الأول والفاصل في العلاقة (۱) ، وفي رأينا أن العنصر المتكافيء والمتشابه ، والعنصر غير المتكافيء والمغاير موجودان في أية علاقة وبدرجات مختلفة ، والمهم ليس هذا العنصر أو ذال وإنما هو المركب الثالث الذي هو مركز التقاء لأقطاب الخبرة الكلية المستمدة من مختلف المستويات ، والصورة التعبيرية - لا المحاكية - التي تحمل دائماً تشابهاً مصحوباً بالإختلاف ، وتباعداً مصحوباً بالمشابهة (۱۸) ، وهو ثالثة الرؤية الجديدة التي تنصهر فيها وتتحد في اللحظة نفسها وفي لقاء ممتع الأشياء المتفاوتة والأشياء المتداخلة (۱۹) .
في كل علاقة إستعارية توجد أوجه من الإختلاف وأوجه من الشبه ، وكلا النمطين من الأوجه لا يرتبط بصاحبه إلا حين يجمعهما في أعماق الفنان وفي أعماق المتلقي إدراك داخلي بتجاوبهما . وبالنسبة للفنان نرى عند الخلق - يعي الوعي كله أين تبدأ المتشابهات وأين تنتهي المتغايرات لأنه يملك ذهناً حساساً لأدق أوجه العلاقة وأغربها ، وإذا جاز أن نستعمل إصطلاحات نفسية قلنا إنه ذهن يتصف بالقدرة على إقامة العلاقات الوثيقة والصلات الشديدة والربط بين المركبات في أقطار العالم الحي والميت (۲) ، والسعي وراء إلتقاط هذا الجوهر الطيار ( العلاقة ) الأرض ومما بينهما ، وهو في سبيل ذلك مهتم بأوجه التشابه مبلغ إهتمامه بأوجه التغاير ، والمركبات التي ينشئها لا تكمن طاقتها ، ولا تتميز عظمتها في ( الجامع في كل ) بل في الصورة المخلوقة الجديدة ، رؤية الفنان ، القلب النابض بحياة الشعر (٢٠) .
ثانياً - مشكلة الرؤية الثنائية :
توصف النظرة البلاغية للأشكال الفنية بالثنائية لأنها ترجع العلاقة إلى مركبيها ، فتقابل أحدهما بالآخر ، أو تجعله يقوم بدوره أمامه ينطبق هذا على الدراسات التقليدية كما ينطبق على العديد من الدراسات المعاصرة ، والأولى يمكن أن تصنف رؤيتها للعلاقة بين مركبي الإستعارة إلى قسمين : قسم يقوم على مقولة ( الجنس - النوع ) والعكس ، وقسم يقوم على مقولة ( الحياة - الجماد ) والعكس ، وفي نطاق كل مقولة نجد أربع علاقات قامت تحت تأثير أرسطو الشهير (۲۱) مربع الدراسات الثانية فنستطيع أن نذكر عدة أمثلة لها : فباخورست تصنف العلاقة تبعاً لمصطلحي ( المجاز ( Metaphor و ( الحقيقة ) Proper Term إلى أربعة أصناف كذلك (۱) :
١- كلاهما من نطاق معنى مشترك .
۲ - كلاهما مجال معنى مختلف .
۳ - المجرد وقد من اكتسى حقائق حسية .
٤- الأشياء المحسوسة وقد عبرت عنها المجردات. ويرفض ( امبسون ) الإستعارة المنصهرة بحجج يعرض لها (٢) ، في حين يتكيء و استيرن ) (۳) على ما أسماه بالإستعارة الحقيقية التي تقوم على إحساس مصحوب بالتوتر النفسي ، وتعتمد على السياق ، ويقصد إليها قصداً ، ويبين شروطها فهي : . . . . لا تتضمن توحيداً جوهرياً بين شيئين وإنما تتوسل بشيء يأتي به الشاعر من نطاق خبرة تختلف عن رفيقه في التركيب الجديد وعلى الرغم من أن ريتشاردز يذهب إلى أن الصورة الأخيرة للاستعارة تتضمن دلالة تختلف عن دلالة كل من طرفيها إلا أنه يرى فيها مجرد صلة وليست ولادة ، ويقسمها إلى مركبين : الأول هو الفكرة أو المحمول Tenor أي مضمون الإستعارة ، والثاني هو الصورة أو الوسيلة Vehicle أي القرينة التي تقابل بها ، وبتعبير آخر العربة وما تحمل ، ونسبة بعضهما إلى الآخر كهذه النسبة (١) ، يقول في التأويل في التعليم (٢) . ربما كان تذوق استعارة الصهر والإيحاء بأنها أفضل من سواها مرتبطاً بما يوحي به اصطلاح « خلاقة » ، فالمحمول والوسيلة يشبهان رجلين يتعاونان في عملهما ، ولن يزيدنا فهماً لهما أن نفترض أنها قد صهرتا على نحو ما في شخص رجل ثالث يختلف عن كليهما ، زد على ذلك أنا لانستطيع أن نحقق صهراً يتحقق معه في الوقت نفسه إبراز المركبين معاً ، وعلى درجة متساوية من الوضوح، هذا إذا فسرنا الصهر تفسيراً حرفياً ." (22)....
هذه النظرة الثنائية الإنفصالية التي تشطر الإستعارة إلى مركبيها نظرة ضيقة ومحطمة للشكل البلاغي ولوحدته ، لأن الذهن في حالتي إبداعه وإدراكه لا يرى المركبين وهما يعملان بمعزل بعضهما عن الآخر في حالة إنفصال وتعارض ، وإنما يراهما في حالة عضوية متصلة ، وفي وضع متوافق يعمل أحدهما في الآخر ، وإن أية استعارة صاهرة أو غير صاهرة لهي تركيب حدسي لعلاقات تدمج في مدى المنظور ، ومركبات لتحم كل مركب منها بصاحبه في شكل متداخل ، ولو افترضنا أن المركب الأول هو ( ب ) والثاني هو ( ج ) فان المركب الثالث أو الرؤية النهائية ليست هي ( ب - ج ) أو ( ب ج ) وإنما هي ( بج ) الولادة الجديدة التي يخلقها الفنان ، وفي هذه الولادة يقترن زوجان غير متجانسين أو متجانسين لا يهم ليصبحا لا مجرد شريكين يضطجعان جنباً إلى جنب في غاية البلوط بل عضوين يرتبطان برباط وثيق ، أو نقول توحدان في نطاق المركب الثالث الجديد الذي ليس هو أحدهما ولا كليهما ولا حاصل مجموعهما .
ولنسق لبيان مانريد المثال الآتي : هي نور حياتي ( تشبيه بليغ ) فهاهنا لدينا حدان الأول هي والثاني حياتي ، بيد أن هذين الحدين لا يهماننا في إنفصالهما في شيء ، بل أكثر من ذلك إنهما يعنيان في وضعهما الثنائي هذا شيئاً يختلف عن وضعهما في نطاق الرؤية الجديدة ، وعندما يقترنان ويولد الكائن فانهما يكتسبان دلالة ثالثة معقدة ، فالنور يرمي بظلاله على كليهما معاً ، والعلاقة الجديدة تخبر نا شيئاً جديداً عن « هي » وعن ( حياتي » وربما عن النور أيضاً ، أي أنها تقدم لنا صلتين نتلقاهما في رؤية كلية ، صلة النور بهي ، وهي بالنور ، والنور بحياتي وحياتي بالنور ، و ( هي نور حياتي ) الرؤية الكلية الجديدة التي لا تحمل دلالات أجزائها بل تحمل دلالة تختلف عنها.
وليس من شك في أن كل شكل بلاغي يقوم على وجود مركبين أو على وجود علاقة مقارنة من نوع ما ، غير أن المقارنة هنا ليست مقابلة بين حدين متعارضين أو متشاركين وإنما هي تحطيم وتذويب وصهر لمختلف الإدراكات الحسية في بوتقة الكائن الجديد ، ونجاح هذا الكائن أو نجاحه لا يرجع إلى مدى البعد بين مركبيه أو القرب ، بل يرجع إلى الطريقة التي ولد بها وبرز إلى الوجود ، وفي ظني أن موقف الباحث كموقف الفنان والمتلقي من هذا المولود أو الكائن لا يهمه مركباه بقدر ما تهمه صورته النهائية التوافقية التي يستسر فيها السر الكامن في طبيعة الخلق والحياة ، والسر الكامن في طبيعة الأشياء والعلاقات بينها ، وإن أي بحث عن أحد هذين السرين اللذين لا نعلم شيئاً عن لقائهما ولا كيف يعملان ، واستخدام مصطلحات لوصف تزاوجهما تبدو في كثير من الأحيان أنها مجلوبة من خارج منطقة الفن . . كل ذلك عمل غير صائب لأنه يعد تدخلاً في رؤية الفنان وتحطيماً لها ، وقد ألح ( بروكس ) كثيراً على تداخل « المحمول » و « الوسيلة » واندماجهما معاً في نطاق الناتج الجديد وقال (۱) : « . . . إن الكلمات داخل هذا المركب تلعب دوراً يختلف عن دورها المعجمي المباشر ، لأنها تفقد دلالتها المقررة التي تنظر إليها البلاغة القديمة لتحمل ظل دلالة كلية موحدة بعيدة الغور
إن نطاق الأشكال البلاغية أو الصور الفنية يقع خلف هذا العالم المنفصل ، ويقع بالتالي خلف الأثينية وتعارضها ، إن نطاقه فقط هو
في كل علاقة إستعارية توجد أوجه من الإختلاف وأوجه من الشبه ، وكلا النمطين من الأوجه لا يرتبط بصاحبه إلا حين يجمعهما في أعماق الفنان وفي أعماق المتلقي إدراك داخلي بتجاوبهما . وبالنسبة للفنان نرى عند الخلق - يعي الوعي كله أين تبدأ المتشابهات وأين تنتهي المتغايرات لأنه يملك ذهناً حساساً لأدق أوجه العلاقة وأغربها ، وإذا جاز أن نستعمل إصطلاحات نفسية قلنا إنه ذهن يتصف بالقدرة على إقامة العلاقات الوثيقة والصلات الشديدة والربط بين المركبات في أقطار العالم الحي والميت (۲) ، والسعي وراء إلتقاط هذا الجوهر الطيار ( العلاقة ) الأرض ومما بينهما ، وهو في سبيل ذلك مهتم بأوجه التشابه مبلغ إهتمامه بأوجه التغاير ، والمركبات التي ينشئها لا تكمن طاقتها ، ولا تتميز عظمتها في ( الجامع في كل ) بل في الصورة المخلوقة الجديدة ، رؤية الفنان ، القلب النابض بحياة الشعر (٢٠) .
ثانياً - مشكلة الرؤية الثنائية :
توصف النظرة البلاغية للأشكال الفنية بالثنائية لأنها ترجع العلاقة إلى مركبيها ، فتقابل أحدهما بالآخر ، أو تجعله يقوم بدوره أمامه ينطبق هذا على الدراسات التقليدية كما ينطبق على العديد من الدراسات المعاصرة ، والأولى يمكن أن تصنف رؤيتها للعلاقة بين مركبي الإستعارة إلى قسمين : قسم يقوم على مقولة ( الجنس - النوع ) والعكس ، وقسم يقوم على مقولة ( الحياة - الجماد ) والعكس ، وفي نطاق كل مقولة نجد أربع علاقات قامت تحت تأثير أرسطو الشهير (۲۱) مربع الدراسات الثانية فنستطيع أن نذكر عدة أمثلة لها : فباخورست تصنف العلاقة تبعاً لمصطلحي ( المجاز ( Metaphor و ( الحقيقة ) Proper Term إلى أربعة أصناف كذلك (۱) :
١- كلاهما من نطاق معنى مشترك .
۲ - كلاهما مجال معنى مختلف .
۳ - المجرد وقد من اكتسى حقائق حسية .
٤- الأشياء المحسوسة وقد عبرت عنها المجردات. ويرفض ( امبسون ) الإستعارة المنصهرة بحجج يعرض لها (٢) ، في حين يتكيء و استيرن ) (۳) على ما أسماه بالإستعارة الحقيقية التي تقوم على إحساس مصحوب بالتوتر النفسي ، وتعتمد على السياق ، ويقصد إليها قصداً ، ويبين شروطها فهي : . . . . لا تتضمن توحيداً جوهرياً بين شيئين وإنما تتوسل بشيء يأتي به الشاعر من نطاق خبرة تختلف عن رفيقه في التركيب الجديد وعلى الرغم من أن ريتشاردز يذهب إلى أن الصورة الأخيرة للاستعارة تتضمن دلالة تختلف عن دلالة كل من طرفيها إلا أنه يرى فيها مجرد صلة وليست ولادة ، ويقسمها إلى مركبين : الأول هو الفكرة أو المحمول Tenor أي مضمون الإستعارة ، والثاني هو الصورة أو الوسيلة Vehicle أي القرينة التي تقابل بها ، وبتعبير آخر العربة وما تحمل ، ونسبة بعضهما إلى الآخر كهذه النسبة (١) ، يقول في التأويل في التعليم (٢) . ربما كان تذوق استعارة الصهر والإيحاء بأنها أفضل من سواها مرتبطاً بما يوحي به اصطلاح « خلاقة » ، فالمحمول والوسيلة يشبهان رجلين يتعاونان في عملهما ، ولن يزيدنا فهماً لهما أن نفترض أنها قد صهرتا على نحو ما في شخص رجل ثالث يختلف عن كليهما ، زد على ذلك أنا لانستطيع أن نحقق صهراً يتحقق معه في الوقت نفسه إبراز المركبين معاً ، وعلى درجة متساوية من الوضوح، هذا إذا فسرنا الصهر تفسيراً حرفياً ." (22)....
هذه النظرة الثنائية الإنفصالية التي تشطر الإستعارة إلى مركبيها نظرة ضيقة ومحطمة للشكل البلاغي ولوحدته ، لأن الذهن في حالتي إبداعه وإدراكه لا يرى المركبين وهما يعملان بمعزل بعضهما عن الآخر في حالة إنفصال وتعارض ، وإنما يراهما في حالة عضوية متصلة ، وفي وضع متوافق يعمل أحدهما في الآخر ، وإن أية استعارة صاهرة أو غير صاهرة لهي تركيب حدسي لعلاقات تدمج في مدى المنظور ، ومركبات لتحم كل مركب منها بصاحبه في شكل متداخل ، ولو افترضنا أن المركب الأول هو ( ب ) والثاني هو ( ج ) فان المركب الثالث أو الرؤية النهائية ليست هي ( ب - ج ) أو ( ب ج ) وإنما هي ( بج ) الولادة الجديدة التي يخلقها الفنان ، وفي هذه الولادة يقترن زوجان غير متجانسين أو متجانسين لا يهم ليصبحا لا مجرد شريكين يضطجعان جنباً إلى جنب في غاية البلوط بل عضوين يرتبطان برباط وثيق ، أو نقول توحدان في نطاق المركب الثالث الجديد الذي ليس هو أحدهما ولا كليهما ولا حاصل مجموعهما .
ولنسق لبيان مانريد المثال الآتي : هي نور حياتي ( تشبيه بليغ ) فهاهنا لدينا حدان الأول هي والثاني حياتي ، بيد أن هذين الحدين لا يهماننا في إنفصالهما في شيء ، بل أكثر من ذلك إنهما يعنيان في وضعهما الثنائي هذا شيئاً يختلف عن وضعهما في نطاق الرؤية الجديدة ، وعندما يقترنان ويولد الكائن فانهما يكتسبان دلالة ثالثة معقدة ، فالنور يرمي بظلاله على كليهما معاً ، والعلاقة الجديدة تخبر نا شيئاً جديداً عن « هي » وعن ( حياتي » وربما عن النور أيضاً ، أي أنها تقدم لنا صلتين نتلقاهما في رؤية كلية ، صلة النور بهي ، وهي بالنور ، والنور بحياتي وحياتي بالنور ، و ( هي نور حياتي ) الرؤية الكلية الجديدة التي لا تحمل دلالات أجزائها بل تحمل دلالة تختلف عنها.
وليس من شك في أن كل شكل بلاغي يقوم على وجود مركبين أو على وجود علاقة مقارنة من نوع ما ، غير أن المقارنة هنا ليست مقابلة بين حدين متعارضين أو متشاركين وإنما هي تحطيم وتذويب وصهر لمختلف الإدراكات الحسية في بوتقة الكائن الجديد ، ونجاح هذا الكائن أو نجاحه لا يرجع إلى مدى البعد بين مركبيه أو القرب ، بل يرجع إلى الطريقة التي ولد بها وبرز إلى الوجود ، وفي ظني أن موقف الباحث كموقف الفنان والمتلقي من هذا المولود أو الكائن لا يهمه مركباه بقدر ما تهمه صورته النهائية التوافقية التي يستسر فيها السر الكامن في طبيعة الخلق والحياة ، والسر الكامن في طبيعة الأشياء والعلاقات بينها ، وإن أي بحث عن أحد هذين السرين اللذين لا نعلم شيئاً عن لقائهما ولا كيف يعملان ، واستخدام مصطلحات لوصف تزاوجهما تبدو في كثير من الأحيان أنها مجلوبة من خارج منطقة الفن . . كل ذلك عمل غير صائب لأنه يعد تدخلاً في رؤية الفنان وتحطيماً لها ، وقد ألح ( بروكس ) كثيراً على تداخل « المحمول » و « الوسيلة » واندماجهما معاً في نطاق الناتج الجديد وقال (۱) : « . . . إن الكلمات داخل هذا المركب تلعب دوراً يختلف عن دورها المعجمي المباشر ، لأنها تفقد دلالتها المقررة التي تنظر إليها البلاغة القديمة لتحمل ظل دلالة كلية موحدة بعيدة الغور
إن نطاق الأشكال البلاغية أو الصور الفنية يقع خلف هذا العالم المنفصل ، ويقع بالتالي خلف الأثينية وتعارضها ، إن نطاقه فقط هو
تعليق