الفارسية (المنمنمات -)
المنمنمة miniature صورة صغيرة في مخطوط، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية minium التي تعني المداد الأحمر الذي كان يستخدمه النساخ للتأشير، أو لتدبيج rubrication الحروف الاستهلالية بالمواضع المهمة من النص، وتعني كلمة miniare الكتابة أو التصوير باللون القرمزي، وامتدت كلمة miniature فيما بعد لتشمل الرسوم التوضيحية المصورة بأي حجم وأي شكل تظهر به سواء داخل أطر أم (غرات) أم حروف استهلالية.
فالمنمنمة تصوير دقيق فوق ورق رِقِّي، أو قطع من العاج، أو صور إيضاحية في المخطوطات.
التأثير الصيني
يمثل وصول الاختراع الصيني «الورق» إلى العالم الإسلامي منعطفاً أساسياً في انتشار صناعة الكتاب والمكتبات، ودور الحكمة والعلم، وازدهار محترفات النسخ والتخطيط والتدوين والتصوير والتذهيب والتجليد حتى صار حي الوراقين يمثل العصب الرئيس في خطط التنظيم الحضري.
انتشر الورق مع العملة الورقية (الكاغد) في القرن الرابع الميلادي، ووصل إلى سمرقند عام 700 ميلادية. يذكر المؤرخ عبد الملك الثعالبي أن صناعة الورق في سمرقند وصلت إلى المسلمين إثر معركـة تاليس عـام 751م، التي أَسَر في أثنائها القائدُ زياد بن صالح عدداً من الصنّاع الصينيين، وقد ورد في بعض المصادر الصينية نص تاريخي يشير إلى وجود فنانين صينيين في تلك الفترة في الكوفة، وأنهم علَّموا الصناع المسلمين النقش والتصوير، إضافة إلى نسج الحرائر وغيرها. ومهما يكن من أمر فلا يستبعد وجود فنانين صينيين في محترفات سمرقند أو تبريز أو بغداد، ولاسيما أولئك الذين دخلوا الإسلام. وابتدأت فكرة تصوير المخطوطات من التحليات القرآنية وهجرتها إلى هوامش السور والآيات.
وتنجلي الأمور أكثر في إيران إبّان العصر المغولي، فبعد ما خلفته بداية تلك الفترة (القرن الثالث عشر الميلادي) من تدمير محترفات المدن، صارت تبريز وبغداد المقر الشتوي. وكانت الأسرتان المغوليتان الحاكمتان في إيران قد استلمتا مقاليد الحكم في الصين أيضاً، وسعى أحفاد جنكيزخان وهولاكو إلى الاتصال مع أبناء عمومتهم التتار البوذيين فيها.
تولى الخان الأكبر مانجو الحكم عام 1251، وأقام في سمرقند عام 1255، وأسس أسرة الإيلخانات التي حكمت فارس حتى عام 1336، واتبع المصورون في البداية مدرسة التصوير العربية والأسلوب السلجوقي إضافة إلى الأساليب الفنية المغولية الجديدة، وإن أقدم المخطوطات التي تمثِّل هذا الخليط نسخة باللغة الإيرانية من كتاب «منافع الحيوان» لابن بختيشوع؛ كُتبت وصُوِّرت في مدينة مراغة القريبة من تبريز بأمر الأمير غازان محمود خان.
ومن المراكز التي تجلَّى فيها تطوُّر مدرسة التصوير المغولية مدينة تبريز في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، وأحسن مثال على أسلوب هذه المدرسة مخطوطة «تاريخ الأمم القديمة» أو «الآثار الباقية» التي كتبها البيروني (707هـ)، ويظهر التأثير المغولي واضحاً في مخطوطة «جامع التواريخ» للوزير رشيد الدين، سرد فيها موضوعات من تاريخ الأنبياء وملوك الفرس والعباسيين والسلاجقة وقصص من الإنجيل وتاريخ الهند.
أما المخطوطة التي تُظْهِر أوج تطوُّر هذه المدرسة نحو الأساليب الإيرانية فهي مخطوطة «الشاهنامة» (كتاب الملوك) التي نظمها الشاعر الفردوسي للملك محمد الغزنوي، واشترك في تصويرها أبرع مصوري ذلك العهد، وثمة نسخة أخرى للشاهنامة بأسلوب مختلف، إذ قَلَّتْ فيها العناصر الصينية وبرزت خصائص المدرسة المغولية بتقسيم الصورة إلى مقدمة ومؤخرة.
أُسست في كل من إيران والعراق بعد سقوط الأسرة الإيلخانية مدارس تصوير مرموقة في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وكانت مراكزها مدينتي بغداد وتبريز إبّان حكم الجلائريين، ومدينة شيراز إبان حكم المظفرين.
حاول تيمورلنك إخضاع الصين بعد خراسان وإيران والأتراك، ولكن الأمر تغيّر حينما سقط حكم أسرة «وَنْ» المغولية في الصين واستلمت أسرة مينغ الوطنية ابتداء من عام 1368م. كان التيموريون حذرين في البداية، ثم عقدوا الصلات الدبلوماسية والتجارية معهم. وكان هذا موقف ابنه شاه رخ ثم حفيده بيسنقر الذي أرسل في أثناء حكمه المصوِّر غياث الدين النقاش في بعثة إلى الصين من عام 1420 حتى عام 1424 عاد بعدها بذخيرة من الملاحظات والرسوم وبعض المصورين، ويؤكد ذلك أن منمنمات تلك الفترة متأثرة بطراز «مينغ»، ولعل أبرزها قصائد خواجو كرماني التي تمثل إحدى تصاويرها غَرَام الأمير الفارسي هماي وابنة إمبراطور الصين هومايون (1396). وتحمل هذه الملحمة رمزاً لعلاقة الصين بإيران في تلك الفترة التي ترصعت بعدد من تصاوير المناظر من دون أشخاص وبلون واحد. وكان يغلب على تصاوير تلك المرحلة هيئة السحنات الصينية، وقد تغير الأمر مع حكم السلطان حسين بيقرا ووزيره مير علي شير، بحيث أخذت التقاليد الوطنية في التصوير تنهض وتندحر التأثيرات الصينية مع اسم بهزاد في هراة.
الاستعارات الغرافية graphiques
نقل الورق الصيني بعضاً من حساسيته الغرافية مثله مثل «خيال العرائس» أو «خيال الظل»، فالمادة ليست وسيطاً حيادياً كما يرى بعضهم، ومع أن الإيرانيين توصلوا إلى صناعة أنواع راقية من ورق الحرير والكتّان، فقد ظلوا يستوردون أنواعه المعروفة من الصين.
أما بقية المفردات الزخرفية فهي موجودة في كل مكان حيث يحل البورسلان (الخزف)، إذ حافظ الإيرانيون على احترامهم لصناعته، وهذا ما تؤكده لوحة رضا عباسي: «شاب يحمل إناء صينياً بعنق طويلة»، ومن هذه العناصر التي انتقلت إلى إيران: التنين والفينيق واللقلق والوحوش الخرافية مثل: وحيد القرن والبراق والمجنحات وأبي الهول، ثم هيئات الجن والسحرة والممسوسين والمسوخ السحرية على غرار رسوم مخطوطات «آجوج وماجوج» في بلاد الواق الواق، أو «زال يحمله السيمورغ»، وقد تكون أيضاً بتأثير مباشر من عرائس «خيال الظل» التهكمية (التي ذكرها عمر الخيام)، وتأثر بها كل من محمدي وسلطان محمد. ثم أنواع الطيور (ولاسيما البط)، والغزلان والأرانب، والجذوع المعمرة وأنواع السرو والبامبو (غير موجود أصلاً في إيران)، ثم الصخور الإسفنجية والغيوم التنينية والأهلة اللولسية والأمواج الحلزونية وألسنة اللهب البوذية وغيرها. ويمكن الاطّلاع على هذه الاستعارات في تصاوير مخطوطة «جامع التواريخ» والمصور «سلطان محمد» الذي غلب على مناظره طراز «مينغ».
وفي تصاوير شيراز في الفترة المغولية تُشاهد ملابس وأسلحة وأزياء صينية، وتبدو ملامح شيرين في تصاوير مدرسة هراة صينية أكثر منها أرمنية، وتظهر أشد التأثيرات في التصاوير التي يغلب عليها الخط بالحبر الصيني من دون ألوان، مثل مخطوطة «مختارات إسكندر» أو «شاهنامه السلطان إبراهيم».
التعارض الفلسفي (الروحي)
يبدو التعارض بين الطرفين أعمق غوراً، والفلسفة الصينية الطاوية البوذية تكشف علاقة المصور بالطبيعة؛ فهي تمثل (بالنسبة إلى تخطيطاته) الإحالة المطلقة التي يستمد منها خطوطه بعد تأملات مديدة. يهاجر الكاهن (الشامان، وهو نفسه المصور والشاعر) روحياً إلى الفلك الأعلى من سلسلة الجبال والوهاد والهضاب، سالكاً مسالك المجاهدات الصخرية والنباتية والمائية، وحاملاً على ظهره مرآته الخاصة، ثم يعوم روحياً في رطوبة الكون وأبخرته السديمية وسحبه وغيومه، وتتشخص عناصر الطبيعة فتنقلب الصخور إلى عظام بشرية، والجذوع إلى عضلات، والسواقي والشلالات إلى عروق وشرايين، والرياح والسحب إلى شهيق وزفير. يصوِّر الفراغ على أساس أنه «رئة قدسية»، ويسعى ألا يخنق هذا الفراغ بالتفاصيل والعناصر حيث تحتل كلها زاوية قَصِيَّة في هامش رحابة الوجود الكوني المطوِّق للإنسان بوصفه جزءاً من كل، ومن تمفصل الخلاء (وهو الأصل) بالامتلاء (وهو الاستثناء)، يداهم رئة الفراغ بقصيدة شعرية مستلهمة من المشهد، يعيد رسمه (بعد تخزينه في الذاكرة) بفرشاة شبقة للألوف المؤلفة من الألوان المائية. فرشاة عاصفة حدسية صدفوية، يقتنص سلوكها المتسارع ما امتصته الذاكرة في ساعات أو أيام، وغالباً ما تنتظم هذه الآلية في متتاليات من اللوحات للموقع الجغرافي نفسه، فتتحول لفيفةً (رولو) على امتداد عشرات الأمتار عمودياً أو أفقياً على الحرير، ثم تمهر بأختام حمراء صريحة تمثل اسم المحترَف أو السلطة الحاكمة. وتطوى اللفافات ولا تفتح إلا ضمن طقوسها ومناسباتها الخاصة.
يتناقض هذا الإيقاع الحدسي - الذاكراتي المتسارع مع طبيعة إنجاز المنمنمة الإيرانية المتراكم في ساعات أو أشهر أو سنوات. ثم لا يوجد أي مصور فارسي يقوم بدور الشاعر، لأن الملاحم الشعرية الإيرانية تمثل الخزان الثقافي للسير الشعبية، لدرجة تبدو الموضوعات متكررة غالباً، فقد رسمت «شاهنامة» مرات عديدة، وفي كل مرة كانت تُؤدَّى بحساسية مغايرة وفق المحترِف أو الفنان. وبمقارنة الفناء الضوئي الرحب في «اللفافة» الصينية بمفهوم «النور» في المنمنمة الفارسية، ولاسيما عند «بهزاد»؛ يتوضح التعارض الجوهري بين الفلسفتين، إنه التعارض بين مفهوم التشبيه (المقاربة مع المنظر الطبيعي) والتنزيه (الشطح بالعالم باتجاه الحلم والتجلي القلبي)، لهذا تبدو التصاوير المغولية المبكرة المتأثرة بالمعنى الصيني، ومثالها رسوم مخطوطة «جامع التواريخ» أشد وصفيّة وواقعية من رسوم «مدرسة بهزاد» الأقرب إلى التعبيرية اللونية، ولاسيما في تكوينات المعارك؛ حيث تتشرد بؤر اللون، وتتشظى المساحات الصباغية لدرجة تطغى فيها تجريدات الألوان وحواراتها على دلالات الأشكال، وهنا يتم العبور من مفهوم اللون إلى تأويلين صريحين؛ الأول يرتبط بالنور الطبيعي، والثاني بالنور «البصري»، أو الضوئي. أي فناء النور في النور (وفق آية النور القرآنية)، تماماً كما يُصوَّر بالأبيض على الأبيض والذهبي على الأصفر، فالمذهبون يضبطون نوطة المساحات المسطحة المقتصرة على بعدين والمنزهة عن الحجم والظل والمنظور الصيني، وتخضع الصناعات الذوقية الإسلامية عموماً لهذه الصبوة النورانية بما فيها المواد العاكسة للنور مثل السيراميك والمرايا والبحرات وأنواع الزجاجيات، لدرجة تبدو فيها المدينة وكأنها مشكاة قزحية من الألوان الوامضة أو المرايا المتعاكسة.
ويبدو أن معظم المصورين الإيرانيين (ولاسيما بهزاد) جعلوا من سلم ألوانهم نوراً من التجلي والغبطة المستديمة من دون أدنى حسبان للمزدكية (لأنها بالنسبة لأمثالهم نوع من الزندقة)، ولا يمكن إدراك عمق صوفيتهم اللونية إلا بالرجوع إلى المناخ الروحي لعصرهم وبيئتهم، فالتمفصل يبدو عضوياً بين الاتجاهات الصوفية والأبعاد الباطنية في التصوير.
من المعروف أن الشاه إسماعيل (مؤسس الدولة الصفوية عام 1502م، من سلالة الشيخ صفي الدين) مؤسس الطريقة الصوفية وفرقة الدراويش، ولم يكن ابنه طهماسب بأقل منه رهافة وثقافة، فقد حكم نصف قرن من الزمان مشجعاً على الموسيقى والتصوير والشعر، وكان مصوراً بارعاً لدرجة أن مصوري مكتبته لا يضعون اللمسات الأخيرة على تصاويرهم إلا بعد استشارته، أو تعديلاته لها أو تصحيحها، وفي عهده أيضاً تطور طراز خط النستعليق تطوراً كبيراً.
يعمل المصورون الإيرانيون غالباً ضمن سلسلة صوفية متوارثة، كان ميرزا علي يعمل مع ابنه سلطان محمد الذي كان يعمل بدوره مع ابن ابنته زين العابدين، ومير سيد علي مع ابن مير مطغر. وهذا ما يذكِّر بسلطة النقابات الروحية (الصوفية) المتأخرة والتي كانت تراقب تجويد المهن الذوقية بمنح الإجازة أو سحبها.
توافق أغلب الملاحم الشعرية التي عالجها المصورون من جهة أخرى صوراً قرآنية، على غرار «يوسف وزليخة» و«إبراهيم والنار» و«أهل الكهف»، ثم قصص الأنبياء والمتصوفة من المعراج إلى حلقات الذكر والأولياء والنسّاك والدراويش والمنشدين، بل إن بعض المؤلفات المصوَّرة اختصت بالسيرة على شاكلة: «مجالس العشاق» لمجد الدين البغدادي (1522م)، و«سبحة الأبرار» لنور الدين حاجي (1562)، أو «منطق الطير» لفريد الدين العطار (عرفانية السيمورغ)، أو «مثنوية» جلال الدين الرومي، ثم «روضة الصفاء» (شيراز 1475) أو (كتاب الوجد «حالنامة»، شيراز 1591م)، أو «كتاب النور» شيراز، و«مطلع الأنوار» (تبريز، 1500- 1505).
تسيطر هذه الروح (الصوفية) على بناء الملاحم الشعرية نفسها على مثال خماسية نظامي، وتتكشف «إشراقيته» في فصلين منها (الخماسية): مخزن الأبرار وليلى والمجنون. ويكاد يشار إلى النبي r في معراجه لسمو الأداء الشعري والرسم، وكذلك الأمر مع الشاعر جامي الذي كان على منزلة عالية في سلم الطرق الصوفية، ومثله سعدي وحافظ.
خلّف المصورون كثيراً من الرسوم التي ترصد أحوال الدراويش ومواجيدهم، ومثال ذلك تصاوير بهزاد: «فقهاء في مسجد» من بستان سعدي، و«درويش من بغداد» (قد يكون ترميزاً للحلاج). وهناك قاسم علي: «جماعة من المتصوفة يتناقشون في حديقة» (1485م)، إضافة إلى معاني الحب المطلق «ليلى والمجنون» ترميزاً إلى «العشق الإلهي». وفي رسوم المعراج يعتمر النبي r العمامة الصفوية ذات الوتد الأحمر ومحجب الوجه، ويثقل كاهل براقه أنواع الطنافس والسجاجيد المحلية.
لعل أبرز تظاهرات هذه الصبوة الوجدية موضوع ثنائية: «السكر والصحو» الرمزيتين والاستعارة هنا من مشاهد الخمرة وكؤوس الـراح ونشوة الثمل. لعل أبرزها صورة أنجزها سلطان محمـد في تبريـز (1527م) من ديوان حافظ بعنوان: «سكر هذا العالم» تمثل مجتمعاً مترنحاً من نشوة السكر، يرقص بعضهم ويتدحرج آخرون، ويتأمل أحد مشايخهم المرآة، وتبدو في طرف التكوين شرفة تطل على حديقة ورجل يمسك بيده حبل يتدلى منه إبريق من الخمر.
المنظور البصيري، ومقام «السماعي» في نوطة ألوان المنمنمة الفارسية ولاسيما مدرسة بهزاد: استعادت مدينة هراة مركزها الفني في فترة حكم حسين ميرزا (873-911هـ)، آخر حكام الأسرة التيمورية، وتعد فترة حكمه من العصور الذهبية، وكان هو ووزيره المؤرخ مير علي من مشجعي الأدب والتصوير في إيران، وظهر في عهده كمال الدين بهزاد[ر] أبرز مصوري إيران في العصر الإسلامي، وتلاميذه مراك نقاش وعبد الرزاق وقاسم علي وشيخ زادة، وكان بهزاد من أوائل المسلمين الذين اهتموا بوضع تواقيعهم على أعمالهم الفنية.
وفي العصر الصفوي وبعد أن تمكن الشاه إسماعيل من السيطرة على هراة نحو عام 916هـ/1510م نقلَ المصورين المشهورين إلى تبريز، وعيَّنَ كبيرهم بهزاد رئيساً للمكتبة الملكية عام 1522م، ويعد بهزاد المؤسس لمدرسة التصوير الصفوية الأولى التي تكونت وازدهرت في تبريز وقزوين. وضمت هذه المدرسة: سلطان محمد وشيخ زادة وأقارك ومظفر علي وميرسيد علي ومحمدي وسيد كير نقاش وشاه محمد ودوست محمد، ولما كان هؤلاء متأثرين بأساليب المدرسة التيمورية فقد كان الإنتاج الأول لمدرسة التصوير الصفوية الأولى في تبريز استمراراً لما كان سائداً في هراة مع تغيير طفيف في درجات الألوان التي زاد هدوؤها. وفي عهد الشاه عباس (1587 ـ 1629م) اشتهر كل من المصورين محمدي الذي نفث الروح في التصوير الفارسي بعد خبوه، وأقا رضا، ورضا عباسي [ر].
اكتشف المصورون الإيرانيون صيغة من «التعبيرية اللونية» قلبت مفاهيم الفن المعاصر في أوربا القرن العشرين، وتعتمد هذه الصيغة على التحول من الغبطة الروحية إلى الغبطة الموسيقية في اللون، وتتراكم في هذه التقاليد الثقافة الصوفية والرمزية العرفانية في تحكم الألوان. وقد نقلت الباحثة المتصوفة إيفا ميروفيتش Eva Meyerovitch في مؤلَّفِها الشهير عن سيرة جلال الدين الرومي؛ سلماً سباعياً من المحطات الذوقية تتبدل فيه معاني الألوان بتغيير أحرف الجر كما يأتي:
1 - السفر إلى الحق: نور أزرق
2 - السفر من الحق: نور أصفر
3 - السفر على الحق: نور أحمر
4 - السفر مع الحق: نور أبيض
5 - السفر في الحق: نور أخضر
6 - السفر عن الحق: نور أسود
7 - السفر بالحق: نور بلا لون، يتجلى ذلك في تصوير آغا ميراك لبهرام غور مع زوجاته الأميرات السبع، يزور كل يوم واحدة منهن تحت قبة مغايرة الألوان كالآتي: الأسود والأصفر والأخضر والأحمر والصندلي والأبيض والأزرق الفيروزي تماماً مثل ألوان جنان الفردوس السبع.
ويتجلى ذلك أيضاً في صفحة من رسوم مصنف إسكندر (شيراز 1410م) وتمثِّل الصورة إبراهيم u تطوقه النيران، وتخضع ألوان النار فيها إلى معنى الآية: )قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم[ (الأنبياء: 69) معبرة عن معنى الأزرق والأخضر بدلاً من الأحمر والأصفر، تماماً مثل تدرجات ألوان الأحصنة لدى بهزاد.
تبدو لوحة بهزاد: «يوسف وزليخة» (بستان سعدي 1488-1489 من محفوظات المكتبة القومية في القاهرة) من أرهف الأمثلة على استقلال قيم التصوير الإيراني عن أي تأثير، بل تناقضها الأسلوبي - الروحي الصريح مع نظيره الصيني. فالتكوين العام داخلي ومعماري ومتعامد، أو بخطوط هندسية مائلة بدرجة 45 ْ، ومتعارضة؛ حيث تعكس صورة المتاهة التي تمثلها الأبواب السبعة. يُقَسَّم التكوين إذاً على أساس شطرنجي وفق منظور عين الطائر (أو عين السيمورغ) الذي يسبر «وحدة وجود» (بصرية - بصيرية)، هو الذي يكشف العناصر من وجوهها الظاهرة والباطنة، فالمشربية تتظاهر بشتى سطوحها من الواجهة والخلف والأسفل والأعلى. تتغلغل عين المشاهد في شتى حنايا الفراغ، من دون خط أفق سكوني، أو خطوط هاربة إليه وفق «منظور ألبرتي» Alberti في عصر النهضة الإيطالي. ويخالف هذا المنظور الروحي المتوازي الخطوط نظيره الصيني، وهو المنظور المقلوب الذي تلتقي خطوطه في الأسفل (بعكس المنظور الإيطالي)؛ أي إن ثمة مخالفة جوهرية تشير إلى اعتماد المنمنمة الفارسية (مدرسة بهزاد)، وعلى نحو مطلق، على السطوح الملوَّنة ذات البعدين من دون أدنى تدرج للظل والنور، ومن دون اهتمام بالتعبير عن الكتلة، مما يسمح بتوزيع «أوركسترا» الألوان الباردة والحارة والمحايدة بطريقة التنويط الموسيقي، وفق مقام لحني أفقي، كما هو في «السماعي» الشطحي. أي التحول من رفيف الصباغة إلى ذبذباتها الصوتية. ويزداد هذا التناقض حدة حينما نتذكر أن ألوان المنمنمات ذات مادة كتيمة (مثل الغواش) على الورق، بعكس التصوير الصيني الذي يُنجَز بالألوان المائية على الحرير، كما وأن هناك فرق كبير بين تواتر صفحات المخطوطة وطريقة فرد «اللفافة» الصينية، مما سمح للمدرسة البهزادية أن تطور علاقة ساحة الصفحة الداخلية بالهوامش؛ وذلك حفاظاً على إيقاع النص المنسوخ مع التصاوير المتوازية معه. وهنا يتم الوصول إلى واحدة من الأسرار الصناعية المرتبطة بأحابيل هجرة الرسم من الفراغ المهندَس إلى الفراغ المطلق، حيث يبدو الزمان والمكان بحالة إطلاق، من دون تمايز جغرافي أو حضري، ومن دون تمييز بين الفصول أو حالات الليل والنهار.
يعكس المنظر الصيني رحابة جغرافيته الطبيعية، بعكس الفردوس الإيراني الذي يمثل جناناً طوباوية بسبب قساوة الواقع الجغرافي.
لإدراك البعد الصوفي في المنظور البهزادي؛ لابد من مراجعة ليس بصريات ابن الهيثم وإنما أبي حامد الغزالي في كتابه «مشكاة الأنوار»، يشرح فيه على لسان القطب المصوّر لتلميذه أو مؤيده معنى المنظور القلبي أو البصيري الذي يصحح الأوهام السبعة التي تتعثر بها حاسة البصر، ومنها أنها ترى العناصر البعيدة أصغر من القريبة، ولا ترى ما هو مخفي منها، مؤكداً أن لعين البصيرة القدرة أكثر من العين المبصرة على كشف الحقائق الباطنة في الوجود، كما يهدي شرح السُّهروردي للإنشاد أو السمعي الصوفي إلى توّحد الحواس (السمع والبصر) في ساحة القلب، لأنه مركز التجلّي والتبيان الشطحي.
هذا ما طبقته المنمنمة الفارسية، ولاسيما مدرسة بهزاد، في الاعتماد على التنويط الموسيقي اللوني، وذلك لأن اللون صائت، وأن لكل لون صوته الخاص (أزيزه وصداه الروحي) وهذا ما ألهم مدرسي الباوهاوس Bauhaus في ألمانيا اعتماد تجارب من هذا النوع كان يشرف عليها بول كلي Paul Klee، ثم صمم زميله المدرس ڤاسيلي كاندينسكي W.Kandinsky «الأورغ الملون» في بداية القرن العشرين.
يبتدئ المصور بعد إنهاء الرسم التخطيطي بتوزيع الألوان النورانية المحايدة أو الصامتة حيث تغمر مساحات شاسعة من التكوين على غرار مشتقات الرمادي والأصفر أو الذهبي أو الأهرة الباردة، ثم ينتزع البؤر البيضاء من محيطها، مثل تحديد مواقع العمامات الصفوية مع أوتادها الحمراء، ثم يبدأ بحثه الجدّي عن المقام اللوني المسيطر ابتداء مما تقترحه بصورة حدسية هذه المبادرات الصباغيّة، ويبحث بطريقة لا تقبل التعديل عن المكملات اللونية لأحمر العمامة مثلاً وفق نوعه.
يتزامن اللون الجديد المقابل (الأزرق) مع الأول، ثم يصل إلى مكملات صوتية أخرى من دون أن يشوش سلم الإدراك البصري - الصوتي. وتتعقد بالتدريج الجوارات اللونية حيث تبدو بؤرها الإشعاعية متباعدة، ترصّع الفراغ المحايد مثل الجواهر وقطع الزجاج المعشق، حيث تغلب لديه دوماً القيم التجريدية على دلالات العناصر، بما فيها الأشخاص، فاختيار لون القميص أو الرداء مرتبط ليس بواقعيته وانتسابه إلى الشخص الذي يرتديه، وإنما إلى المجموعات اللونية التي تجاوره بعكس منمنمات العهد المغولي التي كانت تستعيد آلية تصميم عرائس «خيال الظل» في رسم الحدود الحاسمة للشخص. ويزداد التنغيم تعقيداً بين السطوح عندما تكون ذات طبائع زخرفة متباينة فتبدو وكأنها ملصقات أو مقصوصات «تكعيبية» رهيفة. لعلّ أبلغ مثال على هذا المنهج هو تكوينات تصاوير: «تعمير قصر الخورنق» و«المأمون في الحمام الشعبي» «خمسة نظامي» عام 1494م (المتحف البريطاني - لندن) لذلك فإن الحدود غير واضحة بين الذكر والأنثى، فالكون التعبيري يقع في احتدام اختيار اللون وليس في السمات السيكولوجية للأشخاص.
أما لوحة «يوسف وزليخة» التي مر ذكرها، فتتميز بقدرة المصور بهزاد على العزف على الأزرق ومشتقاته الخضراء. عُرف من سلالمه اللونية ثلاثة أنواع من الأزرق وثلاثة من الأخضر ومثلها من الأحمر. كذلك فإن اختيار قطوعه الورقية بقياس شبه تربيعي يعطيه الحرية في التكوين اللوني، ومضاعفة لعبة الهوامش المعمارية في الداخل والخارج. يتفوق يهزاد في تقانته اللونية المتوهجة على شتى مصوري العهود التيمورية والصفوية: ألوان تخزّن حرائق الشمس ورطوبة الفردوس، تماماً مثل الإحساس الصائت بإطفاء قطعة الجمر في حوض من الثلج.
يصرّح أحد كبار معلمي التصوير الصيني: «في البدء كان الخط»، أما بالنسبة إلى بهزاد ومدرسته «في البدء كان اللون». كان المنمنمون من أمثاله لا يكشفون مراحل تطور ألوان منمنماتهم إلا على مريديهم المقرّبين، من هنا تُدرك أهمية النماذج الباقية النادرة غير المكتملة (على غرار التصوير المنشور في Les Jardins du désir ص 74 تبريز - عام 1535 - قياس 20.8 × 11.5سم) والتي تثبت أن توزيع اللون كان يتم بطريقة تجريدية بمعزل عن دلالات الموضوعات، وأن بعضها كان يختم واللوحة مقلوبة؛ وهذا ما يفسر لماذا أصبحت هذه التصاوير ترسم على حدة وتُلصق في أماكنها من المخطوطة بعد أن كانت تُنفَّذ مباشرة في مواقعها، وهذه بعض إنجازات بهزاد ومدرسته، إذ كان يمهد للوحاته بعبارة «عمل العبد بهزاد»، فقد جعل القرار النهائي في إخراج تصاوير الكتاب في يد المصورين إثر مرحلة مديدة من سيطرة الخطاطين.
أسعد عرابي
المنمنمة miniature صورة صغيرة في مخطوط، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية minium التي تعني المداد الأحمر الذي كان يستخدمه النساخ للتأشير، أو لتدبيج rubrication الحروف الاستهلالية بالمواضع المهمة من النص، وتعني كلمة miniare الكتابة أو التصوير باللون القرمزي، وامتدت كلمة miniature فيما بعد لتشمل الرسوم التوضيحية المصورة بأي حجم وأي شكل تظهر به سواء داخل أطر أم (غرات) أم حروف استهلالية.
فالمنمنمة تصوير دقيق فوق ورق رِقِّي، أو قطع من العاج، أو صور إيضاحية في المخطوطات.
التأثير الصيني
يمثل وصول الاختراع الصيني «الورق» إلى العالم الإسلامي منعطفاً أساسياً في انتشار صناعة الكتاب والمكتبات، ودور الحكمة والعلم، وازدهار محترفات النسخ والتخطيط والتدوين والتصوير والتذهيب والتجليد حتى صار حي الوراقين يمثل العصب الرئيس في خطط التنظيم الحضري.
الشاه بشمان وهومايا في حدائق القصر | |
الشاه بشمان في الصيد |
أمير شاب بثياب إيرانية (زي إيراني) | |
(نحو1560-1570م) | |
رستم على رأس جيشه |
وتنجلي الأمور أكثر في إيران إبّان العصر المغولي، فبعد ما خلفته بداية تلك الفترة (القرن الثالث عشر الميلادي) من تدمير محترفات المدن، صارت تبريز وبغداد المقر الشتوي. وكانت الأسرتان المغوليتان الحاكمتان في إيران قد استلمتا مقاليد الحكم في الصين أيضاً، وسعى أحفاد جنكيزخان وهولاكو إلى الاتصال مع أبناء عمومتهم التتار البوذيين فيها.
تولى الخان الأكبر مانجو الحكم عام 1251، وأقام في سمرقند عام 1255، وأسس أسرة الإيلخانات التي حكمت فارس حتى عام 1336، واتبع المصورون في البداية مدرسة التصوير العربية والأسلوب السلجوقي إضافة إلى الأساليب الفنية المغولية الجديدة، وإن أقدم المخطوطات التي تمثِّل هذا الخليط نسخة باللغة الإيرانية من كتاب «منافع الحيوان» لابن بختيشوع؛ كُتبت وصُوِّرت في مدينة مراغة القريبة من تبريز بأمر الأمير غازان محمود خان.
ومن المراكز التي تجلَّى فيها تطوُّر مدرسة التصوير المغولية مدينة تبريز في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، وأحسن مثال على أسلوب هذه المدرسة مخطوطة «تاريخ الأمم القديمة» أو «الآثار الباقية» التي كتبها البيروني (707هـ)، ويظهر التأثير المغولي واضحاً في مخطوطة «جامع التواريخ» للوزير رشيد الدين، سرد فيها موضوعات من تاريخ الأنبياء وملوك الفرس والعباسيين والسلاجقة وقصص من الإنجيل وتاريخ الهند.
أما المخطوطة التي تُظْهِر أوج تطوُّر هذه المدرسة نحو الأساليب الإيرانية فهي مخطوطة «الشاهنامة» (كتاب الملوك) التي نظمها الشاعر الفردوسي للملك محمد الغزنوي، واشترك في تصويرها أبرع مصوري ذلك العهد، وثمة نسخة أخرى للشاهنامة بأسلوب مختلف، إذ قَلَّتْ فيها العناصر الصينية وبرزت خصائص المدرسة المغولية بتقسيم الصورة إلى مقدمة ومؤخرة.
أُسست في كل من إيران والعراق بعد سقوط الأسرة الإيلخانية مدارس تصوير مرموقة في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، وكانت مراكزها مدينتي بغداد وتبريز إبّان حكم الجلائريين، ومدينة شيراز إبان حكم المظفرين.
حاول تيمورلنك إخضاع الصين بعد خراسان وإيران والأتراك، ولكن الأمر تغيّر حينما سقط حكم أسرة «وَنْ» المغولية في الصين واستلمت أسرة مينغ الوطنية ابتداء من عام 1368م. كان التيموريون حذرين في البداية، ثم عقدوا الصلات الدبلوماسية والتجارية معهم. وكان هذا موقف ابنه شاه رخ ثم حفيده بيسنقر الذي أرسل في أثناء حكمه المصوِّر غياث الدين النقاش في بعثة إلى الصين من عام 1420 حتى عام 1424 عاد بعدها بذخيرة من الملاحظات والرسوم وبعض المصورين، ويؤكد ذلك أن منمنمات تلك الفترة متأثرة بطراز «مينغ»، ولعل أبرزها قصائد خواجو كرماني التي تمثل إحدى تصاويرها غَرَام الأمير الفارسي هماي وابنة إمبراطور الصين هومايون (1396). وتحمل هذه الملحمة رمزاً لعلاقة الصين بإيران في تلك الفترة التي ترصعت بعدد من تصاوير المناظر من دون أشخاص وبلون واحد. وكان يغلب على تصاوير تلك المرحلة هيئة السحنات الصينية، وقد تغير الأمر مع حكم السلطان حسين بيقرا ووزيره مير علي شير، بحيث أخذت التقاليد الوطنية في التصوير تنهض وتندحر التأثيرات الصينية مع اسم بهزاد في هراة.
الاستعارات الغرافية graphiques
نقل الورق الصيني بعضاً من حساسيته الغرافية مثله مثل «خيال العرائس» أو «خيال الظل»، فالمادة ليست وسيطاً حيادياً كما يرى بعضهم، ومع أن الإيرانيين توصلوا إلى صناعة أنواع راقية من ورق الحرير والكتّان، فقد ظلوا يستوردون أنواعه المعروفة من الصين.
أما بقية المفردات الزخرفية فهي موجودة في كل مكان حيث يحل البورسلان (الخزف)، إذ حافظ الإيرانيون على احترامهم لصناعته، وهذا ما تؤكده لوحة رضا عباسي: «شاب يحمل إناء صينياً بعنق طويلة»، ومن هذه العناصر التي انتقلت إلى إيران: التنين والفينيق واللقلق والوحوش الخرافية مثل: وحيد القرن والبراق والمجنحات وأبي الهول، ثم هيئات الجن والسحرة والممسوسين والمسوخ السحرية على غرار رسوم مخطوطات «آجوج وماجوج» في بلاد الواق الواق، أو «زال يحمله السيمورغ»، وقد تكون أيضاً بتأثير مباشر من عرائس «خيال الظل» التهكمية (التي ذكرها عمر الخيام)، وتأثر بها كل من محمدي وسلطان محمد. ثم أنواع الطيور (ولاسيما البط)، والغزلان والأرانب، والجذوع المعمرة وأنواع السرو والبامبو (غير موجود أصلاً في إيران)، ثم الصخور الإسفنجية والغيوم التنينية والأهلة اللولسية والأمواج الحلزونية وألسنة اللهب البوذية وغيرها. ويمكن الاطّلاع على هذه الاستعارات في تصاوير مخطوطة «جامع التواريخ» والمصور «سلطان محمد» الذي غلب على مناظره طراز «مينغ».
وفي تصاوير شيراز في الفترة المغولية تُشاهد ملابس وأسلحة وأزياء صينية، وتبدو ملامح شيرين في تصاوير مدرسة هراة صينية أكثر منها أرمنية، وتظهر أشد التأثيرات في التصاوير التي يغلب عليها الخط بالحبر الصيني من دون ألوان، مثل مخطوطة «مختارات إسكندر» أو «شاهنامه السلطان إبراهيم».
التعارض الفلسفي (الروحي)
معركة رستم وأفرازياب | |
شاه نامه الشاه طهماسب (إيران، تبريز، نحو 1530-1535) | |
غواشما وذهب وحبر على ورق (طهران، متحف الفن المعاصر) |
يتناقض هذا الإيقاع الحدسي - الذاكراتي المتسارع مع طبيعة إنجاز المنمنمة الإيرانية المتراكم في ساعات أو أشهر أو سنوات. ثم لا يوجد أي مصور فارسي يقوم بدور الشاعر، لأن الملاحم الشعرية الإيرانية تمثل الخزان الثقافي للسير الشعبية، لدرجة تبدو الموضوعات متكررة غالباً، فقد رسمت «شاهنامة» مرات عديدة، وفي كل مرة كانت تُؤدَّى بحساسية مغايرة وفق المحترِف أو الفنان. وبمقارنة الفناء الضوئي الرحب في «اللفافة» الصينية بمفهوم «النور» في المنمنمة الفارسية، ولاسيما عند «بهزاد»؛ يتوضح التعارض الجوهري بين الفلسفتين، إنه التعارض بين مفهوم التشبيه (المقاربة مع المنظر الطبيعي) والتنزيه (الشطح بالعالم باتجاه الحلم والتجلي القلبي)، لهذا تبدو التصاوير المغولية المبكرة المتأثرة بالمعنى الصيني، ومثالها رسوم مخطوطة «جامع التواريخ» أشد وصفيّة وواقعية من رسوم «مدرسة بهزاد» الأقرب إلى التعبيرية اللونية، ولاسيما في تكوينات المعارك؛ حيث تتشرد بؤر اللون، وتتشظى المساحات الصباغية لدرجة تطغى فيها تجريدات الألوان وحواراتها على دلالات الأشكال، وهنا يتم العبور من مفهوم اللون إلى تأويلين صريحين؛ الأول يرتبط بالنور الطبيعي، والثاني بالنور «البصري»، أو الضوئي. أي فناء النور في النور (وفق آية النور القرآنية)، تماماً كما يُصوَّر بالأبيض على الأبيض والذهبي على الأصفر، فالمذهبون يضبطون نوطة المساحات المسطحة المقتصرة على بعدين والمنزهة عن الحجم والظل والمنظور الصيني، وتخضع الصناعات الذوقية الإسلامية عموماً لهذه الصبوة النورانية بما فيها المواد العاكسة للنور مثل السيراميك والمرايا والبحرات وأنواع الزجاجيات، لدرجة تبدو فيها المدينة وكأنها مشكاة قزحية من الألوان الوامضة أو المرايا المتعاكسة.
ويبدو أن معظم المصورين الإيرانيين (ولاسيما بهزاد) جعلوا من سلم ألوانهم نوراً من التجلي والغبطة المستديمة من دون أدنى حسبان للمزدكية (لأنها بالنسبة لأمثالهم نوع من الزندقة)، ولا يمكن إدراك عمق صوفيتهم اللونية إلا بالرجوع إلى المناخ الروحي لعصرهم وبيئتهم، فالتمفصل يبدو عضوياً بين الاتجاهات الصوفية والأبعاد الباطنية في التصوير.
من المعروف أن الشاه إسماعيل (مؤسس الدولة الصفوية عام 1502م، من سلالة الشيخ صفي الدين) مؤسس الطريقة الصوفية وفرقة الدراويش، ولم يكن ابنه طهماسب بأقل منه رهافة وثقافة، فقد حكم نصف قرن من الزمان مشجعاً على الموسيقى والتصوير والشعر، وكان مصوراً بارعاً لدرجة أن مصوري مكتبته لا يضعون اللمسات الأخيرة على تصاويرهم إلا بعد استشارته، أو تعديلاته لها أو تصحيحها، وفي عهده أيضاً تطور طراز خط النستعليق تطوراً كبيراً.
رستم يجندل خصمه | انتصار رستم على قاشاني |
صفحة من الشاه نامه (إيران، نحو 1499) | شاه نامه طهماسب (إيران، تبريز، نحو 1530-1531) |
غواشما وذهب وحبر على ورق | (طهران، متحف الفن المعاصر) |
توافق أغلب الملاحم الشعرية التي عالجها المصورون من جهة أخرى صوراً قرآنية، على غرار «يوسف وزليخة» و«إبراهيم والنار» و«أهل الكهف»، ثم قصص الأنبياء والمتصوفة من المعراج إلى حلقات الذكر والأولياء والنسّاك والدراويش والمنشدين، بل إن بعض المؤلفات المصوَّرة اختصت بالسيرة على شاكلة: «مجالس العشاق» لمجد الدين البغدادي (1522م)، و«سبحة الأبرار» لنور الدين حاجي (1562)، أو «منطق الطير» لفريد الدين العطار (عرفانية السيمورغ)، أو «مثنوية» جلال الدين الرومي، ثم «روضة الصفاء» (شيراز 1475) أو (كتاب الوجد «حالنامة»، شيراز 1591م)، أو «كتاب النور» شيراز، و«مطلع الأنوار» (تبريز، 1500- 1505).
صفحة من الشاه نامه | |
(إيران، نحو 968هـ/1560-1561م) | |
حبر ورسوم ملونة ولمسات ذهبية على ورق |
خلّف المصورون كثيراً من الرسوم التي ترصد أحوال الدراويش ومواجيدهم، ومثال ذلك تصاوير بهزاد: «فقهاء في مسجد» من بستان سعدي، و«درويش من بغداد» (قد يكون ترميزاً للحلاج). وهناك قاسم علي: «جماعة من المتصوفة يتناقشون في حديقة» (1485م)، إضافة إلى معاني الحب المطلق «ليلى والمجنون» ترميزاً إلى «العشق الإلهي». وفي رسوم المعراج يعتمر النبي r العمامة الصفوية ذات الوتد الأحمر ومحجب الوجه، ويثقل كاهل براقه أنواع الطنافس والسجاجيد المحلية.
لعل أبرز تظاهرات هذه الصبوة الوجدية موضوع ثنائية: «السكر والصحو» الرمزيتين والاستعارة هنا من مشاهد الخمرة وكؤوس الـراح ونشوة الثمل. لعل أبرزها صورة أنجزها سلطان محمـد في تبريـز (1527م) من ديوان حافظ بعنوان: «سكر هذا العالم» تمثل مجتمعاً مترنحاً من نشوة السكر، يرقص بعضهم ويتدحرج آخرون، ويتأمل أحد مشايخهم المرآة، وتبدو في طرف التكوين شرفة تطل على حديقة ورجل يمسك بيده حبل يتدلى منه إبريق من الخمر.
المنظور البصيري، ومقام «السماعي» في نوطة ألوان المنمنمة الفارسية ولاسيما مدرسة بهزاد: استعادت مدينة هراة مركزها الفني في فترة حكم حسين ميرزا (873-911هـ)، آخر حكام الأسرة التيمورية، وتعد فترة حكمه من العصور الذهبية، وكان هو ووزيره المؤرخ مير علي من مشجعي الأدب والتصوير في إيران، وظهر في عهده كمال الدين بهزاد[ر] أبرز مصوري إيران في العصر الإسلامي، وتلاميذه مراك نقاش وعبد الرزاق وقاسم علي وشيخ زادة، وكان بهزاد من أوائل المسلمين الذين اهتموا بوضع تواقيعهم على أعمالهم الفنية.
وفي العصر الصفوي وبعد أن تمكن الشاه إسماعيل من السيطرة على هراة نحو عام 916هـ/1510م نقلَ المصورين المشهورين إلى تبريز، وعيَّنَ كبيرهم بهزاد رئيساً للمكتبة الملكية عام 1522م، ويعد بهزاد المؤسس لمدرسة التصوير الصفوية الأولى التي تكونت وازدهرت في تبريز وقزوين. وضمت هذه المدرسة: سلطان محمد وشيخ زادة وأقارك ومظفر علي وميرسيد علي ومحمدي وسيد كير نقاش وشاه محمد ودوست محمد، ولما كان هؤلاء متأثرين بأساليب المدرسة التيمورية فقد كان الإنتاج الأول لمدرسة التصوير الصفوية الأولى في تبريز استمراراً لما كان سائداً في هراة مع تغيير طفيف في درجات الألوان التي زاد هدوؤها. وفي عهد الشاه عباس (1587 ـ 1629م) اشتهر كل من المصورين محمدي الذي نفث الروح في التصوير الفارسي بعد خبوه، وأقا رضا، ورضا عباسي [ر].
اكتشف المصورون الإيرانيون صيغة من «التعبيرية اللونية» قلبت مفاهيم الفن المعاصر في أوربا القرن العشرين، وتعتمد هذه الصيغة على التحول من الغبطة الروحية إلى الغبطة الموسيقية في اللون، وتتراكم في هذه التقاليد الثقافة الصوفية والرمزية العرفانية في تحكم الألوان. وقد نقلت الباحثة المتصوفة إيفا ميروفيتش Eva Meyerovitch في مؤلَّفِها الشهير عن سيرة جلال الدين الرومي؛ سلماً سباعياً من المحطات الذوقية تتبدل فيه معاني الألوان بتغيير أحرف الجر كما يأتي:
1 - السفر إلى الحق: نور أزرق
2 - السفر من الحق: نور أصفر
3 - السفر على الحق: نور أحمر
4 - السفر مع الحق: نور أبيض
5 - السفر في الحق: نور أخضر
6 - السفر عن الحق: نور أسود
7 - السفر بالحق: نور بلا لون، يتجلى ذلك في تصوير آغا ميراك لبهرام غور مع زوجاته الأميرات السبع، يزور كل يوم واحدة منهن تحت قبة مغايرة الألوان كالآتي: الأسود والأصفر والأخضر والأحمر والصندلي والأبيض والأزرق الفيروزي تماماً مثل ألوان جنان الفردوس السبع.
ويتجلى ذلك أيضاً في صفحة من رسوم مصنف إسكندر (شيراز 1410م) وتمثِّل الصورة إبراهيم u تطوقه النيران، وتخضع ألوان النار فيها إلى معنى الآية: )قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم[ (الأنبياء: 69) معبرة عن معنى الأزرق والأخضر بدلاً من الأحمر والأصفر، تماماً مثل تدرجات ألوان الأحصنة لدى بهزاد.
تبدو لوحة بهزاد: «يوسف وزليخة» (بستان سعدي 1488-1489 من محفوظات المكتبة القومية في القاهرة) من أرهف الأمثلة على استقلال قيم التصوير الإيراني عن أي تأثير، بل تناقضها الأسلوبي - الروحي الصريح مع نظيره الصيني. فالتكوين العام داخلي ومعماري ومتعامد، أو بخطوط هندسية مائلة بدرجة 45 ْ، ومتعارضة؛ حيث تعكس صورة المتاهة التي تمثلها الأبواب السبعة. يُقَسَّم التكوين إذاً على أساس شطرنجي وفق منظور عين الطائر (أو عين السيمورغ) الذي يسبر «وحدة وجود» (بصرية - بصيرية)، هو الذي يكشف العناصر من وجوهها الظاهرة والباطنة، فالمشربية تتظاهر بشتى سطوحها من الواجهة والخلف والأسفل والأعلى. تتغلغل عين المشاهد في شتى حنايا الفراغ، من دون خط أفق سكوني، أو خطوط هاربة إليه وفق «منظور ألبرتي» Alberti في عصر النهضة الإيطالي. ويخالف هذا المنظور الروحي المتوازي الخطوط نظيره الصيني، وهو المنظور المقلوب الذي تلتقي خطوطه في الأسفل (بعكس المنظور الإيطالي)؛ أي إن ثمة مخالفة جوهرية تشير إلى اعتماد المنمنمة الفارسية (مدرسة بهزاد)، وعلى نحو مطلق، على السطوح الملوَّنة ذات البعدين من دون أدنى تدرج للظل والنور، ومن دون اهتمام بالتعبير عن الكتلة، مما يسمح بتوزيع «أوركسترا» الألوان الباردة والحارة والمحايدة بطريقة التنويط الموسيقي، وفق مقام لحني أفقي، كما هو في «السماعي» الشطحي. أي التحول من رفيف الصباغة إلى ذبذباتها الصوتية. ويزداد هذا التناقض حدة حينما نتذكر أن ألوان المنمنمات ذات مادة كتيمة (مثل الغواش) على الورق، بعكس التصوير الصيني الذي يُنجَز بالألوان المائية على الحرير، كما وأن هناك فرق كبير بين تواتر صفحات المخطوطة وطريقة فرد «اللفافة» الصينية، مما سمح للمدرسة البهزادية أن تطور علاقة ساحة الصفحة الداخلية بالهوامش؛ وذلك حفاظاً على إيقاع النص المنسوخ مع التصاوير المتوازية معه. وهنا يتم الوصول إلى واحدة من الأسرار الصناعية المرتبطة بأحابيل هجرة الرسم من الفراغ المهندَس إلى الفراغ المطلق، حيث يبدو الزمان والمكان بحالة إطلاق، من دون تمايز جغرافي أو حضري، ومن دون تمييز بين الفصول أو حالات الليل والنهار.
يعكس المنظر الصيني رحابة جغرافيته الطبيعية، بعكس الفردوس الإيراني الذي يمثل جناناً طوباوية بسبب قساوة الواقع الجغرافي.
لإدراك البعد الصوفي في المنظور البهزادي؛ لابد من مراجعة ليس بصريات ابن الهيثم وإنما أبي حامد الغزالي في كتابه «مشكاة الأنوار»، يشرح فيه على لسان القطب المصوّر لتلميذه أو مؤيده معنى المنظور القلبي أو البصيري الذي يصحح الأوهام السبعة التي تتعثر بها حاسة البصر، ومنها أنها ترى العناصر البعيدة أصغر من القريبة، ولا ترى ما هو مخفي منها، مؤكداً أن لعين البصيرة القدرة أكثر من العين المبصرة على كشف الحقائق الباطنة في الوجود، كما يهدي شرح السُّهروردي للإنشاد أو السمعي الصوفي إلى توّحد الحواس (السمع والبصر) في ساحة القلب، لأنه مركز التجلّي والتبيان الشطحي.
هذا ما طبقته المنمنمة الفارسية، ولاسيما مدرسة بهزاد، في الاعتماد على التنويط الموسيقي اللوني، وذلك لأن اللون صائت، وأن لكل لون صوته الخاص (أزيزه وصداه الروحي) وهذا ما ألهم مدرسي الباوهاوس Bauhaus في ألمانيا اعتماد تجارب من هذا النوع كان يشرف عليها بول كلي Paul Klee، ثم صمم زميله المدرس ڤاسيلي كاندينسكي W.Kandinsky «الأورغ الملون» في بداية القرن العشرين.
يبتدئ المصور بعد إنهاء الرسم التخطيطي بتوزيع الألوان النورانية المحايدة أو الصامتة حيث تغمر مساحات شاسعة من التكوين على غرار مشتقات الرمادي والأصفر أو الذهبي أو الأهرة الباردة، ثم ينتزع البؤر البيضاء من محيطها، مثل تحديد مواقع العمامات الصفوية مع أوتادها الحمراء، ثم يبدأ بحثه الجدّي عن المقام اللوني المسيطر ابتداء مما تقترحه بصورة حدسية هذه المبادرات الصباغيّة، ويبحث بطريقة لا تقبل التعديل عن المكملات اللونية لأحمر العمامة مثلاً وفق نوعه.
يتزامن اللون الجديد المقابل (الأزرق) مع الأول، ثم يصل إلى مكملات صوتية أخرى من دون أن يشوش سلم الإدراك البصري - الصوتي. وتتعقد بالتدريج الجوارات اللونية حيث تبدو بؤرها الإشعاعية متباعدة، ترصّع الفراغ المحايد مثل الجواهر وقطع الزجاج المعشق، حيث تغلب لديه دوماً القيم التجريدية على دلالات العناصر، بما فيها الأشخاص، فاختيار لون القميص أو الرداء مرتبط ليس بواقعيته وانتسابه إلى الشخص الذي يرتديه، وإنما إلى المجموعات اللونية التي تجاوره بعكس منمنمات العهد المغولي التي كانت تستعيد آلية تصميم عرائس «خيال الظل» في رسم الحدود الحاسمة للشخص. ويزداد التنغيم تعقيداً بين السطوح عندما تكون ذات طبائع زخرفة متباينة فتبدو وكأنها ملصقات أو مقصوصات «تكعيبية» رهيفة. لعلّ أبلغ مثال على هذا المنهج هو تكوينات تصاوير: «تعمير قصر الخورنق» و«المأمون في الحمام الشعبي» «خمسة نظامي» عام 1494م (المتحف البريطاني - لندن) لذلك فإن الحدود غير واضحة بين الذكر والأنثى، فالكون التعبيري يقع في احتدام اختيار اللون وليس في السمات السيكولوجية للأشخاص.
أما لوحة «يوسف وزليخة» التي مر ذكرها، فتتميز بقدرة المصور بهزاد على العزف على الأزرق ومشتقاته الخضراء. عُرف من سلالمه اللونية ثلاثة أنواع من الأزرق وثلاثة من الأخضر ومثلها من الأحمر. كذلك فإن اختيار قطوعه الورقية بقياس شبه تربيعي يعطيه الحرية في التكوين اللوني، ومضاعفة لعبة الهوامش المعمارية في الداخل والخارج. يتفوق يهزاد في تقانته اللونية المتوهجة على شتى مصوري العهود التيمورية والصفوية: ألوان تخزّن حرائق الشمس ورطوبة الفردوس، تماماً مثل الإحساس الصائت بإطفاء قطعة الجمر في حوض من الثلج.
يصرّح أحد كبار معلمي التصوير الصيني: «في البدء كان الخط»، أما بالنسبة إلى بهزاد ومدرسته «في البدء كان اللون». كان المنمنمون من أمثاله لا يكشفون مراحل تطور ألوان منمنماتهم إلا على مريديهم المقرّبين، من هنا تُدرك أهمية النماذج الباقية النادرة غير المكتملة (على غرار التصوير المنشور في Les Jardins du désir ص 74 تبريز - عام 1535 - قياس 20.8 × 11.5سم) والتي تثبت أن توزيع اللون كان يتم بطريقة تجريدية بمعزل عن دلالات الموضوعات، وأن بعضها كان يختم واللوحة مقلوبة؛ وهذا ما يفسر لماذا أصبحت هذه التصاوير ترسم على حدة وتُلصق في أماكنها من المخطوطة بعد أن كانت تُنفَّذ مباشرة في مواقعها، وهذه بعض إنجازات بهزاد ومدرسته، إذ كان يمهد للوحاته بعبارة «عمل العبد بهزاد»، فقد جعل القرار النهائي في إخراج تصاوير الكتاب في يد المصورين إثر مرحلة مديدة من سيطرة الخطاطين.
أسعد عرابي