عن الحجاب
محاولة للفهم ، وليست دعوة لخلعه
ولكنها دعوة لإعمال العقل
—————————————————
من كتاب الاعمال الكاملة للامام محمد عبده ، الجزء الثانى ، فى الكتابات الاجتماعية ، تحقيق وتقديم د. محمد عمارة ، دار الشروق
ص ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١١١
——————————
يقول الإمام : بالنص :
" لو أن فى الشريعة الاسلامية نصوصا تقضى بالحجاب ، على ماهو معروف الآن ، عند بعض المسلمين لوجب علىّ اجتناب البحث فيه ، ولما كتبت حرفا يخالف تلك النصوص ، لأن الأوامر الإلهية يجب الإذعان لها بدون بحث ولا مناقشة "
"ولكننا لا نجد نصاً فى الشريعة يوجب الحجاب ، على هذه الطريقة المعهودة ، وإنما هى عادة عرضت عليهم ، من مخالطة بعض الأمم ، وألبسوها لباس الدين ، كسائر العادات الضارة ، التى تمكنت فى الناس باسم الدين ، والدين براء منها ، ولذلك لانرى مانعا فى البحث فيها ، بل نرى من الواجب ان نلم بها ، ونبين حكم الشريعة في شأنها ، وحاجة الناس إلى تغييرها "
هذا ما انتهى إليه الامام المجدد الشيخ محمد عبده ( توفى فى ١٩٠٥ ) قبل أكثر من مائة عام
ولكن الازهر ورجاله مصرون على أن الحجاب فريضة كالصلاة والصوم وبنص القرآن ، رغم أنهم لايزالون عاجزين عن أن يفحمونا بنص قرآنى قاطع صريح لايقبل تأويلاً يقضى بتغطية شعر الرأس للمرأة ، كما يزعمون فى فتاواهم التى بلغت عنان السماء ، مثلما قضى النص القرآنى الحكيم بتغطية الجيوب صراحة لاتقبل تأويلاً ( وليضربن بخمُرِهن على جيوبهن ) ، ولايزالون ، كذلك يحتجون بالإجماع الذي يقصر الزينة الظاهرة على الوجه والكفين ، وهم أول من يعلم أن الإجماع ماهو الا اجتهاد بشرى لايُشَرّع فريضة ولكنه يكون خلافيا ، ولايكون ملزماً أبدا ، ويزداد هشاشة بمرور الوقت واختلاف السياقات ، حتى أن الإمام أحمد قال من ادعى الاجماع فهو كاذب ( من كتاب الاسلام عقيدة وشريعة للشيخ محمود شلتوت )
ولما فشلوا وانكشفوا سلطوا علينا فقهاء الفضائيات ، يمطروننا بحجج داحضة ، وبأدلة واهية ، يطيب لى أن أعرض بعضاً منها ، على سبيل التسرية ، وذلك فى معرض بحثى عن كشف المستور حول التضليل والتدليس فى القول بفرضية غطاء الرأس للمرأة :
بالأمس شاهدت فيديو لأحد مشاهير رجال الدعوة ، وهو يحاول جاهدا ، فى تكلف ، إثبات فرضية الحجاب وذلك بتفسير لآية الخمار ، فيقول
" صحيح إن الله تعالى أمر بضرب الخُمُر على الجيوب ، ولم يأمر بضربها على الرؤوس ، لأن الله كان يعلم أن المؤمنات يغطين رؤوسهن بهذه الخُمُر ، ويتركن جيوبهن مكشوفة ، فجاءت الآية لتأمر بتغطية المكشوف فقط لأن الشعر لم يكن مكشوفا ، فكيف تأمر الآيات بتغطية ماهو مغطى بالفعل ، ومن هنا فإن غطاء الرأس يكون فريضة "
انتهى كلام الشيخ
والحقيقة ان هذا استدلال فاسد ، لأن غطاء الرأس طبقا لهذا التفسير يبقي اختياريا ،. طالما لم يرد فيه نص ملزم ، ويصب ذلك فى جانب رأى المنكرين لفرضية الحجاب ، أو حتى القائلين بأنه قضية خلافية
ولهذا الشيخ أقول أن هناك قاعدة فقهية تقول أن الإقرار بالعادة لايرتب تشريعاً ، لأن التشريع لابد أن يكون بنص محكم قاطع ( افعل ، ولاتفعل ، مثل اقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ) ، على سبيل المثال
وسمعت شيخا آخر يحاول مستميتا أن يدلل على فرضية غطاء الرأس بأنه زى الراهبات فى الكنائس ، ولست أدرى ماوجه الشبه ، فكان استدلالاً مثيرا للأسي ، وثالث يدافع عن مشاهير شيوخ الازهر السابقين وقراء القرآن الكريم وهو يظهرون فى صور مع زوجاتهم وبناتهم قبل السبعينات ، ومنهن من كانت عروسا فى ثياب الزفاف وكلهن لم تكن واحدة منهن تضع غطاء على رأسها ، فشرع يقول إن ذلك لاينفى فرضية الحجاب وانما ذلك يثبت سماحة الدين الذي يقضى بألا نُكرِه أحدا على ارتداء الحجاب ، ولكنه لم يفسر لنا لمَ كان الكل لايرتدين الحجاب ، هل كانت هى مصادفة ، أم أنه نوع من قبيل اتخاذ موقف متعمد من الشريعة ، وبالطبع لايمكن أن يكون الامر كذلك وكلهن من بيوت علم وفقه وينتمون إلى شيوخ وفقهاء أفاضل شهد لهم الناس كلهم بالعلم والفقه ومنهم كانوا نجوما للفتوى والدعوة
ولما أعيتهم الحيل وعرفوا ان أمرهم قد بات مكشوفاً شرع واحد منهم فى محاولة أخيرة للنجاة بأن قال وماذا عليكم لو آمنتم بفرضية الحجاب تحسباً لأن يكون فرضاً ، خوفا من الحساب يوم القيامة ، وإن لم يكن فرضا فلن تخسروا شيئا ، ( يعنى من باب الاحتياط ) هكذا فى استهانة بالغة بالعقل ،
أما دفاع الشيخ محمد حسان ، فيستحق منا وقفة تأمل ، وهو الداعية الذي طبقت شهرته الآفاق ، وصار نجما بازغا فى سماء الدعوة ، واذا تحدث استمع اليه الملايين دون نقض ولا إبرام ، فماذا قال الرجل :
بعدما بسمل وحوقل وتهدج صوته حتى اوشك على البكاء وهو ينعى على الأمة هذه الفتنة التى اثارها الكارهون للاسلام ، وقد اسماها فتنة الحجاب ، ثم بدأ فى التدليل على أن الحجاب معلوم من الدين بالضرورة ، لأن الاجماع انعقد عليه ، وصار من ثوابت الدين ، ولايحق لأحد قط أن يجادل فيه ، كما أن المنكرين له كذلك ، ينكرون النصوص القرآنية ، التى ورد فيها الحجاب وهى فى سبعة مواضع مختلفة ، وراح يضرب الامثلة بتلاوة بعضاً منها ، ومنها كما يلى ( وماكان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ) الشورى٥١ ، او ( وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجاب ) فصلت ٥ ، أو ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) الأحزاب ٥٣ ، وهكذا ، وهو يعلم يقينا أن الحجاب المذكور لفظا فى القرآن ليس هو مما نتحدث عنه من غطاء الرأس للمرأة ولكنه يأتى دوما بمعنى الحاجز أو الستر ، ولكنه الخلط المتعمد من أجل التشويش على العامة الذين لايتصورون إلا صحة مايسمعون ، ولم ينس بالطبع أن يذكر آية الخمار الشهيرة من سورة النور ( الاية ٣١) ، ليؤكد على أن الخمار هو غطاء الرأس ، وهذا ايضا ليس صحيحا فالخمار لغة هو الغطاء عموما ، وهو أول من يعلم ذلك ، مثل الامام محمد عبده ، ولكنه يتجاهل ذلك ، ومنها الخمر التى تستر العقل وتعطل عمله ، على سبيل المثال ، ثم راح بعد ذلك يحكى مرويات وعنعنات يجهد نفسه فى عرضها ، ولاندرى حتى مدى مصداقيتها كى يوهم المستمعين أن غطاء الرأس للمرآة فريضة ومن تتركه فقد ارتكبت ( حراماً ) وعليها أن تتوب وتنوب وتعود الى الله تعالى لعله يغفر لها
ولكنه ، لم يشف غليلي بنص القرآن الذي يفرض غطاء الرأس للمرأة
الواقع ان السلطة الدينية فى مأزق حتى وإن لم تعترف به ، ولعل الحدة البادية فى بياناتها ، والتجاوز فى حق المخالفين ، والانفعال الظاهر فى ردود المشايخ ، واجتناب الدخول فى حوارات بالحجة ، والهجوم الشرس والممنهج على الدكتور الازهرى المستنير الوحيد المغرد خارج سرب الكهنوت ، ودون جدال بالتى هى أحسن ، وارهاب المخالفين برميهم بتهمة الكفر وانكار ماهو معلوم من الدين بالضرورة ، وبالخروج على إجماع لبشر خلعوا عليه القداسة حتى آخر الزمان ، كل ذلك يؤكد على انكشاف المستور بسبب تسونامى المعلومات ، وعلى توالى سقوط الأصنام التى تحتمى وراءها السلطة الدينية
المواجهة شرسة ، ولا نتوقع استسلاما وشيكا ، فى معركة الحجاب
الحجاب ليس فريضة ، ويبقي قضية خلافية
مدحت. زايد