افاميه Apaméeمدينة أثرية في سورية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • افاميه Apaméeمدينة أثرية في سورية


    افاميه

    Apamea - Apamée

    أفامية

    أفامية Apamea مدينة أثرية في سورية تقع في حوض نهر العاصي الأوسط على مسافة 55كم شمال غربي حماه، وإلى جوارها حصن قديم حمل اسمها ويعرف اليوم باسم قلعة المضيق.
    لمحة تاريخية
    كانت أفامية المدينة الثانية في سورية بعد أنطاكية طيلة العصرين الهلنستي والروماني. أسسها الملك سلوقس الأول نيكاتور Seleukos Nikator في عام 300ق.م وسماها باسم زوجته أبامه Apame وجعل منها العاصمة الحربية للامبراطورية السلوقية التي امتدت من الهند شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً، حيث كان يعسكر فيها القسم الأكبر من الجيش السلوقي وفيلته الحربية المشهورة التي وصل عددها إلى 500فيل هندي، كما كان يرتع في سهولها 30ألف فرس و300حصان حربي. وقد حافظت المدينة وقلعتها الحصينة على هذه المكانة العسكرية المتميزة عبر تاريخها الطويل وكانت قاعدة انطلاق الجيوش السلوقية في حروبها ضد البطالمة، كما جرى فيها العديد من وقائع الحروب الأهلية الرومانية في القرن الأول ق.م وكان لها دور مهم في الحروب الرومانية الفارسية.
    كانت أفامية تشكل مع أنطاكية وسلوقية (السويدية اليوم) واللاذقية المدن الرئيسة الأربع في سورية السلوقية Tetrapolis التي عرفت بالمدن الشقيقة كما يظهر على النقود التي سكتها في منتصف القرن الثاني ق.م.
    نالت في عهد أنطيوخوس الرابع (175-164ق.م) عدة امتيازات ومنها حق سك نقود باسمها. وهكذا بدأت أفامية في إصدار نقودها الخاصة بها ما يزيد على قرنين من الزمن حتى عهد الامبراطور الروماني كلاوديوس (41-54م)، والتي تعكس أوضاعها الإدارية وألقابها والامتيازات التي حصلت عليها في العهود المختلفة وتعد مع النقوش الاغريقية واللاتينية من أهم مصادر المعرفة التاريخية عنها. كانت تتمتع بالحكم الذاتي في العهدين السلوقي والروماني وكان لها مجلسها البلدي وحكامها المحليون وجمعياتها الشعبية وكانت تستعمل التقويم السلوقي في تواريخها الرسمية والبلدية كما عرفت تقاويم أخرى تعبر عن أحداث مهمة في تاريخها.
    كانت أفامية في العهد السلوقي عاصمة ولاية سورية الثانية. زارها عدد كبير من الأباطرة وأغدقوا عليها الكثير من الهبات، كما نالت عناية خاصة من قبل الأباطرة السوريين الذين حكموا روما منذ عهد سبتيميوس سفيروس.
    كما كان لأفامية مكانة دينية مرموقة تمثلت في معبد وحي الإله بعل ـ زيوس Zeus Belos الذي وصلت عبادته مع مواطني افامية المغتربين إلى أقاصي الامبراطورية الرومانية.
    وبعد انتشار الديانة المسيحية يظهر اسم أفامية في قوائم المجامع الكنسية منذ بداية القرن الرابع ثم أصبحت مقراً لأسقفية كبيرة ترعى كثيراً من الكنائس والأديرة.
    كما كانت أفامية مركزاً فكرياً وفلسفياً مشهوراً أنجبت العلامة الكبير بوسيدونيوس الأفامي[ر] من زعماء الفلسفة الرواقية واشتهرت كذلك بمدرستها الأفلاطونية الجديدة التي برز فيها عدد من كبار فلاسفتها.
    كما كان لأفامية أهمية تجارية كبيرة جاءت من غناها بالموارد الطبيعية واتساع اقليمها ووقوعها على تقاطع طرق مواصلات مهمة.
    وقد انتشر تجارها في كافة أرجاء العالم الهلنستي والروماني وتركوا آثارهم وجودهم ونشاطهم في إيطالية وإسبانية وبلاد الغال وسواها.
    كانت أفامية مدينة مزدهرة تعج بالسكان في العصر الروماني وطبقاً لإحصاء أجراه والي سورية سنة 6-7 ميلادية وصل عدد سكان أفامية الأحرار إلى 117 ألف رجل، أي أنه كان يسكن المدينة وضواحيها آنذاك ما يقرب من نصف مليون نسمة.
    وقد استمر ازدهارها حتى القرن السادس عندما اقتاد قائد كسرى (292) ألف أسير من سكانها خلال غزو الفرس لها في عام 573م.
    ثم وقعت المدينة في أيدي الساسانيين عندما احتلوا سورية (613-628م) حتى استعادها هرقل وبقيت تحت حكم الروم إلى أن فتحها العرب المسلمون صلحاً في عام 640م على يد أبي عبيدة بن الجراح. وفي سنة 1106م سقطت أفامية بيد الفرنجة الصليبيين بقيادة تنكريد وظلت في حوزتهم إلى أن حررها نور الدين زنكي عام 1149م.
    حملت المدينة خلال تاريخها الطويل أسماء مختلفة مقدونية وفارسية ورومانية. فقد أطلق المقدونيون الأوائل على هذا الموقع اسم بلا Pella وهو اسم عاصمة مقدونية. وعندما حولها سلوقس إلى مدينة دعاها باسم زوجته الفارسية كما أنها حملت اسم كلاودية أفامية تعظيماً للامبراطور كلاوديوس.
    ويذكر المؤرخ الأنطاكي يوحنا ملالاس أنه كان يقوم على أرض أفامية قبل تأسيسها قرية تدعى فرناكة Pharnake. وقد عثر على نقش هيروغليفي ـ حثي من القرن التاسع ق.م يتحدث فيه ملك حماه عن إقامته نصباً للإله بعلات في هذا الموقع ولكنه لا يذكر اسمه. كما أن وثائق أوغاريت وألالاخ ورسائل تل العمارنة تتحدث عن مملكة كنعانية قامت هنا في أواسط الألف الثاني ق.م وعرفت باسم نيا (نعيا Naya) وكل ذلك يدل على أهمية موقع أفامية وقدم استيطانها. لقد ورد ذكر أفامية في مؤلفات كثير من المؤرخين والجغرافيين والرحالة الإغرريق والرومان والعرب. وهي تعرف باسم «أفامية العاصي» تفريقاً لها عن عدة مدن حملت الاسم ذاته.
    كما ترد في المصادر العربية أيضاً بصيغة «فامية»، من دون همزة. وقد وصفها المؤرخ أبو الفداء في«تقويم البلدان» أنها:
    كانت مدينة عظيمة قديمة على نشز من الأرض، ولها بحيرة حلوة يشقها النهر المقلوب (العاصي). وقال عنها ياقوت الحموي في «معجم البلدان» إنها مدينة حصينة من سواحل الشام وكورة من كور حمص.
    تعرضت أفامية في تاريخها الطويل لعدد كبير من الهزات الأرضية المتتالية وخاصة في القرن السادس (526 و528 و577 و588 و599م) ومع ذلك فقد كانت تنهض من جديد. ويعتقد الباحثون أن المدينة قد هجرت أثر الزلزال العنيف الذي ضربها سنة 522هـ/1157م ولم يبق منها إلا على قلعتها التي عاد إليها السكان بعد ترميمها من قبل نور الدين زنكي. وظل حجم المدينة يتقلص تريجياً في العصور التالية إلى أن اندثرت معالمها وانطفأ ذكرها في العهد العثماني ولم يبق سوى أطلالها، أما القرية الحالية فتعرف باسم قلعة المضيق منذ القرن السادس عشر في أحسن تقدير.
    الكشف الأثري وأهم المعالم
    خبا ذكر أفامية بعد أن غيبتها الزلازل في الأرض سنين طويلة، ثم عاد إلى الظهور في القرن التاسع عشر على يد رحالة ومؤرخين أجانب وعرب. فقد زارها ك. نيبور C.Niebuhr في عام 1766، ورادها J.L.Burkhard بور كهارد عام 1812، وأقر الاثنان بوجود هذه المدينة إلى الشرق من قلعة المضيق ولكنهما لم يتمكنا من تحديد اتساعها. وفي عام 1846 زار الموقع عالم الآثار طومسون W.Thomson فكان أول من عرّف الناس واقعياً بهذه الأطلال المتسعة. وتوالت بعد طومسون زيارات الرحالة والمنقبين، وعاد اسم أفامية إلى صفحات الكتب من جديد، ولاسيما في كتابات العلماء الآثاريين المتخصصين الذين نشروا بعض النقوش التي عثروا عليها في زياراتهم المتكررة لهذه المدينة. وقد عمل هؤلاء العلماء ببين عامي 1880 و1952 على تأسيس النواة الأولى لمجموعة الكتابات الإغريقية واللاتينية في أفامية.
    الشارع المستقيم الرئيسي في أفامية
    ترأس البعثة الأولى فرناند مايانس F.Mayence مدير المتاحف الملكية للفن والتاريخ في بروكسل ببلجيكة، وعملت هذه البعثة في أفامية ما بين عامي 1930 و1938 فكشفت عن عدد من المباني المهمة، وعثرت على مجموعة من التحف، فضلاً عن الكثير من الألواح الفسيفسائية الرائعة. وتوقفت أعمال هذه البعثة في بداية الحرب العالمية الثانية التي جلبت معها الدمار والحرائق إلى أوربة، ففقد رئيس البعثة في حريق جامعة لوفان الذي حصل عام 1944 جزءاً مهماً من مذكراته التي عاد بها من أفامية. كما دمرت بعض آثارها المحفوظة هناك.
    تألفت على إثر ما حدث، بعثة أخرى برئاسة H.Lacoste هنري لاكوست، عملت في الموقع في موسمي 1947 و1953. ومضت بعد ذلك أكثر من عشر سنوات على آخر تنقيب تم في أفامية قبل أن تعود الحفريات منتظمة منذ عام 1965، وتولتها بعثة بلجيكية جديدة مازالت تعمل في هذه المواقع حتى اليوم بالاشتراك مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في الجمهورية العربية السورية وبإشرافها.
    يرأس البعثة البلجيكية جان شارل بالتي J.Ch.Balty مدير فرع أفامية في متاحف الفن والتاريخ الملكية في بروكسل، وقد نقبت هذه البعثة في المواسم الماضية في بعض المواقع، كما قامت بالتنقيب في بعض المواقع الجديدة ومنها المسرح، والكاتدرائية الشرقية، وقصر الحاكم المسمى «تريكلينوس»، وسوق المدينة، وعدد من البيوت البيزنطية.
    كذلك عملت في موقع أفامية بعثة سورية وطنية بإدارة عبد الرزاق زقزوق تركزت أعمالها في السفح الجنوبي من تل قلعة المضيق، وقد عثر فيه على لقى تثبت أنه كان مأهولاً منذ الألف الرابع قبل الميلاد. كما كشفت البعثة الوطنية عن جزء كبير من الحمام الروماني الواقع في القسم الشمالي من أفامية، وهو يرقى إلى بداية القرن الثاني الميلادي (116-117م)، كما كشفت عن ستة كيلومترات من سور أفامية البالغ طوله سبعة كيلو مترات، وباشرت فيه أعمال الترميم، وكشفت أيضاً جزء من الشارع الرئيسي الممتد من الشمال إلى الجنوب وطوله 1850 متراً، وأعادت بناء قسم كبير من أعمدته المنهارة. كما أعيد ترميم عدد من واجهات الحوانيت خلفها.
    يحتوي موقع أفامية على سويات ترقى إلى العصور الهلنستية والرومانية، والبيزنطية والإسلامية.
    الأعمدة الحلزونية في أفامية
    تتوضع الأطلال الرئيسة لهذه المدينة على الهضبة الواقعة إلى الشرق من قرية قلعة المضيق الحالية. وتوجد فيها مخلفات بشرية ترقى إلى العصر الحجري الوسيط وما بعده عثر عليها في منطقة الأكروبول (القلعة الحالية)، والسفح الشمالي للأخدود المواجه له، فضلاً عن انتشار سكاني زراعي يرقى إلى العصر الحجري الحديث. وهناك مستوطن ذو طبقات متعاقبة يرقى إلى العصر البرونزي أثبتته حفريات أجريت منذ عام 1970 وكشفت عن لقى فخارية عدة ومدافن غنية، وهذا ما يدفع الباحثين إلى الترجيح بأن لهذا الموقع علاقة وثيقة باسم «نعيا»التي ورد ذكرها في النصوص الحثية والأكدية والمصرية المتأخرة.
    إن من أهم معالم أفامية الأثرية سورها الذي يرقى إلى العصر الهلنستي، واستخدام أساسات للأسوار الرومانية والبيزنطية اللاحقة. وتقوم مديرية الآثار والمتاحف السورية بترميمها من جديد.
    ومن معالم أفامية المهمة الأخرى الشارع الرئيسي Cardo الذي يخترق المدينة من الشمال إلى الجنوب وطوله 1850متراً وعرضه 37.5م، وتقع قرب البوابة الشمالية أقدم أجزاء هذا الشارع، ويرجع تاريخه إلى سنة 116 أو 117م في حين يوجد في وسطه قسم آخر ذو أعمدة حلزونية يرجع تاريخه إلى نحو 166م.
    وإلى الشرق من القسم الشمالي من الشارع حمام متسع بأقسامه الباردة والساخنة بني في عام 116 أو 117م.
    أما السوق المركزية Forum التي تتوسط المدينة وتقع غرب الجزء الأوسط من الشارع فيمكن إرجاعها إلى زمن حكم الامبراطور هادريان (117-138م).
    وعلى جانبي الشارع العرضي الذي يقطع المدينة من الشرق إلى الغرب (دوكومانوس)، تقع منطقة حفريات واسعة تضم أجزاء رئيسة من المدينة هي:
    ـ التريكلينوس: وهو قصر الحاكم، ويضم عدداً وافراً من الغرف والقاعات، بعضها مرصوف بالفسيفساء، ومن أهمها فسيفساء الأمازونات المعروضة في متحف أفامية.
    ـ الكاتدرائية: وتقع إلى الشرق من قصر الحاكم، وتضم الكنيسة الرئيسة وقصر الأسقف، وحمامات ومكاتب وكنائس صغيرة، ولقد كان مخطط الكنيسة الرئيسة ذو الحنيات الأربع مصمماً طبقاً لأهميتها السابقة، فقد كانت المكان المقدس لحفظ الصليب الحقيقي الذي صلب عليه المسيح ومنح أفامية شهرتها. وكانت زخارف الكاتدرائية رائعة، وعثر فيها على فسيفساء مهمة ترمز على الأرحج إلى الجدل اللاهوتي الذي عم القرن السادس الميلادي, وتذكر اسم الأسقف بول رئيس أساقفة أفامية.
    ـ مجموعة بيوت واسعة ترقى إلى العصر البيزنطي، وأكثرها شهرة «البيت ذو القناصل» أي حاملات التماثيل، ويمكن إرجاع هذا المبنى إلى السنوات الأخيرة من الحكم البيزنطي أي قبيل خضوع أفامية للعرب عام 638م.
    ـ كنيسة مستديرة الشكل Rutonda وهي إحدى كنائس القرن السادس الميلادي، لكن مخططها غير مشابه للعمارة المسيحية المبكرة في بلاد الشرق.
    ـ المسرح: ويقع في القسم الغربي من المدينة ويرقى إلى أواخر القرن الثاني الميلادي، وقد بني على حافة مرتفع صخري مواجه للأكرويول أي قلعة المضيق الحالية.
    إن القرية الحالية تشغل القلعة، وما تزال أجزاء كثيرة من أسوارها التي ترقى إلى العصور الوسطى قائمة إلى اليوم، وفي منتصف المنحدر الهابط منها اتجاه الوادي جامع عثماني صغير، ولهذا الجامع علاقة بخان الحجيج الذي يقع في أسفل المنحدر على الطريق الآخذة إلى جسر الشغور، وكلاهما (المسجد والخان) يرقيان إلى بداية القرن السادس عشر الميلادي. وقد قامت مديرية الآثار بترميمهما وإعادتهما إلى ما كانا عليه سابقاً، واستخدم الخان متحفاً لموقع أفامية الأثري يضم في ثناياه أهم الكشوفات الأثرية في أفامية ولاسيما الألواح الفسيفسائية، وقد تم افتتاحه في تشرين الثاني من عام 1982م، كما تم ترميم الطاحونة العثمانية على الضفة الغربية لبحيرة أفامية.
    عبد الرزاق زقزوق، محمد الزين

يعمل...
X