بازلت "عنز".. حكاية ملكة الشمس والحارس الأمين
- طلال الكفيري
- 14 تمّوز 2023
السويداء
لا تزال المخطوطات البازليتية التي أرخها الأقدمون على صفحات حجارة قرية عنز الصخرية، تحكي للأجيال اللاحقة قصة حضارة
ولدت منذ آلاف السنين، لتبقى أرشيف مقروء لكل من جاء المنطقة باحثاً ومؤرخاً.
ملكة الشمس
يقول رئيس دائرة آثار السويداء خلدون الشمعة لمدونة وطن eSYria: رغم أن شهادة ميلادها المدونة على جدران بركتها الأثرية، والتي حملت إمضاء من أتى قرية عنز مستوطناً،. قد مضى عليها أكثر من ألفي عام، إلا أن "ملكة الشمس" ما زالت روحها تنبض بالحياة لتقص وعبر أبجدية أشعتها، حكايا أبناء المنطقة بحلوها ومرها، فسجلها الميلادي المحفوظ داخل تلك البركة أو ما تسمى" المطخ" حيث كانت أقنيتها التي تحمل الماء من وادي العاقب بمنزلة الشرايين المغذية لروح تلك الملكة ومن هذه البركة استمدت قرية عنز اسمها المتدوال حاليا، كيف لا وحسب الترجمة النصية للنقوش المكتوبة على جدران هذه البركة أنه كان يطلق عليها اسم العنزواي.
معبد القرية
ويضيف الشمعة: لم تكن "ملكة الشمس" المعلم الوحيد الناطق أثرياً والمنطوق به تاريخياً على أرض قرية عنز، ولاسيما بعد أن نفضت البعثات الأثرية التي أتتها عن الكثير من الآوابد التي ما زالت طقوس ساكينها مكتوبة على حجارة معالمها ليقرأها ويفك طلاسمها كل من جاء القرية باحثاً وسائحاً، ومن أهم تلك المعالم الكتابة الجنائزية، التي لم تنل من مدادها عاتيات الزمن، حيث خْطت حروفها حفراً وليس نفراً من نحاتي ذلك الزمان على صفحة حجر بازليتي ما زال محتفظا به في جدران إحدى منازل القرية الأثرية، وبعد الترجمة النصية لهذه الكتابات المنقوشة عام 362 ميلادي بينت أنه في ذلك العصر تم إعادة بناء المعبد في دير المشقوق، ذلك في عهد جوليان المرتد الذي سمح للوثنيبن بإعادة ما تهدم من معابدهم.
ويتابع الشمعة قائلاً: وبالرغم من السنين الألفية على بناء ذلك المعبد إلا أن رائحة بخور من أتى المعبد متعبدا ما زالت تْنثر في كل أرجاء المكان، وليتحول المعبد ومع مرور الزمان إلى كنيسة، يبدو أن صدى أجراسها ما زالت تسمع في كل زاوية من زواياها، فسقفها ما زال محمولاً على أكتاف قناطر ثلاث، لم تتعبها السنين، لتأتي معانقة لمحرابها المقابل لها شرقا، والمحتضنة داخلها لقدس الأقداس"
كنيسة كنزالحارس الأمين
الباحث خلدون الشمعة
وتحدثت الباحثة الأثرية لينا الصفدي قائلة: وإلى الشمال من كنيسة عنز، يلقي الجامع العمري عليها تحية السلام ليبقى صدى ترانيم الكنيسة وآذان الجامع حاضراً في كل العصور المْتعاقية على هذه المنطقة، والزائر لهذا الجامع قاصداً فك شيفرته التاريخية، سيلحظ أنه ما زال محتفظا بمحرابه المؤلف من عدة أحجار منحوتة تفننت في إبداعها أياد ماهرة متمرسة في فن العمارة فسطح الجامع ما زال شامخا كأنه حارس الحضارة وأرشيفها المملوء بأسرار الأقدمين، فهو ما زالت تحمله قناطر ستة، أشادها معموريو ذلك الزمان من أعمدة حجرية منحوتة يغلب عليها لغة نحتية، ومن المرجح أنها كانت لإحدى المباني الرومانية في القرية، والمتمعن أكثر فأكثر في قراءة تاريخ القرية ميدانياً، لعله سيعثر على قنطرتين حجرتين، ما زالتا تؤرخان للحقب التاريخية التي تعاقبت على المنطقة، والقارئ لتاريخها سيرى أن تلك الأوابد ما زالت تحتفظ ببقايا محملين خشبيين من الواضح أنهما كانا يستخدمان في نقل الميت إلى موقف العزاء.
وتابعت الصفدي حديثها بالقول" لعل ما تحتفظ به القرية داخل أسوارها من آوابد أثرية، أعطاها أهمية تاريخية، من جراء تنوع تلك المعالم التي تعود لحقب متعددة، فسجلات أوابدها ما زالت ولادة، فمن يستدر جنوباً باحثاً عن المزيد، فلن يخرج قبل ان تكتحل عينيه بجمالية دارتها الرومانية أو نبطية ، التي هجرها قاطنيها منذ زمن بعيد، إلا أن رائحة عاداتهم وتقاليدهم، وبخور طقوسهم ما زال يعبق في كل الأرجاء، ومعمارياً لا تزال قناطرها وأبوابها الحجرية "الحلس" وأدراجها الواصلة للطوابق العليا تقبع وحيدة، لتعيش مع ذكرى من كان لها ساكناً.
وتضيف: اللافت هو سورها الذي ما زال بمنزلة حارسها الأمين، والناطق الرسمي باسمها، وأهم ما يميزه ارتفاعه الذي يزيد على خمسة أمتار، إذ يعود تاريخ إشادته إلى الفترة النبطية، وإلى الجنوب يغفو مدخلها الرئيسي مرحباً بكل من أتى القرية زائراً، وإلى الغرب من سورها زرعت عين الماء قبلتها على جبين القرية الجتوبية، وحالته الإنشائية جيدة، حيث يقبع إلى الغرب منها جرن ماء صغير ، كان مخصصاً لسقاية الماشية.