الشهابيون
الشهابيون أسرة عربية تنسب إلى مالك (الملقب بشهاب) من بني مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر «المسمى قريشاً» بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المنتسبة إليه العرب المستعربة. وأياً كان هذا النسب فقد أجمع جمهرة المؤرخين العرب على ذلك.
وفي القرن الثاني عشر للميلاد كان وادي التيم منطقة خاضعة لحكم الفرنجة الصليبيين وقد جعل هؤلاء بلدة حاصبيا قاعدة لهم، وحصنوها بالجند وآلات الحرب. وكان الشهابيون قد جاؤوا من جزيرة العرب في مطلع الفتح الإسلامي لبلاد الشام عام 633م، فشاركوا في الفتوح، وفي خلافة عمر بن الخطاب استوطن الشهابيون في قرية شهبا الواقعة على سفوح جبل العرب اليوم.
تبدأ أسرة الأمراء الشهابيين بالأمير منقذ بن عمرو، فقد نزحوا من حوران إلى وادي التيم في عهد الملك العادل نور الدين زنكي (ملك الشام) عام 568هـ/1172م، واستقروا في صحراء «الظهر الأحمر» ما بين الكنيسة والجديدة من لبنان، وراحوا يقاتلون الصليبيين بضراوة، فهزموهم في معارك عدة، واحتلوا مركزهم في حاصبيا، وسيطروا على وادي التيم، فمنحهم نور الدين ثم صلاح الدين من بعده الإمارة، وأصبحت إمارتهم متوارثة في أسرة الأمير منقذ حتى منتصف القرن التاسع عشر.
اتصل الشهابيون بالمعنيين في عهد الأمير يونس المعني، وأصهروا إليهم، إذ تزوج منقذ بابنة الأمير يونس المعني، ثم ما لبثت أن تكررت المصاهرة بين الطرفين، وأدى ذلك إلى تحالف وطيد، كان من أسباب انتصاراتهما المتتابعة على الصليبيين. ومن جرّاء هذه المصاهرة بين الطرفين ورث الشهابيون حكم بلاد المعنيين بعد وفاة آخر أمرائهم الأمير أحمد المعني عام 1000هـ/1697م، فصارت بلاد الشوف إضافة إلى وادي التيم بيد الأسرة الشهابية. وقد صدر فرمان سلطاني بتعيين الأمير حيدر بن الأمير موسى الشهابي أميراً على بلاد آل معن، ولصغر سنه عُيّن الأمير بشير الأول الشهابي وصياً عليه.
كان الشهابيون يدينون بالإسلام على مذهب أهل السنّة، غير أن الإمارة التي انتهت إليهم خضعت للأكثرية الإقطاعية الدرزية، أما النصارى، فعلى الرغم من تفوقهم العددي وخاصة الموارنة، كانوا يشكون من الضعف السياسي، ووقعت مناطقهم في بشري والبترون وجبيل المارونية والكورة الملكية الأرثوذكسية، تحت نفوذ مشايخ آل حمادة الشيعة، الذين تولوا أمر هذه المناطق نيابة عن ولاة طرابلس. وكان حكم هؤلاء المشايخ قاسياً وظالماً. ولم تكن للشهابيين في البداية سيادة عليهم. وفي تلك الأثناء، وُفِّق مشايخ آل الخازن الموارنة في كسروان، بمساندة آل معن، إلى استعادة جزء كبير من الأراضي التي استوطنها الشيعة في تلك المنطقة، وذلك في أواخر عهد المماليك، ومع ذلك لم ينعم النصارى بمنعة الجانب إلا في كسروان.
أما في الشوف وجوارها، فقد اشتد نفوذ المعنيين والشهابيين، وبقي الموارنة والملكيون بلا وزن سياسي. وقد شجع المعنيون نزوح النصارى إلى المناطق الدرزية. وحين خلف الشهابيون المعنيين، كان عدد النصارى النازحين، ومعظمهم من الفلاحين، الذين استقروا في مزارع أعيان الدروز، قد أصبح كبيراً.
وكان هؤلاء الأعيان، بسيادتهم النافذة على الشوف والغرب والجرد، هم أصحاب السلطة السياسية في البلاد، فلا عجب إن حاول الأمراء الشهابيون، حتى أواسط القرن الثامن عشر، الظهور بمظهر الدروز.
ونتيجة للصراع بين الحزبين «اليزبكي والجنبلاطي» ضعف نفوذ الدروز، خاصة بعد اعتزال الأمير ملحم للإمارة، إذ أصبح الدروز أقلية، في حين زاد عدد الموارنة وزاد معهم نفوذهم السياسي, وهنا شعر الأمير الشهابي باختلال التوازن الطائفي لمصلحة الموارنة، فسمح لأولاده بعد اعتزاله، وهو المسلم، أن يتنصروا، وقد قيل إنه شجعهم على ذلك، واقتدى به سائر الأمراء الشهابيين وبعض الأسر فأصبحوا نصارى عام 1770م. وحين تنازل الأمير منصور عن الحكم وخلفه الأمير يوسف الماروني المذهب بدأ عهد الشهابيين النصارى.
خلف الأمير يوسف في الإمارة رجلاً تجاوز سلفه في الدهاء، وهذا الأمير هو بشير بن قاسم الملقب ببشير الثاني الشهابي الكبير[ر] (1789ـ1840م) الذي وصل إلى السلطة بمساعدة أحمد باشا الجزار، والي صيدا، ودام حكمه نحو نصف قرن من الزمان. ويُعدّ هو والأمير فخر الدين المعني قمتين بارزتين في تاريخ الإمارتين (المعنية والشهابية).
وفي عام 1799م، جاء نابليون إلى فلسطين وحاصر عكا، فطلب الجزار معونة الأمير بشير، لكن الأمير اعتذر واتصل بنابليون عن طريق نقولا الترك. وحين تراجعت قوات نابليون عن عكا، لم يغفر الجزار للأمير تقاعسه، فغادر الأمير لبنان على ظهر بارجة بريطانية هرباً من انتقام الجزار، وأنزلته في قبرص ثم ما لبث أن غادرها إلى العريش، وهنالك قابل الصدر الأعظم يوسف باشا، الذي أعاده إلى الإمارة، ولكنه بقي تحت رحمة الجزار حتى وفاة الأخير عام 1804م.
سعى الأمير لتوطيد حكمه بكسر شوكة الإقطاعيين، ولم يبق أمامه من عثرة سوى الشيخ بشير جنبلاط الذي تجمعت حوله المعارضة، واستطاع الأمير ما بين 1804 و1819م، أن يصبح سيد لبنان بلا منازع.
ولما جرى الصدام بين والي صيدا، عبد الله باشا، ودرويش باشا، والي دمشق، وقف الأمير بشير إلى جانب الأول، فهاجم معه دمشق وجرت معركة المزة في 26 أيار 1821م. إلا أن الباب العالي تدخل في الأمر ونقل عبد الله باشا من صيدا وكلف بأمرها درويش باشا، فاضطر الأمير لمغادرة إمارته إلى مصر تاركاً إمرتها لعباس شهاب، فتدخل محمد علي باشا، فأعاد عبد الله باشا إلى ولاية صيدا والأمير بشير إلى إمارته، وأصبح بذلك حليفاً لمحمد علي باشا.
في سنة 1831م زحفت قوات محمد علي على بلاد الشام، فوضع الأمير بشير قواته تحت تصرف إبراهيم باشا الذي حاصر عكا واحتلها في 27 أيار 1832م، ثم رافق الأمير قوات إبراهيم باشا في معظم معاركه في بلاد الشام. ولما توغل إبراهيم باشا بقواته في الأناضول، أشعل بذلك المسألة الشرقية، فنزلت قوات روسية في اصطنبول، الأمر الذي دفع ببريطانيا وفرنسا، خوفاً على مصالحهما، للضغط على السلطان العثماني لقبول معاهدة كوتاهية التي وقعت مع المصريين في 8 نيسان 1833م لإجبار الروس على الانسحاب، لكنهم لم ينسحبوا إلا بعد توقيع معاهدة «خونكار أسكله سي» في تموز 1833م.
بانتصار القوات المصرية في معركة «نزيب» وضع مصير السلطنة في حال حرج، لأن ذلك سيفضي إلى القضاء عليها وقيام دولة فتية على أنقاضها، وهذا ما لا ترضاه دول أوربا الفاعلة آنئذٍ، لما في ذلك من خطر على مصالحها، فتشكل تحالف من تلك الدول، تقوده بريطانيا، فبدأ عملاؤها في تضخيم أخطاء السلطات المصرية وإثارة فئات الشعب ضدها. وحاصرت قوى التحالف السواحل الشامية إيذاناً بنزولها إلى البحر، لطرد القوات المصرية وفرض الحل الذي أرتأته. ولم يبق أمام إبراهيم باشا من خيار، لتدارك ما يمكن لإنقاذ قواته من الإبادة، سوى الانسحاب، فجاءته الأوامر من والده لفعل ذلك، وفي الوقت نفسه اتصل الإنكليز بالأمير بشير طالبين انضمامه إلى التحالف فرفض، وجرت معركة «بحر صاف» في المتن، فتفرقت قوات إبراهيم باشا، واضطر الأمير أن يغادر لبنان من بيت الدين إلى صيدا مستقلاً بارجة بريطانية إلى منفاه في مالطة.
اختار التحالف خلفاً له الأمير بشير الثالث (أبو طحين) وهو ابن الأمير قاسم بن ملحم شهاب، وكان ضعيفاً فصار ألعوبة بيد الإنكليز، وقد اختار صيدا مقراً لإمارته، لكنه لم يقو على حفظ التوازن بين النصارى والدروز، كما فعل سلفه الأمير بشير الثاني.
وبرزت قوى جديدة على الساحة اللبنانية، كما استعاد بعض الإقطاعيين نفوذهم، فاستغل البطريرك يوسف حبيش ذلك الارتباك، فطالب أن يكون الأمير مارونياً، والغاية من ذلك إعادة الأمير بشير الثاني إلى الإمارة. وهكذا استدعى سليم باشا ومصطفى باشا الأمير بشيراً الثالث إلى بيروت، حيث أقلّته سفينة إلى الآستانة، ليصبح لاجئاً سياسياً، براتب أربعة آلاف قرش سنوياً، وأعلن مصطفى باشا في اجتماع في بيروت سقوط الإمارة الشهابية في 16 كانون الثاني 1842م.
برز من الشهابيين العديد من السياسيين والأدباء والشعراء والمؤرخين، منهم عارف الشهابي الذي كان شاعراً وحيدر أحمد الشهابي الذي كان مؤرخاً، ومصطفى الشهابي الذي كان أديباً وإدارياً، وفؤاد شهاب الذي كان قائداً للجيش اللبناني ثم رئيساً للجمهورية اللبنانية بعد أحداث لبنان الدامية عام 1958م.
يوسف نعيسة
الشهابيون أسرة عربية تنسب إلى مالك (الملقب بشهاب) من بني مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر «المسمى قريشاً» بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المنتسبة إليه العرب المستعربة. وأياً كان هذا النسب فقد أجمع جمهرة المؤرخين العرب على ذلك.
وفي القرن الثاني عشر للميلاد كان وادي التيم منطقة خاضعة لحكم الفرنجة الصليبيين وقد جعل هؤلاء بلدة حاصبيا قاعدة لهم، وحصنوها بالجند وآلات الحرب. وكان الشهابيون قد جاؤوا من جزيرة العرب في مطلع الفتح الإسلامي لبلاد الشام عام 633م، فشاركوا في الفتوح، وفي خلافة عمر بن الخطاب استوطن الشهابيون في قرية شهبا الواقعة على سفوح جبل العرب اليوم.
تبدأ أسرة الأمراء الشهابيين بالأمير منقذ بن عمرو، فقد نزحوا من حوران إلى وادي التيم في عهد الملك العادل نور الدين زنكي (ملك الشام) عام 568هـ/1172م، واستقروا في صحراء «الظهر الأحمر» ما بين الكنيسة والجديدة من لبنان، وراحوا يقاتلون الصليبيين بضراوة، فهزموهم في معارك عدة، واحتلوا مركزهم في حاصبيا، وسيطروا على وادي التيم، فمنحهم نور الدين ثم صلاح الدين من بعده الإمارة، وأصبحت إمارتهم متوارثة في أسرة الأمير منقذ حتى منتصف القرن التاسع عشر.
اتصل الشهابيون بالمعنيين في عهد الأمير يونس المعني، وأصهروا إليهم، إذ تزوج منقذ بابنة الأمير يونس المعني، ثم ما لبثت أن تكررت المصاهرة بين الطرفين، وأدى ذلك إلى تحالف وطيد، كان من أسباب انتصاراتهما المتتابعة على الصليبيين. ومن جرّاء هذه المصاهرة بين الطرفين ورث الشهابيون حكم بلاد المعنيين بعد وفاة آخر أمرائهم الأمير أحمد المعني عام 1000هـ/1697م، فصارت بلاد الشوف إضافة إلى وادي التيم بيد الأسرة الشهابية. وقد صدر فرمان سلطاني بتعيين الأمير حيدر بن الأمير موسى الشهابي أميراً على بلاد آل معن، ولصغر سنه عُيّن الأمير بشير الأول الشهابي وصياً عليه.
كان الشهابيون يدينون بالإسلام على مذهب أهل السنّة، غير أن الإمارة التي انتهت إليهم خضعت للأكثرية الإقطاعية الدرزية، أما النصارى، فعلى الرغم من تفوقهم العددي وخاصة الموارنة، كانوا يشكون من الضعف السياسي، ووقعت مناطقهم في بشري والبترون وجبيل المارونية والكورة الملكية الأرثوذكسية، تحت نفوذ مشايخ آل حمادة الشيعة، الذين تولوا أمر هذه المناطق نيابة عن ولاة طرابلس. وكان حكم هؤلاء المشايخ قاسياً وظالماً. ولم تكن للشهابيين في البداية سيادة عليهم. وفي تلك الأثناء، وُفِّق مشايخ آل الخازن الموارنة في كسروان، بمساندة آل معن، إلى استعادة جزء كبير من الأراضي التي استوطنها الشيعة في تلك المنطقة، وذلك في أواخر عهد المماليك، ومع ذلك لم ينعم النصارى بمنعة الجانب إلا في كسروان.
أما في الشوف وجوارها، فقد اشتد نفوذ المعنيين والشهابيين، وبقي الموارنة والملكيون بلا وزن سياسي. وقد شجع المعنيون نزوح النصارى إلى المناطق الدرزية. وحين خلف الشهابيون المعنيين، كان عدد النصارى النازحين، ومعظمهم من الفلاحين، الذين استقروا في مزارع أعيان الدروز، قد أصبح كبيراً.
وكان هؤلاء الأعيان، بسيادتهم النافذة على الشوف والغرب والجرد، هم أصحاب السلطة السياسية في البلاد، فلا عجب إن حاول الأمراء الشهابيون، حتى أواسط القرن الثامن عشر، الظهور بمظهر الدروز.
ونتيجة للصراع بين الحزبين «اليزبكي والجنبلاطي» ضعف نفوذ الدروز، خاصة بعد اعتزال الأمير ملحم للإمارة، إذ أصبح الدروز أقلية، في حين زاد عدد الموارنة وزاد معهم نفوذهم السياسي, وهنا شعر الأمير الشهابي باختلال التوازن الطائفي لمصلحة الموارنة، فسمح لأولاده بعد اعتزاله، وهو المسلم، أن يتنصروا، وقد قيل إنه شجعهم على ذلك، واقتدى به سائر الأمراء الشهابيين وبعض الأسر فأصبحوا نصارى عام 1770م. وحين تنازل الأمير منصور عن الحكم وخلفه الأمير يوسف الماروني المذهب بدأ عهد الشهابيين النصارى.
خلف الأمير يوسف في الإمارة رجلاً تجاوز سلفه في الدهاء، وهذا الأمير هو بشير بن قاسم الملقب ببشير الثاني الشهابي الكبير[ر] (1789ـ1840م) الذي وصل إلى السلطة بمساعدة أحمد باشا الجزار، والي صيدا، ودام حكمه نحو نصف قرن من الزمان. ويُعدّ هو والأمير فخر الدين المعني قمتين بارزتين في تاريخ الإمارتين (المعنية والشهابية).
وفي عام 1799م، جاء نابليون إلى فلسطين وحاصر عكا، فطلب الجزار معونة الأمير بشير، لكن الأمير اعتذر واتصل بنابليون عن طريق نقولا الترك. وحين تراجعت قوات نابليون عن عكا، لم يغفر الجزار للأمير تقاعسه، فغادر الأمير لبنان على ظهر بارجة بريطانية هرباً من انتقام الجزار، وأنزلته في قبرص ثم ما لبث أن غادرها إلى العريش، وهنالك قابل الصدر الأعظم يوسف باشا، الذي أعاده إلى الإمارة، ولكنه بقي تحت رحمة الجزار حتى وفاة الأخير عام 1804م.
سعى الأمير لتوطيد حكمه بكسر شوكة الإقطاعيين، ولم يبق أمامه من عثرة سوى الشيخ بشير جنبلاط الذي تجمعت حوله المعارضة، واستطاع الأمير ما بين 1804 و1819م، أن يصبح سيد لبنان بلا منازع.
ولما جرى الصدام بين والي صيدا، عبد الله باشا، ودرويش باشا، والي دمشق، وقف الأمير بشير إلى جانب الأول، فهاجم معه دمشق وجرت معركة المزة في 26 أيار 1821م. إلا أن الباب العالي تدخل في الأمر ونقل عبد الله باشا من صيدا وكلف بأمرها درويش باشا، فاضطر الأمير لمغادرة إمارته إلى مصر تاركاً إمرتها لعباس شهاب، فتدخل محمد علي باشا، فأعاد عبد الله باشا إلى ولاية صيدا والأمير بشير إلى إمارته، وأصبح بذلك حليفاً لمحمد علي باشا.
في سنة 1831م زحفت قوات محمد علي على بلاد الشام، فوضع الأمير بشير قواته تحت تصرف إبراهيم باشا الذي حاصر عكا واحتلها في 27 أيار 1832م، ثم رافق الأمير قوات إبراهيم باشا في معظم معاركه في بلاد الشام. ولما توغل إبراهيم باشا بقواته في الأناضول، أشعل بذلك المسألة الشرقية، فنزلت قوات روسية في اصطنبول، الأمر الذي دفع ببريطانيا وفرنسا، خوفاً على مصالحهما، للضغط على السلطان العثماني لقبول معاهدة كوتاهية التي وقعت مع المصريين في 8 نيسان 1833م لإجبار الروس على الانسحاب، لكنهم لم ينسحبوا إلا بعد توقيع معاهدة «خونكار أسكله سي» في تموز 1833م.
بانتصار القوات المصرية في معركة «نزيب» وضع مصير السلطنة في حال حرج، لأن ذلك سيفضي إلى القضاء عليها وقيام دولة فتية على أنقاضها، وهذا ما لا ترضاه دول أوربا الفاعلة آنئذٍ، لما في ذلك من خطر على مصالحها، فتشكل تحالف من تلك الدول، تقوده بريطانيا، فبدأ عملاؤها في تضخيم أخطاء السلطات المصرية وإثارة فئات الشعب ضدها. وحاصرت قوى التحالف السواحل الشامية إيذاناً بنزولها إلى البحر، لطرد القوات المصرية وفرض الحل الذي أرتأته. ولم يبق أمام إبراهيم باشا من خيار، لتدارك ما يمكن لإنقاذ قواته من الإبادة، سوى الانسحاب، فجاءته الأوامر من والده لفعل ذلك، وفي الوقت نفسه اتصل الإنكليز بالأمير بشير طالبين انضمامه إلى التحالف فرفض، وجرت معركة «بحر صاف» في المتن، فتفرقت قوات إبراهيم باشا، واضطر الأمير أن يغادر لبنان من بيت الدين إلى صيدا مستقلاً بارجة بريطانية إلى منفاه في مالطة.
اختار التحالف خلفاً له الأمير بشير الثالث (أبو طحين) وهو ابن الأمير قاسم بن ملحم شهاب، وكان ضعيفاً فصار ألعوبة بيد الإنكليز، وقد اختار صيدا مقراً لإمارته، لكنه لم يقو على حفظ التوازن بين النصارى والدروز، كما فعل سلفه الأمير بشير الثاني.
وبرزت قوى جديدة على الساحة اللبنانية، كما استعاد بعض الإقطاعيين نفوذهم، فاستغل البطريرك يوسف حبيش ذلك الارتباك، فطالب أن يكون الأمير مارونياً، والغاية من ذلك إعادة الأمير بشير الثاني إلى الإمارة. وهكذا استدعى سليم باشا ومصطفى باشا الأمير بشيراً الثالث إلى بيروت، حيث أقلّته سفينة إلى الآستانة، ليصبح لاجئاً سياسياً، براتب أربعة آلاف قرش سنوياً، وأعلن مصطفى باشا في اجتماع في بيروت سقوط الإمارة الشهابية في 16 كانون الثاني 1842م.
برز من الشهابيين العديد من السياسيين والأدباء والشعراء والمؤرخين، منهم عارف الشهابي الذي كان شاعراً وحيدر أحمد الشهابي الذي كان مؤرخاً، ومصطفى الشهابي الذي كان أديباً وإدارياً، وفؤاد شهاب الذي كان قائداً للجيش اللبناني ثم رئيساً للجمهورية اللبنانية بعد أحداث لبنان الدامية عام 1958م.
يوسف نعيسة