الفحوم الحجرية
تشتمل الفحوم الحجرية coals على مجموعة من أنواع متباينة من الفحوم المتحجرة أو الفحوم الأحفورية (المستحاثية) fossil coals، التي بدورها تنضوي تحت زمرة الفحوم الطبيعية natural coals، ومنها ما يكون صلباً أو على هيئة موائع لزجة نوعاً ما.
تأخذ الفحوم الطبيعية مكانة متميزة ضمن الصخور الرسوبية لأهميتها في توليد الطاقة والصناعات المختلفة، وقد كانت وما تزال إلى حد ما عماد الصناعات الثقيلة والخفيفة، فهي: قابلة للاشتعال من ناحية ومواد أساسية وثانوية في بعض الصناعات من ناحية ثانية، تتوافر بكميات وسماكات كبيرة في كثير من أرجاء العالم.
أنماط الفحوم المتحجرة
تٌصنَّف الفحوم المتحجرة (أو الأحفورية) حسب منشئها ودرجة تحوّل موادها الأولية النباتية، وتزايد نواتج تفككها في أربعة أنماط رئيسية هي: فحوم بنية، وفحوم قاسية، وفحوم الأنتراسيت، وفحوم الغرافيت.
أ - الفحوم البنية brown coals
وهي فحوم جامدة هشة، تراوح ألوانها بين البيج والبني القاتم، وهي كامدة اللون ضعيفة اللمعان، تحتوي كتلتها العضوية على 60-70% من عناصر الكربون C، كما تحتوي على مواد دبالية humites يمكن فصلها بالقلويات الكاوية وبالكواشف الأخرى. يُميز في الفحوم البنية الأنواع الآتية:
1 - فحم التورب[ر. الخث] tourbe coal: وهو تجمعات لبقايا نباتية ذات درجات مختلفة من التفسخ والتهلم والتصلب. وقد أثبت التحليل الكيميائي احتواءه على مواد من الشمع wax (أو ozkerite)، والراتنجيات resins، والصموغ rosins، وحموض دهنية، وكاربوهدرات، وخشبين مع نواتج تحول إلى حموض دبالية، وبقايا نباتية غير متفسخة. ويحوي أحياناً شوائب حطامية صخرية وفلزات مستجدة.
يأخذ التورب (الخث) مظاهر شعرية أو ترابية، بألوان بيج أو بنية فاتحة، وتبلغ نسبة الكربون في كتلته العضوية (بعد استبعاد الشوائب والماء والرماد) نحو 55-60%.
2 - فحم الليغنيت lignite coal أو فحم الخشب wood coal: ويتشكَّل على حساب فحم التورب بعد تعرضه لضغوط وحرارات أعلى، فيصبح أكثر تراصاً وتماسكاً وتزداد فيه نسبة عنصر الكربون (أي أكثر تفحماً)، وتقلُّ فيه نسبة الماء والمواد الطيارة عما هي عليه في التورب، ويزداد لونه البني قتامة، ويزداد وزنه النوعي.
3 - الفحم الترابي earthy coal: وهو ذو بنية ترابية مفككة، بني فاتح اللون، يتألف من بقايا نباتية مهشمة ناعمة.
4 - فحوم الأتريت attritus coals: ويتألف من خليط لحطاميات هلامية وفيوزينية وعناصر مجهرية أخرى، ويتوافر إما بشكل كامد opaque أو بشكل شفاف lucial.
ب - الفحوم القاسية hard coals
وهي فحوم رمادية قاتمة إلى سوداء اللون، ذات لمعان متباين، ونادراً ما تكون كامدة، كتلية صلبة متماسكة وتتميز بأنها أكثر استحالة وتفحماً من فحم الليغنيت حيث تبلغ نسبة الكربون في مادتها العضوية 75-92% نتيجة تعرض الفحوم البنية إلى ضغوط وحرارات أعلى تؤدي إلى ازدياد تماسكها وتصلبها وتفحمها وانخفاض في نسبة الماء والمواد الطيَّارة فيها.
ج - فحوم الأنتراسيت anthracite coals
وهي من أشد الفحوم الطبيعية استحالة (تحولاً)، ذات ألوان رمادية قاتمة سوداء، وتتمتع بلمعان معدني مميز، متماسكة متراصة صلبة، متجانسة البنية أو مطّبقة، تبلغ نسبة عنصر الكربون في كتلتها العضوية 91-97%. وتعدُّ هذه الفحوم من أجود الفحوم الطبيعية مصدراً للطاقة الحرارية.
د - فحوم الغرافيت graphite coals
وهي من أجود وأثمن الفحوم المتحجرة قاطبة، لتمتعها بخصائص ومميزات تجعلها مؤهلة لاستخدامات عديدة (صناعة أقلام الرصاص، صناعة الأقطاب الكهربائية وصناعة الأصبغة وغيرها) لتجانسها واحتوائها على أعلى نسبة من الكربون، وأقل نسبة من المواد الطيَّارة والشوائب الأخرى. وتعدُّ من أشد الفحوم استحالة، انطلاقاً من الفحوم القاسية والأنتراسيت المعرضة لشروط أعلى من الضغوط والحرارات في أعماق القشرة الأرضية. ومن أهم صفات الغرافيت: اللون الفولاذي الأسود، واللمعان المعدني، والملمس الدهني الذي يعطي أثراً أسود اللون على أصابع اليد عند لمسه لقلة قساوته، وتراوح كثافته بين 2.09-2.23، وهو شديد الناقلية الكهربائية، ولا يحترق إلا بدرجات عالية من الحرارة.
تتوافر فحوم الغرافيت على هيئة تجمعات ناعمة أو حرشفية أو كتلية متبلورة في المنظومة البلورية السداسية.
وإضافة إلى الفحوم المتحجرة السابقة، توجد فحوم نادرة تتوضع على شكل طبقات رقيقة أو عدسات أو أعشاش صغيرة وسط الفحوم القاسية والأنتراسيت، تندر في الغرافيت. وهي كتلية وبَضَّة، ذات ألوان عسلية أو بنية، من أهمها:
ـ فحم الليبتوبيوليت liptobiolith coal: ويتشكَّل من أبواغ spores وبشرات نباتية cuticles وفلين cork وأجزاء أخرى صمغية وراتنجية نباتية. ويتميز باحتوائه على نسبة عالية من المواد الطيارة، وتوافر نسبة عالية من الهدروجين. ومن أهم ضروبه فحم اللوبينيت lopinit، وفحم رابدوبيسيت rhabdopissit، وبيروبيسيت pyropissite.
ـ فحم السابروبيليت sapropelite coal: ويتشكَّل من تراكمات الأشنيات. كتلي، لزج الملمس، كامد غير لامع، ذو ألوان بنية فاتحة، أو رمادية، أو سوداء، أو صفراء عسلية، يحترق بعود الثقاب مطلقاً رائحة تشبه رائحة المطاط المحروق، ومن أهم ضروبه فحم البوغهيد boghead coal وفحم السابروكوليت saprocollite.
التراكيب المادية للفحوم المتحجرة
لدى دراسة الفحوم المتحجرة تحت المجهر تبين أنها مؤلفة من مواد متنوعة وبنسب متباينة، وهي: الفيوزين، والڤيترين، والكلارين والديورين.
ـ الفيوزين fusain: وهي مادة شعرية المظهر، ذات لمعان حريري، هشة طرية (تلوث أصابع اليد)، تتمتع ببنية خلوية ذات جدران عادية أو منتبجة وذات عيون قليلة أو معدومة.
ـ الڤيترين vitrain: وهي مادة صلبة هشة، ذات مكسر محاري ولمعان زجاجي، عديمة البنية الخلوية أو تحتفظ بآثار متبقية لتلك البنية.
ـ الكلارين clarain: وهي مادة لامعة هلامية جامدة، تتضمن مقادير غير كبيرة من عناصر شكلية: أبواغ، خلايا بشرات نباتية، خلايا مسامية راتنجية أو شمعية وبقايا نسج نباتية فاسدة متفككة.
د ـ الديورين durain: وهي مادة جامدة دبقة كامدة رمادية اللون، تتألف من أرضية ذات مظهر فيوزيني هلامي جامد وعناصر شكلية نباتية قليلة. وحسب طبيعة العناصر الشكلية المجهرية ضمن الأرضية، يمكن تمييز أنواع منها: بوغية، لحائية... وغيرها.
تتألف معظم الفحوم المتحجرة أساساً من الكلارين والديورين المتميزين بغناهما بالكربون، في حين تشارك الفيوزين والڤيترين في تركيبها بكميات قليلة؛ لتناوب مواضع المواد السابقة فيما بينها، تأخذ الفحوم الحجرية بنية ظاهرة مخططة ونادراً ما تكون متجانسة مؤلفة من مادة واحدة.
يدخل في تركيب الفحوم المتحجرة مواد شائبة حطامية رملية غضارية بنسب متفاوتة تصل في حالات نادرة إلى 50%، إضافة إلى توافر بعض سولفيدات وكاربونات الحديد وفلزات أخرى. ويظهر أحياناً في رمادها (بعد الحرق) عناصر نادرة مثل: الڤناديوم، واليورانيوم، والثوريوم، والجرمانيوم.
الخصائص الفيزيائية للفحوم المتحجرة
آ ـ الوزن النوعي specific gravity: ويراوح في الفحوم الحجرية بين 1.1 حتى 1.7، حيث يزداد في التورب والأنتراسيت، ويبلغ في الغرافيت 2.23. وتتغير قيم الوزن النوعي المميزة لكل نوع في حال توافر الشوائب: كالغضار (2.5) والبيريت (5.0) وغيرها.
ب ـ اللون colour: تأخذ الفحوم الحجرية ألواناً متباينة، فهي للتورب بنية فاتحة شقراء اللون، وفي الليغنيت بنية متفاوتة القتامة، وفي الفحم القاسي والأنتراسيت والغرافيت سوداء لامعة.
ج ـ القساوة hardness: تتباين قساوة الفحوم الحجرية فهي للغرافيت 1 وتزداد من 1-1.5 في التورب والليغنيت وإلى 2-2.5 في الفحم القاسي والأنتراسيت.
د ـ اللمعان luster: يراوح بين الكامد والمعدني من التورب حتى الغرافيت مروراً بالفحم القاسي والأنتراسيت.
الخصائص الكيميائية والتكنولوجية
تتحدد جودة الفحوم الحجرية ونوعيتها بوساطة تحاليل عنصرية لتقدير نسب: الكربون (C)، والهدروجين (H)، والآزوت (N)، والفوسفور (P)، والكبريت (S)، والأكسجين (O)وغيرها، كما هو مبين في الجدول (1). وكذلك عبر تحاليل تكنولوجية بهدف تحديد معايير مهمة: كالرطوبة، المواد الطيارة، والمتبقيات الفحمية، والمتبقيات الرمادية والطاقة الحرارية، كما هو مبين في الجدول (2).
أما كيفية تحديد المعايير التكنولوجية السابقة فتتم باختصار على النحو الآتي:
أ ـ الرطوبة humidity: وتحدد بأوزان معينة من الفحوم وتجفيفها في أفران خاصة حتى الدرجة 105 مئوية، ثم توزن مرة ثانية بعد التجفيف، وبحساب الوزن الضائع تتحدد قيمة الرطوبة Wº. وتعدُّ الفحوم الأقل رطوبة هي الأجود.
ب ـ المواد الطيَّارة volatiles: وهي المواد الغازية والسائلة التي تنفصل عن الفحوم عند تسخينها لدرجات تتعدى مئات عدة في معزل عن الهواء. وتحسب نسب المواد الطيَّارة بدءاً من الكتل الفحمية القابلة للاحتراق (بعد استبعاد الرطوبة والشوائب والرماد). وتبلغ نسبها في الليغنيت 45-55% والفحم القاسي 10-45% والأنتراسيت 8% وآثار قليلة في الغرافيت، ومن ثمَّ فإن الفحوم الأجود هي الأقل نسبة بالمواد الطيارة فيها.
ج ـ المتبقيات الفحمية coal remanents: وهي المواد المتبقية من الفحوم بعد فصل الرطوبة والمواد الطيارة. وتكون إما على شكل مساحيق متباينة التلاصق أو على هيئة كتل شديدة التلاصق و التلاحم اللزج. والفحم الجيد هو الذي يعطي بقايا أكبر مقداراً من البقايا الفحمية الكتلية المتلاصقة.
د ـ المتبقيات الرمادية ashe remainders: وهي خليط من مـواد فلزيـة تتبقى من الفحوم بعـد حرقها (وتدعى بالرماد). وعـادة ما يكون وزن الرماد أقل من وزن الفلزات السائبة في الفحم (قبل الحرق) لكون كثير منها يتفكك في أثناء الحرق فاقداً بعض عناصره، فالبيريت (FeS2) يطلق بالحرق أكسيد الكبريت، والجص (CaSO4.2H2O) يفقد بالحرق ماءه البلوري. وتقدر كميات الرماد بالنسب المئوية من وزن الفحم المجفف (من الرطوبة والمواد الطيارة) وهي تراوح بين 2-3%، وتصل أحياناً إلى 40-50% في الفحوم السيئة.
تعد الرطوبة والرماد من المواد غير القابلة للاشتعال، لذلك تطرح نسبتهما من وزن الفحم لتحديد نسب المواد الفحمية القابلة للاحتراق وتوليد الطاقة. وعلى هذا الأساس تقيّم جودة الفحوم وما تعطيه من طاقة.
هـ ـ الطاقة الحرارية thermal energy: وهي من الخصائص والمعايير التي يتم بوساطتها تقسيم الفحوم من ناحية الجودة والقيمة الاقتصادية أو الصناعية. وتحدد هذه الخاصة بحرق كميات موزونة (من المواد الفحمية القابلة للاحتراق) في حاويات حرارية خاصة. ويعدُّ الفحم الأفضل الذي يعطي طاقة حرارية أعلى.
اعتماداً على الخصائص السابقة، يتبين أن الفحوم الحجرية تزداد جودة مع تزايد نسب الكربون فيها وتناقص نسب المواد الطيارة. وقد أمكن وضع تصنيف صناعي تجاري للفحوم الحجرية تبعاً لنسب المواد الطيارة فيها. وقد رمزت بأحرف ذات دلالات محددة على النحو الآتي: (تقارن مع معطيات الجدول 2).
منشأ الفحوم الحجرية وتشكلها
إن المواد الأولية للفحوم المتحجرة هي الأنسجة الخلوية والسلولوزية والخشبية، وقشور النباتات والأشجار الراقية أو لحاؤها وجذوعها، وما تفرزه من صموغ وشموع ومواد راتنجية، وبدرجة أقل الأبواغ. في حين أن المواد الأولية لفحم القار bituminous coal[ر. الحمّر] والنفط[ر]، هي أجسام الكائنات الحيوانية الدقيقة (العوالق البحرية) أساساً والنباتات الدنيا جزئياً.
أصبح تشكُّل الفحوم الحجرية بدءاً من المتعضيات النباتية، من الأمور المؤكدة نظراً لوجود بقايا نباتية (جذوع، جذور، سيقان، أوراق، أبواغ... وغيرها) في أرضية الطبقات الفحمية وسقفها.
وتتطلب عمليات التحول والاستحالة في المتعضيات النباتية إلى فحوم مسيرة طويلة تمر عبر مراحل متعاقبة ثلاث، توجز فيما يأتي:
آـ المرحلة الأولى: ويتم فيها تراكم المواد العضوية النباتية وتحولها إلى فحم التورب.
وقد حدثت مثل هذه التراكمات نتيجة تعرض الغطاءات النباتية الكثيفة في المناطق الناهضة تكتونياً في شروط وأجواء ومناخات عاصفة شديدة (وخاصة في الدور الكربوني carboniferous period)، أدت إلى هلاكها واقتلاعها من أماكنها وتوضعها بكميات ضخمة في مستنقعات مناطق نشوئها ونموها، وهي من ثمَّ توضعات أصيلة (مواد أصيلة في المكان غير منقولة autochthonous)، أو إلى انتقالها بعيداً بالرياح والعواصف والمياه الجارفة إلى أحواض الترسيب البحرية أو المحيطية مُشَكِّلة توضعات نقلية (مواد منقولة) allochthonous.
تتباين طبيعة التحولات التي تطرأ على التراكمات النباتية تبعاً لأوضاعها في أماكن استقرارها، وذلك وفقاً للحالتين الآتيتين:
1ـ في حالة ضحالة المستنقعات أو أحواض تراكم النباتات الهالكة، وحدوث حركة نشطة لمياهها تؤدي إلى توافر الأكسجين دائماً، عندها تأخذ النباتات وموادها بالتأكسد والتحلل والتفكك والانحلال والانتقال بالمياه الجارية إلى أماكن أخرى، مما يؤدي إلى زوالها مع مرور الزمن.
2ـ أما في حال توضع التراكمات النباتية في أحواض مائية عميقة هادئة، وتغطيتها مع مرور الزمن برسوبات غضارية أو غرينية أو غرينية رملية، تمنع وصول الأكسجين إليها. وفي مثل هذه الشروط وبمساعدة البكتريات، تطرأ على التراكمات النباتية عمليات انتفاخ الأنسجة السلولوزية والخشبية وانتباجها وتحولها مع الزمن إلى أشباه غرويات، أو إلى حدوث تحولات تؤدي إلى تشكَّل الفيوزين (أي حدوث تفحم خفيف). أما الأجزاء الصمغية والراتنجية من النباتات فلا يطرأ عليها سوى تحولات طفيفة. وبهذه التحولات تتشكَّل توضعات التورب (أو الخُث).
ب ـ المرحلة الثانية: وفيها يتحول فحم التورب إذا خضع لهذه المرحلة إلى الفحم البني ـ الليغنيت.
إذ بفضل انخفاض أماكن توضع التورب أو حدوث تجاوزات لمياه البحر فوقها حيث تنغمر تحت مستويات مائية عميقة، وتأخذ بالتوضع فوقها رسوبات جديدة تزداد سُمكاً مع مرور الزمن، وينجم عن ذلك تزايد الضغوط وارتفاع درجات الحرارة (تزداد الحرارة الأرضية عموماً درجة واحدة كل 33م نحو العمق)، ويرافق ذلك حدوث تراص لمواد التورب وطرد المياه من بين عناصرها وحدوث تحولات فيزيوكيميائية (بتأثير البكتريات) يكون مآلها إغناء التورب أكثر وأكثر بعنصر الفحم (مع تزايد تشكُّل الفيوزين وغيرها) ومن ثم تحوله إلى فحم الليغنيت، الذي يزداد تراصاً وتماسكاً وتفحماً مع مرور الزمن.
يتميز الفحم البني (الليغنيت) باللون البني القاتم، وبأنه أكثر تراصاً وتماسكاً وأقل رطوبة وأرخص ثمناً وأنه غني بالمواد الطيارة والمواد العضوية غير المتحولة (أبواغ، صموغ.... وغيرها) مقارنة بالتورب.
ج ـ المرحلة الثالثة: ينتقل فيها الفحم البني لدى تعرضه لهذه المرحلة إلى تشكيل الفحم القاسي ومن ثم إلى الأنتراسيت وأخيراً الغرافيت.
عندما تصبح توضعات الفحوم البنية (الليغنيت) على أعماق أكـبر من 5ـ10كم نتيجة انخفاض قـاع الحوض الرسوبي، يصل الضغط إلى نحـو 1000ـ 3000 ضغط جوي، وتصل درجات الحرارة إلى 100-300 ْ درجة مئوية. وهنا تبدأ عمليات التحول (الاستحالة) تأثيرها المتزايد في المواد العضوية للفحوم البنية، فتزداد نسبة التفحم، ومن ثمَّ نسبة عنصر الكربون، وينخفض محتواها من المواد الطيارة، إضافة إلى تزايد التراص والتماسك والتلون بلون أسود لامع.
وانطلاقاً من الفحوم البنية وبتأثير التحولات السابقة، تتشكل الفحوم القاسية التي تتحول بدورها مع تزايد شدة شروط الاستحالة إلى فحم الأنتراسيت، ومن ثم إلى فحم الغرافيت، الذي يعدُّ من أجود وأهم وأثمن الفحوم.
أشكال توضعات الفحوم الحجرية
تتوضع الفحوم الطبيعية عموماً بين الصخور الرسوبية على هيئة طبقات (أو عدسات كبيرة) بسماكات تراوح من بضعة سنتيمترات إلى بضع عشرات الأمتار. وعادة ما تكون الصخور الحاضنة لها غضارية أو غضارية غرينية أو رملية أو رملية كلسية.
تتحدد الجدوى الاقتصادية المكانية للفحوم الحجرية بالحد الأدنى لسماكات طبقاتها: فهي للفحوم البنية (الليغنيت) 1.5م، وللفحم القاسي 1م وللأنتراسيت 0.5م وللغرافيت بضعة سنتيمترات. كما أن أشكال توضع الصخور الحاملة للفحوم ذات أهمية في الاستثمار. ويُعدُّ تحديد عناصر توضع الصخور (الامتداد والميل) من الأهمية بمكان عند فتح المناجم واستثمارها: فالتوضعات الأفقية هي الأنسب، في حين تخلق الملتوية منها صعوبات جمة في الاستخراج، وخاصة إذا كانت معرضة للكسور والفوالق والانزياحات التكتونية. كذلك فإن سماكة الغطاء الرسوبي فوق التوضعات الفحمية (العمق) له أهمية اقتصادية، فكلما كان الغطاء رقيقاً كانت مكامنه ذات جدوى اقتصادية مربحة.
محمد غالب سيدا
تشتمل الفحوم الحجرية coals على مجموعة من أنواع متباينة من الفحوم المتحجرة أو الفحوم الأحفورية (المستحاثية) fossil coals، التي بدورها تنضوي تحت زمرة الفحوم الطبيعية natural coals، ومنها ما يكون صلباً أو على هيئة موائع لزجة نوعاً ما.
تأخذ الفحوم الطبيعية مكانة متميزة ضمن الصخور الرسوبية لأهميتها في توليد الطاقة والصناعات المختلفة، وقد كانت وما تزال إلى حد ما عماد الصناعات الثقيلة والخفيفة، فهي: قابلة للاشتعال من ناحية ومواد أساسية وثانوية في بعض الصناعات من ناحية ثانية، تتوافر بكميات وسماكات كبيرة في كثير من أرجاء العالم.
أنماط الفحوم المتحجرة
تٌصنَّف الفحوم المتحجرة (أو الأحفورية) حسب منشئها ودرجة تحوّل موادها الأولية النباتية، وتزايد نواتج تفككها في أربعة أنماط رئيسية هي: فحوم بنية، وفحوم قاسية، وفحوم الأنتراسيت، وفحوم الغرافيت.
أ - الفحوم البنية brown coals
وهي فحوم جامدة هشة، تراوح ألوانها بين البيج والبني القاتم، وهي كامدة اللون ضعيفة اللمعان، تحتوي كتلتها العضوية على 60-70% من عناصر الكربون C، كما تحتوي على مواد دبالية humites يمكن فصلها بالقلويات الكاوية وبالكواشف الأخرى. يُميز في الفحوم البنية الأنواع الآتية:
1 - فحم التورب[ر. الخث] tourbe coal: وهو تجمعات لبقايا نباتية ذات درجات مختلفة من التفسخ والتهلم والتصلب. وقد أثبت التحليل الكيميائي احتواءه على مواد من الشمع wax (أو ozkerite)، والراتنجيات resins، والصموغ rosins، وحموض دهنية، وكاربوهدرات، وخشبين مع نواتج تحول إلى حموض دبالية، وبقايا نباتية غير متفسخة. ويحوي أحياناً شوائب حطامية صخرية وفلزات مستجدة.
يأخذ التورب (الخث) مظاهر شعرية أو ترابية، بألوان بيج أو بنية فاتحة، وتبلغ نسبة الكربون في كتلته العضوية (بعد استبعاد الشوائب والماء والرماد) نحو 55-60%.
2 - فحم الليغنيت lignite coal أو فحم الخشب wood coal: ويتشكَّل على حساب فحم التورب بعد تعرضه لضغوط وحرارات أعلى، فيصبح أكثر تراصاً وتماسكاً وتزداد فيه نسبة عنصر الكربون (أي أكثر تفحماً)، وتقلُّ فيه نسبة الماء والمواد الطيارة عما هي عليه في التورب، ويزداد لونه البني قتامة، ويزداد وزنه النوعي.
3 - الفحم الترابي earthy coal: وهو ذو بنية ترابية مفككة، بني فاتح اللون، يتألف من بقايا نباتية مهشمة ناعمة.
4 - فحوم الأتريت attritus coals: ويتألف من خليط لحطاميات هلامية وفيوزينية وعناصر مجهرية أخرى، ويتوافر إما بشكل كامد opaque أو بشكل شفاف lucial.
ب - الفحوم القاسية hard coals
وهي فحوم رمادية قاتمة إلى سوداء اللون، ذات لمعان متباين، ونادراً ما تكون كامدة، كتلية صلبة متماسكة وتتميز بأنها أكثر استحالة وتفحماً من فحم الليغنيت حيث تبلغ نسبة الكربون في مادتها العضوية 75-92% نتيجة تعرض الفحوم البنية إلى ضغوط وحرارات أعلى تؤدي إلى ازدياد تماسكها وتصلبها وتفحمها وانخفاض في نسبة الماء والمواد الطيَّارة فيها.
الشكل (1) الفحم القاسي |
وهي من أشد الفحوم الطبيعية استحالة (تحولاً)، ذات ألوان رمادية قاتمة سوداء، وتتمتع بلمعان معدني مميز، متماسكة متراصة صلبة، متجانسة البنية أو مطّبقة، تبلغ نسبة عنصر الكربون في كتلتها العضوية 91-97%. وتعدُّ هذه الفحوم من أجود الفحوم الطبيعية مصدراً للطاقة الحرارية.
الشكل (2) فحم الأنتراسيت |
وهي من أجود وأثمن الفحوم المتحجرة قاطبة، لتمتعها بخصائص ومميزات تجعلها مؤهلة لاستخدامات عديدة (صناعة أقلام الرصاص، صناعة الأقطاب الكهربائية وصناعة الأصبغة وغيرها) لتجانسها واحتوائها على أعلى نسبة من الكربون، وأقل نسبة من المواد الطيَّارة والشوائب الأخرى. وتعدُّ من أشد الفحوم استحالة، انطلاقاً من الفحوم القاسية والأنتراسيت المعرضة لشروط أعلى من الضغوط والحرارات في أعماق القشرة الأرضية. ومن أهم صفات الغرافيت: اللون الفولاذي الأسود، واللمعان المعدني، والملمس الدهني الذي يعطي أثراً أسود اللون على أصابع اليد عند لمسه لقلة قساوته، وتراوح كثافته بين 2.09-2.23، وهو شديد الناقلية الكهربائية، ولا يحترق إلا بدرجات عالية من الحرارة.
تتوافر فحوم الغرافيت على هيئة تجمعات ناعمة أو حرشفية أو كتلية متبلورة في المنظومة البلورية السداسية.
وإضافة إلى الفحوم المتحجرة السابقة، توجد فحوم نادرة تتوضع على شكل طبقات رقيقة أو عدسات أو أعشاش صغيرة وسط الفحوم القاسية والأنتراسيت، تندر في الغرافيت. وهي كتلية وبَضَّة، ذات ألوان عسلية أو بنية، من أهمها:
ـ فحم الليبتوبيوليت liptobiolith coal: ويتشكَّل من أبواغ spores وبشرات نباتية cuticles وفلين cork وأجزاء أخرى صمغية وراتنجية نباتية. ويتميز باحتوائه على نسبة عالية من المواد الطيارة، وتوافر نسبة عالية من الهدروجين. ومن أهم ضروبه فحم اللوبينيت lopinit، وفحم رابدوبيسيت rhabdopissit، وبيروبيسيت pyropissite.
ـ فحم السابروبيليت sapropelite coal: ويتشكَّل من تراكمات الأشنيات. كتلي، لزج الملمس، كامد غير لامع، ذو ألوان بنية فاتحة، أو رمادية، أو سوداء، أو صفراء عسلية، يحترق بعود الثقاب مطلقاً رائحة تشبه رائحة المطاط المحروق، ومن أهم ضروبه فحم البوغهيد boghead coal وفحم السابروكوليت saprocollite.
التراكيب المادية للفحوم المتحجرة
لدى دراسة الفحوم المتحجرة تحت المجهر تبين أنها مؤلفة من مواد متنوعة وبنسب متباينة، وهي: الفيوزين، والڤيترين، والكلارين والديورين.
ـ الفيوزين fusain: وهي مادة شعرية المظهر، ذات لمعان حريري، هشة طرية (تلوث أصابع اليد)، تتمتع ببنية خلوية ذات جدران عادية أو منتبجة وذات عيون قليلة أو معدومة.
ـ الڤيترين vitrain: وهي مادة صلبة هشة، ذات مكسر محاري ولمعان زجاجي، عديمة البنية الخلوية أو تحتفظ بآثار متبقية لتلك البنية.
ـ الكلارين clarain: وهي مادة لامعة هلامية جامدة، تتضمن مقادير غير كبيرة من عناصر شكلية: أبواغ، خلايا بشرات نباتية، خلايا مسامية راتنجية أو شمعية وبقايا نسج نباتية فاسدة متفككة.
د ـ الديورين durain: وهي مادة جامدة دبقة كامدة رمادية اللون، تتألف من أرضية ذات مظهر فيوزيني هلامي جامد وعناصر شكلية نباتية قليلة. وحسب طبيعة العناصر الشكلية المجهرية ضمن الأرضية، يمكن تمييز أنواع منها: بوغية، لحائية... وغيرها.
تتألف معظم الفحوم المتحجرة أساساً من الكلارين والديورين المتميزين بغناهما بالكربون، في حين تشارك الفيوزين والڤيترين في تركيبها بكميات قليلة؛ لتناوب مواضع المواد السابقة فيما بينها، تأخذ الفحوم الحجرية بنية ظاهرة مخططة ونادراً ما تكون متجانسة مؤلفة من مادة واحدة.
يدخل في تركيب الفحوم المتحجرة مواد شائبة حطامية رملية غضارية بنسب متفاوتة تصل في حالات نادرة إلى 50%، إضافة إلى توافر بعض سولفيدات وكاربونات الحديد وفلزات أخرى. ويظهر أحياناً في رمادها (بعد الحرق) عناصر نادرة مثل: الڤناديوم، واليورانيوم، والثوريوم، والجرمانيوم.
الخصائص الفيزيائية للفحوم المتحجرة
آ ـ الوزن النوعي specific gravity: ويراوح في الفحوم الحجرية بين 1.1 حتى 1.7، حيث يزداد في التورب والأنتراسيت، ويبلغ في الغرافيت 2.23. وتتغير قيم الوزن النوعي المميزة لكل نوع في حال توافر الشوائب: كالغضار (2.5) والبيريت (5.0) وغيرها.
ب ـ اللون colour: تأخذ الفحوم الحجرية ألواناً متباينة، فهي للتورب بنية فاتحة شقراء اللون، وفي الليغنيت بنية متفاوتة القتامة، وفي الفحم القاسي والأنتراسيت والغرافيت سوداء لامعة.
ج ـ القساوة hardness: تتباين قساوة الفحوم الحجرية فهي للغرافيت 1 وتزداد من 1-1.5 في التورب والليغنيت وإلى 2-2.5 في الفحم القاسي والأنتراسيت.
د ـ اللمعان luster: يراوح بين الكامد والمعدني من التورب حتى الغرافيت مروراً بالفحم القاسي والأنتراسيت.
الخصائص الكيميائية والتكنولوجية
تتحدد جودة الفحوم الحجرية ونوعيتها بوساطة تحاليل عنصرية لتقدير نسب: الكربون (C)، والهدروجين (H)، والآزوت (N)، والفوسفور (P)، والكبريت (S)، والأكسجين (O)وغيرها، كما هو مبين في الجدول (1). وكذلك عبر تحاليل تكنولوجية بهدف تحديد معايير مهمة: كالرطوبة، المواد الطيارة، والمتبقيات الفحمية، والمتبقيات الرمادية والطاقة الحرارية، كما هو مبين في الجدول (2).
|
أ ـ الرطوبة humidity: وتحدد بأوزان معينة من الفحوم وتجفيفها في أفران خاصة حتى الدرجة 105 مئوية، ثم توزن مرة ثانية بعد التجفيف، وبحساب الوزن الضائع تتحدد قيمة الرطوبة Wº. وتعدُّ الفحوم الأقل رطوبة هي الأجود.
ب ـ المواد الطيَّارة volatiles: وهي المواد الغازية والسائلة التي تنفصل عن الفحوم عند تسخينها لدرجات تتعدى مئات عدة في معزل عن الهواء. وتحسب نسب المواد الطيَّارة بدءاً من الكتل الفحمية القابلة للاحتراق (بعد استبعاد الرطوبة والشوائب والرماد). وتبلغ نسبها في الليغنيت 45-55% والفحم القاسي 10-45% والأنتراسيت 8% وآثار قليلة في الغرافيت، ومن ثمَّ فإن الفحوم الأجود هي الأقل نسبة بالمواد الطيارة فيها.
ج ـ المتبقيات الفحمية coal remanents: وهي المواد المتبقية من الفحوم بعد فصل الرطوبة والمواد الطيارة. وتكون إما على شكل مساحيق متباينة التلاصق أو على هيئة كتل شديدة التلاصق و التلاحم اللزج. والفحم الجيد هو الذي يعطي بقايا أكبر مقداراً من البقايا الفحمية الكتلية المتلاصقة.
د ـ المتبقيات الرمادية ashe remainders: وهي خليط من مـواد فلزيـة تتبقى من الفحوم بعـد حرقها (وتدعى بالرماد). وعـادة ما يكون وزن الرماد أقل من وزن الفلزات السائبة في الفحم (قبل الحرق) لكون كثير منها يتفكك في أثناء الحرق فاقداً بعض عناصره، فالبيريت (FeS2) يطلق بالحرق أكسيد الكبريت، والجص (CaSO4.2H2O) يفقد بالحرق ماءه البلوري. وتقدر كميات الرماد بالنسب المئوية من وزن الفحم المجفف (من الرطوبة والمواد الطيارة) وهي تراوح بين 2-3%، وتصل أحياناً إلى 40-50% في الفحوم السيئة.
|
هـ ـ الطاقة الحرارية thermal energy: وهي من الخصائص والمعايير التي يتم بوساطتها تقسيم الفحوم من ناحية الجودة والقيمة الاقتصادية أو الصناعية. وتحدد هذه الخاصة بحرق كميات موزونة (من المواد الفحمية القابلة للاحتراق) في حاويات حرارية خاصة. ويعدُّ الفحم الأفضل الذي يعطي طاقة حرارية أعلى.
اعتماداً على الخصائص السابقة، يتبين أن الفحوم الحجرية تزداد جودة مع تزايد نسب الكربون فيها وتناقص نسب المواد الطيارة. وقد أمكن وضع تصنيف صناعي تجاري للفحوم الحجرية تبعاً لنسب المواد الطيارة فيها. وقد رمزت بأحرف ذات دلالات محددة على النحو الآتي: (تقارن مع معطيات الجدول 2).
1- طويل اللهب (ط.ل) ـVr | > 37% | |
2- غازي (غ) ـVr | = 35-37% | |
3- دهني (د) ـ Vr | = 27-35% | |
4- كوكي (ك) ـ Vr | = 18-27% | |
5- لوبدي خامد (ل.خ) ـ Vr | = 14-18% | |
6- لُبدي (ل) ـ V r | = 9-17% | |
7- نصف أنتراسيتي (ن. أ) ـV r | < 9% | |
8- أنتراسيتي (أ) ـ Vr | < 2% |
إن المواد الأولية للفحوم المتحجرة هي الأنسجة الخلوية والسلولوزية والخشبية، وقشور النباتات والأشجار الراقية أو لحاؤها وجذوعها، وما تفرزه من صموغ وشموع ومواد راتنجية، وبدرجة أقل الأبواغ. في حين أن المواد الأولية لفحم القار bituminous coal[ر. الحمّر] والنفط[ر]، هي أجسام الكائنات الحيوانية الدقيقة (العوالق البحرية) أساساً والنباتات الدنيا جزئياً.
أصبح تشكُّل الفحوم الحجرية بدءاً من المتعضيات النباتية، من الأمور المؤكدة نظراً لوجود بقايا نباتية (جذوع، جذور، سيقان، أوراق، أبواغ... وغيرها) في أرضية الطبقات الفحمية وسقفها.
وتتطلب عمليات التحول والاستحالة في المتعضيات النباتية إلى فحوم مسيرة طويلة تمر عبر مراحل متعاقبة ثلاث، توجز فيما يأتي:
آـ المرحلة الأولى: ويتم فيها تراكم المواد العضوية النباتية وتحولها إلى فحم التورب.
وقد حدثت مثل هذه التراكمات نتيجة تعرض الغطاءات النباتية الكثيفة في المناطق الناهضة تكتونياً في شروط وأجواء ومناخات عاصفة شديدة (وخاصة في الدور الكربوني carboniferous period)، أدت إلى هلاكها واقتلاعها من أماكنها وتوضعها بكميات ضخمة في مستنقعات مناطق نشوئها ونموها، وهي من ثمَّ توضعات أصيلة (مواد أصيلة في المكان غير منقولة autochthonous)، أو إلى انتقالها بعيداً بالرياح والعواصف والمياه الجارفة إلى أحواض الترسيب البحرية أو المحيطية مُشَكِّلة توضعات نقلية (مواد منقولة) allochthonous.
تتباين طبيعة التحولات التي تطرأ على التراكمات النباتية تبعاً لأوضاعها في أماكن استقرارها، وذلك وفقاً للحالتين الآتيتين:
1ـ في حالة ضحالة المستنقعات أو أحواض تراكم النباتات الهالكة، وحدوث حركة نشطة لمياهها تؤدي إلى توافر الأكسجين دائماً، عندها تأخذ النباتات وموادها بالتأكسد والتحلل والتفكك والانحلال والانتقال بالمياه الجارية إلى أماكن أخرى، مما يؤدي إلى زوالها مع مرور الزمن.
2ـ أما في حال توضع التراكمات النباتية في أحواض مائية عميقة هادئة، وتغطيتها مع مرور الزمن برسوبات غضارية أو غرينية أو غرينية رملية، تمنع وصول الأكسجين إليها. وفي مثل هذه الشروط وبمساعدة البكتريات، تطرأ على التراكمات النباتية عمليات انتفاخ الأنسجة السلولوزية والخشبية وانتباجها وتحولها مع الزمن إلى أشباه غرويات، أو إلى حدوث تحولات تؤدي إلى تشكَّل الفيوزين (أي حدوث تفحم خفيف). أما الأجزاء الصمغية والراتنجية من النباتات فلا يطرأ عليها سوى تحولات طفيفة. وبهذه التحولات تتشكَّل توضعات التورب (أو الخُث).
ب ـ المرحلة الثانية: وفيها يتحول فحم التورب إذا خضع لهذه المرحلة إلى الفحم البني ـ الليغنيت.
إذ بفضل انخفاض أماكن توضع التورب أو حدوث تجاوزات لمياه البحر فوقها حيث تنغمر تحت مستويات مائية عميقة، وتأخذ بالتوضع فوقها رسوبات جديدة تزداد سُمكاً مع مرور الزمن، وينجم عن ذلك تزايد الضغوط وارتفاع درجات الحرارة (تزداد الحرارة الأرضية عموماً درجة واحدة كل 33م نحو العمق)، ويرافق ذلك حدوث تراص لمواد التورب وطرد المياه من بين عناصرها وحدوث تحولات فيزيوكيميائية (بتأثير البكتريات) يكون مآلها إغناء التورب أكثر وأكثر بعنصر الفحم (مع تزايد تشكُّل الفيوزين وغيرها) ومن ثم تحوله إلى فحم الليغنيت، الذي يزداد تراصاً وتماسكاً وتفحماً مع مرور الزمن.
يتميز الفحم البني (الليغنيت) باللون البني القاتم، وبأنه أكثر تراصاً وتماسكاً وأقل رطوبة وأرخص ثمناً وأنه غني بالمواد الطيارة والمواد العضوية غير المتحولة (أبواغ، صموغ.... وغيرها) مقارنة بالتورب.
ج ـ المرحلة الثالثة: ينتقل فيها الفحم البني لدى تعرضه لهذه المرحلة إلى تشكيل الفحم القاسي ومن ثم إلى الأنتراسيت وأخيراً الغرافيت.
عندما تصبح توضعات الفحوم البنية (الليغنيت) على أعماق أكـبر من 5ـ10كم نتيجة انخفاض قـاع الحوض الرسوبي، يصل الضغط إلى نحـو 1000ـ 3000 ضغط جوي، وتصل درجات الحرارة إلى 100-300 ْ درجة مئوية. وهنا تبدأ عمليات التحول (الاستحالة) تأثيرها المتزايد في المواد العضوية للفحوم البنية، فتزداد نسبة التفحم، ومن ثمَّ نسبة عنصر الكربون، وينخفض محتواها من المواد الطيارة، إضافة إلى تزايد التراص والتماسك والتلون بلون أسود لامع.
وانطلاقاً من الفحوم البنية وبتأثير التحولات السابقة، تتشكل الفحوم القاسية التي تتحول بدورها مع تزايد شدة شروط الاستحالة إلى فحم الأنتراسيت، ومن ثم إلى فحم الغرافيت، الذي يعدُّ من أجود وأهم وأثمن الفحوم.
أشكال توضعات الفحوم الحجرية
تتوضع الفحوم الطبيعية عموماً بين الصخور الرسوبية على هيئة طبقات (أو عدسات كبيرة) بسماكات تراوح من بضعة سنتيمترات إلى بضع عشرات الأمتار. وعادة ما تكون الصخور الحاضنة لها غضارية أو غضارية غرينية أو رملية أو رملية كلسية.
تتحدد الجدوى الاقتصادية المكانية للفحوم الحجرية بالحد الأدنى لسماكات طبقاتها: فهي للفحوم البنية (الليغنيت) 1.5م، وللفحم القاسي 1م وللأنتراسيت 0.5م وللغرافيت بضعة سنتيمترات. كما أن أشكال توضع الصخور الحاملة للفحوم ذات أهمية في الاستثمار. ويُعدُّ تحديد عناصر توضع الصخور (الامتداد والميل) من الأهمية بمكان عند فتح المناجم واستثمارها: فالتوضعات الأفقية هي الأنسب، في حين تخلق الملتوية منها صعوبات جمة في الاستخراج، وخاصة إذا كانت معرضة للكسور والفوالق والانزياحات التكتونية. كذلك فإن سماكة الغطاء الرسوبي فوق التوضعات الفحمية (العمق) له أهمية اقتصادية، فكلما كان الغطاء رقيقاً كانت مكامنه ذات جدوى اقتصادية مربحة.
محمد غالب سيدا