء بحركة الجسم، ومع أن العرب مالوا إلى هذا النوع من الغناء إلا أنه لم يكن قط وقفاً عليهم، وقد ارتبطت الموشحات الغنائية برقص السماح التقليدي، وشاعت الأغنية الشعبية الراقصة المسماة بالردحة (في الجزيرة العربية)، والدّحة (في شمالي سورية والعراق)، والدبكة (في قرى بلاد الشام) وكلها أغانٍ تترافق مع الحركة في حلقات تضم الرجال وحدهم أو الرجال والنساء معاً يتماسكون بالأيدي والأذرع، ويضربون الأرض بأرجلهم بخطى إيقاعية راقصة.
كذلك استخدم الملحنون العرب المحدثون، الإيقاعات الراقصة الأجنبية في بعض أغانيهم ومنهم محمد عبد الوهاب [ر] وفريد الأطرش [ر]، وكان أولها التانغو tango ثم الفالس waltz وغيرهما، إلا أنهم لم يوظفوها للرقص وهو ما وضعت له أصلاً، بل جذبتهم جدَّتها وحركاتها الإيقاعية الجَذْلى، فزخرفوا ألحانهم بها. وهكذا أتت أغانيهم ملونة بالطابع الأجنبي.
يعتمد الغناء التقليدي العربي خاصة على لحن واحد أو على عدة ألحان من مقام [ر. الموسيقى العربية] معين، وقد ينتقل إلى مقامات مجاورة (الفروع)، ويرافق اللحن إيقاع يسمى الضرب. وهذا الغناء هو استمرار للغناء المتقن الذي عرفه العرب بعد الإسلام. ومن أنواعه:
الدَّوْر: وفيه يتناوب الغناء مغنٍ منفرد ومجموعة من المرددين. ويبدأ الدور بالمذهب، ثم تأتي الأغصان التي يترنم بها المغني بما يشبه قسم التفاعل في الموسيقى الأجنبية، إذ ينتقل في النغم بين المقامات، ويتصاعد التجاوب بينه وبين المرددين بمرافقة التخت الموسيقي الشرقي [ر. الفرقة الموسيقية]، ويسمى هذا الجزء «الهَنْك»، ثم يعود المغني إلى المذهب، وقد يضفي عليه بعض التعديل منهياً الدور به. أما مبتكر الدور فمجهول، ولكنه تألق وازدهر في مصر في بداية القرن العشرين على يد الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب [ر]. ومن أشهر مَنْ غنّى الأدوار عبده الحمولي[ر]، ومحمد عثمان[ر]، ويوسف المنيلاوي[ر]، وداود حسني[ر]، وسيد درويش[ر] وغيرهم.
والموشح (أو الموشحة): أندلسي النشأة ويتألف من خمسة أسماط وكل سمط يتألف من قفل وبيت. ويكون شكله البنائي: «آ ـ ب، آ ـ جـ، آ ـ د، آ ـ هـ، آ ـ آ». ويختلف هذا الشكل عما يطلق عليه اليوم اسم الموشح المشرقي الذي يتألف من دورين وخانة وغطاء في أغلب الحالات، وقد يكون غير ذلك، وشكله البنائي: «آ ـ آ، ب ـ آ». وقد أحيا هذا التراث الشيخ عمر البطش[ر] في حلب كما أحيا رقص السماح المرافق له. والموشح الأندلسي والمشرقي هو من الشعر الفصيح عدا الخرجة (القفل الأخير) في الموشح الأندلسي. وغالباً ما تؤدي الموشح مجموعة من المنشدين، وقد يشارك في غنائه مغنٍ منفرد. وفي اليمن يتألف الموشح من ثلاثة أقسام: البيت، والتوشيح، والتقفيل. ومن الموشحات ما يخصص للمناسبات الدينية.
أما الموّال: فهو من الأساليب الغنائية الارتجالية. ويعتقد بأنه ظهر في العصر العباسي. والموال على أنواع فمنه الرباعي والخماسي (المصري) والسباعي (البغدادي)، وذلك بحسب عدد أشطره. والموال اليوم يرتجل في بداية أغنية، أو يكون جزءاً من قالب غنائي طويل كالمقام العراقي أو القدّ الحلبي، ويأتي لحنه في مقام مناسب للأغنية. أما شعره فعامي كله وفيه تفنن بالقوافي التي تلتزم كلمات متفقة الألفاظ مختلفة المعاني في أجزاء الموال.
النَّوْبة: وتعود نشأتها إلى عصر الخليفة العباسي المنصور، ونقلها زرياب معه إلى الأندلس وطورها. فالنوبة عنده أشعار ذات قواف متعددة، يتم تلحينها في مقامات مختلفة، وتتألف من أربعة مقاطع: النشيد والبسيط والمحركات والأهزاج. ويذهب ابن غيبي (ق14م) إلى أن النوبة تتألف من القول، والغزل، والترنات، والفروداشت. وتتألف النوبة اليوم في بلاد المغرب العربي من خمسة أقسام، وتبتدئ بمقدمة آلية، وتتدرج فيها الإيقاعات من الثقال إلى الخفاف. ويطلق على النوبة اسم «المألوف» في كل من ليبية وتونس ومنطقة قسنطينة، وتعرف باسم «الصنعة» في الجزائر، و«الغرناطي» في تلمسان، و«الطبع» أو «الآلة المغربية» في المغرب الأقصى.
وأما المقام العراقي: فمنه ما هو ديني ومنه ما هو دنيوي. ويتألف من عدة أجزاء، ويبدأ عادة بالتحرير (البداية أو البدوة)، ثم الأوصال، ثم القرار (وهو الغناء في الطبقات المنخفضة من صوت المغني)، ثم الميّانة (وهو الغناء في الطبقات العليا من صوت المغني). وينتهي المقام بالتسلوم أو التسليم (ويعني النهاية).
ولكن جرت العادة أن تضاف إلى المقام أغنية ذات طابع محرك أطلق عليها اسم «البسْتة» ويسمى المقام باسم مقامه الموسيقي كالحسيني والصبا وغيرهما. وأشعاره فصيحة، إلا في القليل من المقامات إذ تستعمل المواويل العامية (الزهيريات). وقد تستخدم في التحرير كلمات خاصة تختلف باختلاف المنطقة الجغرافية، ومن هذه الكلمات ما هو تركي أو فارسي أو هندي. ومن أشهر مؤدي المقام العراقي رشيد القندرجي ومحمد القبّنجي. ويرافق المقام فرقة موسيقية تسمى «الجالغي».
والقد الحلبي: القدّ عند أرباب الموسيقى ما ينظم كلاماً فصيحاً صحيح الإعراب على وزن بعض أغاني العامة، والقد الحلبي أغان قديمة أو شعبية حذف نصها الأصلي واستبدل به شعر أو زجل عربي على «قدّ» الوزن تماماً أي على قدره، لهذا سمي «قدّاً». وشعر القدّ فصيح عادة، أما أداؤه فمن جزأين: ارتجال وأغنية محركة. والارتجال يكون بعدة أبيات بالفصحى عادة، وقد يترنم المغني في أثنائها ونهايتها بكلمات مثل «ياليل» أو غيرها. ثم تأتي أغنية القد المحركة. وينسب القد الحلبي إلى مدينة حلب لظهوره فيها. واشتهر في أدائه حديثاً صباح فخري.
أما الذكر أو الحضرة الصوفية: فأصله ذكر الله تعالى، وهو يجمع بين قراءة القرآن المجود والمدائح النبوية بأسلوب الأغنية أو الموشح المشرقي، وتتوالى نصوصه بترتيبات مختلفة بحسب الطريقة الصوفية التي تؤديه. وقد تشارك في الذكر بعض الآلات الموسيقية الإيقاعية كالدف والمزهر والطبل، وكذلك الناي عند بعضهم. وقد يأخذ قالب المقام العراقي.
ومن الأغاني العربية الأخرى الأغنية الوطنية، وقد عرفت في الوطن العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر مع تصاعد الأحداث السياسية في البلاد العربية ولاسيما بعد الاحتلال الأجنبي، وتنامت الأغاني الوطنية وعالجت جميع ما من شأنه النهوض بالوطن وتمجيده وتمجيد أبطاله. بدأت الأغنية الوطنية، التي يسمونها «النشيد» باستخدام القوالب الشعبية وتضمينها معاني وطنية، وربما تبنى بعض المنشدين نمط «المونولوغ» monologue (نوع من الغناء المنفرد يؤدى تمثيلاً مع مصاحبة موسيقية) للتعبير عن المشاعر الوطنية. ولبعض الأناشيد إيقاع عسكري، وقالب تتردد فيه اللازمة بعد مقاطع تختلف باللحن والقافية.
أما القصيدة: فهي أبيات شعر منظومة بالفصحى على قافية واحدة ولا تلتزم مقاماً موسيقياً أو إيقاعاً معيناً. ويؤلف البيت الأول منها، أو الأبيات الأولى، ما يسمى «المذهب» وما يليه «المقاطع». وكان يسبق الغناء قديماً مقدمة موسيقية تدعى «الدولاب»، ثم يقوم المطرب بغناء المذهب ارتجالاً في مقام المقدمة من دون قواعد خاصة، ويتخلله عزف منفرد من بعض الآلات كالعود أو القانون يرتجل العازف فيه ألحاناً تساعد المغني بما تجود به قريحته وموهبته الموسيقية. وقد يقوم التخت الشرقي بأداء ألحان من المقدمة أو يعيد الفقرة الأخيرة من غناء المطرب عزفاً، كما تقوم مجموعة المرددين ـ إن وجدت ـ بإعادة غناء بيت معين أو شطر ما من القصيدة. وبعد ولادة الشعر الغنائي الحديث بقوافيه وبحوره المتعددة في القصيدة الواحدة، أضحت القصيدة عملاً مهماً في الغناء التقليدي العربي، فلم يعد يسمح للمطرب بالارتجال إلا في حدود ضيقة، ويتقيد المطرب والعازفون والمرددون بالألحان كما وضعها ملحنها. وهكذا تخلت القصيدة عن قالب الارتجال وانتقلت إلى قالب منظم، وأشهر أعلامها الشيخ أبو العُلا محمد [ر]، ومحمد القصبجي [ر]، ومحمد عبد الوهاب، وزكريا أحمد [ر]، ورياض السنباطي [ر] وغيرهم.
الغناء العربي الحديث: اتخذ هذا الغناء عدة اتجاهات بحسب الدوافع التي وجهته. فمنه ما اتكأ على الأسلوب الشعبي، فأتى مؤدياً أو محاكياً له، ومنه ما اتجه إلى الغناء العربي التقليدي المتوارث ينهل منه وينسج على منواله. وهذان الاتجاهان هما الغالبان على جملة الغناء العربي الحديث. ولقد غنّى عدد كبير من المغنين العرب في ذينك الأسلوبين، ويصعب تعدادهم في هذا المكان. كما أن هناك اتجاهين آخرين ظهر فيهما تأثير المد الثقافي الأجنبي كالغناء الراقص الذي ظهرت بوادره في أغانٍ لمحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش. ونما في لبنان على يد الأخوين رحباني وفيروز. ويحظى هذا النوع بالازدهار اليوم. وأما الاتجاه الآخر فهو ظهور الأوبريت [ر. الأوبرا] والمونولوغ وكلاهما متأثر بالأوبرا الغربية وإن اختلفا في الطابع. وكان لهذا المد الثقافي الأجنبي أثر في دخول آلات موسيقية غربية حديثة، وفي تأليف فرق موسيقية كبيرة لمرافقة الغناء العربي مما لم يكن معهوداً من قبل.
الأغاني الأجنبية
ويقصد بها هنا كل أغاني العالم باستثناء الأغنية العربية. وكما تختلف اللغات واللهجات تختلف الأغاني والأذواق، واختلافها يكمن في تنوع استخدام السلالم [ر. الموسيقى] والإيقاعات والآلات الموسيقية وتمايز طرائق الأداء وأساليب التلحين. وثمة مناطق من العالم ذات تشابه إجمالي كبلاد الصين واليابان وما جاورهما، وكذلك البلاد الإفريقية، التي تستخدم السلم الخماسي pentatonic على نحو خاص، وترافق أغانيها آلات موسيقية محلية، ويحيط غناؤها بمواضيع تناسب تقاليدها وثقافتها وأحوال معيشتها. وفي أوربة يتميز الغناء بتعدد الأصوات polyphony مما أثرى اللحن والإيقاع وهما العنصران الأساسيان في الموسيقى إضافة إلى الانسجام أو التوافق harmony. وكانت الأغاني الأوربية حتى القرن التاسع الميلادي وحيدة الصوت. وبعد اتصال أوربة بالحضارة العربية الإسلامية في صقلية والأندلس، بدأ نهج العرب في الأصوات ينتشر فيها. وقد قلد الأوربيون في البداية الأساليب الأندلسية في أغاني «الشعراء الجوالين» في فرنسة، ومنشدي الحب minnesinger في ألمانية. ومن ثم صرفت الكنيسة اهتمامها إلى الأغنية، فرعتها ووجهتها لخدمة أغراضها، وطورت أسلوب تعدد الأصوات فيها، مما أدى إلى إنتاج تراث ضخم من الإنشاد الديني. وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشر، أخذت الأغاني المتعددة الألحان تكتسب أهمية متزايدة، كما ازدهرت الأغاني التي ترافقها آلة العود. وتوجهت عناية الأسر الإقطاعية للتمتع بالغناء مما أدى إلى انتشار «الغزليات» madrigals و«الرعويات» pastorals والأغاني العاطفية ballads. وقد أخذت الأغاني أسماء مختلفة بحسب موضوعها أو مكان نشوئها كالأناشيد الدينية والترانيم hymns والتراتيل canticles.
ومن أهم أنواع الغناء الأجنبي «الليد» lied الذي وجدت فيه الإبداعية [ر] romanticism مجالاً عاطفياً واسعاً، فقد صب الشعراء الإبداعيون عصارة أفكارهم وعواطفهم في أشعار قصيرة، فتّحت قرائح الموسيقيين في ذلك العصر وأوحت إليهم بألحان واتفاقات صوتية مشبعة بالتعبير والانفعال. وأوْلى شوبرت[ر] F.Schubert هذا النوع من الأغاني التي ترافقها عادة آلة البيانو عناية خاصة. وأنتج في حياته القصيرة ما ينوف على ستمئة ليد، انتظم الكثير منها في مجموعات مثل «الطحّانة الحسناء»، و«رحلة الشتاء» وغيرهما. ولم يكن شوبرت فارس الليد الوحيد، فقد اشتملت أعمال كل من شومان[ر] R.Schumann، وبرامز[ر] J.Brahms وفولف[ر] H.Wolf وغيرهم على أغنيات من هذا النوع، وتعهد موسيقيون آخرون من جنسيات مختلفة «الليد» بالرعاية والعناية، وظهرت محاولات حديثة للخروج بأسلوب الليد من إبداعيته وتناغمه، فظهر نوع من الأغاني أطلق عليه اسم «الغناء الكلامي speechgesang» وفيه يأخذ الغناء صفة الكلام. ومن مؤلفي هذا النوع: متنر N.Medtner، وشونبرغ A.Schoemberg، وبلاخر B.Blacher. ومن أنواع الغناء الأجنبي الأخرى الأوبرا opera والأغنية الراقصة التي تطورت في أوربة بعد الحروب الصليبية. وكان الرقص بما يرافقه من موسيقى وغناء جزءاً من الحياة اليومية عند بعض الشعوب، وخاصة في إفريقية. كذلك امتاز زنوج أمريكة بأغانيهم الشعبية الخاصة من دينية وروحية وأغاني العمل منذ بداية القرن العشرين. ومن ثم تطور لديهم نوع من الغناء يصور همومهم ومشكلاتهم في حياتهم اليومية، بأسلوب هادئ وحزين وساخر في آن واحد، أطلق عليه اسم «البلوز» blues، وبعد ذلك ظهرت أنواع الجاز jazz والراغتايم ragtime والبوغي boogie وغيرها. وفي منتصف القرن العشرين، ظهرت أغاني الروك rock and roll، وقد شاعت هذه الأغاني وغيرها من الأنواع الحديثة حتى عمت بلاد العالم، وهي تتميز من غيرها بإيقاعاتها القوية وألحانها البسيطة واتفاقاتها القليلة، وكثر عدد المشتغلين بها من شباب العصر حتى غزت البلاد العربية وبلاد المشرق قاطبة. وساعدت التقنيات الحديثة في طرائق التسجيل والأجهزة الإلكترونية المبتكرة والتأثيرات الصوتية هذا النمط من الغناء والموسيقى على التطور والانتشار في سائر أنحاء العالم.
عبد الحميد حمام