الشكلية في الأدب
الشكلية Formalism نزعة ترمي إلى تغليب الشكل والقيم الجمالية على مضمون العمل الأدبي، وما فيه من فكرة أو خيال أو شعور. وكانت الشكلية في بداياتها قد حصرت اهتمامها في الشكل فقط، لكنها مالبثت أن تطورت إلى دراسة بنية هذا الشكل وتميزت بنفورها من كل ما هو ميتافيزيقي ومغرق في الغموض، واعتمدت منهجية تجريبية تعتمد على دراسة الظواهر والملاحظات التجريبية، مبتعدة عن الانطباعية، وركّزت على الشكل وعلى نسيج النص اللفظي، مما أدّى إلى دراسة الأصوات وتكراراتها ورخامتها وانسيابيتها وإيقاعها. ميّزت الشكلية بين اللغة الشعرية واللغة العملية في استخدام الكلمات، كما استقرأت المستويات المختلفة للنص وأساليبه في تفاعلها المبدع، وسعت إلى استكشاف الأدوات الأدبية والتقنية والبلاغية المستعملة.
ظهرت الشكلية في روسيا بين عامي 1916 و1920، وكان ظهورها إيذاناً بظهور علم اللسانيات وعلم السيميائية والنظرية السردية. ويعود الفضل في ظهورها إلى تجمعين علميين أولهما: كان: «جمعية دراسة اللغة الشعرية» OPOYAZ التي كان مقرها في سان بطرسبورغ، وكان جل اهتمامها منصباً على الدراسات اللغوية، ومن أعلامها فكتور شكلوفسكي V.Shklovsky وبوريس إيخنباومB.Eikhenbaum. أما التجمع الثاني فكان «حلقة موسكو الأدبية» وكان من أهم أعلامها رومان ياكُبسون R.Jakobson. وقد حُسبت مجموعة من أعلام الأدب والنقد على الشكلية مثل فكتور جيرمونسكيV.Jirmunsky ويوري تينيانوف I.Tynianov.
تمثل الأعوام 1920و1926 مرحلة نضج الشكلية، فقد تحولت من الانصراف الكامل إلى الشكل والرخامة اللفظية إلى دلالة النص، ومن النص الشعري إلى النص القصصي. وتميزت هذه المرحلة بكتاب جيرمونسكي: «غايات الشعرية» وكتاب شكلوفسكي» «في نظرية النثر» وكتاب إيخنباوم: «دراسة التركيب وعلاقته بالإيقاع»، وكتاب فلاديمير بروب V.Propp«مورفولوجيا الحكاية».
وتمثل الأعوام 1926-1930 مرحلة انتقال الشكلية إلى براغ حيث تحولت إلى بنيوية تشيكية، رَبَط أعلامها الأدب باعتباره منظومة system ذات خصوصية بمنظومات أخرى في المجتمع، وتعمقت الدراسات التحليلية للنصوص الأدبية. وامتدت آثار الشكلية إلى الغرب بعامة، فظهرت هناك عدة دراسات نقدية شكلية - بنيوية.
تركز الشكلية على استكشاف الخصوصية الأدبية للنصوص. يقول رومان ياكُبسون: «ليس الأدب في عمومه هو ما يمثل موضوع علم الأدب، بل موضوعه هو الأدبية، أي ما يجعل من أثرٍ ما أثراً أدبيا». ويضيف إيخنباوم: «يجب على الناقد الأدبي ألا يهتم إلا بالبحث في السمات المميزة للأدبية». وكان شُغْل الشكلانيين الشاغل أن يحددوا بروح علمية نماذج تصورية وفرضيات تفسر الكيفية التي تُنتج بها الوسائل الأدبية تأثيرات جمالية، والكيفية التي يتميز بها الأدبي من غير الأدبي.
رأى الشكلانيون أن الأدب استخدام خاص للغة، وميزوا العملية التي تستخدم اللغة استخداماً عملياً يرتبط بعملية التوصيل في اللغة الأدبية، التي ليس لها وظيفة عملية، بل وظيفة جمالية، تجعلنا نرى العالم بطريقة مختلفة، وقالوا إن ما يميز الأدب من اللغة العملية هو أنه عملية بناء لغوي يقوم بها الأديب، ودرسوا الشعر بوصفه الاستخدام الأدبي الأمثل للغة، فالشعر لغة منتظمة في كل نسيجها الصوتي؛ والإيقاع أهم عوامله.
يرى الشكلانيون أن مهمة الفن هي أن يعيد الوعي بالأشياء التي أصبحت مألوفة للوعي اليومي المعتاد. ويقول شكلوفسكي: «إن غرض الفن نقل الإحساس بالأشياء كما تُدْرَك وليس كما تُعرف...». وتقوم الشكلية على دعامات ثلاث: علمية وجمالية وأدبية.
تقوم الدعامة العلمية على المنهج العلمي الوصفي الذي لا يُعنى بنشأة النص، بل بتحليله وتشريحه والتركيز على خصوصيته. ولهذا ركزوا على المورفولوجيا morphology(علم التشكل والصيغ)، وكان همهم الإحاطة الوصفية والتعبير نقدياً عن الظاهرة الأدبية. وأكد الشكليون أن غاية الكلام نفسه والخطاب المتشكل منه هو جذب الانتباه إلى نسيجه ومكوناته.
أما الدعامة الجمالية فتقوم على أن غاية الأدب ووظيفته جمالية لا نفعية، فهي لا تخدم غرضاً تعليمياً أو أخلاقياً أو اجتماعياً، وإنما اللغة هي الإدهاش وبكارة الرؤية. وتطغى عند الشكليين الدراسة المكثفة للأدوات والاستراتيجيات والتقنيات الأدبية والسردية على موضوع النص، لأن الغرض الأساس هو إثارة الإدراك الحسي للكلمة. وتعامل الشكليون مع الكلمة على أساس سيميائي وتبنوا التقابل الثلاثي بين الدال /المدلول/ المرجع، لكنهم اهتموا بثنائية الدال/المدلول وانصرفوا عن المرجع (الشيء، أو الموضوع المحال عليه هذا الشيء).
أما الدعامة الأدبية فكانت تعني مفهوم الشكليين للوحدة العضوية في اللغة الشعرية وعلاقة الإيقاع بالتركيب. وقد اتفق ياكُبسون وتوماشفسكي Tomashevski على أن الوحدة الإيقاعية ليست التفعيلة كما في العروض التقليدي، بل هي المقطع المؤلَف من وحدات مقطعية تركيبية. وقال الشكليون بضرورة تعدي الصوتيات البحتة في الدراسات العروضية إلى دراسة وظيفة الصوتيات في تمييز المعنى. وقد استرجعت الصورة الشعرية قيمتها في التحليل الشكلي، وقام ياكُبسون بدراسة أنماط الصورة الشعرية فتركت البداية الشعرية أثرها على نقد النثر والرواية. ودرس الشكليون بنية الرواية وميزوا عنصرين فيها: الحكاية والمبنى الحكائي؛ فالحكاية هي مجموعة الأحداث (أي مادة الرواية) أما المبنى الحكائي فهو طريقة تقديم هذه الأحداث. وقد أدى انتقال الشكليين من الشعر إلى النثر إلى تعميق التحليل من الشكل الخارجي إلى البنية الداخلية.
تعد الشكلية مدخلاً وأساساً لابد منه لفهم المدارس النقدية الحديثة، كالبنيوية والتفكيكية ومدارس النقد الجديد التي نشأت في إنكلترا ثم امتدت إلى أمريكا منذ ثلاثينات القرن العشرين.
رضوان القضماني
الشكلية Formalism نزعة ترمي إلى تغليب الشكل والقيم الجمالية على مضمون العمل الأدبي، وما فيه من فكرة أو خيال أو شعور. وكانت الشكلية في بداياتها قد حصرت اهتمامها في الشكل فقط، لكنها مالبثت أن تطورت إلى دراسة بنية هذا الشكل وتميزت بنفورها من كل ما هو ميتافيزيقي ومغرق في الغموض، واعتمدت منهجية تجريبية تعتمد على دراسة الظواهر والملاحظات التجريبية، مبتعدة عن الانطباعية، وركّزت على الشكل وعلى نسيج النص اللفظي، مما أدّى إلى دراسة الأصوات وتكراراتها ورخامتها وانسيابيتها وإيقاعها. ميّزت الشكلية بين اللغة الشعرية واللغة العملية في استخدام الكلمات، كما استقرأت المستويات المختلفة للنص وأساليبه في تفاعلها المبدع، وسعت إلى استكشاف الأدوات الأدبية والتقنية والبلاغية المستعملة.
ظهرت الشكلية في روسيا بين عامي 1916 و1920، وكان ظهورها إيذاناً بظهور علم اللسانيات وعلم السيميائية والنظرية السردية. ويعود الفضل في ظهورها إلى تجمعين علميين أولهما: كان: «جمعية دراسة اللغة الشعرية» OPOYAZ التي كان مقرها في سان بطرسبورغ، وكان جل اهتمامها منصباً على الدراسات اللغوية، ومن أعلامها فكتور شكلوفسكي V.Shklovsky وبوريس إيخنباومB.Eikhenbaum. أما التجمع الثاني فكان «حلقة موسكو الأدبية» وكان من أهم أعلامها رومان ياكُبسون R.Jakobson. وقد حُسبت مجموعة من أعلام الأدب والنقد على الشكلية مثل فكتور جيرمونسكيV.Jirmunsky ويوري تينيانوف I.Tynianov.
تمثل الأعوام 1920و1926 مرحلة نضج الشكلية، فقد تحولت من الانصراف الكامل إلى الشكل والرخامة اللفظية إلى دلالة النص، ومن النص الشعري إلى النص القصصي. وتميزت هذه المرحلة بكتاب جيرمونسكي: «غايات الشعرية» وكتاب شكلوفسكي» «في نظرية النثر» وكتاب إيخنباوم: «دراسة التركيب وعلاقته بالإيقاع»، وكتاب فلاديمير بروب V.Propp«مورفولوجيا الحكاية».
وتمثل الأعوام 1926-1930 مرحلة انتقال الشكلية إلى براغ حيث تحولت إلى بنيوية تشيكية، رَبَط أعلامها الأدب باعتباره منظومة system ذات خصوصية بمنظومات أخرى في المجتمع، وتعمقت الدراسات التحليلية للنصوص الأدبية. وامتدت آثار الشكلية إلى الغرب بعامة، فظهرت هناك عدة دراسات نقدية شكلية - بنيوية.
تركز الشكلية على استكشاف الخصوصية الأدبية للنصوص. يقول رومان ياكُبسون: «ليس الأدب في عمومه هو ما يمثل موضوع علم الأدب، بل موضوعه هو الأدبية، أي ما يجعل من أثرٍ ما أثراً أدبيا». ويضيف إيخنباوم: «يجب على الناقد الأدبي ألا يهتم إلا بالبحث في السمات المميزة للأدبية». وكان شُغْل الشكلانيين الشاغل أن يحددوا بروح علمية نماذج تصورية وفرضيات تفسر الكيفية التي تُنتج بها الوسائل الأدبية تأثيرات جمالية، والكيفية التي يتميز بها الأدبي من غير الأدبي.
رأى الشكلانيون أن الأدب استخدام خاص للغة، وميزوا العملية التي تستخدم اللغة استخداماً عملياً يرتبط بعملية التوصيل في اللغة الأدبية، التي ليس لها وظيفة عملية، بل وظيفة جمالية، تجعلنا نرى العالم بطريقة مختلفة، وقالوا إن ما يميز الأدب من اللغة العملية هو أنه عملية بناء لغوي يقوم بها الأديب، ودرسوا الشعر بوصفه الاستخدام الأدبي الأمثل للغة، فالشعر لغة منتظمة في كل نسيجها الصوتي؛ والإيقاع أهم عوامله.
يرى الشكلانيون أن مهمة الفن هي أن يعيد الوعي بالأشياء التي أصبحت مألوفة للوعي اليومي المعتاد. ويقول شكلوفسكي: «إن غرض الفن نقل الإحساس بالأشياء كما تُدْرَك وليس كما تُعرف...». وتقوم الشكلية على دعامات ثلاث: علمية وجمالية وأدبية.
تقوم الدعامة العلمية على المنهج العلمي الوصفي الذي لا يُعنى بنشأة النص، بل بتحليله وتشريحه والتركيز على خصوصيته. ولهذا ركزوا على المورفولوجيا morphology(علم التشكل والصيغ)، وكان همهم الإحاطة الوصفية والتعبير نقدياً عن الظاهرة الأدبية. وأكد الشكليون أن غاية الكلام نفسه والخطاب المتشكل منه هو جذب الانتباه إلى نسيجه ومكوناته.
أما الدعامة الجمالية فتقوم على أن غاية الأدب ووظيفته جمالية لا نفعية، فهي لا تخدم غرضاً تعليمياً أو أخلاقياً أو اجتماعياً، وإنما اللغة هي الإدهاش وبكارة الرؤية. وتطغى عند الشكليين الدراسة المكثفة للأدوات والاستراتيجيات والتقنيات الأدبية والسردية على موضوع النص، لأن الغرض الأساس هو إثارة الإدراك الحسي للكلمة. وتعامل الشكليون مع الكلمة على أساس سيميائي وتبنوا التقابل الثلاثي بين الدال /المدلول/ المرجع، لكنهم اهتموا بثنائية الدال/المدلول وانصرفوا عن المرجع (الشيء، أو الموضوع المحال عليه هذا الشيء).
أما الدعامة الأدبية فكانت تعني مفهوم الشكليين للوحدة العضوية في اللغة الشعرية وعلاقة الإيقاع بالتركيب. وقد اتفق ياكُبسون وتوماشفسكي Tomashevski على أن الوحدة الإيقاعية ليست التفعيلة كما في العروض التقليدي، بل هي المقطع المؤلَف من وحدات مقطعية تركيبية. وقال الشكليون بضرورة تعدي الصوتيات البحتة في الدراسات العروضية إلى دراسة وظيفة الصوتيات في تمييز المعنى. وقد استرجعت الصورة الشعرية قيمتها في التحليل الشكلي، وقام ياكُبسون بدراسة أنماط الصورة الشعرية فتركت البداية الشعرية أثرها على نقد النثر والرواية. ودرس الشكليون بنية الرواية وميزوا عنصرين فيها: الحكاية والمبنى الحكائي؛ فالحكاية هي مجموعة الأحداث (أي مادة الرواية) أما المبنى الحكائي فهو طريقة تقديم هذه الأحداث. وقد أدى انتقال الشكليين من الشعر إلى النثر إلى تعميق التحليل من الشكل الخارجي إلى البنية الداخلية.
تعد الشكلية مدخلاً وأساساً لابد منه لفهم المدارس النقدية الحديثة، كالبنيوية والتفكيكية ومدارس النقد الجديد التي نشأت في إنكلترا ثم امتدت إلى أمريكا منذ ثلاثينات القرن العشرين.
رضوان القضماني