الفصل الثاني
دلالات المصطلح
يستعمل مصطلح ( صورة ) Image في أكثر من مجال واحد من مجالات المعرفة الإنسانية ، ويتخذ في كل منها مفهوماً خاصاً وسمات محددة (۱) ، ويمكن أن نحصر ذلك في خمس دلالات :
١- الدلالة اللغوية .
٢ - الدلالة الذهنية .
٣ - الدلالة النفسية .
٤ - الدلالة الرمزية .
٥ - الدلالة البلاغية أو الفنية .
وقد تمتزج هذه الدلالات ، ويعدو بعضها على بعض ، وتتداخل فيما بينها وتتشابك فيستعمل ناقد فني ، أو باحث نفسي أو دارس انتروبولوجي أكثر من دلالة ، أو قد يستعير دلالة صاحبه في الميدان الآخر ، إلا أنها في النهاية لا تنحل إلى مصطلح عام واحد يضمها جميعاً ويعنيها في الوقت نفسه ، ومهمة الباحث أو الناقد أن ينسق هذه الدلالات الدلالة التي يؤثرها ، أو يدرك الدلالة التي يتحدث عنها .
أولاً الدلالة اللغوية :
لعل أقدم هذه الدلالات الدلالة اللغوية أو المعجمية التي كانت تستعمل في جميع الميادين منذ عهد الأغريق دون تخصص ، ثم انحصرت في الدراسات الحديثة في نطاق اللغة وفقهها وعلم المعاني ، وأصبحت تعني نسخة طبق الأصل ( Copy » أو صورة Picture أي تمثيلاً مباشراً أو محاكاة حرفية لموضوع خارجي بصري على الأغلب حياً أو عديم الحياة ، ومما لاشك فيه أن هذه الدلالة تصدق على بعض الأنماط المحددة التصويرية والرسوم الخطية للأشكال ، بيد أن نقلها إلى مجال الشعر وإطلاقها على القصيدة للاشارة إلى شكلها الخارجي Form فقط كان ومايزال محاولة عابثة مضللة ، بل ومصدراً كبيراً لسوء الفهم الذي دفع بعض الباحثين ليقيم علاقة مشابهة من نوع ما بين الشكلين الحسيين الخارجيين لكل من الشعر والرسم ، مع أن الشكل هنا وهناك لا يخرج عن كونه عنصراً واحداً من عناصر الصورة الجمالية ، وهو وحده أبعد من أن يكون المكون الحقيقي الأصيل لها .
ثانياً : الدلالة الذهنية :
تستعمل هذه الدلالة في ميدان الفلسفة وتشير إلى أن الصورة هي وحدة بناء الذهن الإنساني ووسيلته الوحيدة لتعرف الأشياء ، وتوجيه السلوك أو تحديده بالنسبة إليها ، وقد استنتج الخطير الذي تلعبه أنها العنصر العقلي القابل للفهم في موضوعات العالم وأحداثه ، وعدوها ولاسيما في الفلسفة القديمة مقابلة للمادة الموجودة في الخارج ومن ثم قامت هذه الثنائية أو المقابلة التي لاتمازج بين طرفيها ( الصورة المادة ) ، وتعتبر الفلسفة الحديثة والوضعية منها بالذات هذه التفرقة تفرقة ميتافيزيقية مجردة لاوجود لها في الحياة ولا أساس لها من الصحة ، إنها مجرد نظرية سيطرت على التفكير الفلسفي طوال عدة قرون ، وتعتقد لذلك بعدم جدواها ، بل إنها ترفضها رفضاً أن من الصعوبة بمكان أن نفصل بين حديها الممتزجين ، الصورة ولا فرق بينهما . وسواء أعدت باتاً وترى المادة ، والمادة فالصورة هي هي الصورة في طور إنفصالها مقابلة للمادة أم في طور إدماجها ممتزجة بها فهي هنا وهناك واسطة المعرفة بالعالم المحيط بنا ، وتعني دراستها دراسة هذه المعرفة ، وبكلمة أخرى دراسة كل شيء (۱۰) .
ثالثاً : الدلالة النفسية :
تقترب الدلالة النفسية من الدلالة الذهنية إلا أنها تستخدم في نطاق علم النفس (۱۱) لتعني على حد تعريف براي » « W. Bray .(۱): التذكر الواعي لمدرك . سابق كله أو بعضه في غياب المنبه الأصلي للحاسة المثارة ، وبكلمة أخرى إن الصورة هي إنطباع أو استرجاع أو تذكر الخبرة حسية ، أو إدراكية ليست بالضرورة بصرية ، ونقول ليست بالضرورة بصرية لنتحرز من تلك الآراء التي شاعت لدى بعض علماء النفس ومن تأثر بهم حين قصروا الصورة على الدلالة البصرية (۱۲)، أن الصور البصرية . الحالة الطبيعية للتفكير لدى جمهرة كبيرة من الناس إلا أنها سواء بالنسبة إليهم وإلى أشباههم من العاديين أو بالنسبة لغيرهم من العلميين والتجريديين والفنانين لا تلعب وحدها الدور الفرد في تفكيرهم (۱) ، فالحاسة المفردة ليست سوى - راصدة أو مركز طليعة سرعان ما تلتقي مع بقية الحواس في عملية الإدراك أو التلقي .
وقد وجد كثير من النقاد هذه الدلالة النفسية للصورة شيئاً جديداً بالنسبة إليهم فتأثروا بها كما تأثروا بنتائج التجارب التي أجراها فرانسیس غالتون ( ۱۸۲۲ - ١٩١١ ) حول القدرة على توليد الصور Eidetic وانتهى منها إلى أن الناس يختلفون في عادات تشكيل الصور في أذهانهم (۲) ، وحاولوا في العديد من البحوث والمقالات امتدت منذ بداية القرن وماتزال (۳) . أن ينظروا الى الشعر نظرة جديدة يسلطون عليه فيها أضواء كاشفة لم تسلط من قبل ، ويعتمدون الصورة محوراً لدراساتهم ، وإذا أردنا أن نعرف الصورة النفسية في النطاق الأدبي قلنا : إنها كل تعبير عن تجربة حسية تنقل خلال البصر أو السمع أو غيرهما من الحواس إلى الذهن فتنطبع فيه ، أي أن هذه الحواس كلها أو بعضها تدرك عناصر التجربة الخارجية فينقلها الذهن إلى الشعر ثم يعيد إحياءها أو استرجاعها بعد غياب المنبه الحسي بطريقة من شأنها أن تثير في صدق وحيوية الإحساس الأصيل .
رابعاً - الدلالة الرمزية :
تستعمل هذه الدلالة في الدراسات الأنتروبولوجية بالذات وفي البحوث التي تعتمد نتائج هذه الدراسات ، والصورة لديها القصيدة بأجمعها باعتبارها رمزاً حسياً واحداً يكشف عن أشياء كثيرة جوهرية في حياة الفنان وشخصيته وطبيعة ذهنه ، إنه خلق يعادل به الشاعر حدسه أو يقدم رؤيته ، وقد تبنى الصورة ( العمل الفني ) بناء بلاغياً وقد لا تبنى وليس هذا بالمهم، فالمهم أن الصورة هنا رمز لا يحمل الواقع وغير الواقع ، وإنما هو عالم واحد لا يشير إلى غيره لأنه نفسه إشارة ، وقد . معنا أن الصورة البدئية بالدلالة الجزئية التي آثرناها اتصفت بمثل هذه الوحدة التي لا تعرف اثنينية ولا تعارضاً ، وجاءت الدراسات فبنت رؤيتها مر للموقف على القاعدة العريضة نفسها
خامساً - الدلالة البلاغية :
بشير معجم ( أكسفورد ) (۱) إلى أن دلالة الكلمة البلاغية وجدت أول ما وجدت حوالي عام ١٦٧٦ ، وهذا يعني شيئاً واحداً ، هو حداثة
دلالات المصطلح
يستعمل مصطلح ( صورة ) Image في أكثر من مجال واحد من مجالات المعرفة الإنسانية ، ويتخذ في كل منها مفهوماً خاصاً وسمات محددة (۱) ، ويمكن أن نحصر ذلك في خمس دلالات :
١- الدلالة اللغوية .
٢ - الدلالة الذهنية .
٣ - الدلالة النفسية .
٤ - الدلالة الرمزية .
٥ - الدلالة البلاغية أو الفنية .
وقد تمتزج هذه الدلالات ، ويعدو بعضها على بعض ، وتتداخل فيما بينها وتتشابك فيستعمل ناقد فني ، أو باحث نفسي أو دارس انتروبولوجي أكثر من دلالة ، أو قد يستعير دلالة صاحبه في الميدان الآخر ، إلا أنها في النهاية لا تنحل إلى مصطلح عام واحد يضمها جميعاً ويعنيها في الوقت نفسه ، ومهمة الباحث أو الناقد أن ينسق هذه الدلالات الدلالة التي يؤثرها ، أو يدرك الدلالة التي يتحدث عنها .
أولاً الدلالة اللغوية :
لعل أقدم هذه الدلالات الدلالة اللغوية أو المعجمية التي كانت تستعمل في جميع الميادين منذ عهد الأغريق دون تخصص ، ثم انحصرت في الدراسات الحديثة في نطاق اللغة وفقهها وعلم المعاني ، وأصبحت تعني نسخة طبق الأصل ( Copy » أو صورة Picture أي تمثيلاً مباشراً أو محاكاة حرفية لموضوع خارجي بصري على الأغلب حياً أو عديم الحياة ، ومما لاشك فيه أن هذه الدلالة تصدق على بعض الأنماط المحددة التصويرية والرسوم الخطية للأشكال ، بيد أن نقلها إلى مجال الشعر وإطلاقها على القصيدة للاشارة إلى شكلها الخارجي Form فقط كان ومايزال محاولة عابثة مضللة ، بل ومصدراً كبيراً لسوء الفهم الذي دفع بعض الباحثين ليقيم علاقة مشابهة من نوع ما بين الشكلين الحسيين الخارجيين لكل من الشعر والرسم ، مع أن الشكل هنا وهناك لا يخرج عن كونه عنصراً واحداً من عناصر الصورة الجمالية ، وهو وحده أبعد من أن يكون المكون الحقيقي الأصيل لها .
ثانياً : الدلالة الذهنية :
تستعمل هذه الدلالة في ميدان الفلسفة وتشير إلى أن الصورة هي وحدة بناء الذهن الإنساني ووسيلته الوحيدة لتعرف الأشياء ، وتوجيه السلوك أو تحديده بالنسبة إليها ، وقد استنتج الخطير الذي تلعبه أنها العنصر العقلي القابل للفهم في موضوعات العالم وأحداثه ، وعدوها ولاسيما في الفلسفة القديمة مقابلة للمادة الموجودة في الخارج ومن ثم قامت هذه الثنائية أو المقابلة التي لاتمازج بين طرفيها ( الصورة المادة ) ، وتعتبر الفلسفة الحديثة والوضعية منها بالذات هذه التفرقة تفرقة ميتافيزيقية مجردة لاوجود لها في الحياة ولا أساس لها من الصحة ، إنها مجرد نظرية سيطرت على التفكير الفلسفي طوال عدة قرون ، وتعتقد لذلك بعدم جدواها ، بل إنها ترفضها رفضاً أن من الصعوبة بمكان أن نفصل بين حديها الممتزجين ، الصورة ولا فرق بينهما . وسواء أعدت باتاً وترى المادة ، والمادة فالصورة هي هي الصورة في طور إنفصالها مقابلة للمادة أم في طور إدماجها ممتزجة بها فهي هنا وهناك واسطة المعرفة بالعالم المحيط بنا ، وتعني دراستها دراسة هذه المعرفة ، وبكلمة أخرى دراسة كل شيء (۱۰) .
ثالثاً : الدلالة النفسية :
تقترب الدلالة النفسية من الدلالة الذهنية إلا أنها تستخدم في نطاق علم النفس (۱۱) لتعني على حد تعريف براي » « W. Bray .(۱): التذكر الواعي لمدرك . سابق كله أو بعضه في غياب المنبه الأصلي للحاسة المثارة ، وبكلمة أخرى إن الصورة هي إنطباع أو استرجاع أو تذكر الخبرة حسية ، أو إدراكية ليست بالضرورة بصرية ، ونقول ليست بالضرورة بصرية لنتحرز من تلك الآراء التي شاعت لدى بعض علماء النفس ومن تأثر بهم حين قصروا الصورة على الدلالة البصرية (۱۲)، أن الصور البصرية . الحالة الطبيعية للتفكير لدى جمهرة كبيرة من الناس إلا أنها سواء بالنسبة إليهم وإلى أشباههم من العاديين أو بالنسبة لغيرهم من العلميين والتجريديين والفنانين لا تلعب وحدها الدور الفرد في تفكيرهم (۱) ، فالحاسة المفردة ليست سوى - راصدة أو مركز طليعة سرعان ما تلتقي مع بقية الحواس في عملية الإدراك أو التلقي .
وقد وجد كثير من النقاد هذه الدلالة النفسية للصورة شيئاً جديداً بالنسبة إليهم فتأثروا بها كما تأثروا بنتائج التجارب التي أجراها فرانسیس غالتون ( ۱۸۲۲ - ١٩١١ ) حول القدرة على توليد الصور Eidetic وانتهى منها إلى أن الناس يختلفون في عادات تشكيل الصور في أذهانهم (۲) ، وحاولوا في العديد من البحوث والمقالات امتدت منذ بداية القرن وماتزال (۳) . أن ينظروا الى الشعر نظرة جديدة يسلطون عليه فيها أضواء كاشفة لم تسلط من قبل ، ويعتمدون الصورة محوراً لدراساتهم ، وإذا أردنا أن نعرف الصورة النفسية في النطاق الأدبي قلنا : إنها كل تعبير عن تجربة حسية تنقل خلال البصر أو السمع أو غيرهما من الحواس إلى الذهن فتنطبع فيه ، أي أن هذه الحواس كلها أو بعضها تدرك عناصر التجربة الخارجية فينقلها الذهن إلى الشعر ثم يعيد إحياءها أو استرجاعها بعد غياب المنبه الحسي بطريقة من شأنها أن تثير في صدق وحيوية الإحساس الأصيل .
رابعاً - الدلالة الرمزية :
تستعمل هذه الدلالة في الدراسات الأنتروبولوجية بالذات وفي البحوث التي تعتمد نتائج هذه الدراسات ، والصورة لديها القصيدة بأجمعها باعتبارها رمزاً حسياً واحداً يكشف عن أشياء كثيرة جوهرية في حياة الفنان وشخصيته وطبيعة ذهنه ، إنه خلق يعادل به الشاعر حدسه أو يقدم رؤيته ، وقد تبنى الصورة ( العمل الفني ) بناء بلاغياً وقد لا تبنى وليس هذا بالمهم، فالمهم أن الصورة هنا رمز لا يحمل الواقع وغير الواقع ، وإنما هو عالم واحد لا يشير إلى غيره لأنه نفسه إشارة ، وقد . معنا أن الصورة البدئية بالدلالة الجزئية التي آثرناها اتصفت بمثل هذه الوحدة التي لا تعرف اثنينية ولا تعارضاً ، وجاءت الدراسات فبنت رؤيتها مر للموقف على القاعدة العريضة نفسها
خامساً - الدلالة البلاغية :
بشير معجم ( أكسفورد ) (۱) إلى أن دلالة الكلمة البلاغية وجدت أول ما وجدت حوالي عام ١٦٧٦ ، وهذا يعني شيئاً واحداً ، هو حداثة
تعليق