شاكر (أحمد محمد ـ)
(1309 ـ 1377هـ/1892 ـ 1958م)
أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر المصري، من آل أبي علياء، يرفع نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، أديب، فقيه، محدّث، محقّق، أحد أبرز علماء الحديث النبوي الشريف في العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الهجري وأحد رجالات النهضة العلمية الحديثة بمصر في العصر الحديث.
ولد في القاهرة في بيت عريق من بيوتاتها العلمية، فوالده الشيخ محمد شاكر كان وكيلاً للأزهر، ومن أعضاء هيئة كبار العلماء التي كان لها شأن عظيم في مصر آنذاك، ونشأ بين الكتب التي كانت تغص بها جنبات دار والده.
كان والده شيخه الأول، والآخذ بيده إلى رياض العلم ودوحاته المتعددة بمصر في ذلك الحين، والتحق في طفولته المبكرة بكلية غوردون بالسودان حين عين والده قاضياً للقضاة فيها، ثم انتقل إلى معهد بالإسكندرية، وانتقل بعد ذلك إلى القاهرة والتحق بالأزهر كعبة العلم آنذاك، ونال منه شهادة العالمية سنة (1336هـ/1917م) وهو في السابعة والعشرين من عمره، وبعدها عُين في بعض الوظائف القضائية، فظل قاضياً إلى سنة (1371هـ/1951م) ثم رئيساً للمحكمة الشرعية العُليا في القاهرة، وأحيل بعدها على التقاعد. ومارس العمل في التأليف والبحث والتحقيق العلمي لنصوص التراث على مدى سنوات طويلة. وأصاب شهرة عمت الآفاق، وتهافت عليه الطابعون، فاشتغل بأعمال كثيرة جداً، وأخذ بأيدي عدد كبير من المشتغلين بالعلم ودربّهم وشدّ أزرهم. واتجه إلى الحديث النبوي، بعد طول اشتغال بكتب الأدب وشؤونه، فكان من فرسانه الكبار على الساحة الإسلامية، وكانت له مشاركات مهمة في علوم التفسير، والفقه، واللغة، واعتبره بعضهم إمام المحققين المعاصرين في مصر، واجتمع فيه ضمير العالم ودقته، وصبره وفطنته، وسهولة تهديه إلى المصادر، ورجوعه إلى الحق متى استبان له. وقد برهن في تحقيقاته على جرأة وشجاعة نادرتين واتضح ذلك من تعليقات كثيرة كتبها ونبّه فيها على انحراف بعضهم عن جادة الصواب في الأمور المتعلقة بالعقيدة، وكان لتنبيهاته تلك أثر هام في نفوس الناس.
ومع علو منزلته وبعد صيته وكثرة مؤلفاته وتحقيقاته، كان يوجه شكره لمن ينتقد عمله في مصنفاته وتحقيقاته ويعترف بفضل من أرشده أو لفت نظره لأمر فاته التنبه له.
وكان أحمد شاكر كثير التفنن في شؤون إخراج النصوص التراثية التي حظيت بتحقيقه وعنايته، حريصاً كل الحرص على الإتيان بكل جديد في هذا المضمار، وقد ابتكر، فيما ابتكر، فهرساً للفوائد اللغوية التي احتوى عليها كتاب «الرسالة» للشافعي الذي عني بتحقيقه، وكان يحث طلبة العلم على الأخذ عن شيوخ العلم من المحدّثين وسواهم الأخذ الصحيح وعدم الاهتمام بتحصيل الإجازات منهم في شؤون الرواية عن غير أهلية، وكان يثني على جهد مَن يخدم التراث العربي الإسلامي ولو كان ممن لا يتفق معهم في أمور كثيرة كالمستشرقين وسواهم، وقد عبّر عن بالغ سروره وغبطته بصدور المجلدات الأولى من «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف» على أيدي مجموعة من المستشرقين بإشراف المستشرق الهولندي فنسنك، وقال لبعض أصحابه: «لو كان هذا الكتاب بين يدي من أول الطلب لاختصر لي نصف عمري». وقد قصده العلماء والطلبة على السواء للاستفادة من خبرته الواسعة في مختلف فروع العلم، ولبعد غوره في شؤون تحقيق كتب التراث وإخراجها، وأشاد بفضله جميع من أتيح له اللقاء به من علماء الأقطار التي زارها، أو من أولئك الذين زاروا مصر وكان لهم شرف اللقاء به.
وربطته صلة وثيقة بعدد كبير من أعلام عصره، كالشيخ محمد حامد الفقي، والشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ محمد منير آغا الدمشقي، والشيخ محمد رشيد رضا، والأستاذ محب الدين الخطيب، والأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وغيرهم.
واستمر في خدمة العلم والأدب والتراث إلى أن فارق الدنيا في القاهرة. وقد خلّف عدداً كبيراً من المؤلفات والتحقيقات، فمن مؤلفاته: «الشرع واللغة» وهو في الرد على عبد العزيز فهمي باشا الذي اقترح كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، و«أوائل الشهور العربية، هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي» وهو يبحث في طريقة إثبات الشهور العربية، و«الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث»، لابن كثير، وهو في مصطلح الحديث النبوي وأحد أشهر مؤلفاته و«عمدة التفسير» وهو مختصر لتفسير القرآن العظيم لابن كثير، ولم يتمه، و«نظام الطلاق في الإسلام»، لم يتقيد فيه بمذهب وفيه يتجلى اجتهاده.
ومن النصوص التي حققها وعلّق عليها تعليقات حسنة: «المعرَّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم»، لأبي منصور الجواليقي، و«لباب الآداب»، لابن منقذ و«الرسالة»، للإمام الشافعي و«صحيح ابن حِبّان»، وقد حقق الجزء الأول منه فقط. و«مسند الإمام أحمد بن حنبل»، وقد قام بشرح وتحقيق ستة عشر جزءاً منه وهي تعدل ثلث الكتاب. وكان إخراجه لهذا الكتاب أحد أهم أسباب شهرته التي عمت الآفاق في السنوات الأخيرة من حياته.
ومن تحقيقاته بمشاركة آخرين: «إصلاح المنطق»، لابن السّكِّيت، وقد شاركه العمل به عبد السلام محمد هارون، و«مختصر سنن أبي داود»، للمنذري وقد شاركه العمل به الشيخ محمد حامد الفقي، و«الأصمعيات»، للأصمعي، و«المفضليات» للمفضل الضَّبِّي وقد شاركه العمل بها عبد السلام محمد هارون، و«معالم السنن» للخطابي، بتهذيب ابن قيم الجوزية وقد شاركه العمل به الشيخ محمد حامد الفقي.
وإذا أريد لصورة جهوده العظيمة في خدمة التراث أن تكتمل، فلا بد من الإشارة إلى مراجعته الدقيقة لعمل شقيقه محمود شاكر في تحقيق كتاب «تفسير الطبري»، وقيامه بتخريج أحاديثه والحكم عليها من جهة الصحة والضعف، وقد أصبح هذا الكتاب مثلاً يُحتذى في التحقيق الصحيح لنصوص التراث ومراجعتها المراجعة الدقيقة.
محمود الأرناؤوط
(1309 ـ 1377هـ/1892 ـ 1958م)
أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر المصري، من آل أبي علياء، يرفع نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، أديب، فقيه، محدّث، محقّق، أحد أبرز علماء الحديث النبوي الشريف في العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الهجري وأحد رجالات النهضة العلمية الحديثة بمصر في العصر الحديث.
ولد في القاهرة في بيت عريق من بيوتاتها العلمية، فوالده الشيخ محمد شاكر كان وكيلاً للأزهر، ومن أعضاء هيئة كبار العلماء التي كان لها شأن عظيم في مصر آنذاك، ونشأ بين الكتب التي كانت تغص بها جنبات دار والده.
كان والده شيخه الأول، والآخذ بيده إلى رياض العلم ودوحاته المتعددة بمصر في ذلك الحين، والتحق في طفولته المبكرة بكلية غوردون بالسودان حين عين والده قاضياً للقضاة فيها، ثم انتقل إلى معهد بالإسكندرية، وانتقل بعد ذلك إلى القاهرة والتحق بالأزهر كعبة العلم آنذاك، ونال منه شهادة العالمية سنة (1336هـ/1917م) وهو في السابعة والعشرين من عمره، وبعدها عُين في بعض الوظائف القضائية، فظل قاضياً إلى سنة (1371هـ/1951م) ثم رئيساً للمحكمة الشرعية العُليا في القاهرة، وأحيل بعدها على التقاعد. ومارس العمل في التأليف والبحث والتحقيق العلمي لنصوص التراث على مدى سنوات طويلة. وأصاب شهرة عمت الآفاق، وتهافت عليه الطابعون، فاشتغل بأعمال كثيرة جداً، وأخذ بأيدي عدد كبير من المشتغلين بالعلم ودربّهم وشدّ أزرهم. واتجه إلى الحديث النبوي، بعد طول اشتغال بكتب الأدب وشؤونه، فكان من فرسانه الكبار على الساحة الإسلامية، وكانت له مشاركات مهمة في علوم التفسير، والفقه، واللغة، واعتبره بعضهم إمام المحققين المعاصرين في مصر، واجتمع فيه ضمير العالم ودقته، وصبره وفطنته، وسهولة تهديه إلى المصادر، ورجوعه إلى الحق متى استبان له. وقد برهن في تحقيقاته على جرأة وشجاعة نادرتين واتضح ذلك من تعليقات كثيرة كتبها ونبّه فيها على انحراف بعضهم عن جادة الصواب في الأمور المتعلقة بالعقيدة، وكان لتنبيهاته تلك أثر هام في نفوس الناس.
ومع علو منزلته وبعد صيته وكثرة مؤلفاته وتحقيقاته، كان يوجه شكره لمن ينتقد عمله في مصنفاته وتحقيقاته ويعترف بفضل من أرشده أو لفت نظره لأمر فاته التنبه له.
وكان أحمد شاكر كثير التفنن في شؤون إخراج النصوص التراثية التي حظيت بتحقيقه وعنايته، حريصاً كل الحرص على الإتيان بكل جديد في هذا المضمار، وقد ابتكر، فيما ابتكر، فهرساً للفوائد اللغوية التي احتوى عليها كتاب «الرسالة» للشافعي الذي عني بتحقيقه، وكان يحث طلبة العلم على الأخذ عن شيوخ العلم من المحدّثين وسواهم الأخذ الصحيح وعدم الاهتمام بتحصيل الإجازات منهم في شؤون الرواية عن غير أهلية، وكان يثني على جهد مَن يخدم التراث العربي الإسلامي ولو كان ممن لا يتفق معهم في أمور كثيرة كالمستشرقين وسواهم، وقد عبّر عن بالغ سروره وغبطته بصدور المجلدات الأولى من «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف» على أيدي مجموعة من المستشرقين بإشراف المستشرق الهولندي فنسنك، وقال لبعض أصحابه: «لو كان هذا الكتاب بين يدي من أول الطلب لاختصر لي نصف عمري». وقد قصده العلماء والطلبة على السواء للاستفادة من خبرته الواسعة في مختلف فروع العلم، ولبعد غوره في شؤون تحقيق كتب التراث وإخراجها، وأشاد بفضله جميع من أتيح له اللقاء به من علماء الأقطار التي زارها، أو من أولئك الذين زاروا مصر وكان لهم شرف اللقاء به.
وربطته صلة وثيقة بعدد كبير من أعلام عصره، كالشيخ محمد حامد الفقي، والشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ محمد منير آغا الدمشقي، والشيخ محمد رشيد رضا، والأستاذ محب الدين الخطيب، والأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وغيرهم.
واستمر في خدمة العلم والأدب والتراث إلى أن فارق الدنيا في القاهرة. وقد خلّف عدداً كبيراً من المؤلفات والتحقيقات، فمن مؤلفاته: «الشرع واللغة» وهو في الرد على عبد العزيز فهمي باشا الذي اقترح كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، و«أوائل الشهور العربية، هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي» وهو يبحث في طريقة إثبات الشهور العربية، و«الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث»، لابن كثير، وهو في مصطلح الحديث النبوي وأحد أشهر مؤلفاته و«عمدة التفسير» وهو مختصر لتفسير القرآن العظيم لابن كثير، ولم يتمه، و«نظام الطلاق في الإسلام»، لم يتقيد فيه بمذهب وفيه يتجلى اجتهاده.
ومن النصوص التي حققها وعلّق عليها تعليقات حسنة: «المعرَّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم»، لأبي منصور الجواليقي، و«لباب الآداب»، لابن منقذ و«الرسالة»، للإمام الشافعي و«صحيح ابن حِبّان»، وقد حقق الجزء الأول منه فقط. و«مسند الإمام أحمد بن حنبل»، وقد قام بشرح وتحقيق ستة عشر جزءاً منه وهي تعدل ثلث الكتاب. وكان إخراجه لهذا الكتاب أحد أهم أسباب شهرته التي عمت الآفاق في السنوات الأخيرة من حياته.
ومن تحقيقاته بمشاركة آخرين: «إصلاح المنطق»، لابن السّكِّيت، وقد شاركه العمل به عبد السلام محمد هارون، و«مختصر سنن أبي داود»، للمنذري وقد شاركه العمل به الشيخ محمد حامد الفقي، و«الأصمعيات»، للأصمعي، و«المفضليات» للمفضل الضَّبِّي وقد شاركه العمل بها عبد السلام محمد هارون، و«معالم السنن» للخطابي، بتهذيب ابن قيم الجوزية وقد شاركه العمل به الشيخ محمد حامد الفقي.
وإذا أريد لصورة جهوده العظيمة في خدمة التراث أن تكتمل، فلا بد من الإشارة إلى مراجعته الدقيقة لعمل شقيقه محمود شاكر في تحقيق كتاب «تفسير الطبري»، وقيامه بتخريج أحاديثه والحكم عليها من جهة الصحة والضعف، وقد أصبح هذا الكتاب مثلاً يُحتذى في التحقيق الصحيح لنصوص التراث ومراجعتها المراجعة الدقيقة.
محمود الأرناؤوط