ابن شداد (محمد بن علي ـ)
(613 ـ 684هـ/ 1217 ـ 1285م)
أبو عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم بن شداد بن خليفة بن شداد، الملقب بعز الدين مؤرخ وجغرافي. وهناك ابن شداد آخر أقدم هو بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع (539ـ632هـ/1145ـ123م) الأسدي الموصلي. كان من معاصري السلطان صلاح الدين.
ولد ابن شداد في حلب على الأرجح، وتوفي ودفن بسفح المقطم بالقاهرة. ولم تكن أسرته مشهورة بالعلم، وقد تلقى العلم في أحد مساجد حلب أو إحدى مدارسها فتعلم القرآن الكريم وحفظه، ثم عني بعلوم التلاوة والتجويد والتفسير والحديث واللغة والأدب والنحو، ودرس الفقه وتعمق في دراسة كتب الخراج والأموال، ثم انصرف إلى كتب التاريخ والجغرافية فتعمّق فيهما. وقد أعجب بكتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر وتاريخ ابن العديم الكبير (بغية الطلب في تاريخ حلب) فنحا نحوهما وجاراهما.
خرج ابن شداد من حلب إلى دمشق سنة 631هـ، ثم تردد إليها مراراً، ثم قطن بها مدة عشر سنين، وزار حران وتولى شؤونها المالية سنة 638هـ، ولما سقطت حلب في أيدي التتر سنة 657هـ، وحدث فيها ما حدث من الهلع والجزع، خرج منها ابن شداد، كما فعل الملك الناصر الأيوبي من دمشق، متوجهين إلى مصر، ولما انتصر المسلمون بقيادة السلاطين المماليك على المغول وأجلوهم عن الشام عقب معركة عين جالوت، عاد ابن شداد مع السلطان الظاهر بيبرس سنة 669هـ إلى دمشق ورأى معاقل الصليبيين وجيوبهم المتبقية تخر ساقطة على يدي السلطان الظاهر أيضاً وخلفائه، واستمر في خدمة السلطان الظاهر بيبرس حتى وفاته (676هـ/1277م)، ثم في خدمة ابنه السلطان الملك السعيد بركة، ثم لازم السلطان العادل سيف الدين سلامش، ثم الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي.
شغل ابن شداد في حياته مناصب مهمة، وكان عالماً بشؤون عصره السياسية والاقتصادية، وأتيح له، بحكم منصبه، أن يطلع على كثير من الأسرار، وتسلم مسؤوليات مالية ووصل إلى مرتبة الوزارة.
من الكتب التي ألّفها ابن شداد والتي اهتدي إليها:
«جنى الجنتين في أخبار الدولتين»، ذكره ابن شداد في كتابه «الأعلاق الخطيرة»، ولعله في الدولة الخوارزمية والأيوبية ولم يصل إلينا ذكر شيء عن مخطوطته، «الروض الزاهر في أخبار الملك الظاهر»، وسماه حاجي خليفة في كشف الظنون «سيرة الظاهر بيبرس»، «القرعة الشدادية الحميرية» أو «تحفة الزمن في طرف أهل اليمن»، ذكره بروكلمان في «تاريخ الأدب العربي». وقال إن مخطوطته بالهند، «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة»، وذكره بعضهم باسم «الدرة الخطيرة في أمراء الشام والجزيرة». ولعلَّه آخر مؤلفاته. وقد نشر المستشرق الفرنسي دومينيك سورديل القسم الأول من الجزء الخاص بتاريخ حلب سنة 1953م، ونشر سامي الدهان الجزء الثاني وهو القسم الأول من تاريخ دمشق سنة 1956م، والقسم الثاني الخاص بتاريخ لبنان والأردن وفلسطين سنة 1963م، في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق. وحقَّق الجزء الثالث والأخير الخاص بتاريخ الجزيرة والموصل يحيى عبارة، ونشرته وزارة الثقافة بدمشق سنة 1978م في قسمين، كما حقَّق يحيى عبارة أيضاً الجزء الأول بقسميه ونشرته وزارة الثقافة عام 1991م.
وكتاب ابن شداد «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة» يعد أعظم كتبه وأكثرها شـهرة وأهمية، وقد ابتـدأ تأليفه نحو سنة 671هـ/1272م وانتهى منه في نحو سنة 680هـ/1281م. والأعلاق جمع علق، وهو النفيس من كل شيء والخطير من الأمور. وكأنه أراد بهذه التسمية ذكر نفائس أخبار أمراء الشام والجزيرة وأعظمها أهمية، واتَّبع ابن شداد في تسمية الكتاب أسلوب عصره وهو السجع. وموضوع الكتاب لا ينصب على أخبار الأمراء فحسب، بل شمل دراسة إقليم الشام ومدنه جغرافياً، وتوسع في أخبار أمراء الجزيرة منذ فتحها على يد عياض بن غنم سنة 17هـ/638م، وانتهاء بأبي الفضائل سعيد الدولة بن شريف بن علي الحمداني الذي مات سنة 393هـ/1002م، وانقراض دولة بني حمدان.
أما سبب تأليف الكتاب، فقد أوضحه العز بأنه إظهار الشكر للسلطان الظاهر بيبرس بوضع كتاب يذكر فيه ما حققه من الفتوحات، وما استرجعه من أراض كانت بيد الأعداء، وقد أوضح ابن شداد في ديباجة كتابه ومقدمته منهجه في الكتاب وأقسامه والموضوعات التي بحثها، فلم يترك شيئاً عن مدن الشام والجزيرة إلا ذكرها، مثل أصل الأسماء والفضائل والمدن وما فيها من مساجد ومدارس وحمامات وغيرها من المنشآت، وتفصيل أخبار دمشق وحمص وقنسرين والعواصم. وقد جعل المؤلف كتابه في ثلاثة أجزاء، أولها لحلب وتوابعها، والثاني لمدينة دمشق، والثالث للجزيرة.
وقد صوَّر ابن شداد في كتابه حالة التمزق التي كانت تعيشها المنطقة مع الأخطار الخارجية، وعرض جوانب القوة المعنوية والإيمان من جهة أخرى.
ويمكن القول: إن كتاب الأعلاق كتاب تاريخي جغرافي، وهو من الكتب الجليلة القدر، ومن أفضل ما صنف في تاريخ وجغرافية الشام من الكتب التراثية في حقبة الغزو المغولي والغزو الصليبي.
عبد الرحمن البيطار
(613 ـ 684هـ/ 1217 ـ 1285م)
أبو عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم بن شداد بن خليفة بن شداد، الملقب بعز الدين مؤرخ وجغرافي. وهناك ابن شداد آخر أقدم هو بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع (539ـ632هـ/1145ـ123م) الأسدي الموصلي. كان من معاصري السلطان صلاح الدين.
ولد ابن شداد في حلب على الأرجح، وتوفي ودفن بسفح المقطم بالقاهرة. ولم تكن أسرته مشهورة بالعلم، وقد تلقى العلم في أحد مساجد حلب أو إحدى مدارسها فتعلم القرآن الكريم وحفظه، ثم عني بعلوم التلاوة والتجويد والتفسير والحديث واللغة والأدب والنحو، ودرس الفقه وتعمق في دراسة كتب الخراج والأموال، ثم انصرف إلى كتب التاريخ والجغرافية فتعمّق فيهما. وقد أعجب بكتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر وتاريخ ابن العديم الكبير (بغية الطلب في تاريخ حلب) فنحا نحوهما وجاراهما.
خرج ابن شداد من حلب إلى دمشق سنة 631هـ، ثم تردد إليها مراراً، ثم قطن بها مدة عشر سنين، وزار حران وتولى شؤونها المالية سنة 638هـ، ولما سقطت حلب في أيدي التتر سنة 657هـ، وحدث فيها ما حدث من الهلع والجزع، خرج منها ابن شداد، كما فعل الملك الناصر الأيوبي من دمشق، متوجهين إلى مصر، ولما انتصر المسلمون بقيادة السلاطين المماليك على المغول وأجلوهم عن الشام عقب معركة عين جالوت، عاد ابن شداد مع السلطان الظاهر بيبرس سنة 669هـ إلى دمشق ورأى معاقل الصليبيين وجيوبهم المتبقية تخر ساقطة على يدي السلطان الظاهر أيضاً وخلفائه، واستمر في خدمة السلطان الظاهر بيبرس حتى وفاته (676هـ/1277م)، ثم في خدمة ابنه السلطان الملك السعيد بركة، ثم لازم السلطان العادل سيف الدين سلامش، ثم الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي.
شغل ابن شداد في حياته مناصب مهمة، وكان عالماً بشؤون عصره السياسية والاقتصادية، وأتيح له، بحكم منصبه، أن يطلع على كثير من الأسرار، وتسلم مسؤوليات مالية ووصل إلى مرتبة الوزارة.
من الكتب التي ألّفها ابن شداد والتي اهتدي إليها:
«جنى الجنتين في أخبار الدولتين»، ذكره ابن شداد في كتابه «الأعلاق الخطيرة»، ولعله في الدولة الخوارزمية والأيوبية ولم يصل إلينا ذكر شيء عن مخطوطته، «الروض الزاهر في أخبار الملك الظاهر»، وسماه حاجي خليفة في كشف الظنون «سيرة الظاهر بيبرس»، «القرعة الشدادية الحميرية» أو «تحفة الزمن في طرف أهل اليمن»، ذكره بروكلمان في «تاريخ الأدب العربي». وقال إن مخطوطته بالهند، «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة»، وذكره بعضهم باسم «الدرة الخطيرة في أمراء الشام والجزيرة». ولعلَّه آخر مؤلفاته. وقد نشر المستشرق الفرنسي دومينيك سورديل القسم الأول من الجزء الخاص بتاريخ حلب سنة 1953م، ونشر سامي الدهان الجزء الثاني وهو القسم الأول من تاريخ دمشق سنة 1956م، والقسم الثاني الخاص بتاريخ لبنان والأردن وفلسطين سنة 1963م، في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق. وحقَّق الجزء الثالث والأخير الخاص بتاريخ الجزيرة والموصل يحيى عبارة، ونشرته وزارة الثقافة بدمشق سنة 1978م في قسمين، كما حقَّق يحيى عبارة أيضاً الجزء الأول بقسميه ونشرته وزارة الثقافة عام 1991م.
وكتاب ابن شداد «الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة» يعد أعظم كتبه وأكثرها شـهرة وأهمية، وقد ابتـدأ تأليفه نحو سنة 671هـ/1272م وانتهى منه في نحو سنة 680هـ/1281م. والأعلاق جمع علق، وهو النفيس من كل شيء والخطير من الأمور. وكأنه أراد بهذه التسمية ذكر نفائس أخبار أمراء الشام والجزيرة وأعظمها أهمية، واتَّبع ابن شداد في تسمية الكتاب أسلوب عصره وهو السجع. وموضوع الكتاب لا ينصب على أخبار الأمراء فحسب، بل شمل دراسة إقليم الشام ومدنه جغرافياً، وتوسع في أخبار أمراء الجزيرة منذ فتحها على يد عياض بن غنم سنة 17هـ/638م، وانتهاء بأبي الفضائل سعيد الدولة بن شريف بن علي الحمداني الذي مات سنة 393هـ/1002م، وانقراض دولة بني حمدان.
أما سبب تأليف الكتاب، فقد أوضحه العز بأنه إظهار الشكر للسلطان الظاهر بيبرس بوضع كتاب يذكر فيه ما حققه من الفتوحات، وما استرجعه من أراض كانت بيد الأعداء، وقد أوضح ابن شداد في ديباجة كتابه ومقدمته منهجه في الكتاب وأقسامه والموضوعات التي بحثها، فلم يترك شيئاً عن مدن الشام والجزيرة إلا ذكرها، مثل أصل الأسماء والفضائل والمدن وما فيها من مساجد ومدارس وحمامات وغيرها من المنشآت، وتفصيل أخبار دمشق وحمص وقنسرين والعواصم. وقد جعل المؤلف كتابه في ثلاثة أجزاء، أولها لحلب وتوابعها، والثاني لمدينة دمشق، والثالث للجزيرة.
وقد صوَّر ابن شداد في كتابه حالة التمزق التي كانت تعيشها المنطقة مع الأخطار الخارجية، وعرض جوانب القوة المعنوية والإيمان من جهة أخرى.
ويمكن القول: إن كتاب الأعلاق كتاب تاريخي جغرافي، وهو من الكتب الجليلة القدر، ومن أفضل ما صنف في تاريخ وجغرافية الشام من الكتب التراثية في حقبة الغزو المغولي والغزو الصليبي.
عبد الرحمن البيطار