ا ايمان احمد ونوس
على هامش الحلقة النقاشية "ما هي السعادة؟
مداخلتي على الحلقة النقاشية لشهر يوليو/ تموز 2023
بدايةً لا بدّ من الاعتراف بأهمية ونوعية الموضوع المطروح للنقاش، باعتباره إلى حدٍّ ما لا يدخل في إطار النقاشات الفكرية العميقة التي اعتدنا على تناولها، رغم أنه موضوع يخضع للتحليل المنطقي او العقلاني وحتى العاطفي خلال تناولنا له.. فكل الشكر لك د. ملاك على هذا الاختيار الأنيق والجميل والرقيق. وأُضيف نقطة أخرى وهي قولك: "الثقافة هي كل ما يبقى فينا بعد أن ننسى كل ما قرأناه." وهذا يؤكّد أثر الثقافة في تشكيل الوعي الفردي والجمعي لاسيما حين تُصبح ملحقاتها أو آلياتها منظومة تفكير وذهنية مجتمعية مؤثّرة، وخلاصة القول أن تصرفاتنا ووعينا يرتكز حقيقة إلى ما خلّفته فينا الثقافة التي امتلكناها.
وبالعودة إلى موضوع الحلقة النقاشية، فإني أرى أن السعادة وفق المفهوم الفلسفي لها نسبية تختلف من شخص لآخر، ومن شعب لآخر، ويمكننا القول أنها تختلف أيضاً من زمنٍ لآخر، بمعنى ما قد يمثّل سعادة لنا اليوم، يُصبح غير هذا في الغد..
والسعادة في عمق معناها، شعورٌ داخلي تعبقُ به النفس فيمنحنا الراحة والفرح والاستقرار والإصرار على مواصلة الحياة مهما بلغت قسوتها أو صعوبتها، فحين نزيل بعض عراقيل الحياة أو شظفها تغمرنا سكينة وسعادة تدفعنا للمزيد من التقدّم في طرقات الحياة رغم وعورتها وتعرّجاتها.
ولا غرابة أن يتمّ اعتبار يوم العشرين من آذار من كل عام يوماً للسعادة، فمع تباشير الربيع الأولى تبدو الطبيعة باخضرارها وتفتّح أكمام الزهور فيها أنشودة فرح تنساب موسيقاها عميقاً في النفوس فتهبها الأمل مُجدّداً بدورة جديدة للأرض والإنسان والحياة برمّتها. لذا نجد أن مختلف الشعوب تُعبّر عن سعادتها تلك بأعياد واحتفاليات تُنظمها سنوياً.
ومن منظوريَّ الشخصي، أرى أن سعادتي تكمن في رؤية برعم زهرة يتمايل مع نسمات رقيقة، أو طفل يلهو بكل براءته ونقائه غير عابئٍ بما حوله. وربما في قراءة كتاب لا يُمَكّنُني من تركه حتى لثوانٍ معدودات لما يحمله من قيمة وغنى بحيث يأسرني بين طيّاته. وغالباً ما كان يغمرني شعور بالسعادة حين كنتُ أقوم بعملي الوظيفي على أكمل وجه دون حساب أو اعتبار لأيِّ واسطة أو محسوبيات، في تصدي شبه كامل لكل ما أرفضه، وما يمنعني من مساعدة الناس على تلبية حاجاتهم بلا أدنى أدنى مقابل. وعليه، فإنّ كلُّ واحد فينا يرى سعادته من منظوره الشخصي النابع من اهتماماته أو ميوله بشكل عام. وهنا لا أعتقد أن هذه السعادة لا تخضع لا لقرار داخلي، ولا هي بالحظ أو القدر الذي يُصادفنا، بل هي شعور عفوي آني لا يمكن إدراجه في حساباتنا اليومية أو الشخصية.
أمّا بالنسبة للسعادة مع الآخر/ الشريك، أرى أن الشعور بالارتياح له خلال العلاقة الغريزية أو العاطفية، فربما نلتقط بعض لحظات السعادة الناتجة عن تلبية هذه الحاجة الفطرية- الغريزية، أو لأن العواطف الجميلة بلغت ذروتها في تلك اللحظة التي نُحسُّ فيها أننا أسعد من في الكون.. لا شكّ أن الآخر يمنحنا بعض الدفء والأمان والسكينة، وهذه بحدِّ ذاتها سعادة ليست بالقليلة، لكن ليس بالضرورة أن يمنحنا السعادة الكلية من حيث هو الأساس على الرغم من أهمية وجوده الروحي في حياتنا.
والسعادة عزيزتي، لا تخضع أبداً برأيي الشخصي لمدى الوعي والثقافة، وإلاّ لكان غالبية العامة تُعساء غير سعيدين، بعكس ما هو معروف عنهم أنه يعيشون سعادتهم من خلال ما يعملونه أو يتلقونه من الآخر رغم ما يُعانونه أحياناً كثيرة من فقر مادي ربما يُعيقهم عن تحقيق الكثير من الأمور التي قد تجلب السعادة، فالمال لا أعتقد أنه أحد ركائز أو أسباب السعادة. وأجد أحياناً أن هؤلاء البسطاء قد يكونوا أكثر سعادة واطمئناناً من أولئك المثقفون أو العارفون الذين غالباً ما يشقون(يشعرون بالشقاء) بسبب تلك المعرفة أو الثقافة أو الإدراك العميق لماهية الحياة وأبعادها.
وبخصوص ما يمكن ان نقدمه لأبنائنا(من الجنسين) من نصائح حتى يكونوا سعداء، أرى أن كلاً منهم قد يجد سعادته فيما يعيشه بحياته، سواء بالدراسة أو العمل أو الحب أو الانجاب.. فهم الأقدر على خلق سعادتهم وعيشها بطريقتهم ووفق منظومة تفكيرهم ورؤيتهم للحياة وأمورها المختلفة.
آمل لك ولجميع الأصدقاء هنا في التجمّع كل السعادة والفرح.
على هامش الحلقة النقاشية "ما هي السعادة؟
مداخلتي على الحلقة النقاشية لشهر يوليو/ تموز 2023
بدايةً لا بدّ من الاعتراف بأهمية ونوعية الموضوع المطروح للنقاش، باعتباره إلى حدٍّ ما لا يدخل في إطار النقاشات الفكرية العميقة التي اعتدنا على تناولها، رغم أنه موضوع يخضع للتحليل المنطقي او العقلاني وحتى العاطفي خلال تناولنا له.. فكل الشكر لك د. ملاك على هذا الاختيار الأنيق والجميل والرقيق. وأُضيف نقطة أخرى وهي قولك: "الثقافة هي كل ما يبقى فينا بعد أن ننسى كل ما قرأناه." وهذا يؤكّد أثر الثقافة في تشكيل الوعي الفردي والجمعي لاسيما حين تُصبح ملحقاتها أو آلياتها منظومة تفكير وذهنية مجتمعية مؤثّرة، وخلاصة القول أن تصرفاتنا ووعينا يرتكز حقيقة إلى ما خلّفته فينا الثقافة التي امتلكناها.
وبالعودة إلى موضوع الحلقة النقاشية، فإني أرى أن السعادة وفق المفهوم الفلسفي لها نسبية تختلف من شخص لآخر، ومن شعب لآخر، ويمكننا القول أنها تختلف أيضاً من زمنٍ لآخر، بمعنى ما قد يمثّل سعادة لنا اليوم، يُصبح غير هذا في الغد..
والسعادة في عمق معناها، شعورٌ داخلي تعبقُ به النفس فيمنحنا الراحة والفرح والاستقرار والإصرار على مواصلة الحياة مهما بلغت قسوتها أو صعوبتها، فحين نزيل بعض عراقيل الحياة أو شظفها تغمرنا سكينة وسعادة تدفعنا للمزيد من التقدّم في طرقات الحياة رغم وعورتها وتعرّجاتها.
ولا غرابة أن يتمّ اعتبار يوم العشرين من آذار من كل عام يوماً للسعادة، فمع تباشير الربيع الأولى تبدو الطبيعة باخضرارها وتفتّح أكمام الزهور فيها أنشودة فرح تنساب موسيقاها عميقاً في النفوس فتهبها الأمل مُجدّداً بدورة جديدة للأرض والإنسان والحياة برمّتها. لذا نجد أن مختلف الشعوب تُعبّر عن سعادتها تلك بأعياد واحتفاليات تُنظمها سنوياً.
ومن منظوريَّ الشخصي، أرى أن سعادتي تكمن في رؤية برعم زهرة يتمايل مع نسمات رقيقة، أو طفل يلهو بكل براءته ونقائه غير عابئٍ بما حوله. وربما في قراءة كتاب لا يُمَكّنُني من تركه حتى لثوانٍ معدودات لما يحمله من قيمة وغنى بحيث يأسرني بين طيّاته. وغالباً ما كان يغمرني شعور بالسعادة حين كنتُ أقوم بعملي الوظيفي على أكمل وجه دون حساب أو اعتبار لأيِّ واسطة أو محسوبيات، في تصدي شبه كامل لكل ما أرفضه، وما يمنعني من مساعدة الناس على تلبية حاجاتهم بلا أدنى أدنى مقابل. وعليه، فإنّ كلُّ واحد فينا يرى سعادته من منظوره الشخصي النابع من اهتماماته أو ميوله بشكل عام. وهنا لا أعتقد أن هذه السعادة لا تخضع لا لقرار داخلي، ولا هي بالحظ أو القدر الذي يُصادفنا، بل هي شعور عفوي آني لا يمكن إدراجه في حساباتنا اليومية أو الشخصية.
أمّا بالنسبة للسعادة مع الآخر/ الشريك، أرى أن الشعور بالارتياح له خلال العلاقة الغريزية أو العاطفية، فربما نلتقط بعض لحظات السعادة الناتجة عن تلبية هذه الحاجة الفطرية- الغريزية، أو لأن العواطف الجميلة بلغت ذروتها في تلك اللحظة التي نُحسُّ فيها أننا أسعد من في الكون.. لا شكّ أن الآخر يمنحنا بعض الدفء والأمان والسكينة، وهذه بحدِّ ذاتها سعادة ليست بالقليلة، لكن ليس بالضرورة أن يمنحنا السعادة الكلية من حيث هو الأساس على الرغم من أهمية وجوده الروحي في حياتنا.
والسعادة عزيزتي، لا تخضع أبداً برأيي الشخصي لمدى الوعي والثقافة، وإلاّ لكان غالبية العامة تُعساء غير سعيدين، بعكس ما هو معروف عنهم أنه يعيشون سعادتهم من خلال ما يعملونه أو يتلقونه من الآخر رغم ما يُعانونه أحياناً كثيرة من فقر مادي ربما يُعيقهم عن تحقيق الكثير من الأمور التي قد تجلب السعادة، فالمال لا أعتقد أنه أحد ركائز أو أسباب السعادة. وأجد أحياناً أن هؤلاء البسطاء قد يكونوا أكثر سعادة واطمئناناً من أولئك المثقفون أو العارفون الذين غالباً ما يشقون(يشعرون بالشقاء) بسبب تلك المعرفة أو الثقافة أو الإدراك العميق لماهية الحياة وأبعادها.
وبخصوص ما يمكن ان نقدمه لأبنائنا(من الجنسين) من نصائح حتى يكونوا سعداء، أرى أن كلاً منهم قد يجد سعادته فيما يعيشه بحياته، سواء بالدراسة أو العمل أو الحب أو الانجاب.. فهم الأقدر على خلق سعادتهم وعيشها بطريقتهم ووفق منظومة تفكيرهم ورؤيتهم للحياة وأمورها المختلفة.
آمل لك ولجميع الأصدقاء هنا في التجمّع كل السعادة والفرح.