الفلسفة اليونانية القديمة
الفلسفة اليونانية Greek philosophy إحدى أشهر فلسفات العالم القديم إلى جانب الفلسفة الهندية والصينية، وذلك لوصول عدد كبير من أصولها إلى أيدي المؤرخين المعاصرين، إضافة إلى تعصب بعض الأوربيين المعاصرين لها بوصفها أوربية المنشأ. ويعزو الأوربيون تفوق الفلسفة اليونانية على غيرها - من وجهة نظرهم - إلى الحرية الفكرية التي تمتع بها الإغريق عامة، قياساً على غيرهم من الأمم التي قيدتها فكرياً مفاهيمها الدينية الغامضة.
ويقسم المؤرخون المعاصرون الفلسفة اليونانية زمنياً إلى مراحل ثلاث: مرحلة الفلسفة القديمة (القرن 7-6ق.م) ومرحلة الفلسفة الكلاسيكية (القرن 5-4ق.م) ومرحلة الفلسفة الهلنستية (القرون الثلاثة السابقة للميلاد). وتشير المعلومات التي استقاها المؤرخون من وثائق الفلسفة اليونانية القديمة إلى أن فلاسفة تلك المرحلة حاولوا اكتشاف التركيب الأساسي للأشياء المادية والمعنوية في الطبيعة في إطار الواقع الذي يعيشه الإنسان، مع استبعاد كل ما له علاقة بالسحر والخرافات وتفسير الديانات القديمة لماهية الكون، والتي عدّها فلاسفة تلك الفترة مصادر معلومات غير موثوقة أو سطحية جداً، وبذلك جاءت دراساتهم معتمدة على التفكير في معطيات الطبيعة البشرية والظواهر الطبيعية المحيطة ومحاولة معرفة الجوهر الكامن وراء المظهر. ولأن فلاسفة المرحلة القديمة لم يؤمنوا بوجود الآلهة أو أي مخلوقات ذات قوى فوق الطبيعة لتحريك الأحداث والظواهر، فقد نجحوا في إعطاء عدد من الأجوبة المنطقية والمقنعة لمسائل الفلسفة وبعض العلوم، وبما أنه لم تتوافر لديهم آنذاك تقاليد فلسفية ينطلقون منها في بحوثهم، فقد تحولت نتائج أبحاثهم في هذه المسائل إلى أسس استند إليها فلاسفة العصور اللاحقة.
ويعد المهندس طاليس[ر] Thales الملطي (القرن السابع ق.م) أول فيلسوف يوناني، ويعزى إليه عنايته بتفسير ثلاث ظواهر طبيعية بعيداً عن التفسيرات الميتافيزيقية، منها ظاهرة المغنطيسية وظاهرة فيضان نهر النيل وظاهرة كسوف الشمس. ويليه زمنياً تلميذه أنكسيمندر[ر] Anaximander الملطي (610-547ق.م) الذي عمل في جغرافية المكان والإنسان وحاول الربط بينهما، وعمل في تفسير نشوء الإنسان وظواهر الطبيعة بعيداً عن العلل الغيبية والأساطير. وتجلى تأثير فلسفة طاليس وتلميذه في قيام مدرسة حملت اسم مدينتهما ملطية وأدت إلى إنجاز أفكار علمية جديدة فتحت مجالاً رحباً لتقدم العلوم العامة والتطبيقية، فظهر في الطب عدد من أبرز أطباء التاريخ على رأسهم أبقراط[ر]Hippocrates ما بين (469-399ق.م)، وعدد من الرياضيين، أبرزهم فيثاغورس[ر] Pythagoras (القرن السادس) وعدد من فلاسفة اللغة والوجود أبرزهم هيراقليطس[ر] Heraclitus (القرن الخامس قبل الميلاد).
ويقدم مؤرخـو الفلسفة سقراط[ر] Socrates على أنه مؤسس المدرسة الكلاسيكية في الفلسفة اليونانية مع أنه لم يخلف أثراً مكتوباً في حـياته، وقد تمحور فكـره في عـدد من المحاورات والمناظرات التي قدمـها تلميذه أفلاطـون. ويعزى إلى هذا الفيلسوف الذي كان يعلّم تلاميذه في الأسواق العامـة وملاعـب الرياضة محاولته إيجاد تعريفات دقيقة لبعض المفاهيم التجريبية كالمعرفة والفضيلة والعدل والحكمة، وذلك بطريقة ابتكرها عرفت بطريقة التهكم والتوليد. ومن محاوراته تلك يمكن تبين الأسس الأولى للمذهب المثالي أو الأخلاقي الذي قدمه سقراط للحضارة العالمية، والذي عرّفه الفيلسوف الروماني المشهور شيشرون[ر]Cicero ما بين (106-43ق.م) بأنه مذهب أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض وجعلها تسوس أفعال البشر منطلقاً من عبارة معبد (دلفي)[ر] الشهيرة (اعرف نفسك)؛ تلك العبارة التي اعتمدها سقراط شعاراً لفلسفته الأخلاقية التي انصرفت إلى دراسة موضوعين رئيسيين هما: النفس البشرية والتصورات الأخلاقية المطلقة، وترجمها فعلياً في قبوله حكم الإعدام الصادر بحقه بتهمة معاداة الديموقراطية وإفساد عقول الشباب الأثيني بالسخرية من آلهة مدينتهم.
وفي فلسفة العصر الكلاسيكي غالباً ما ترتبط فلسفة سقراط بمعاصرته عدداً من محترفي الفلسفة في بلاد اليونان من الذين أُطلق عليهم اسم السفسطائيين Sophists بزعامة بروتاغوراس Protagoras، والذين تخصّص معظمهم بداية في علوم اللغة والخطابة والجدل، وإن كانت فلسفتهم قد ارتكزت أخيراً على تطوير النزعة الفردية لدى الإنسان للوصول إلى رغباته وتطلعاته في الحياة، فكانوا بذلك طرفاً نقيضاً لأخلاقية سقراط المطلقة في مقابل أخلاقية نسبية دعا إليها معاصروه من السفسطائيين.
ويعد أفلاطون[ر]Plato ما بين (429-347ق.م) أبرز تلاميذ سقراط وأكثرهم تأثيراً في الفلسفة الكلاسيكية، وارتكزت فلسفته حول فكرة أنه لا يمكن إدراك حقيقة الأشياء في الحياة عن طريق الحواس، لأن المعارف المدركة عن طريق الحواس تتغير بظروف الزمان والمكان. وعليه لا يمكن الوصول إلى المعارف الأصلية إلا فيما يتعلق بالأشياء الثابتة التي لا تتغير بالزمان والمكان مثل الحقيقة والجمال والخير وغيرها. وكان أفلاطون يوضح فكرته بالقول: إن أفكار الإنسان هي فقط التي تماثل الحقيقة إن لم تطابقها في حين تعد أشياء الحياة الأخرى انعكاساً لهذه الأفكار. وقد عرّف مؤرخو الفلسفة هذه الأفكار أنها مثالية أفلاطون التي تهدف إلى تحقيق الخير، ويضيف أفلاطون إن من واجب الإنسان الواعي أن يوقف حياته للتأمل في الحقائق السرمدية لفكرة الحياة الخيرة، وإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من الفهم، فعليه العودة إلى الحياة المادية واستخدام معارفه وقدراته التي توصل إليها لخدمة الإنسانية. وكان أفلاطون قد ربط هذه الدعوة بتأكيد خلود الروح بعد هلاك الجسد، وهو أمر أسهم في إثراء الفكر النصراني فيما بعد، عندما احتدم النقاش بين نصارى القرن الرابع الميلادي حول طبيعة السيد المسيح.
شهد العصر الكلاسيكي أولى محاولات البشرية المنظمة لتأطير نظم الحكم السياسية بالفلسفة، فتحدث أفلاطون عن فلسفة السياسة في عصره معتمداً على تجاربه التي كونها من أسفاره، وخاصة إلى مصر وقوريني Cyrene برقة أو (شحات الحالية) وصقلية، وكذلك على محاوراته الخاصة في مدرسته «الأكاديمية». وأقر في كتابه «الجمهورية» نموذجاً عادلاً للحكم يقوم على أساس الديمقراطية.
ويأتي أرسطو[ر]Aristotle ما بين (384-322ق.م) في مقدمة فلاسفة الفترة الكلاسيكية من حيث غزارة الإنتاج والتنويع في الموضوعات التي ألقاها أو أملاها على تلامذته في مدرسته التي دعيت «باللوقيوم» Lyceon، ويُنسب إليه كتب متعددة في المنطق والأخلاق والطبيعة وما وراء الطبيعة والأحياء والتاريخ والنفس البشرية والفن (شعر وموسيقى ومسرح) والحيوان، وأخيراً في السياسة، وكان بارزاً في كل هذه الموضوعات لدرجة أن معظم كتبه ما زالت تُدَّرس في عدد كبير من جامعات العالم مقدمة لكل العلوم التي تفرعت منها فيما بعد.
وقد ترتب على نجاح الإسكندر الكبير في توحيد الشرق والغرب، حتمية تأثر الفلسفة اليونانية بديانات الشرق، وخاصة بعد انهيار نظام دولة المدينة polis فقد انحصرت مشكلات الفلسفة اليونانية في حينها في البحث عن سعادة الفرد الذي لم يعد انشغاله بأداء واجباته تجاه مدينته، بل أصبحت حريته في الانتقال من أقصى الامبراطورية إلى أقصاها وراء كسب العيش، وهي الأهم، وتبعاً لذلك فقد ضاعت الروابط التي كانت تربط المواطنين بوطن معين، لا بل انتهى الأمر بالمواطن إلى هذا الزهد في شؤون حياته العامة. وقدمت المدارس الفلسفية التي نشأت بعد غياب أسماء الفلاسفة الكبار هذه التوجهات الجديدة للمواطن بتنوع ملحوظ، ولكنها اتفقت كلها على ضرورة السلبية وتقوقع الفرد على ذاته. وبرز في هذا المجال عدد من مدارس الفلسفة أهمها الأبيقورية[ر] Epicureanism بدعوتها إلى الخلو من الهموم، والرواقية[ر] stoic بدعوتها الخلود من رد الفعل والانفعالات، والشكية[ر] scepticism بدعوتها إلى البعد عن تقرير أي حقيقة مهما صغرت، إضافة إلى المدارس السقراطية: قورينائيه Cyrenaics والكلبية Cynics والميغارية Megarians [ر. سقراط].
ولندرة الابتكار والإبداع الفكري في هذا العصر عموماً، نتيجة سيادة أفكار هذه المدارس, فقد سادت موجة تقليد كبار الفلاسفة من السلف الصالح، ونسب مؤسسو عدد كبير من هذه المدارس فلسفاتهم إلى أسماء كبيرة سابقة، فأرجع أبيقور Epicurus نحو (341-270ق.م) فلسفة مدرسته إلى ديمقريطس Democritus نحو (460-361ق.م)، كما أرجع زينون الكيتومي Zeno of Citium نحو (336-264ق.م) فلسفته إلى هيراقليس, والمدرسة السقراطية إلى سقراط، واستمرت هذه المدارس في عملها حتى دخول العصر الروماني وتألقت فلسفات جديدة قامت على أسس مدارس العصر الهلنستي السابقة.
مفيد رائف العابد
الفلسفة اليونانية Greek philosophy إحدى أشهر فلسفات العالم القديم إلى جانب الفلسفة الهندية والصينية، وذلك لوصول عدد كبير من أصولها إلى أيدي المؤرخين المعاصرين، إضافة إلى تعصب بعض الأوربيين المعاصرين لها بوصفها أوربية المنشأ. ويعزو الأوربيون تفوق الفلسفة اليونانية على غيرها - من وجهة نظرهم - إلى الحرية الفكرية التي تمتع بها الإغريق عامة، قياساً على غيرهم من الأمم التي قيدتها فكرياً مفاهيمها الدينية الغامضة.
ويقسم المؤرخون المعاصرون الفلسفة اليونانية زمنياً إلى مراحل ثلاث: مرحلة الفلسفة القديمة (القرن 7-6ق.م) ومرحلة الفلسفة الكلاسيكية (القرن 5-4ق.م) ومرحلة الفلسفة الهلنستية (القرون الثلاثة السابقة للميلاد). وتشير المعلومات التي استقاها المؤرخون من وثائق الفلسفة اليونانية القديمة إلى أن فلاسفة تلك المرحلة حاولوا اكتشاف التركيب الأساسي للأشياء المادية والمعنوية في الطبيعة في إطار الواقع الذي يعيشه الإنسان، مع استبعاد كل ما له علاقة بالسحر والخرافات وتفسير الديانات القديمة لماهية الكون، والتي عدّها فلاسفة تلك الفترة مصادر معلومات غير موثوقة أو سطحية جداً، وبذلك جاءت دراساتهم معتمدة على التفكير في معطيات الطبيعة البشرية والظواهر الطبيعية المحيطة ومحاولة معرفة الجوهر الكامن وراء المظهر. ولأن فلاسفة المرحلة القديمة لم يؤمنوا بوجود الآلهة أو أي مخلوقات ذات قوى فوق الطبيعة لتحريك الأحداث والظواهر، فقد نجحوا في إعطاء عدد من الأجوبة المنطقية والمقنعة لمسائل الفلسفة وبعض العلوم، وبما أنه لم تتوافر لديهم آنذاك تقاليد فلسفية ينطلقون منها في بحوثهم، فقد تحولت نتائج أبحاثهم في هذه المسائل إلى أسس استند إليها فلاسفة العصور اللاحقة.
ويعد المهندس طاليس[ر] Thales الملطي (القرن السابع ق.م) أول فيلسوف يوناني، ويعزى إليه عنايته بتفسير ثلاث ظواهر طبيعية بعيداً عن التفسيرات الميتافيزيقية، منها ظاهرة المغنطيسية وظاهرة فيضان نهر النيل وظاهرة كسوف الشمس. ويليه زمنياً تلميذه أنكسيمندر[ر] Anaximander الملطي (610-547ق.م) الذي عمل في جغرافية المكان والإنسان وحاول الربط بينهما، وعمل في تفسير نشوء الإنسان وظواهر الطبيعة بعيداً عن العلل الغيبية والأساطير. وتجلى تأثير فلسفة طاليس وتلميذه في قيام مدرسة حملت اسم مدينتهما ملطية وأدت إلى إنجاز أفكار علمية جديدة فتحت مجالاً رحباً لتقدم العلوم العامة والتطبيقية، فظهر في الطب عدد من أبرز أطباء التاريخ على رأسهم أبقراط[ر]Hippocrates ما بين (469-399ق.م)، وعدد من الرياضيين، أبرزهم فيثاغورس[ر] Pythagoras (القرن السادس) وعدد من فلاسفة اللغة والوجود أبرزهم هيراقليطس[ر] Heraclitus (القرن الخامس قبل الميلاد).
ويقدم مؤرخـو الفلسفة سقراط[ر] Socrates على أنه مؤسس المدرسة الكلاسيكية في الفلسفة اليونانية مع أنه لم يخلف أثراً مكتوباً في حـياته، وقد تمحور فكـره في عـدد من المحاورات والمناظرات التي قدمـها تلميذه أفلاطـون. ويعزى إلى هذا الفيلسوف الذي كان يعلّم تلاميذه في الأسواق العامـة وملاعـب الرياضة محاولته إيجاد تعريفات دقيقة لبعض المفاهيم التجريبية كالمعرفة والفضيلة والعدل والحكمة، وذلك بطريقة ابتكرها عرفت بطريقة التهكم والتوليد. ومن محاوراته تلك يمكن تبين الأسس الأولى للمذهب المثالي أو الأخلاقي الذي قدمه سقراط للحضارة العالمية، والذي عرّفه الفيلسوف الروماني المشهور شيشرون[ر]Cicero ما بين (106-43ق.م) بأنه مذهب أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض وجعلها تسوس أفعال البشر منطلقاً من عبارة معبد (دلفي)[ر] الشهيرة (اعرف نفسك)؛ تلك العبارة التي اعتمدها سقراط شعاراً لفلسفته الأخلاقية التي انصرفت إلى دراسة موضوعين رئيسيين هما: النفس البشرية والتصورات الأخلاقية المطلقة، وترجمها فعلياً في قبوله حكم الإعدام الصادر بحقه بتهمة معاداة الديموقراطية وإفساد عقول الشباب الأثيني بالسخرية من آلهة مدينتهم.
وفي فلسفة العصر الكلاسيكي غالباً ما ترتبط فلسفة سقراط بمعاصرته عدداً من محترفي الفلسفة في بلاد اليونان من الذين أُطلق عليهم اسم السفسطائيين Sophists بزعامة بروتاغوراس Protagoras، والذين تخصّص معظمهم بداية في علوم اللغة والخطابة والجدل، وإن كانت فلسفتهم قد ارتكزت أخيراً على تطوير النزعة الفردية لدى الإنسان للوصول إلى رغباته وتطلعاته في الحياة، فكانوا بذلك طرفاً نقيضاً لأخلاقية سقراط المطلقة في مقابل أخلاقية نسبية دعا إليها معاصروه من السفسطائيين.
ويعد أفلاطون[ر]Plato ما بين (429-347ق.م) أبرز تلاميذ سقراط وأكثرهم تأثيراً في الفلسفة الكلاسيكية، وارتكزت فلسفته حول فكرة أنه لا يمكن إدراك حقيقة الأشياء في الحياة عن طريق الحواس، لأن المعارف المدركة عن طريق الحواس تتغير بظروف الزمان والمكان. وعليه لا يمكن الوصول إلى المعارف الأصلية إلا فيما يتعلق بالأشياء الثابتة التي لا تتغير بالزمان والمكان مثل الحقيقة والجمال والخير وغيرها. وكان أفلاطون يوضح فكرته بالقول: إن أفكار الإنسان هي فقط التي تماثل الحقيقة إن لم تطابقها في حين تعد أشياء الحياة الأخرى انعكاساً لهذه الأفكار. وقد عرّف مؤرخو الفلسفة هذه الأفكار أنها مثالية أفلاطون التي تهدف إلى تحقيق الخير، ويضيف أفلاطون إن من واجب الإنسان الواعي أن يوقف حياته للتأمل في الحقائق السرمدية لفكرة الحياة الخيرة، وإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من الفهم، فعليه العودة إلى الحياة المادية واستخدام معارفه وقدراته التي توصل إليها لخدمة الإنسانية. وكان أفلاطون قد ربط هذه الدعوة بتأكيد خلود الروح بعد هلاك الجسد، وهو أمر أسهم في إثراء الفكر النصراني فيما بعد، عندما احتدم النقاش بين نصارى القرن الرابع الميلادي حول طبيعة السيد المسيح.
شهد العصر الكلاسيكي أولى محاولات البشرية المنظمة لتأطير نظم الحكم السياسية بالفلسفة، فتحدث أفلاطون عن فلسفة السياسة في عصره معتمداً على تجاربه التي كونها من أسفاره، وخاصة إلى مصر وقوريني Cyrene برقة أو (شحات الحالية) وصقلية، وكذلك على محاوراته الخاصة في مدرسته «الأكاديمية». وأقر في كتابه «الجمهورية» نموذجاً عادلاً للحكم يقوم على أساس الديمقراطية.
ويأتي أرسطو[ر]Aristotle ما بين (384-322ق.م) في مقدمة فلاسفة الفترة الكلاسيكية من حيث غزارة الإنتاج والتنويع في الموضوعات التي ألقاها أو أملاها على تلامذته في مدرسته التي دعيت «باللوقيوم» Lyceon، ويُنسب إليه كتب متعددة في المنطق والأخلاق والطبيعة وما وراء الطبيعة والأحياء والتاريخ والنفس البشرية والفن (شعر وموسيقى ومسرح) والحيوان، وأخيراً في السياسة، وكان بارزاً في كل هذه الموضوعات لدرجة أن معظم كتبه ما زالت تُدَّرس في عدد كبير من جامعات العالم مقدمة لكل العلوم التي تفرعت منها فيما بعد.
وقد ترتب على نجاح الإسكندر الكبير في توحيد الشرق والغرب، حتمية تأثر الفلسفة اليونانية بديانات الشرق، وخاصة بعد انهيار نظام دولة المدينة polis فقد انحصرت مشكلات الفلسفة اليونانية في حينها في البحث عن سعادة الفرد الذي لم يعد انشغاله بأداء واجباته تجاه مدينته، بل أصبحت حريته في الانتقال من أقصى الامبراطورية إلى أقصاها وراء كسب العيش، وهي الأهم، وتبعاً لذلك فقد ضاعت الروابط التي كانت تربط المواطنين بوطن معين، لا بل انتهى الأمر بالمواطن إلى هذا الزهد في شؤون حياته العامة. وقدمت المدارس الفلسفية التي نشأت بعد غياب أسماء الفلاسفة الكبار هذه التوجهات الجديدة للمواطن بتنوع ملحوظ، ولكنها اتفقت كلها على ضرورة السلبية وتقوقع الفرد على ذاته. وبرز في هذا المجال عدد من مدارس الفلسفة أهمها الأبيقورية[ر] Epicureanism بدعوتها إلى الخلو من الهموم، والرواقية[ر] stoic بدعوتها الخلود من رد الفعل والانفعالات، والشكية[ر] scepticism بدعوتها إلى البعد عن تقرير أي حقيقة مهما صغرت، إضافة إلى المدارس السقراطية: قورينائيه Cyrenaics والكلبية Cynics والميغارية Megarians [ر. سقراط].
ولندرة الابتكار والإبداع الفكري في هذا العصر عموماً، نتيجة سيادة أفكار هذه المدارس, فقد سادت موجة تقليد كبار الفلاسفة من السلف الصالح، ونسب مؤسسو عدد كبير من هذه المدارس فلسفاتهم إلى أسماء كبيرة سابقة، فأرجع أبيقور Epicurus نحو (341-270ق.م) فلسفة مدرسته إلى ديمقريطس Democritus نحو (460-361ق.م)، كما أرجع زينون الكيتومي Zeno of Citium نحو (336-264ق.م) فلسفته إلى هيراقليس, والمدرسة السقراطية إلى سقراط، واستمرت هذه المدارس في عملها حتى دخول العصر الروماني وتألقت فلسفات جديدة قامت على أسس مدارس العصر الهلنستي السابقة.
مفيد رائف العابد