شاعر ينهل من روافد الثقافة والتراث العربيين
الشاعر المصري حسين القباحي.. حالة ثقافية عربية خاصة
شاعر يربط جسورا ثقافية بين المبدعين المصريين والعرب.
الخميس 2023/07/13الكثير من الشعراء نجحوا بتوليهم لمناصب تسييرية في تحريك الساحة الثقافية والانفتاح على الفنون وخلق تظاهرات مختلفة علاوة على الجمع بين مختلف الحساسيات الأدبية، وهذا ما ينطبق على الشاعر المصري حسين القباحي.
وسط الشواهد الحضارية لطيبة، عاصمة مصر القديمة، والمدينة التي شهدت بزوع فجر ضمير العالم، وفنونه وآدابه وعمارته وعلومه، نشأ الشاعر المصري حسين القباحي، وجال بين جنبات معالم تلك الحضارة الإنسانية الخالدة وآثارها، من معابد ومقابر تحمل نقوشها ورسومها ومنحوتاتها وتماثليها الضخمة، وأعمدة عمارتها الشاهقة، تراثا للإنسانية جمعاء.
وتنقل الشاعر بين معالم المدينة التاريخية الرحبة، مطلعا ومشاهدا وباحثا في ثنايا ثقافة جمعت بين فنون الشعر والأدب، وسجلت بين ثنايا معالمها قصصا أسطورية مدهشة، لا يزال الناس يتناقلون تفاصيلها حتي اليوم.
الإبداع لا يتجزأ
بعد أن تشبع الشاعر حسين القباحي بماضي مدينته العريق التي يرجع تاريخ معالمها الأثرية لأكثر من 3500 عام مضت، راح ينهل من روافد الثقافة والتراث العربيين، ثم انطلق في الاطلاع على تجارب شعرية عربية من شتي الأقطار عبر صداقات مع رواد الشعر والأدب والثقافة بعالمنا العربي، فيما كانت تجربة إقامته في دولة الإمارات العربية المتحدة، بمثابة رافد جديد، ربما مكنه من تحقيق المزيد من التواصل، وتبادل الرؤى والأفكار، ومتابعة المشهد العربي عن قُرب.
وما بين إقامته في مسقط رأسه، بطيبة القديمة – مدينة الأقصر حاليا – في جنوب مصر، وإقامته التي دامت لسنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة، عمل القباحي على خلق مساحات من التواصل بين جموع الشعراء والأدباء، في مدينة الأقصر، وبقية محافظات مصر، ومع الأشقاء في الإمارات وبقية بلدان العالم العربي، فكان دوره البارز في تأسيس مهرجان طيبة الأدبي، ثم مهرجان الأقصر الدولي للثقافة، وغير ذلك من فعاليات جعلت من مدينة الأقصر نقطة جذب لشعراء مصر والعالم العربي.
وقد لعب الشاعر دورا مهما في توثيق أواصر التواصل والتعاون الثقافي بين المبدعين من الأشقاء بدولة الإمارات، وإمارة الشارقة، ونظرائهم المصريين، وانتظمت على يديه زيارات متبادلة، وندوات وفعاليات خلقت حالة من الوصل والتواصل الثقافي بين الأشقاء.
ويمثل القباحي، حالة ثقافية عربية خاصة، وهو طوال عقود مضت، وحتى اليوم، يواصل جهوده المخلصة على الدوام، في خدمة الحركة الشعرية والثقافية، في مصر وخارجها، موظِفا كل ما امتلكه من خبرات وعلاقات خاصة في خدمة الشعر والشعراء، والثقافة والمثقفين.
إلى جانب استمرار عطائه الشعري فقد نجح القباحي في ما يمكن وصفه بالمزج الثقافي بين عناصر إبداعية عدة
وإلى جانب استمرار عطائه الشعري، فقد نجح في تحقيق ما يمكن وصفه بالمزج الثقافي بين عناصر إبداعية عدة، والتقريب بين المبدعين في كل المجالات، فجمع المبدعين من الشعراء والنقاد، وكذلك المبدعين من فناني الخط العربي، والفنون التشكيلية، محاولا خلق حالة من الإبداع الواسع بين عناصر إبداعية متعددة، تصبّ في خدمة الثقافة العربية.
وأقام الشاعر رؤيته على أن الإبداع لا يتجزأ، وأن علاقة وطيدة تجمع بين الشعر والخطوط والفنون بكل أنواعها، وأن ذلك التمازج في العطاء الإبداعي لمبدعين ينتمون لفنون شتي، قادر على خلق وسط ثقافي خلاق، يسهم في نشر الثقافة والفكر ويخلق جيلا جديدا يؤمن بقيمة الثقافة ودورها في بناء المجتمعات، وهي التجربة التي حولها شاعرنا حسين القباحي، إلى واقع في بيت الشعر بمدينة الأقصر، فكل ألوان الإبداع الشعري والفني تتجمع للعمل معا تحت سقف واحد.
وكما أسلفنا، فإنه وحتى اليوم، فإن القباحي يواصل دوره في دعم وإثراء الحركة الشعرية والثقافية، ليس في مدينته الأقصر فقط، بل وفي كل ربوع مصر، وقد تعاظم ذلك الدور مع توليه لإدارة بيت الشعر في الأقصر، منذ إقامته قبل سنوات مضت، برعاية من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للدولة، حاكم الشارقة، حيث يواصل القباحي التنقيب والبحث في كل المدن عن التجارب الشعرية الصادقة، لتقديمها عبر منبر بيت الشعر في الأقصر.
وقد نجح خلال السنوات الست الماضية، في أن يقدم الكثير لمسار الشعر والحركة الثقافية بوجه عام في الأقصر، وصعيد مصر، وكل مصر، بل وبات من اللافت أن يجد المثقفون جمهور بيت الشعر في الأقصر فرصة الاطلاع علي تجارب شعرية عربية من السودان وفلسطين والكثير من بلدان العالم العربي، من خلال تلك الوجوه الشعرية والنقدية والثقافية العربية التي باتت ضيفا دائما في بيت الشعر بالأقصر.
تجربة شعرية
الشاعر تأثر بشكل جلي في نتاجه الشعري بمعالم تلك الحضارة التي نشأ بين جنباتها في مدينته الأقصر
يقف حسين القباحي شاهدا حيا على ذلك التعاون الثقافي الكبير بين مصر والإمارات، ويأتي دوره بحكم علاقاته مع المبدعين والمثقفين في البلدين، حيويا وفاعلا في تحقيق تواصل حقيقي وبناء بين مثقفي البلدين.
وفي خضم كل ذلك الحضور والنشاط الذي يهدف إلى خدمة الشعر والثقافة العربية، لم يكن لشاعرنا حسين القباحي أن يغيب عن مشروعه الشعرى الخاص، باعتبار أن الشعر هو بمثابة شريان حياة له، وهو الذي لم يغب عنه الشعر يوما، ولم يبتعد هو عن الشعر والشعراء يوما، فالشعر هو الحاضر الدائم الذي لا يعرف الغياب في طقوس يومه، ولعل دراسته للغة العربية وآدابها قد منحته الفرصة ليطلع على عيون التراث العربي، وينهل من روافده، مكونا حصيلة لغوية وثقافية جعلت منه شاعرا غني الثقافة، صاحب مخزون من اللغة والمفردات والصور الشعرية، وصاحب مشروع شعري متفرد.
وقد لفتت التجربة الشعرية الخاصة للقباحي الكثير من النقاد، وصارت موضوعا للدراسات الأكاديمية في الجامعات.
ومن النقاد الذين تناولوا بعض جوانب التجربة الشعرية، للشاعر حسين القباحي، الشاعر والباحث النوبي عبدالراضي، والذي رصد “البنيوية اللغوية في شعر حسين القباحي” عبر دارسة جاءت في كتاب من القطع الكبير صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بمصر، واحتلت 258 صفحة.
تناول المؤلف خلال كتابه بالدراسة والبحث الكثير من الجوانب اللافتة في أشعار القباحي، وجال بنا عبر كتابه في نصوص خمسة دواوين شعرية للشاعر الذي نذكر من بين دواوينه “قصائد جنوبية لامرأة جنوبية.. ولا”، “كلام في مستهل الوجع”، “نقوش جنوبية”، “نقوش على جدران الكرنك”، “من أحاديث الكباش”.
وفي دراسة الباحث والشاعر النوبي عبد الراضي “البنيوية اللغوية في شعر حسين القباحي” نجد حديثا ثريا عن أسرار اللغة الشعرية عند القباحي وقراءات للكثير من النصوص الشعرية التي جاءت لتؤكد على تفرد نصوص شاعرنا، وخصوصية وتفرد لغته وتراكيبه وجمله.
وقد تأثر الشاعر حسين القباحي في نتاجه الشعري بمعالم تلك الحضارة التي نشأ بين جنباتها، في مدينته الأقصر – عاصمة مصر القديمة – إلى جانب تعلمه للقرآن الكريم، في سن مبكرة، وقاده ذلك لحفظ أشعار بعض كبار الصوفية، مثل سيدي أحمد الدردير وابن الفارض وابن عربي والإمام الشافعي.
وشارك القباحي خلال مسيرته الإبداعية في مهرجانات ومؤتمرات وملتقيات شعرية وثقافية في الكثير من بلدان عالمنا العربي، مثل الإمارات والعراق وسوريا والمملكة العربية السعودية، وقد نال جوائز وتكريمات عدة بينها جائزة رابطة الأدب العربي، وجائزة الروائي المصري بهاء طاهر، فيما نشرت قصائده في مختلف المجلات والدوريات الثقافية المصرية والعربية.
وكان له إسهامه في تأسيس مجلة “سنابل” الثقافية التي أطلقها نادي الأدب في مدينة الأقصر، وتولي الأمانة العامة لمهرجان طيبة الثقافي الدولي طوال دورات متعددة.
حجاج سلامة
كاتب مصري