الفرفرية
طفوح فرفرية على الساعد وقد تبدو بلون | |
بني مزرق بحسب عمق توضعها وإزمانها |
تدعى البقع التي لا يتجاوز قطرها 3مم بالحَبَر petechiae وتدعى البقع أو اللطخات الأوسع من ذلك بالكدمات ecchymoses أو (bruises)، وقد يتجمع الدم المتسرب في فجوات بين الأنسجة ويدعى بالورم الدموي hematoma. وإذا توضعت البقع النزفية على مسير خطي فتدعى بالفرفريات الخطية vibices.
تتميز الفرفرية بثبات لونها وعدم زواله بالضغط الموضّع على سطحها، كأن يجري الضغط برؤوس الأصابع أو المعاينة بالشفوف diascopy، وهي علامة تميزها من آفات مشابهة مثل توسع الشعيرات والحمامى، إذ إن هذه يغيب لونها الأحمر بالضغط الموضّع لانفراغ الدم منها.
السببيّات والإمراض
تنشأ النزوف في الفرفرية بسبب أذيات أو تبدلات مرضية تصيب الأوعية الدموية، أو تصيب محتواها، أو تصيب جوارها، وقد تصيب أكثر من موضع من هذه المواضع الثلاثة.
1- الإصابات الوعائية: وتنجم عن الأسباب التالية:
ـ الرضح trauma: ويحدث تمزقات دقيقة في جدر الأوعية وبطانتها يمكن أن يتسرب منها الدم إلى الجوار.
ـ الالتهابات الوعائية vasculitis: وهي تنجم عن أسباب مختلفة أهمها الآتية:
أ - الأخماج: كالخمج بالمكورات السحائية، والخمج بالمكورات البنية، والأخماج بالفيروسات والبرداء (الملاريا).
ب - الالتهابات المناعية المنشأ: حيث تتشكل معقدات مناعية تستهدف جدر الأوعية كما في الفرفرية التأقانية anaphylactoid، أو تتشكل أضداد antibodies تغشي الصفيحات platelets كما في فرفرية قلة الصفيحات الغامضة idiopathic thrombocytopenic.
ـ العيوب الولادية والآفات الوراثية: وهي آفات متنوعة غير شائعة كداء توسع الشعيرات النزفي الوراثي.
ـ اضطراب الضغط داخل الأوعية: يؤثر ازدياد الضغط في الجدر الوعائية ويؤدي إلى ازدياد النفوذية الوعائية وخاصة في الحالات المرضية كما في البثع scurvy (عوز الفيتامين C) ومن الأمثلة على ازدياد الضغط هي الفرفريات التي تشاهد على الوجه والعنق وأعلى الصدر في حالات الإقياء الشديد والسعال المتواتر وفي حالات شدة الدفع عند الوضع (الولادة) ومثلها الفرفريات المشاهدة عند رافعي الأثقال. ويذكر في هذا المجال فرفريات الركودة المشاهدة في الساقين، والفرفريات عقب نوبة صرعية أو اختناق رضي. وقد تحدث فرفرية صنعية بالضغط المعاكس كالمصّ المحدث لغايات مختلفة كالحجامة.
2- اضطرابات محتوى الأوعية: وتشمل اضطرابات الصفيحات الدموية واضطراب عوامل الإرقاء والتخثر.
ـ اضطراب الصفيحات: تنشأ الصفيحات من نقي العظام وخاصة العظام المسطحة ويخضع تكوينها لعوامل هورمونية، وإن أي اعتلال يصيب النقي من تثبيط أو فرط تنسج يمكن أن ينعكس على تكوين الصفيحات وعددها ووظائفها، وكذلك الأمر في إصابات الجملة الشبكية البطانية وخاصة الطحال فهي تؤدي إلى اضطرابات في الصفيحات.
وتشمل اضطرابات الصفيحات ما يأتي:
أ - قلة الصفيحات: إن التعداد الطبيعي للصفيحات هو ما بين (150.000/مم3 إلى 400.000/مم3) ولا تـشاهد الفـرفـريـات عـادة إلا إذا نقص عـددها عن 50.000/مم3، وإذا ما نقص العـدد عن (20.000/مم3) فإن النزوف تحدث لأقل رضح يصيب الجلد، وإذا ما نقص عن (10.000/مم3) فإن المصاب يتعرض إلى نزوف جهازية وحشوية كالنزوف الهضمية والكلوية والمفصلية وغيرها.
وأما أسباب قلة الصفيحات فهي متعددة ويأتي في طليعتها:
ـ اضطرابات النقي واضطرابات الجملة الشبكية البطانية reticuloendothelial.
ـ الأدوية وأهمها المدرّات التيازيدية والسولفاميدات والريفامبيسين والبنسلين والكينين والكينيدين.
ـ الأخماج ومنها البرداء والأخماج الفيروسية والجرثومية.
ـ الاضطرابات المناعية: فقد تتشكل الأضداد والمعقدات المناعية.
ـ فرط استهلاك الصفيحات أو شدة ضياعها: كما في النزوف والحروق الواسعة والتخثر المنتثر داخل الأوعية.
ب - زيادة الصفيحات: ليس لازدياد الصفيحات الطفيف تأثيرات مهمة، أما إذا قارب تعداد الصفيحات المليون أو زاد عنه فيمكن أن ينجم عن ذلك نزوف وخثارات قد تؤدي إلى انسداد الشرايين في أعضاء مختلفة وإذا ما أصابت الأطراف فقد تبدي مواتاً gangrene في الأصابع.
ج - اضطراب وظيفة الصفيحات: للصفيحات وظيفتان أساسيتان: أولاهما وظيفة الإرقاء المباشر وثانيتهما وظيفة صنع شحميات فوسفورية تشارك في صنع عوامل التخثر وعمليات شلال التخثر، وهاتان الوظيفتان تتأثران بقلة عدد الصفيحات، وتوجد حالات نزفية يكون تعداد الصفيحات فيها سوياً إلا أن اعتلال الصفيحات يؤدي إلى حدوثها وتشاهد في بعض الأمراض النزفية الوراثية، أو في حالات مكتسبة ترافق القصورات الكبدية والكلوية، وبعض أمراض الدم.
ـ اضطرابات عوامل التخثر: يهدف الإرقاء الطبيعي إلى تشكيل خثرة أو علقة تسد مكان النزف في الوعاء المؤوف، ويتم ذلك أولاً بانقباض الوعاء، ثم تأتي الصفيحات لتلتصق على جوانبه، ومن ثم تنطلق سلسلة من التفاعلات تعرف (بشلال التخثر) حيث يؤدي كل تفاعل إلى تفعيل آخر يتحول في نهايته بروتين مولد الليف fibrinogen المنحل في البلازما إلى ألياف ليفية غير منحلة تتشابك خيوطها لتشكل شبكة (علقة) تسد الوعاء المؤوف فيتوقف النزف ويلتئم الصدع.
وفي الدم أيضاً مواد أخرى تعرف بالعوامل المضادة للتجلط تمنعه من التخثر في الأوعية في الحال السوية، أما في الحالات المرضية فتحدث اضطرابات في التخثر ينشأ عنها عدد من الآفات. وفيما يأتي أهم أسباب هذه الاضطرابات:
أ - وجود عيوب وراثية في عوامل التخثر كما في مرض الناعور hemophilia وهو مرض ينتقل بخلة صاغرة recessive تحملها النساء وينتقل منهن إلى الأبناء، ويتعرض المصاب بالناعور لنزوف شتى وخاصة في المفاصل.
ب - عوامل مكتسبة وأهمها:
ـ عوز الفيتامين K وينجم غالباً عن اضطراب تشكله في الأمعاء، أو عن سوء الامتصاص كما في الآفات المعوية، أو عن حالات سوء التغذية وعوز الغذاء أو عن تأثير بعض الأدوية وخاصة الأدوية المضادة للتخثر anticoagulant. يقوم الكبد بصنع بعض عوامل التخثر المهمة ويؤدي عوز الفيتامين K إلى قصور الكبد عن تكوين هذه العوامل، ومن ثمَّ حدوث حالات نزفية مثل الداء النزفي عند الوليد.
ـ الأدوية المضادة للتخثر كالورفرين والأسبرين لأنها تثبط عمل الفيتامين K.
ـ الأدواء الكبدية وخاصة ما ترافق منها بتنخر خلايا الكبد بسبب الأخماج والأدوية والكحول والسموم ونحوها.
ـ عوامل أخرى: كاضطراب بروتينات الدم (فرفريات الغلوبولينات القرّية) والمعالجة المديدة بالستيروئيدات القشرية، وعوز الفيتامين C.
3 - اضطرابات جوار الأوعية: وهذه تشمل إصابات الأنسجة الداعمة للأوعية الدموية كضمورات الأنسجة الضامة وتدرك الألياف المرنة الأدمية ويحدث ذلك بسبب التقدم في السن (الشيخوخة) أو بسبب التأثيرات الضيائية (الشمسية) أو بسبب بعض الأدوية (كالستيروئيدات القشرية) وتهيئ تلك التبدلات لنزوف قد تكون واسعة لدى حدوث رضوح طفيفة كما في الفرفرية الشيخوخية.
الأشكال السريرية
تصنف الفرفريات من الوجهة السريرية في شكلين:
1- الفرفريات السطحية: وهي الفرفريات التي يبدو طفحها بشكل بقع في مستوى سطح الجلد، وتكون غير مرتشحة أو مرتفعة، وتشاهد في أشكال عديدة من الفرفريات غير المترافقة بالتهابات وعائية.
2- الفرفريات المجسوسة palpables: والتي يمكن تحريها بالأنامل لارتشاحها وارتفاعها عن مستوى سطح الجلد، وهي قد تترافق بتنخرات وتشاهد عادة في فرفريات الالتهابات الوعائية كالتهاب الأوعية الناخر.
ولعل تصنيف الفرفريات القائم على السببيات والإمراض هو الأكثر قبولاً، وفيما يأتي شروحات مقتضبة لنماذج من هذه الفرفريات:
ـ فرفرية قلة الصفيحات غامضة المنشأ: وهي فرفرية ناجمة عن اضطراب مناعي تتشكل فيها أضداد للصفيحات وتتظاهر بحبر وكدمات في الجلد والأغشية المخاطية ويمكن أن تترافق برعاف ونزوف اللثة وبتغوط أسود.
لها شكل حاد، يشاهد غالباً في الأطفال واليَفَعَة، ويغلب حدوثه عقب خمج حاد كالخمج الفيروسي، كما أن لها أشكالاً مزمنة تشاهد عادة في البالغين وخاصة في النساء.
فرفرية هينوك شونلاين وهي فرفرية مجسوسة | |
على الأوجه الانبساطية للساقين | |
فرفرية التخثر المنتشر | |
عند طفل مصاب بخمج الدم بالمكورات السحائية | |
الفرفرية الشيخوخية وهي حالة شائعة وحميدة تظهر عند المسنين، | |
وتنجم عن أذية في إنتاج الكولاجين وهشاشة الأوعية الشعرية |
ومن فرفريات قلة الصفيحات: فرفرية قلة الصفيحات العرضية، وتتم بآلية مناعية أيضاً تنجم غالباً عن مؤثرات خارجية، وفي طليعتها الأدوية التي سبق ذكرها كالمدرات التيازيدية.
ـ الفرفرية التأقانية أو فرفرية هينوك شونلاين Henoch schoenlein purpura: تتميز هذه الفرفرية بالتهاب الأوعية الدموية الناجم عن اضطراب مناعي، تتشكل فيه معقدات مناعية تؤذي البطانة الوعائية. والأطفال هم أكثر المرضى عرضة لهذه الإصابة.
تتصف فرفرية هينوك شونلاين بما يأتي: فرفريات بقعية وشروية مرتفعة (فرفريات مجسوسة) في الجلد وخاصة على الوجوه الانبساطية للأطراف وعلى الإليتين وقد يتوالى ظهورها بشكل أفواج وعلى مدى أسابيع مع آلام وآفات مفصلية، وآلام ونزوف داخلية هضمية وكلوية وغيرها.
والأسباب في هذه الإصابة متعددة منها: الأخماج وخاصة التهاب الطرق التنفسية العليا، والأدوية والأطعمة ولدغ الحشرات.
ـ التخثر المنتثر باطن الأوعية dissiminated intravascular coagulation (DIC): وتنجم عن اضطرابات في عوامل التخثر تؤدي إلى تشكيل خثارات الفيبرين، وهذه تنتشر باطن الأوعية وتؤدي إلى أعراض جلدية قد تكون هي الظاهرة البدئية وإلى أعراض جهازية شديدة.
تبدو الأعراض الجلدية بحبر دقيق منتشر وقد يترافق بفقاعات نزفية وموات في الجلد.
والأعراض الداخلية متنوعة تنهك المريض في شكلها الحاد وتترافق بالحمى ونقص الأكسجة وهبوط الضغط وخاصة في حالة النزوف الداخلية.
يهيئ لهذه الإصابة الحماض acidosis والمعالجات الكيمياوية للابيضاضات leukemias والخباثات، حيث إنها تثير تفعيل شلال التخثر فتتشكل الخثارات كما أن آلية الانحلال تنشط مستهلكة بذلك الصفيحات وعوامل أخرى، فيزداد معها النزف.
ومن الأسباب المهيئة أيضاً في هذه الإصابة الوخيمة الأخماج والحروق الواسعة وآفات نسائية (خثار السائل الأمنيوسي) وغيرها.
ـ الفرفرية الشيخوخية senile purpura: ومثلها الفرفرية السفعية (الضيائية) والفرفرية بالستيروئيدات القشرية، وهذه الفرفريات هي الأكثر مشاهدة، وتتصف بحدوث كدمات حمراء قانية واسعة (1-5سم) تتوضع غالباً على الساعدين وظهر اليدين وقد تشاهد في الوجه والعنق وفي النواحي الفخذية، يكون الجلد فيها ضامراً رقيقاً سهل التكدم بسبب تدرك وتناقص ألياف الكولاجين الداعمة للشعيريات في الجلد.
ـ الطفوح الفرفرية الصباغية المترقية progressive pigmented purpuric eruptions: وتشمل جلادات عديدة عرفت بأسماء واصفيها، وتتميز بتوضع طفوحها على الأطراف السفلية وفي الساقين عادة، وتشاهد في الكبار، وتبدو بشكل بقع ولطخات نزفية وصباغية بلون بني أو أحمر قاتم ويكون الهيموسيدرين hemosiderin الصباغ الرئيسي في معظمها. تتصف هذه الطفوح بثباتها ولا يعرف لها علاج مجدٍ بعد.
تضاف إلى هذه الأشكال التي تقدم ذكرها أشكال أخرى عديدة للفرفريات، معظمها نادر أو غير شائع الحدوث، ويرجع إليها في مراجعها المختصة.
التشخيص
يقوم في الفرفريات على معرفة العوامل المسببة والاعتلالات المرضية التي قد تصاحبها. ويستعان في وضع التشخيص بالنقاط الآتية:
ـ القصة المرضية الدقيقة للمصاب: وتشمل بدء المرض وسيره وانتشاره وأعراضه الشخصية والعامة وسوابقه المرضية والوراثية.
ـ الفحص السريري الشامل للجلد والأجهزة الداخلية وخاصة الطحال والكبد والكليتين.
ـ الفحوص المخبرية وتشمل: الفحوص المخبرية الأساسية، والتعداد الكامل للدم والكريات البيض والحمر والصفيحات وزمن النزف، والفحوص الأخرى الخاصة بحسب كل إصابة كدراسة لطاخة الدم وكاختبارات عيوب التخثر وزمن الترومبوبلاستين thromboplastin الجزئي وزمن البروترومبين ودراسة النقي والدراسات المناعية وغير ذلك.
أما التدبير والمعالجة في الفرفريات فيتوقف أيضاً على تحديد الأسباب إن أمكن كإيقاف الأدوية المثيرة ومعالجة الخمج المحدث، وتعالج الأعراض بحسبها: ففي الفرفريات المناعية قد يستعان بالستيروئيدات القشرية وبأدوية حديثة كابتة للمناعة، وقد يلجأ إلى استئصال الطحال، وفي الفرفريات الحادة والشديدة وخاصة في اضطرابات التخثر قد يلجأ إلى نقل الدم أو بالبلازما ونواتجها، ويستطب بالفيتامين K والفيتامين C في بعض الفرفريات النزفية المرافقة لقصورات كبدية أو آفات عوزية. يضاف إلى ذلك حالات لا تتطلب معالجة ما سوى الوقاية، كما هي الحال في الفرفريات الشيخوخية وحالات لم تعرف لها علاجات مجدية كما ورد في الفرفريات الصباغية المترقية.
مأمون الجلاد