الإنسان يشكل أفكاراً خيالية قبل أن يشكل أفكاراً عامة ، وأنه يدرك الأشياء إدراكاً مهوشاً قبل أن يصل إلى مرحلة التفكير في هذه الأشياء تفكيراً منظماً ، وأنه يغني قبل أن يقول كلاماً محدد المقاطع ، وأنه يقول الشعر قبل أن يعرف النثر ، وأنه يستخدم الإستعارات قبل أن يستخدم الألفاظ الإصطلاحية ، وأن استخدامه للألفاظ استخداماً استعارياً هو بالنسبة إلية شيء طبيعي .
ومع ووضعت فرضية ( فيكو ) هذه ونتائجها نهاية النظريات القديمة عن أصل اللغة والشعر والأساس الحكائي الكلمة ، تلك النظريات التي امتدت من أفلاطون وأرسطو ، ثم عبرت العصر الوسيط ، إلى « باتريزي » فسكاليجر ، Xcaligar و و کاستلر وغيرهم أن مبادىء نظرية الأصل الإنفعالي الصوري الشعر قد تحددت بالأبحاث السابقة إلا أنها تطورت بالشرح والتدعيم والتفصيل ، فنجد ( بليكول ) يجري بحوثه بعد « فيكو » بعشر سنين على اللغات التركية والعربية ولغات شعوب جزر الهند الغربية ، وينتهي منها إلى أن اللغة القديمة كانت في الفترة البدئية لغة صورية ، ونعثر على تطور واسع للنظرية يتم بأبحاث ماكس موللر Max Mollar ومحاضراته في علم اللغة التي ألقاها في المعهد الملكي بين سنوات ١٨٦٤ ، وأجاب فيها عن تساؤلات عديدة طالما أثيرت حول أصل الإستعارة وطبيعتها ومشكلات خلقها وموتها ، و ركز آراءه في المجموعات الجذرية لأصل الكلمات وقد لقيت هذه الآراء استجابة لدى « ريغ » في كتابه « الأسلوب ، الذي صدر عام ١٨٩٧ ، ولدى الأنسة « بوك ، Buck التي قالت بالأصل الإنفعالي والجذر الواحد الغة وإن فسرت تعدد الدلالات تفسيراً يختلف عن تفسير ( موللر » لها . فزعمت أن تبين هذه الدلالات المختلفة لأصول الكلمات مرحلة لاحقة (۱) وفي خلال القرن الحالي لانكاد نجد بحثاً يتعرض لأصل اللغة أو لبداية الشعر أو لطبيعة واسطته الصورية دون أن يتكيء على جذورها الإنفعالية (٢) ، وينتهي . إلى ما انتهت إليه البحوث السابقة من أن الإستعمال الطبيعي العادي بل الإستعمال الوحيد للانسان البدئي الذي كان يعبر عن إحساساته و مشاعره هو الإستعمال المجازي الإنفعالي للكلمات .
ولكن هل كانت طبيعة هذه الصورة البدئية هي طبيعتها نفسها الآن ؟ هنا يفرق ( كاسيرر ) (۳) تقريقاً دقيقاً بين نمطين من الإستعارة نمط تستخدم فيه الكلمة في غير ما وضعت له. ونمط آخر لها هو جذرها الأصلي الذي يخلقه الأنسان ليعبر به عن . حالته الداخلية ، فهو نمط ينصهر فيه مركبا الإستعارة في مركب ثالث جديد هو المبدأ الأساسي لوجود اللغة ، وقد أكد « كاسيرر ( كما أكد الكثيرون غيره طبيعة الإستعارة على الصهر والخلق دون النقل والتحوير ، من ذلك دراسات بوك ) القيمة (٤) التي انتهت منها إلى أن الإنسان البدئي كالطفل والشاعر لا يعرف ثنائية المركبات ولا إنشطارها العنيف إلى مشبه ومشبه به ووجه شبه ، فتفكيره أبعد ما يكون عن ذلك ، إن كل مركب يدور في ذهنه أثناء الإبداع في نطاق الآخر لينصهرا معاً في الناتج الجديد الذي ليس هو أحدهما ولا حاصل جمعهما معاً
ويضيف بعض الدارسين إلى ذلك فرقين آخرين بين طبيعة الإستعارة البدئية والإستعارة الشعرية من جهة ، وبين نمطين من الإستعارة الأخيرة ، الفرق الأول هو القصد الواعي ، والثاني هو مظاهر الضحالة والإضطراب والخلط التي عرفت بها الصورة القديمة ( انظر حديثنا السابق عن طبيعة الأذهان الثلاثة ) ، وقد ذهب « غومير » (۱) في كتابه عن بداية الشعر إلى أن ثمة مرحلتين من الإستعارة البدئية أولاهما متقدمة وآخر اهما متأخرة ، وتتصف الأولى بالاضطراب وسوء استعمال المركبات والخلط المكاني والزماني وعدم الإنتظام ، في حين تتم الثانية بقصد لا يعرف مثل هذه المظاهر المعيبة .
ويمكن أن نذكر هنا دراستين عن الفرق بين نمطين من الإستعارة الشعرية قدمهما كل من ( فندت » Wandet و « فنکلر » Winkler أولهما نمط واع يتم عن قصد ، وثانيهما نمط غير واع لأنه نتيجة اللاشعور ، ويصر كل من هذين العالمين وبطريقته الخاصة على أن الكلمة لا ترمز إلا إلى إنطباع حسي واحد ، فاذا كان هذا الإنطباع صادراً عن شيئين معاً كانت المقارنة غير إرادية وغير متعمدة ، ومن ثم لم تكن هناك إستعارات ذلك نتيجة الوعي هناك إستعارة ، وبالمنطق نفسه برفض ( فرنر ) جميع الإستعارات التي لاتبنى بارادة واعية ، فهذه من شأنها أن تكون مجرد فعل لاشعوري ، ويقول إن الإستعارة الحقيقية ترتبط بالعادات المقدسة و « التابو » فهي لذلك عرفية مثلها وصادرة عن وعي وقصد (۱) ، ومما لاريب فيه أنه من الصعب أن نجد تعريفاً محدداً للاستعارة يمكن أن نقيم على أساسه هذا الفرق بين استعارات تتم نتيجة الغلط والتخبط والإضطراب والضلال ، وبين تتم والإدراك والتوافق والإنسجام ، ومع فاذا كان الخطأ في بعض الإستعارات أو رد الفعل اللاشعوري يؤدي إلى خلق إستعارة ما فان ذلك لا ينفي كونها إستعارة ، ولو رفضنا هذه الحقيقة فانا في الواقع نعتدي على رؤية الفنان وليس لنا مثل هذا الحق ، وإذا كان أي فنان يرى شيئاً ما بطريقة خاصة ويعبر عنه بهذه الطريقة فمن ذا الذي يتكهن بمدى وعي الشاعر أو عدم وعيه بغرابة تعبيره أو باحتمال وقوعه في الخطأ ؟ ! بل ربما كنا في المجال الفني على عكس ماذهب إليه أولئك العلماء نعد أي تعبير في قصد إليه قصداً أو أقيم عمداً هو أقل الأشكال البلاغية أثراً وقيمة وليس أعلاها، ويجب ألا ننسى فيما يتعلق بطبيعة الإستعارات البدئية أخيراً أن الإنسان الأول كان يبدعها بكل ما تحمل هذه الكلمة دلالة من و كان يقع لذلك في كثير والتعسف والإحالة .
ولعل هذه النقطة . وهي إقامة علاقات بين المركبات على أساس الإنفعال فحسب - دفعت بعض الدارسين إلى اتهام واسطة الفن بأنها دلیل مرض ، وليست دليل صحة ، ومن الطبيعي أن تتم هذه الظاهرة على أيدي العلميين أولاً ، وفي وقت عد فيه الخيال ملكة ثانوية تخضع لوصاية العقل ثانياً، وهكذا وجدنا في القرنين السابع والثامن عشر ، وفي بداية العصر العلمي فلاسفة يقفون ضد الصورة ، من هؤلاء و توماس هوبز » ( ١٥٨٨ - ١٦٧٩ ) « Thomas Hobbes » و ا صمويل بارکر ( ١٦٤٠ - ١٦٨٨ ) Bishop samuel parker و لورد کیمس Lord Kemes وكلهم ينتهون إلى النتيجة نفسها وهي أ أن الإستعارات ليست سوى أضواء خادعة (۱) ، والشيء ذاته نجده عند واطسون ) (۲) الذي يذهب إلى أن الذهن حين يستعمل الكلمات استعمالاً إنفعالياً صورياً يصاب بالخدر ، ومن الصعب أن نصف هذه الحالة بغير العبث ، وربما تكون وجهة النظر العلمية هذه مؤيدة لموقفنا رغم قضية « التخدير » فالواقع أن المخدر هو الإستعمال النثري للكلمات المحددة الدلالة والذي يرفع من قيمته واطسون ، وليس الإستعمال الشعري لها ، فالنثر يخدر الذهن لأنه يبقيه في حالته السالبة ولا يخلق فيه ذلك النشاط الفعال ، إن القصيدة عندما ترسل إشعاعاتها ( صورها ) لتلتقي بالذهن الذي يجب أن يكون هو الآخر ذهناً واعياً لا بايداً - تنشأ النشاط الفاعل والمنفعل لا يدركها « واطسون ) ولا غيره من العلميين . إن الإستعمال الشعري للغة يحمل من النظام والنشاط في إبداعه وتطوره النامي نحو الذروة خلال عمليتي الخلق والتلقي أكثر بكثير مما يحمله الإستعمال النثري أو العادي لها ، أو لنقل الجبري أو العلمي ، مثله
ومع ووضعت فرضية ( فيكو ) هذه ونتائجها نهاية النظريات القديمة عن أصل اللغة والشعر والأساس الحكائي الكلمة ، تلك النظريات التي امتدت من أفلاطون وأرسطو ، ثم عبرت العصر الوسيط ، إلى « باتريزي » فسكاليجر ، Xcaligar و و کاستلر وغيرهم أن مبادىء نظرية الأصل الإنفعالي الصوري الشعر قد تحددت بالأبحاث السابقة إلا أنها تطورت بالشرح والتدعيم والتفصيل ، فنجد ( بليكول ) يجري بحوثه بعد « فيكو » بعشر سنين على اللغات التركية والعربية ولغات شعوب جزر الهند الغربية ، وينتهي منها إلى أن اللغة القديمة كانت في الفترة البدئية لغة صورية ، ونعثر على تطور واسع للنظرية يتم بأبحاث ماكس موللر Max Mollar ومحاضراته في علم اللغة التي ألقاها في المعهد الملكي بين سنوات ١٨٦٤ ، وأجاب فيها عن تساؤلات عديدة طالما أثيرت حول أصل الإستعارة وطبيعتها ومشكلات خلقها وموتها ، و ركز آراءه في المجموعات الجذرية لأصل الكلمات وقد لقيت هذه الآراء استجابة لدى « ريغ » في كتابه « الأسلوب ، الذي صدر عام ١٨٩٧ ، ولدى الأنسة « بوك ، Buck التي قالت بالأصل الإنفعالي والجذر الواحد الغة وإن فسرت تعدد الدلالات تفسيراً يختلف عن تفسير ( موللر » لها . فزعمت أن تبين هذه الدلالات المختلفة لأصول الكلمات مرحلة لاحقة (۱) وفي خلال القرن الحالي لانكاد نجد بحثاً يتعرض لأصل اللغة أو لبداية الشعر أو لطبيعة واسطته الصورية دون أن يتكيء على جذورها الإنفعالية (٢) ، وينتهي . إلى ما انتهت إليه البحوث السابقة من أن الإستعمال الطبيعي العادي بل الإستعمال الوحيد للانسان البدئي الذي كان يعبر عن إحساساته و مشاعره هو الإستعمال المجازي الإنفعالي للكلمات .
ولكن هل كانت طبيعة هذه الصورة البدئية هي طبيعتها نفسها الآن ؟ هنا يفرق ( كاسيرر ) (۳) تقريقاً دقيقاً بين نمطين من الإستعارة نمط تستخدم فيه الكلمة في غير ما وضعت له. ونمط آخر لها هو جذرها الأصلي الذي يخلقه الأنسان ليعبر به عن . حالته الداخلية ، فهو نمط ينصهر فيه مركبا الإستعارة في مركب ثالث جديد هو المبدأ الأساسي لوجود اللغة ، وقد أكد « كاسيرر ( كما أكد الكثيرون غيره طبيعة الإستعارة على الصهر والخلق دون النقل والتحوير ، من ذلك دراسات بوك ) القيمة (٤) التي انتهت منها إلى أن الإنسان البدئي كالطفل والشاعر لا يعرف ثنائية المركبات ولا إنشطارها العنيف إلى مشبه ومشبه به ووجه شبه ، فتفكيره أبعد ما يكون عن ذلك ، إن كل مركب يدور في ذهنه أثناء الإبداع في نطاق الآخر لينصهرا معاً في الناتج الجديد الذي ليس هو أحدهما ولا حاصل جمعهما معاً
ويضيف بعض الدارسين إلى ذلك فرقين آخرين بين طبيعة الإستعارة البدئية والإستعارة الشعرية من جهة ، وبين نمطين من الإستعارة الأخيرة ، الفرق الأول هو القصد الواعي ، والثاني هو مظاهر الضحالة والإضطراب والخلط التي عرفت بها الصورة القديمة ( انظر حديثنا السابق عن طبيعة الأذهان الثلاثة ) ، وقد ذهب « غومير » (۱) في كتابه عن بداية الشعر إلى أن ثمة مرحلتين من الإستعارة البدئية أولاهما متقدمة وآخر اهما متأخرة ، وتتصف الأولى بالاضطراب وسوء استعمال المركبات والخلط المكاني والزماني وعدم الإنتظام ، في حين تتم الثانية بقصد لا يعرف مثل هذه المظاهر المعيبة .
ويمكن أن نذكر هنا دراستين عن الفرق بين نمطين من الإستعارة الشعرية قدمهما كل من ( فندت » Wandet و « فنکلر » Winkler أولهما نمط واع يتم عن قصد ، وثانيهما نمط غير واع لأنه نتيجة اللاشعور ، ويصر كل من هذين العالمين وبطريقته الخاصة على أن الكلمة لا ترمز إلا إلى إنطباع حسي واحد ، فاذا كان هذا الإنطباع صادراً عن شيئين معاً كانت المقارنة غير إرادية وغير متعمدة ، ومن ثم لم تكن هناك إستعارات ذلك نتيجة الوعي هناك إستعارة ، وبالمنطق نفسه برفض ( فرنر ) جميع الإستعارات التي لاتبنى بارادة واعية ، فهذه من شأنها أن تكون مجرد فعل لاشعوري ، ويقول إن الإستعارة الحقيقية ترتبط بالعادات المقدسة و « التابو » فهي لذلك عرفية مثلها وصادرة عن وعي وقصد (۱) ، ومما لاريب فيه أنه من الصعب أن نجد تعريفاً محدداً للاستعارة يمكن أن نقيم على أساسه هذا الفرق بين استعارات تتم نتيجة الغلط والتخبط والإضطراب والضلال ، وبين تتم والإدراك والتوافق والإنسجام ، ومع فاذا كان الخطأ في بعض الإستعارات أو رد الفعل اللاشعوري يؤدي إلى خلق إستعارة ما فان ذلك لا ينفي كونها إستعارة ، ولو رفضنا هذه الحقيقة فانا في الواقع نعتدي على رؤية الفنان وليس لنا مثل هذا الحق ، وإذا كان أي فنان يرى شيئاً ما بطريقة خاصة ويعبر عنه بهذه الطريقة فمن ذا الذي يتكهن بمدى وعي الشاعر أو عدم وعيه بغرابة تعبيره أو باحتمال وقوعه في الخطأ ؟ ! بل ربما كنا في المجال الفني على عكس ماذهب إليه أولئك العلماء نعد أي تعبير في قصد إليه قصداً أو أقيم عمداً هو أقل الأشكال البلاغية أثراً وقيمة وليس أعلاها، ويجب ألا ننسى فيما يتعلق بطبيعة الإستعارات البدئية أخيراً أن الإنسان الأول كان يبدعها بكل ما تحمل هذه الكلمة دلالة من و كان يقع لذلك في كثير والتعسف والإحالة .
ولعل هذه النقطة . وهي إقامة علاقات بين المركبات على أساس الإنفعال فحسب - دفعت بعض الدارسين إلى اتهام واسطة الفن بأنها دلیل مرض ، وليست دليل صحة ، ومن الطبيعي أن تتم هذه الظاهرة على أيدي العلميين أولاً ، وفي وقت عد فيه الخيال ملكة ثانوية تخضع لوصاية العقل ثانياً، وهكذا وجدنا في القرنين السابع والثامن عشر ، وفي بداية العصر العلمي فلاسفة يقفون ضد الصورة ، من هؤلاء و توماس هوبز » ( ١٥٨٨ - ١٦٧٩ ) « Thomas Hobbes » و ا صمويل بارکر ( ١٦٤٠ - ١٦٨٨ ) Bishop samuel parker و لورد کیمس Lord Kemes وكلهم ينتهون إلى النتيجة نفسها وهي أ أن الإستعارات ليست سوى أضواء خادعة (۱) ، والشيء ذاته نجده عند واطسون ) (۲) الذي يذهب إلى أن الذهن حين يستعمل الكلمات استعمالاً إنفعالياً صورياً يصاب بالخدر ، ومن الصعب أن نصف هذه الحالة بغير العبث ، وربما تكون وجهة النظر العلمية هذه مؤيدة لموقفنا رغم قضية « التخدير » فالواقع أن المخدر هو الإستعمال النثري للكلمات المحددة الدلالة والذي يرفع من قيمته واطسون ، وليس الإستعمال الشعري لها ، فالنثر يخدر الذهن لأنه يبقيه في حالته السالبة ولا يخلق فيه ذلك النشاط الفعال ، إن القصيدة عندما ترسل إشعاعاتها ( صورها ) لتلتقي بالذهن الذي يجب أن يكون هو الآخر ذهناً واعياً لا بايداً - تنشأ النشاط الفاعل والمنفعل لا يدركها « واطسون ) ولا غيره من العلميين . إن الإستعمال الشعري للغة يحمل من النظام والنشاط في إبداعه وتطوره النامي نحو الذروة خلال عمليتي الخلق والتلقي أكثر بكثير مما يحمله الإستعمال النثري أو العادي لها ، أو لنقل الجبري أو العلمي ، مثله
تعليق