كبيراً إن لم يكن بالقدر الذي يفوق فبالقدر الذي تلعبه الدلالات المفردة ذاتها ، ونحن لا نعني أن ظلال الدلالات هامة لأنها تزودنا بألوان من الحواشي وضروب الأهداب الممتدة ، أي بدلالات خارجة عن المعنى الأصلي ، ولكننا نعني أن الشاعر لا يلجأ إلى دلالات محددة على الإطلاق مثلما يفعل العالم في نثره ، والناظم في نظمه ، إن العلم من شأنه أن يثبت أي يجمدها في حدود دلالاتها الخاصة ، والعالم يستخدمها أدوات جاهزة ذات قيمة محددة في الإستعمال وخارج الإستعمال ، أما الشاعر فيميل على النقيض من ذلك إلى تفتيتها وتركيبها من جديد فهو يصنع لغته الخاصة به ، ويبنيها أثناء سيره في العمل وفي لحظات الإبداع ، وكثيراً ما تعدل الكلمات أو الوسائط في هذه الحالة دلالات بعضها بعضاً ، وتنشر الأفياء والظلال ، أي أنها تنتهك حرمة حدود معانيها المعجمية لتصل إلى وضع قد تحمل فيه المعنى ونقيضه ، ولقد قلنا إن دلالات الكلمات في النثر تقتصر على معانيها الخارجية الشفافة المتوافقة المحددة ، أما لغة الشعر فلا يمكن أن تكون مفردة الدلالات ولو قصد الشاعر إلى ذلك ورمى إليه فان دلالات ألفاظه تتداخل ، وإشعاعاتها تتجاوز حدودها العادية ، وتكتسب من بعضها بعضاً إشعاعات جديدة مكونة معاً معاني جديدة ماكانت لتكون لو لم تجتمع على هذا النسق ، أو ينتظمها هذا البناء الخاص (۱) .
وإذا أردنا أن تبلور خصائص واسطة الشعر السابقة لقلنا إنها واسطة تتصف بصفتين تضم إحداهما الأخرى : الأولى هي الإيقاع ، والثانية الصورة ، وارتباط هاتين الصفتين أو القيمتين بالإنفعال أمر لانحتاج إلى تأكيده ، فالانفعال اهتزاز ، والإهتزاز سمة الإيقاع ، والإنفعال ظل دلالة وابحاء لا يمكن ايصالهما بالتعبير المباشر وإنما بالصورة أنا ذلك إلى تأكيد تاريخي يشد أزر حجتنا ، وإذن فلنغادر جميع الفترات الإتباعية والرومانسية والحالية التي اقترب الشعر خلالها تارة من الرسم والمكان وأخرى من الموسيقا والزمان فهذه كلها قیم كبير إلى روح العصر ، ولا يمكن أن تعد حجة بالغة ولنصل في تفتيشنا وتلمسنا لطبيعة واسطة الشعر إلى فترة تعلو على جميع الفترات ، إنها فترة النشأة ، كيف نشأ الشعر ، بل كيف نشأت اللغة على العموم مادام الشعر واللغة والصورة حلقات متداخلة تقتضي الإجابة عن إحداهما الإجابة عن أخراهما ؟ ؟ . نشأت اللغة أول ما نشأت من العلاقة بين الكلمات - الأسماء - والأشياء - المسميات ، وتفسير هذه العلاقة وكيف تمت أمر مختلف فيه ، ونجد في ذلك عدة اتجاهات : فهناك الإتجاه السلفي الذي يفسرها في ضوء قوة عليا علمت الإنسان أسماء المسميات (۱) ، وهناك الإتجاهات الأنثروبولوجية والنفسية واللغوية التي تحصر عادة في أربع نظریات (۲) :
١_ نظرية المحاكاة أو نظرية ال Bow Wow»
٢ _ نظرية التعبير الجماعية أو نظرية ال : « Yo, He, Ho
٣ _ النظرية التلقائية الغريزية أو نظرية ال: « Ding Bong »
٤ _ النظرية المادية التطورية أو نظرية ال: << Pooh pooh >>
والنظرية الأولى تذهب إلى أن اللغة نشأت تقليداً للأصوات الطبيعية والحيوانية التي سمعها الإنسان الأول ، فاتخذ صوت عواء الذئب ومواء الهر وزئير الأسد وحفيف الشجر وزفير النار وخرير الماء وأعلاماً لها ، وبهذا تكونت له مجموعة كبيرة من الكلمات تعد من أقدم الكلمات الكلمات في اللغة الإنسانية ، وهي التي يعبر صوتها عن مدلولها « Onomatopoeia » ، ثم تطورت بعد ذلك . وقد أصبحت هذه النظرية اليوم من الماضي ، وقضت مع نظرية المحاكاة لأنها تقف بالفكر الإنساني - كما يقولون عند حدود حظائر الحيوانات ، فضلاً أن اللغة في وضعها الراهن لاتكاد تشتمل إلا على قدر ضئيل جداً تلك الكلمات الواضحة الصلة بين اللفظ والمدلول .
والنظرية الأخيرة المادية التطورية لا تشرح بوضوح طبيعة النشأة ذلك أن الربط بين الأصوات وبين تقلصات أعضاء النطق أو انبساطها للتعبير بالشهقات والتأوهات عن الإنفعالات ، ثم تفسير هذا الربط تفسيراً فسيولوجياً لايؤدي بالضرورة إلى نشأة الكلام الذي يصدر عن عن المرء بصورة إرادية ، فهذه مجرد أصوات سلبية تنطلق من الإنسان حين يعجز عن الكلام ، علاوة على أنها أصوات عرفية تختلف باختلاف والشعوب .
وتبقى النظريتان الثانية والثالثة اللتان تذهبان إلى أن النطق الإنساني نشأ في صورة جماعية ، أي صدر عن مجموعة من الناس أنناء قيامهم من جهة بعمل شاق مضن تعاونوا على أدائه من جهة ، وأن هناك صلة وثقى بين ما ينطق به المرء من أصوات وبين مايدور في خلده. أفكار أخرى ، فالأصوات الجماعية التي تصدر أثناء العمل لا تلبث أن ترتبط بالعمل نفسه ، وتصبح بمثابة علم له لأن كل أثر يتأثر به المرء يستلزم النطق ببعض الأصوات ، وإذا كانت هذه قدرة أو قوة اختص بها الإنسان منذ بدء الخليقة وسرها لايزال غامضاً علينا فان العبارات التي خلفها تعد بدءاً طبيعياً للكلام . خارجي وفي ظني أنا نستطيع أن نضم هاتين النظريتين إلى بعضهما بعضاً فنقول : إن اللغة نشأت أول مانشأت من حاجة الإنسان البدئي فرداً ومع غيره - للتعبير عن موقفه الإنفعالي تجاه الطبيعة ، والذين يتحدثون عن ( توصيل » اتصفت به اللغة أول ما اتصفت ، وعن نفع فيها لحاجة الإنسان إلى نقل أفكاره فان ذلك كله مرحلة لاحقة متأخرة نشأت مع نشأة المجتمع البدائي مهما كان لونه (۳) ، أما وأن الإنسان كان يعيش وسط مظاهر الطبيعة الخارقة فانه كان مضطراً ليعبر عن إحساساته ومشاعره ، أو يعبر عن أثر وقع الظواهر الخارجية ( الموضوعات ) في ) ذاته ) ، وكان يتعبر بكلمات جذرية « Radical » ، يحمل كل جذر منها العديد من الدلالات ، وتتحدد الدلالة المقصودة وتتخصص عن طريق النسق الذي استعملت فيه ، وبصورة أخرى كان الإنسان البدئي يدرك الموضوعات في جذور متشعبة ينتظمها كل عضوي من جهة ، وتنحل إلى معانيها المفردة في نطاق النسق من جهة أخرى، ولم يكن هذان
النطاقان بمنفصلين عن بعضهما بعضاً بل كانا متداخلين ، فالإنسان في الأول يعبر بصوت واحد عن موقفه تجاه الحيوان ( الجنس والنوع معاً ، وبصوت واحد عن النبات ) الجنس والنوع معاً وهكذا . . . بل إن الصوت الواحد كان يحمل دلالته ونقيض دلالته مثل كلمة ( اشترى ) التي تحمل معناها ومعنى باع في الوقت نفسه ، ولكن كيف كان المتلقي يفهم الدلالة المقصودة المفردة من استعمال الصوت العام ؟ هاهنا ننتقل للاجابة إلى النطاق الثاني ( النسق ) ، أو الكل العضوي الذي تتخصص فيه الكلمة ولا يفهم منها سواها ، وقد ألقى علم نفس الغشطالت (۱) أضواء ساطعة على مشكلة النسق هذه حين لاحظ أن تصور الموضوع خارج النسق تصور متأخر لأنه تصور تجريدي والبدئي كالطفل في ذلك كلاهما لا يستطيع التجريد ولا التعميم ، أي لا يستطيع أن الموضوعات خارج النسق ، ونسق الطفل كنسق البدئي بالنسبة له ولغيره يحمل خصوصية مفردة متمايزة (٤) ، ولكي ندرك ذلك علينا أن ننتقل باحساساتنا ، ونعبر العصور الطوال ، ونعيش تلك الفترة البكر حيث كان الإنسان لا يملك سوى العدد المحدود الضئيل من ا الأشياء الصلبة ، ولم يكن في الواقع يحتاج إلى معجم ضخم يغطي به إحتياجاته . ولا إلى ثراء لغوي يتوسل به ليحكي إحساساته فكل ذلك في الأفق الضيق المحدود كان غير ضروري ، وكان أقصى أمانيه أن يعبر فحسب عما يشعر به ، وكانت الكلمات المحدودة التي يديرها في استعماله تكفيه ربما أكثر من كفاية لغتنا لنا في الوقت الحاضر (۱) .
وإذا أردنا أن تبلور خصائص واسطة الشعر السابقة لقلنا إنها واسطة تتصف بصفتين تضم إحداهما الأخرى : الأولى هي الإيقاع ، والثانية الصورة ، وارتباط هاتين الصفتين أو القيمتين بالإنفعال أمر لانحتاج إلى تأكيده ، فالانفعال اهتزاز ، والإهتزاز سمة الإيقاع ، والإنفعال ظل دلالة وابحاء لا يمكن ايصالهما بالتعبير المباشر وإنما بالصورة أنا ذلك إلى تأكيد تاريخي يشد أزر حجتنا ، وإذن فلنغادر جميع الفترات الإتباعية والرومانسية والحالية التي اقترب الشعر خلالها تارة من الرسم والمكان وأخرى من الموسيقا والزمان فهذه كلها قیم كبير إلى روح العصر ، ولا يمكن أن تعد حجة بالغة ولنصل في تفتيشنا وتلمسنا لطبيعة واسطة الشعر إلى فترة تعلو على جميع الفترات ، إنها فترة النشأة ، كيف نشأ الشعر ، بل كيف نشأت اللغة على العموم مادام الشعر واللغة والصورة حلقات متداخلة تقتضي الإجابة عن إحداهما الإجابة عن أخراهما ؟ ؟ . نشأت اللغة أول ما نشأت من العلاقة بين الكلمات - الأسماء - والأشياء - المسميات ، وتفسير هذه العلاقة وكيف تمت أمر مختلف فيه ، ونجد في ذلك عدة اتجاهات : فهناك الإتجاه السلفي الذي يفسرها في ضوء قوة عليا علمت الإنسان أسماء المسميات (۱) ، وهناك الإتجاهات الأنثروبولوجية والنفسية واللغوية التي تحصر عادة في أربع نظریات (۲) :
١_ نظرية المحاكاة أو نظرية ال Bow Wow»
٢ _ نظرية التعبير الجماعية أو نظرية ال : « Yo, He, Ho
٣ _ النظرية التلقائية الغريزية أو نظرية ال: « Ding Bong »
٤ _ النظرية المادية التطورية أو نظرية ال: << Pooh pooh >>
والنظرية الأولى تذهب إلى أن اللغة نشأت تقليداً للأصوات الطبيعية والحيوانية التي سمعها الإنسان الأول ، فاتخذ صوت عواء الذئب ومواء الهر وزئير الأسد وحفيف الشجر وزفير النار وخرير الماء وأعلاماً لها ، وبهذا تكونت له مجموعة كبيرة من الكلمات تعد من أقدم الكلمات الكلمات في اللغة الإنسانية ، وهي التي يعبر صوتها عن مدلولها « Onomatopoeia » ، ثم تطورت بعد ذلك . وقد أصبحت هذه النظرية اليوم من الماضي ، وقضت مع نظرية المحاكاة لأنها تقف بالفكر الإنساني - كما يقولون عند حدود حظائر الحيوانات ، فضلاً أن اللغة في وضعها الراهن لاتكاد تشتمل إلا على قدر ضئيل جداً تلك الكلمات الواضحة الصلة بين اللفظ والمدلول .
والنظرية الأخيرة المادية التطورية لا تشرح بوضوح طبيعة النشأة ذلك أن الربط بين الأصوات وبين تقلصات أعضاء النطق أو انبساطها للتعبير بالشهقات والتأوهات عن الإنفعالات ، ثم تفسير هذا الربط تفسيراً فسيولوجياً لايؤدي بالضرورة إلى نشأة الكلام الذي يصدر عن عن المرء بصورة إرادية ، فهذه مجرد أصوات سلبية تنطلق من الإنسان حين يعجز عن الكلام ، علاوة على أنها أصوات عرفية تختلف باختلاف والشعوب .
وتبقى النظريتان الثانية والثالثة اللتان تذهبان إلى أن النطق الإنساني نشأ في صورة جماعية ، أي صدر عن مجموعة من الناس أنناء قيامهم من جهة بعمل شاق مضن تعاونوا على أدائه من جهة ، وأن هناك صلة وثقى بين ما ينطق به المرء من أصوات وبين مايدور في خلده. أفكار أخرى ، فالأصوات الجماعية التي تصدر أثناء العمل لا تلبث أن ترتبط بالعمل نفسه ، وتصبح بمثابة علم له لأن كل أثر يتأثر به المرء يستلزم النطق ببعض الأصوات ، وإذا كانت هذه قدرة أو قوة اختص بها الإنسان منذ بدء الخليقة وسرها لايزال غامضاً علينا فان العبارات التي خلفها تعد بدءاً طبيعياً للكلام . خارجي وفي ظني أنا نستطيع أن نضم هاتين النظريتين إلى بعضهما بعضاً فنقول : إن اللغة نشأت أول مانشأت من حاجة الإنسان البدئي فرداً ومع غيره - للتعبير عن موقفه الإنفعالي تجاه الطبيعة ، والذين يتحدثون عن ( توصيل » اتصفت به اللغة أول ما اتصفت ، وعن نفع فيها لحاجة الإنسان إلى نقل أفكاره فان ذلك كله مرحلة لاحقة متأخرة نشأت مع نشأة المجتمع البدائي مهما كان لونه (۳) ، أما وأن الإنسان كان يعيش وسط مظاهر الطبيعة الخارقة فانه كان مضطراً ليعبر عن إحساساته ومشاعره ، أو يعبر عن أثر وقع الظواهر الخارجية ( الموضوعات ) في ) ذاته ) ، وكان يتعبر بكلمات جذرية « Radical » ، يحمل كل جذر منها العديد من الدلالات ، وتتحدد الدلالة المقصودة وتتخصص عن طريق النسق الذي استعملت فيه ، وبصورة أخرى كان الإنسان البدئي يدرك الموضوعات في جذور متشعبة ينتظمها كل عضوي من جهة ، وتنحل إلى معانيها المفردة في نطاق النسق من جهة أخرى، ولم يكن هذان
النطاقان بمنفصلين عن بعضهما بعضاً بل كانا متداخلين ، فالإنسان في الأول يعبر بصوت واحد عن موقفه تجاه الحيوان ( الجنس والنوع معاً ، وبصوت واحد عن النبات ) الجنس والنوع معاً وهكذا . . . بل إن الصوت الواحد كان يحمل دلالته ونقيض دلالته مثل كلمة ( اشترى ) التي تحمل معناها ومعنى باع في الوقت نفسه ، ولكن كيف كان المتلقي يفهم الدلالة المقصودة المفردة من استعمال الصوت العام ؟ هاهنا ننتقل للاجابة إلى النطاق الثاني ( النسق ) ، أو الكل العضوي الذي تتخصص فيه الكلمة ولا يفهم منها سواها ، وقد ألقى علم نفس الغشطالت (۱) أضواء ساطعة على مشكلة النسق هذه حين لاحظ أن تصور الموضوع خارج النسق تصور متأخر لأنه تصور تجريدي والبدئي كالطفل في ذلك كلاهما لا يستطيع التجريد ولا التعميم ، أي لا يستطيع أن الموضوعات خارج النسق ، ونسق الطفل كنسق البدئي بالنسبة له ولغيره يحمل خصوصية مفردة متمايزة (٤) ، ولكي ندرك ذلك علينا أن ننتقل باحساساتنا ، ونعبر العصور الطوال ، ونعيش تلك الفترة البكر حيث كان الإنسان لا يملك سوى العدد المحدود الضئيل من ا الأشياء الصلبة ، ولم يكن في الواقع يحتاج إلى معجم ضخم يغطي به إحتياجاته . ولا إلى ثراء لغوي يتوسل به ليحكي إحساساته فكل ذلك في الأفق الضيق المحدود كان غير ضروري ، وكان أقصى أمانيه أن يعبر فحسب عما يشعر به ، وكانت الكلمات المحدودة التي يديرها في استعماله تكفيه ربما أكثر من كفاية لغتنا لنا في الوقت الحاضر (۱) .
تعليق